المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الزکاه المجلد 3

اشارة

سرشناسه : روحانی، محمد، 1376 - 1298

عنوان و نام پديدآور : المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الزکاه/ تقریرا لابحاث محمد الحسینی الروحانی؛ [تصحیح] محمدصادق الجعفری

مشخصات نشر : تهران: موسسه الجلیل للتحقیقات الثقافیه، 1418ق. = - 1376.

مشخصات ظاهری : ج 14

فروست : (دار الجلی؛ 48، 36)

شابک : 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 1964-5972-24-8 ؛ 2964-5972-16-7

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : کتاب الزکاه

موضوع : زکات

شناسه افزوده : جعفری، محمدصادق، مصحح

رده بندی کنگره : BP188/4/ر9م 4 1376

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : م 77-7278

[كلمة التقديم]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الّذي نحمده على السّراء و الضّراء، و نضرع إليه فى الشدّة و الرخاء، و نسأله اليسر بعد العسر، و الفرج بعد الضرّ، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون في كلّ مصيبة أصابتنا.

و نصلّي و نسلّم على سيّد رسله و خاتم أنبيائه محمّد و آله الطيّبين الطاهرين الأئمّة المعصومين، الذين هم نعم العزاء لنا في كلّ فادحة، و خير أسوة و سلوة في كلّ مصيبة.

و لعنة اللّه على اعدائهم أجمعين الّذين بهم بدأ الشرّ و انتشر، و على أيديهم دام حكم الجور و استمرّ، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

*** و كان من قضاء اللّه الّذي لا رادّ لقضائه أن اكون أنا الّذي انعى كلا العلمين الّذين تألّف هذا الكتاب من دورس أحدهما الّتي ألقاها علينا و كتابة الآخر، و الّذين كنت اعتزّ بأوّلهما الّذي كان لي و لشقيقي الراحل استاذا بارّا و معلّما عطوفا علّمني و فقّهني بدروسه، و أبا رءوفا ثقفني و هذّبني بصحبته الّتي امتدّت أكثر من ثلاثة عقود من سنى عمري. نعم، قدّر لي أن أنعى سيّدي الاستاذ،

رضي اللّه عنه و أرضاه، صاحب هذه البحوث الفقهيّة الّتي هي إحدى حلقات دروسه الّتي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 8

كان يلقيها صباحا و مساء، علينا نحن تلامذته و ابناؤه فى الفقه و الاصول، سواء الّذين اقرّوا له بهذا الفضل أو أخفوه او أخفيت لهم لحاجة في نفسوهم قضوها، أو في نفوس الآخرين.

و أن أنعى شقيقى العلّامة الجعفري، تغمّده اللّه برحمته الّذي دوّن دروسه و حوّلها من علم مسموع إلى كتابة يقرؤها القريب و البعيد، قدّر لي أن أنعاهما معا في مفتتح الجزء الثّالث من كتاب الزّكاة.

استأثر اللّه بالاستاذ عند ما بدئ بطبعه، و بالتلميذ المقرّر، و الكتاب قد كمل طبعه إلّا لمسات يسيرة، و لم يقدّر لهما أن يرياه، في حياتهما هذه الدنيا، و قد نجز طبعه، و أرجو اللّه سبحانه أن يسرّهما، و هما قد حضيا بلقاء ربّهما، بما يجعل اللّه فيه الخير الكثير لطلّاب العلم و المتفقّهين فى الدّين، و أن ينفع به و بأمثاله من الآثار العلميّة الّتي خلّفها سيّدي الاستاذ النّفع العام الشّامل، سواء الّذي دوّنه شقيقي العلّامة الجعفري، أو الّذي خلّفه أخي العلّامة الشهيد السيّد عبد الصاحب الحكيم، الّذي فجعت به و بأخوته و آله البررة قبلهما، اسكنهم اللّه فسيح جنّته و واسع رحمته و مغفرته، و أخذ بالقتلة و الأعوان، و الحماة و الأنصار أخذ عزيز مقتدر، و سيجمع اللّه بين أولئك و هؤلاء يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللّعنة، و لهم سوء الدار.

*** و من الفرض عليّ أن المّ بالحياة العلمية لسيّدي الاستاذ و لو بعرض موجز، و بترجمة لشقيقي العلّامة الجعفري و آثاره و لو بترجمة قصيرة، و لكنّي

الآن و أنا أقرب ما اكون إلى سكنى القبور بجسمي بعد أن قاربت السّبعين، و أبعد ما أكون عن الاستعداد للعرض على اللّه، فإن عاملني بمغفرته و رحمته فنعم الربّ الرءوف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 9

الرحيم، و ان أخذني بأعمالي فنعم الحكم العدل، و للّه الأمر من قبل و من بعد.

أقول: أنا و الحال هذه، و قد ضاعف من عجزي و ضعفي ما المّ بي من هذين الحادثين الفادحين، اللّذين أخذا مني الجناحين الّذين كنت أجد في نفسي ان أحدهما كاف للنّهوض بي إن قصّ جناحاي، فكيف و قد أخذا معا منّي، و لكنّ الأمل باللّه وحده على كلّ حال، و علمه الاتّكال، و بقي لي أن أنعاهما معا، و بقي لي أن اعترف بالعجز عن كلّ من الأمرين، عن الترجمة الّتي تؤدّي بعض حقوق سيّدي الأستاذ، و الترجمة لشقيقي العلّامة الجعفري فأعتذر إلى الكرام عذر قاصر لا مقصّر، عاجز لا متعاجز، و أرجو منهم قبول العذر و غفران العجز و الضعف، و حسبي في ذلك أن أكون أنا الّذي انعاهما معا لم نفصل بين فقدهما إلّا عام واحد، و لم يجمع بين نعييهما إلّا مناسبة واحدة، فقد استأثر اللّه بسيّدي الأستاذ في شهر ربيع الاوّل من العام الماضي سنة 1418 ه ق و بشقيقي في جمادى الأولى من العام الحالي، عام 1419 ه. ق.

و قد كانت منيّة كلّ منهما مشابهة لمنيّة الآخر في ظروفها و ملابساتها، فقد فاجأهما الموت بغير سابق إنذار، و كانت اللحظات الظرف الزمني الّذي ظهرت فيه علامة الموت، الغامضة و الواضحة، فالموت السّريع، و هذا ما يجعل النّفس تذهب في تفسير ذلك كلّ مذهب،

معقول و غير معقول، مقبول و مردود. و اللّه سبحانه هو الّذي يحكم بين عباده يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، فإلى اللّه المشتكى، و عليه المعوّل فى الشدّة و الرخاء، و نضرع إليه عزّ و جلّ أن يجعل نفوسنا تأخذ بالظنّ الحسن دون سيّئه، و تمتلئ بالمحبّة و الألفة دون البغضاء و الشنئان.

***

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 10

و بعد، فلم يكن الّذي قلته إلّا نفثة مصدور، و آهة مفجوع موجوع، أرجو- بعد اللّه سبحانه و أوليائه الطاهرين، صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين- أن يسلّيني و يعزّيني فيها كلّ صديق، أنا و كلّ من اصيب بهذين المصابين، و فيهم من هم أقرب و أمسّ، و أن يغفرها لي كلّ من لا يجد الحاجة إلى ابداء ذلك. و لي في هذه الشهور الّتي تخصّ سيّدة نساء العالمين الصّديقة الطاهرة، سلام اللّه عليها، و الّتي تعبد إلينا نحن شيعتها ذكرى آلامها و أحزانها، و ما أصابها و أدّى إلى استشهادها، و هي في مقتبل عمرها، خير عزاء و سلوان، و من اللّه اسأل و إليه أبتهل، أن يتغمّد اللّه الفقيدين برحمته، و أن يلهم ابناءهما و آلهما و ذويهما الصبر، و أن يجعل لهم في ذلك الأجر فى الدنيا و حسن ثواب الآخرة، إنّه نعم المولى و نعم النصير.

محمد رضا الجعفري الثلاثاء 1/ ج 2/ 1419 30/ 6/ 1376

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 11

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

أحمده حمد المستعين بقدرته، و أشكره شكر المستزيد لنعمته، و أصلّي و أسلّم على محمّد سيّد بريّته، و على وصيّه سيّد عترته، و الأئمّة المعصومين من ذريّته، و اللعن

على ناصبي العداوة لهم من شرار أمّته.

و بعد، هذه هي الصحيفة الثالثة الّتي- بحمد اللّه و منّه- ما سبقتها، و هي- كأخواتها- حصيلة توفيقي للمشاركة فى المحاضرات الّتي ألقاها سماحة سيّدنا الأستاذ المعظّم طيّب اللّه ثراه، و جعل الجنّة مستقرّه و مأواه، في بلد باب مدينة علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حاضرة علوم الإسلام، و جامعة الشيعة الكبرى، النجف الأشرف. و قد نشرت كما كانت سطرت في حينها دون أن اوفّق للمقارنة بينها و بين ما كان قد استجدّ لسيّدنا الاستاذ طاب ثراه من رأي و نظر حول بعض المسائل، و قد كنت أوكلت- في مقدّمة الجزء الثاني- تحقّق أمنيّاتي و أمالي إلى مشيئة اللّه عزّ و جلّ فى المستقبل، و ما كنت اظنّ أن تقديره تعالى سوف يسبق تدبير عبده، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، و الحمد للّه الّذي لا يحمد على مكروه سواه.

محمد صادق الجعفري 27 صفر الخير 1419 ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 13

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[فصل في بقيّة أحكام الزكاة]

اشارة

[فصل] في بقيّة أحكام الزكاة و فيه مسائل:

[الأولى: الأفضل- بل الأحوط- نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع الشرائط في زمن الغيبة]

الأولى: الأفضل- بل الأحوط (525)- نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع الشرائط في زمن الغيبة، لا سيّما إذا طلبها، لأنّه أعرف بمواقعها.

______________________________

(525) نسب «1» إلى المفيد «2» و الحلبي «3» قدّس سرّهما: وجوب الدفع إلى الإمام عليه السّلام مع

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 222، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 417، ط النجف الأشرف.

(2)- المفيد، محمّد بن محمّد: المقنعة، ص 252، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(3)- الحلبي، تقي الدين: الكافى، ص 172، ط مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام العامّة، أصفهان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 14

لكن الأقوى عدم وجوبه (526)

______________________________

حضوره، و إلى الفقيه الجامع الشرائط مع غيبته، و إلى ابن زهرة «1»: الاقتصار على وجوب الدفع إليه عليه السّلام مع حضوره. و عن القاضي «2»: وجوب الدفع إلى الإمام عليه السّلام عند ظهوره، و في غيبته يجوز للمالك التصدّي لتفريق الزكاة، و ستأتي الإشارة إلى ما يمكن أن يستدلّ به للوجوب، مع ما يرد عليه من المناقشة، عند تعرّض المصنّف قدّس سرّه له قريبا، إن شاء اللّه تعالى.

و حيث أنّ الصّحيح- كما قوّاه المصنّف قدّس سرّه أيضا- هو عدم الوجوب، فالقول بالاستحباب مبنيّ على ثبوت قاعدة التسامح، ثمّ تعميمها لفتوى الفقيه أيضا، لفتوى جمع من الفقهاء بالاستحباب، و كلاهما محلّ المنع، و حينئذ فالأحوط استحبابا إنّما هو الدفع إلى الفقيه في زمن الغيبة.

(526) كما هو المشهور «3»، و ذهب بعضهم- كما أشرنا إليه- إلى وجوبه. و قد استدل له بوجهين:

الأوّل «4»: قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ

صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... «5»، فإنّ وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع لا محالة.

______________________________

(1)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 568 (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، الحجريّة.

(2)- القاضي، عبد العزيز: المهذّب، ج 1: ص 171، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12، ط النجف الأشرف- العراق.

(4)- المفيد، محمد بن محمد: المقنعة، ص 252، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(5)- التوبة، 9: 103.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 15

..........

______________________________

الثاني «1»: سيرة النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و كذلك سيرة مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة و السّلام حيث قد جرت على إرسال عامل الصدقات و جباية ما يكون منها فى النواحي، و كان عليه السّلام قد سنّ لهم آدابا و أحكاما في كيفيّة جبايتهم، كما في «نهج البلاغة» «2».

أمّا الآية الكريمة، فقد اجيب «3» عن الاستدلال بها، بعدم معلوميّة ورودها فى الزّكاة، لاحتمال أن يكون المراد بالصدقة فيها هي الكفّارة، الّتي جاء بها المتخلّفون عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقد روي عن ابن عبّاس أنّه قال: «جاءوا بأموالهم- يعني أبا لبابة و أصحابه- حين أطلقوا، فقالوا: يا رسول اللّه، هذه أموالنا فتصدّق بها عنّا و استغفر لنا، قال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فانزل اللّه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً ... «4»»، و يشهد بذلك: إضافة التزكية و التطهير فى الآية الكريمة إلى الأشخاص، و مع احتمال هذا المعنى- و إن كان هناك من الروايات «5» ما يدلّ على ورودها فى الزكاة- يسقط الاستدلال بها، كما لا يخفى.

و أمّا السّيرة، فمن الممكن أن يقال فيها: إنّ ذلك إنّما كان من شئون

قيام الحكم الإسلامي، و أنّه إنّما كان يجب على المسلمين دفع الزكاة إلى وليّ الأمر،

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12، ص: 222، ط النجف الأشرف، النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15، ص: 416، ط النجف الأشرف.

(2)- نهج البلاغة، الوصيّة رقم 25 [و] عهده عليه السّلام، رقم 26.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 418، ط النجف الأشرف.

(4)- الطبري، محمّد بن جرير: جامع البيان، ج 11: صص 13- 14، افست طبعة بولاق؛ الفخر الرازي: التفسير الكبير، ج 16: ص 178، افست دار الكتب العلميّة.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 16

..........

______________________________

لا مطلق الإمام عليه السّلام، كما يشهد بذلك خبر جابر قال: أقبل رجل إلى ابي جعفر عليه السّلام- و أنا حاضر- فقال: رحمك اللّه، اقبض منّي هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها، فإنّها زكاة مالي، فقال أبو جعفر عليه السّلام: «بل خذها أنت فضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين، و في إخوانك من المسلمين، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا، فإنّه يقسّم بالسوية، و يعدل في خلق الرحمن، البرّ منهم و الفاجر ... «1»».

و استدلّ للمشهور بوجوه:

الأوّل: الأصل، لكون المورد من موارد الدوران بين التعيين و التخيير، فينفى خصوصيّة التعيين بالأصل. فتأمّل «2».

الثاني: مطلقات باب الزكاة، و لا مجال للاستدلال بها، إذ ليس لنا في هذا الباب من المطلقات ما يكون دالّا على ذلك، فإنّها بين ما يكون في مقام بيان أصل التشريع، و بين ما يكون في بيان تعيين مصرف الزكاة و غيرها من الخصوصيّات،

و ليس فيها ما يكون مسوقا لبيان هذه الجهة، كما لا يخفى.

الثالث: قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... «3». و لا يخفى ما فى الاستدلال بذلك، لورود جملة من الروايات في تفسير الآية الكريمة و قد دلّت على أنّها في غير الزّكاة، ففي موثق

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: المستحقين الزكاة، ح 1.

(2)- لعلّ الوجه فيه: أنّ المورد من مصاديق دوران الأمر بين التعيين و التخيير في مقام الإطاعة و الامتثال، كما في دوران الأمر بين تعيّن الإطاعة التفضيليّة مع الإمكان أو التخيير بينها و بين الإطاعة الإجماليّة، و الأصل في مثله يقتضي التعيين، كما حقّق ذلك في بحث الأصول.

(3)- البقرة، 2: 271.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 17

..........

______________________________

اسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في قول اللّه تعالى: وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ- فقال: «هي سوى الزكاة، إنّ الزكاة علانية غير سرّ «1»»، و نحوه: مرسل ابن بكير «2»، و المفيد فى «المقنعة «3»»، و رواية العياشي عن الحلبي «4».

و الإنصاف: الاستدلال له بالروايات الكثيرة الواردة في أبواب مختلفة، كخبر الوابشي «5» في جواز شراء الأب المملوك من الزكاة»، و ما ورد في شراء العبيد المسلمين تحت الشدّة «6»، و ما ورد في جواز قضاء الدين من الزكاة اذا لم يكن قد صرفه فى المعصية «7»، و كذلك النصوص الواردة في جواز الاعطاء بحدّ الاغناء «8»، و ما ورد في جواز اعطاء الزكاة للأقارب و استحباب تفضيل بعضهم على بعض «9»، و ما ورد في جواز قضاء دين

الأب و نحوه من واجبي النفقة من الزكاة «10»، و ما ورد في جواز تفضيل بعض المستحقّين على بعض «11» و غير ذلك، ممّا هو مورث للقطع بالحكم، بل إنّ جملة منها صريحة الدلالة على ذلك، فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 54: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر، ح 9.

(5)- المصدر، باب 19: المستحقين الزكاة، ح 1.

(6)- المصدر، باب 43: المستحقين للزكاة.

(7)- المصدر، باب 46: المستحقين للزكاة.

(8)- المصدر، باب 24: المستحقين للزكاة.

(9)- المصدر، باب 15: المستحقين للزكاة.

(10)- المصدر، باب 18: المستحقين للزكاة.

(11)- المصدر، باب 25: المستحقين للزكاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 18

فيجوز للمالك مباشرة- أو بالاستنابة (527) و التوكيل- تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها.

______________________________

(527) قد يقال: إنّ الزكاة من الأمور العباديّة و الاستنابة فيها على خلاف القاعدة و يحتاج ذلك إلى دليل، و أنّ هذا هو الموجب لتعرّضه قدّس سرّه للفرع المذكور.

و لكن الظاهر عدم الإشكال في ذلك، لجملة من النصوص الدالّة على ذلك، كصحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فى الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها، قال: «يجري له مثل ما يجري للمعطى و لا ينقص المعطي من أجره شيئا «1»»، و موثق ابن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّن يلي صدقة العشر (على) من لا بأس به، فقال: «إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها «2»»، و موثق سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها بين أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟

قال: «نعم، «3»» و

مصحح الحسين بن عثمان عن أبي ابراهيم عليه السّلام، في رجل أعطي مالا يفرّقه فيمن يحل له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي لغيره «4»». و ظاهره أنّ المال من الزكاة، كما لا يخفى. و مصحّح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعطي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 35: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، باب 40: المستحقين للزكاة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 19

نعم، لو طلبها الفقيه (528) على وجه الإيجاب، بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيّات الموجبة لذلك شرعا، و كان مقلّدا له، يجب عليه الدفع إليه، من حيث أنّه تكليفه الشرعي، لا لمجرّد طلبه، و إن كان أحوط، كما ذكرنا.

______________________________

الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة؟ قال:

«لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطى غيره ... «1»».

و الوجه في دلالة الأخبار المذكورة على جواز الاستنابة ظاهر، حيث إنّها ممّا اخذت مفروغا عنها في جملة منها، فكأنّ جواز ذلك في نظر الرواة كان من المسلّمات و الإمام عليه السّلام أيضا قرّرهم على ما هم عليه من الرأي و العقيدة.

مضافا إلى أنّ موثّق ابن يقطين لعلّه ممّا يدلّ على ذلك بصراحة كما لا يخفى.

(528) فروض المسألة ثلاث:

الأوّل: أن يكون طلب الفقيه من باب الفتوى، لكونه- حسب اجتهاده- قد توصّل إلى وجوب دفع الزكاة إلى الإمام عليه السّلام أو نائبه، كما هو مذهب المفيد و الحلبي قدّس سرّ هما، على ما تقدّم.

و لا ينبغى الإشكال- حينئذ- في وجوب الدفع إليه- حينئذ- على خصوص مقلّديه، كما هو ظاهر.

الثاني: أن يكون طلبه من باب الحكم الشخصي، بمعنى: كونه يرعى أمور جملة من مستحقّي الزكاة- كالمرجع الّذي يرعى شئون الحوزة العلميّة في مثل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 20

بخلاف ما إذا طلبها الإمام عليه السّلام في زمان الحضور، فإنّه يجب الدفع إليه بمجرّد طلبه، من حيث وجوب طاعته في كلّ ما يأمر (529).

______________________________

زماننا، فيطلب الزكاة من الملّاك لا من جهة أنّه يفتي بوجوب الدفع إلى الفقيه، بل من جهة أنّه شخصا قد تصدّى لرعاية شئون الحوزة العلميّة مثلا، فيرى لزاما على نفسه- بحسب رأيه الشخصي- جلب الصدقات و الوجوه البريّة إلى نفسه، لتأمين الغرض المذكور. و الظاهر إنّه لا دليل على وجوب الدّفع إليه حينئذ، إذ لا دليل على وجوب متابعة الفقيه في أحكامه المبتنية على المصالح الشخصيّة، دون المصالح العامّة. و لا يخفى أنّا لا نقصد بالمصالح الشخصيّة المصالح غير المشروعة الناشئة عن دواعى الهوى، بل المقصود بها المصالح المشروعة، و لكن لا من حيث اقتضاء الصالح العام بل الصالح الشخصي، مع كونه مشروعا أيضا.

الثالث: الطلب بنحو الحكم من جهة اقتضاء المصلحة العامّة، كما إذا اقتضت المصلحة العامّة دفع الزكاة إلى الفقيه فحكم بذلك، و لا ينبغى الإشكال حينئذ في نفوذ حكمه على من يرى- اجتهادا و تقليدا- نفوذ حكم الفقيه في أمثال هذه الموارد و إن لم يكن مقلّدا له. نعم، لا اشكال في أن الدفع إليه فى الفرض الثاني أحوط، كما فى المتن.

(529) لإطلاق قوله تعالى: أَطِيعُوا اللّٰهَ

وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... «1».

______________________________

(1)- النساء، 4: 59.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 21

[الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية]

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية، بل يجوز التخصيص ببعضها (530)؛ كما لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت، و لا مراعاة أقلّ الجمع الذي هو الثلاثة، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد، من صنف واحد.

______________________________

(530) الظاهر كونه ممّا لا خلاف فيه «1»، بل الإجماع بقسميه عليه «2»، و فى «التذكرة»: نسبته إلى علمائنا أجمع أهل «3»، و ذهب إليه جمع من علماء العامّة، و بعض ائمّة مذاهبهم «4» و يدلّ عليه: مصحّح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- إنّه قال لعمرو بن عبيد في احتجاجه عليه: «ما تقول فى الصدقة؟ فقرأ عليه الآية: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا إلى آخر الآية، قال: نعم، فكيف تقسّمها؟ قال: أقسّمها على ثمانية أجزاء، فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا، قال: و إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف منهم رجلا أو رجلين أو ثلاثة، جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم، قال: و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال: نعم، قال: فقد خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في كلّ ما قلت في سيرته، كان

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 224، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 428، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 428، ط النجف الأشرف.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: التذكرة، ج 5: ص

336، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 528؛ ابن قدامة المقدسى، محمّد بن أحمد:

الشرح الكبير، ج 2: ص 705.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 22

لكن يستحب البسط على الأصناف (531) مع سعتها و وجوههم،

______________________________

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر فى أهل الحضر، و لا يقسّمها [يقسّمه] بينهم بالسويّة، و إنّما يقسّمها [يقسّمه] على قدر ما يحضرها [ه] منهم، و ما يرى، [و] ليس عليه في ذلك شي ء موقّت موظّف، و إنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم «1»».

و يدلّ عليه- أيضا- ما ورد في شراء العبد من الزكاة «2»، و وفاء دين الأب منها «3».

و ما ورد في تفريق الزكاة بين الجيران و الاقارب «4»، و غير ذلك من الأبواب المتفرقة فى «الوسائل «5»».

(531) و قد وجّه ذلك «6» بعموم النفع، و لمراعاة ظاهر الآية الكريمة. و لا يخفى أنّ ظاهر الآية الكريمة لو كان هو البسط لكان اللّازم هو القول بوجوبه، فانّ ظاهرها الوجوب، و لا يعقل التفكيك فيها بالالتزام بظهورها فى البسط، و عدم الالتزام بظهورها فى الوجوب، و القول باستحباب البسط، كما هو ظاهر. فتأمّل.

و أمّا تعميم النّفع، فهو توجيه للحكم بوجه استحسانيّ لا بأس به، لكن في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، باب 43: المستحقين للزكاة.

(3)- المصدر، باب 18: المستحقين للزكاة.

(4)- المصدر، باب 15: المستحقين للزكاة.

(5)- المصدر، باب 24، 46، 25: المستحقين للزكاة.

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 265،

ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 23

بل يستحبّ (532) مراعاة الجماعة- الّتي أقلّها ثلاثة- في كلّ صنف منهم، حتّى ابن السبيل و سبيل اللّه، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص.

[الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله]

الثالثة: يستحب (533) تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله،

______________________________

نهوضه باثبات الحكم الشرعي- و هو الاستحباب- تأمّلا ظاهرا، كما لا يخفى.

(532) كما عن «الشرائع «1»»، و غيره «2»، للتعبير بلفظ الجمع في كلّ صنف من الأصناف. و أمّا ابن السبيل و سبيل اللّه، فلأجل ورود لفظ الجمع في تفسيريهما، ففي تفسير القميّ «3»: تفسير الأوّل، بأبناء الطريق، و الثاني، بقوم يخرجون إلى الجهاد.

(533) كما في خبر عبد اللّه بن عجلان السّكوني: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي ربما قسّمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ قال: «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل «4»».

هذا، و لا يستفاد من الرواية كون الزيادة بمقدار الفضل، كما عن المصنّف قدّس سرّه.

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 1: ص 165، تحقيق: عبد الحسين محمّد علي.

(2)- المقدّس الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 207، ط قم.

(3)- القمي، عليّ بن إبراهيم: التفسير، ج 1: ص 299، منشورات مكتبة الهدى، النجف.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 25: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 24

كما أنّه يستحب (534) ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب، و أهل الفقه و العقل على غيرهم (535)، و من لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال (536).

______________________________

(534) ففي رواية اسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى عليه

السّلام، قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم، و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتينى إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال: «مستحقون لها؟ قلت: نعم، قال: هم أفضل من غيرهم، أعطهم ... «1»»، و في خبر السكوني عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أىّ الصدقة أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح «2»».

(535) كما دلّ على ذلك خبر عبد اللّه بن عجلان المتقدّم.

(536) كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن الزكاة، يفضّل بعض من يعطي، ممّن لا يسأل على غيره؟ فقال: «نعم، يفضّل الّذي لا يسأل على الّذي يسأل «3»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، باب 20: الصدقة، ح 1.

(3)- المصدر، باب 25: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 25

و يستحبّ (537) صرف صدقة أهل المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء، لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حدّ نفسها، و قد يعارضها- أو يزاحمها- مرجّحات أخر، فينبغي- حينئذ- ملاحظة الأهمّ و الأرجح.

______________________________

(537) و يدلّ على استحباب ما ذكره خبر عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ صدقة الخفّ و الظلف «1» تدفع إلى المتجمّلين من المسلمين، و أمّا صدقة الذهب و الفضّة، و ما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض، فللفقراء المدقعين «2». قال ابن سنان: قلت: و كيف صار هذا هكذا! فقال: لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كلّ صدقة «3»»، و نحوه: ما رواه المفيد في «المقنعة» عن عبد الكريم

بن عتبة الهاشمي «4».

______________________________

(1)- الخفّ- بالضمّ- للبعير و النّعام بمنزلة الحافر لغيرهما. و المراد به هنا: الإبل. و الظلف: ظفر كلّ ما اجترّ، و هو للبقرة و الشاة و الظبي و شبهها بمنزلة القدم للإنسان. و المراد به هنا:

البقرة و الشاة.

(2)- الفقر المدقع: الفقر الشديد المذلّ.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 26: المستحقين للزكاة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 26

[الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به،]

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل (538) من الإسرار به، بخلاف الصدقات المندوبة؛ فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرّا.

[الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي»، أو «لم يتعلّق بمالي شي ء»، قبل قوله، بلا بيّنة و لا يمين]

الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي»، أو «لم يتعلّق بمالي شي ء»، قبل قوله، بلا بيّنة و لا يمين، ما لم يعلم كذبه (539)،

______________________________

(538) كما في حسن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ...- إلى أن قال:- «و كلّ ما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من إسراره، و كلّ ما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه، و لو أنّ رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا «1»»، و موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في قول اللّه تعالى: وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... «2»: «هي سوى الزكاة، إنّ الزكاة علانية غير سرّ «3»»، و نحوهما غيرهما «4».

(539) الظاهر عدم الخلاف فيه «5»، كما يقتضيه خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام، قال: «كان علي عليه السّلام إذا بعث مصدّقه قال له: إذا أتيت على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 54: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- البقرة، 2: 271.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3، 5، 8، 9، 10.

(5)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 154، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 27

و مع التهمة لا بأس بالتفحص و التفتيش عنه (540).

______________________________

ربّ المال، فقل: تصدّق رحمك اللّه ممّا أعطاك اللّه، فإن ولى عنك فلا تراجعه «1»»، و مصحّح بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «بعث أمير المؤمنين

عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها ...- إلى أن قال:- ثمّ قل لهم: يا عباد اللّه، أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتأدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه- الحديث «2»». و مقتضى الإطلاق هو قبول قول المالك، سواء أ قال: «أخرجت زكاتي»، أم قال: «لم تجب عليّ زكاة». نعم، في فرض العلم بالكذب، يجب عليه- من باب الأمر بالمعروف- مراجعة المالك و طلب الزكاة منه، كما لا يخفى.

(540) فإنّ قوله عليه السّلام- في خبر غياث بن إبراهيم-: «فإنّ ولىّ عنك فلا تراجعه» وارد مورد توهم وجوب التفحّص، فلا يدلّ على حرمة التفحّص، و عليه فلا ينافي ذلك التفحّص عند التهمة، و إن كان مقتضى الإطلاق هو عدم وجوب التفحّص حتّى عند التهمة.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 55: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، باب 14: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 28

[السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص]

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص (541). و إن كان من غير الجنس الّذي تعلّقت به (542) من غير فرق بين وجود المستحقّ و عدمه، على الأصحّ (543)، و إن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية، و حينئذ فتكون في يده أمانة (544)

______________________________

(541) قد تقدّم الكلام فيه مفصّلا فى المسألة الرابعة و الثلاثون، في أواخر فصل زكاة الغلّات، فلاحظ.

(542) و قد مرّ تفصيله فى المسألة الخامسة، في فصل زكاة الأنعام الثلاثة، فراجع.

(543) كما مرّ تفصيله فى المسألة الرابعة و الثلاثون، في أواخر فصل زكاة الغلّات، فلاحظ.

(544) أى أمانة شرعيّة، إذ ليس ذلك سوى ترخيص الشارع

المالك في حفظ ما عيّنه زكاة، في قبال الأمانة المالكيّة، الّتي هى عبارة عن ترخيص المالك في الحفظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 29

لا يضمنها إلا بالتعدّي (545) و التفريط.

______________________________

(545) مقتضى خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن الزكاة تجب عليّ فى مواضع لا يمكنني أن أؤدّيها؟ قال عليه السّلام: «اعزلها، فان اتّجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فإن لم تعز لها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها تقسيطها من الربح و لا وضيعة عليها «1»»، إنّما هو عدم الضّمان في فرض عدم وجود المستحق، فلا ينافيه ما دلّ على الضمان في فرض إمكان الدفع و وجود المستحق، و لكن الخبر ضعيف السند. و أمّا صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا أخرج الزكاة من ماله ثمّ سماّها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شي ء عليه «2»»، و مصحّح عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها «3»» فلا يمكن الأخذ بإطلاقهما في نفي الضّمان، و ذلك: لمّا دلّ على الضمان بتأخير الدفع مع إمكانه، كمصحّح محمّد بن مسلم: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه، فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها

قد خرجت من يده ... «4»»، و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 30

و لا يجوز تبديلها بعد العزل (546)،

______________________________

نحوه غيره «1»، فإنّ مقتضى هذه الروايات و غيرها من نظائرها، إنّما هو الضمان في خصوص التأخير في مورد وجود المستحق، أو إمكان الصرف في سائر المصارف، فيقيّد بها إطلاق الروايات المتقدّمة النافية للضمان.

و المتحصّل من ذلك كلّه: أنّ المالك ضامن للزكاة في موردين:

أحدهما: مورد التعدّي و التفريط، حيث إنّ الأمين لا يضمن إلّا مع التفريط و التعدّي، كما هو محرّر في محلّه.

و ثانيهما: التأخير مع وجود المستحق و إمكان الدفع. و بهذا أفتى المصنّف قدّس سرّه أيضا فى المسألة الرابعة و الثلاثون، في أواخر فصل زكاة الغلّات، حيث قال: «... و حينئذ لا يضمنه الا مع التفريط، أو التأخير مع وجود المستحق ...»، و لأجل ذلك قد يظهر الاختلاف بين ما ذكره قدّس سرّه فى المقامين، إلّا أن يكون المراد بالتعدّي فى المقام هو التأخير مع وجود المستحق، فيتّحد الفتواءان.

(546) قد يقال «2» بجواز ذلك لأحد وجهين:

الأوّل: استصحاب جواز تبديل الزّكاة إلى ما بعد العزل و تعيين الزكاة في مال معيّن. و يتوجّه عليه: أنّ هذا ليس ممّا ينطبق عليه الموازين المقرّرة للاستصحاب عندنا، و ذلك لتوقّفه على أن يكون الموضوع لجواز التبديل هو كلّي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 227، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 31

..........

______________________________

الزّكاة المتحقّق في ضمن شخص من المال في زمان ما- كمقدار الزكاة من الشعير مثلا- و في شخص آخر في زمان آخر، كما إذا أبدل مقدار الفريضة من زكاة الشعير و لو بغير الجنس، من النقدين و غيره، حيث أنّ عنوان الزكاة صادق في كلا الفرضين، فإذا علمنا بجواز التبديل فى الفرض الأوّل، و شككنا فيه فى الفرض الثاني استصحبنا ذلك، و لكن الأمر ليس كذلك، فإنّ جواز التبديل إنّما ثبت لخصوص ما فى المال من مقدار الفريضة، لا لكلّي ما ينطبق عليه عنوان الزّكاة، و حينئذ فلا يصحّ الاستصحاب، لعدم احراز الموضوع، كما هو ظاهر.

الثاني: أنّ المستفاد ممّا دلّ على جواز تبديل الزكاة و لو بغير الجنس، إنّما هو الجواز مطلقا و لو بعد العزل، فلا حاجة إلى الاستصحاب، بل يكفي فيه نفس ما دلّ على جواز تبديل الزّكاة، حيث إنّه بإطلاقه يقتضي ذلك بعد العزل أيضا. و يتوجّه عليه: أنّ العمدة في أدلّة جواز التبديل إنّما هو صحيح البرقي، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: «هل يجوز أن أخرج عمّا يجب فى الحرث من الحنطة و الشعير، و ما يجب على الذهب، دراهم قيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كل شي ء ما فيه؟ فأجاب: أيّما تيسّر يخرج «1»» و واضح جدّا: أنّه لا دلالة له على جواز التبديل في مفروض الكلام، حيث إنّه إنّما يدلّ على جواز تبديل ما يجب اخراجه، بمعنى أنّ المال الزكويّ إذا كان حنطة مثلا، فالمقدار الّذي تعلّق به حقّ الفقراء ابتداء إنّما هو بمقدار الفريضة من الحنطة، فللمالك حينئذ- بمقتضى الرواية- أن يخرج ذلك المقدار

من نفس المال الزكويّ، و له أن يخرجه من غيره، و لو من جنس اخر، كأن يخرجه بما يساويه من القيمة دراهم و دنانير، و لو لا الرواية لما جاز لنا القول بجواز التبديل بجنس أخر، إلّا أنّه لا دلالة لها على أنّه

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الذهب و الفضة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 32

[السابعة: إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل اداء الزكاة]

السابعة: إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل اداء الزكاة كان الربح للفقير بالنسبة و الخسارة عليه (547)، و كذا لو اتّجر بما عزله و عيّنه زكاة.

______________________________

بعد تعيّن الزكاة في مال معيّن بسبب العزل أيضا يجوز تبديله، و هذا ظاهر.

فالانصاف، أنّ جواز التبديل حينئذ موقوف على الدليل، و لا دليل عليه فى المقام أصلا، و مقتضى الأصل هو عدم ترتّب الأثر، و عدم سقوط الوجوب بأداء البدل، كما لا يخفى.

(547) أمّا ما تقتضيه القاعدة- مع الغضّ عن النّصوص- فهو صيرورة المعاملة فضولا، بناء على القول بالإشاعة، أو الكلّي فى المعيّن، أو ثبوت حقّ فى العين من قبيل حق الرّهانة، و يتوقّف الحكم بصحّة المعاملة- حينئذ- على صدور الإجازة من الفقير، فإذا أجاز كان الربح و الخسارة بينهما، من دون أن تختصّ الخسارة بأحدهما و يشتركان فى الربح، و هذا ظاهر. نعم، بناء على أنّ الحق من قبيل حقّ الرّهانة، يتوقّف خروج المعاملة عن الفضوليّة على الإجازة، لكن الربح و الخسارة- حينئذ- ممّا لا يتوزّعان على الجانبين، بل هما للمالك، و وجهه ظاهر. و أمّا بناء على أنّ الحقّ من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- فقد عرفت سابقا: أنّه غير مانع من وقوع المعاملة على العين، و حينئذ

فالمعاملة عليها تكون صحيحة بلا حاجة إلى الإجازة، و يكون الربح للمالك، كما تكون الخسارة عليه، هذا ما تقتضيه القاعدة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 33

[الثامنة: تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله]

الثامنة: تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله (548)، و كذا الخمس و سائر الحقوق الواجبة. و لو كان

______________________________

و أمّا بملاحظة النصوص، فالّذي يدلّ عليه خبر أبي حمزة المتقدّم هو ما أفاده قدّس سرّه فى المتن، و لكنّه ضعيف السند، و الجبر- على فرض القول به- غير ثابت، و عليه فالعمل إنّما يكون بصحيح البصرى أو حسنته، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها، أو يؤدّي زكاتها البائع «1»»، فقد دلّ على صحّة البيع و وقوعه للمالك، فله الربح و عليه الخسارة، و قد تقدّم «2»: أنّ هذا الخبر من أقوى الأدلّة على أنّ تعلّق الحق بالعين بنحو حقّ الجناية، فلاحظ.

(548) الظاهر عدم الخلاف فيه «3»، بل قيل: إنّه لا ريب فيه «4». و يمكن أن يستدلّ له، بأنّه مع العلم بأنّه على تقدير الوصيّة يتحقّق الأداء من الورثة، و إلّا فلا، بأن تكون الوصيّة حينئذ هي المقدّمة المنحصرة للأداء، فلا ينبغى الإشكال فى الوجوب، فإنّ ذلك هو اداء الزكاة و طريق وصولها إلى أهلها. و أمّا مع عدم العلم بترتّب الأداء على الوصيّة، بل مجرّد احتمال ذلك، يكون وجوب الوصيّة-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- لاحظ: الجزء الأوّل من الكتاب، عند الكلام حول كيفيّة تعلّق الزكاة.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد

حسن: جواهر الكلام، ج 15، ص 443، ط النجف الأشرف.

(4)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 274، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 34

الوارث مستحقّا جاز احتسابه عليه (549)، و لكن يستحبّ دفع شي ء منه إلى غيره.

[التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء]

التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء (550)، خصوصا مع المرجّحات، و إن كانوا مطالبين.

______________________________

حينئذ- بملاك وجوب المقدّمات المفوّتة، فإنّه مع الشك فى القدرة على الاداء لا محالة يشك في الوجوب، إلّا أنّ العقل حينئذ يحكم بالاحتياط بملاك قبح تفويت الغرض الملزم، الّذي هو بمثابة تفويت الواجب عند العقل.

(549) لمصحّح عليّ بن يقطين، قال: قلت لأبى الحسن الأوّل: رجل مات و عليه زكاة، و أوصى أن تقضى عنه الزكاة، و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا، فقال: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم، و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم «1»».

و ظاهر الرواية و إن كان هو وجوب دفع شي ء من ذلك إلى الغير، إلّا أنّه يخرج عنه بالإجماع و التسالم على عدم الوجوب.

(550) لما ثبت، من الخيار للمالك في كيفيّة دفع الزكاة إنّما هو إلى المالك، فله أن يعطي شخصا و يحرم منها أخر، مع عدم وجود المرجّح فى المعطى له، فضلا عمّا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: المستحقين للزكاة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 35

نعم، الأفضل حينئذ (551) الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن، إلّا إذا زاحمه ما هو أرجح.

[العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحق فيه]

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحق فيه (552).

______________________________

إذا كان فيه مرحّج، و قد مرّ الدليل على الخيار المذكور عند البحث عن عدم وجوب البسط، فراجع.

(551) أي حين مطالبة من حضره من الفقراء. و لعلّ مراد المصنّف قدّس سرّه من قوله:

«من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن» هو استحباب إجابة طلب المؤمن، و إلّا فأداء الزكاة للفقير

ممّا يعتبر قضاء لحاجة المؤمن، بلا فرق في ذلك بين الحاضر المطالب و غيره.

(552) كما ادّعي عليه الإجماع «1»، و نفي الخلاف فيه «2»، و الريب عنه «3». و يدلّ عليه جملة من النصوص، منها صحيح ضريس، قال: سأل المدائني أبا جعفر عليه السّلام، فقال: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟ فقال: «في أهل ولايتك، فقال: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك، فقال: ابعث بها إلى بلدهم تدفع

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 430، ط النجف الأشرف.

(3)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 271، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 36

..........

______________________________

إليهم، و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا لم يجيبوك، و كان و اللّه الذبح «1»»، و خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد، عن العبد الصّالح عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته، قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد، قال: يبعث بها إليهم، قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم، قال: يدفعها إلى من لا ينصب، قلت: فغيرهم، قال: ما لغيرهم إلّا الحجر «2»».

و هناك ما يدلّ على ذلك بالإطلاق، بخلاف الروايتين المتقدّمتين حيث إنّهما صريحتان في فرض عدم وجود المستحق، كصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال: «لا

بأس «3»»، و خبر أحمد بن حمزة، قال:

سألت أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى اخر و يصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ فقال: «نعم «4»»، فإنّ القدر المتيقّن به من مورد الروايتين إنّما هو فرض عدم وجود المستحق، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر، ح 7.

(3)- المصدر/ باب 37: المستحقين للزكاة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 37

بل يجب ذلك (553) إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك، و لم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف.

______________________________

(553) و يمكن الاستدلال له بوجوه:

الأوّل: إنّ النقل حينئذ يكون مقدمة للأداء إلى المستحق، فيجب لا محالة وجوبا مقدميّا لوجوب الأداء. و يتوجّه عليه: أنّ القدر الثابت فى الشريعة إنّما هو وجوب الأداء في مقابل الحبس و المنع، و أمّا الأداء، بمعنى الدفع و الإعطاء فلم يثبت وجوب ذلك أصلا، و لذلك يجوز للمالك التأخير في أداها.

الثاني: قوله عليه السّلام في صحيح ضريس المتقدّم «1»: «فقلت إنّي في بلاد ليس فيه أحد من اوليائك، فقال عليه السّلام: ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ...»، حيث إنّه قد دلّ على وجوب النقل عند عدم وجود المستحق، و حيث لا رجاء لوجوده.

و استشكله صاحب «الجواهر قدّس سرّه» بوجهين:

أحدهما: إنّ الأمر في مقام توهّم الحظر، فلا يدلّ على الوجوب، و ثانيهما: إنّ المقصود منه إنّما هو المنع عن اعطائه لغير الموالى «2».

أمّا الأوّل، فالظاهر خلافه، فلا يؤخذ به بمجرّد احتماله ما لم تقم قرينة عليه.

و أمّا الثاني ففي محلّه، فإنّ الظّاهر هو خطور جواز الدفع إلى غير الموالى

عند عدم وجود الموالي في ذهن السّائل، فلذلك أمر عليه السّلام بالنقل من البلد، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)-- صفحه 35- 36.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 436، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 38

و مئونة النقل- حينئذ- من الزكاة (554).

______________________________

الثالث: إنّ المعلوم من مذاق الشارع تحريم الإبقاء في فرض عدم وجود المستحق و عدم رجاء وجوده أيضا، لئلا يلزم تضييع الحقّ على مستحقّه، و عليه فيجب النقل دفعا للتضييع. و لا يخفى أنّ الجزم بهذا الوجه ممّا يحتاج إلى مزيد من التتبّع و التعمّق، كي نقف على مذاق الشارع في هذا المقام. و اللّه العالم بحقائق الأحكام.

(554) يختلف الحال في ذلك باختلاف الوجوه المتقدّمة، فإن كان الوجه في وجوب النقل هو الأوّل و الثاني، كان مقتضى القاعدة إنّما هو وقوع المئونة على المالك لا خروجها من الزكاة، و ذلك لأنّ المفروض إنّما هو وجوب النقل عليه وجوبا تكليفيّا، مقدميّا كان أم غيره، فإذا توقّف امتثال هذا الواجب على مئونة لم يكن وجه لاخراجها من الزكاة أصلا، كما هو ظاهر. و أمّا إذا كان الوجه فيه هو الأخير، كانت المئونة حينئذ من الزكاة، و ذلك لأنّ المقدار المعلوم من مذاق الشارع إنّما هو عدم رضاه بابقاء المال المستلزم لتضييع الحقّ على مستحقّه، و أمّا أنّه يلزمه النّقل بحيث تكون المئونة عليه، فهذا ممّا لا دليل عليه.

و على الإجمال القدر الثابت هو أنّه لا يضيع المال على مستحقه، بل لا بدّ له من أن يوصله إليهم لئلا يضيع، فإذا كان الإيصال متوقّفا على مئونة لم يكن موجب لوقوعها عليه، بل كانت القاعدة تقضي بخروجها من الزّكاة.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 39

و أمّا مع كونه مرجو الوجود، فيتخيّر (555) بين النقل، و الحفظ إلى أن يوجد. و إذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرّجاء، و عدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف، و أمّا معهما، فالأحوط الضمان (556).

______________________________

(555) لعدم الدليل على وجوب النقل حينئذ، لاختصاص ما تقدّم من الوجوه بصورة عدم رجاء المستحقّ فى البلد و عليه، فبمقتضى ما دلّ من النصوص المتقدّمة على جواز النقل يكون مخيّرا بين الأمرين، و يقتضيه السيرة القائمة على حفظ الزكاة حتّى يأتي الجباة من ناحية النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و كذلك الحال في زمان خلافة وصيّه الأمين، أمير المؤمنين عليه الصلاة و السّلام.

(556) المستفاد من صحيح محمّد بن مسلم أو حسنته: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال عليه السّلام:

«إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده- الحديث «1»»، و نحوه «2» هو أنّ الضمان إنّما هو في فرض وجود المستحق، أو التمكّن من الصرف في سائر المصارف، و مع عدم ذلك فلا ضمان، و على هذا،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 40

و لا فرق فى النقل، بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد (557)، مع الاشتراك في ظن السّلامة، و إن كان الأولى التفريق فى القريب، ما لم يكن مرجّح للبعيد.

[الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ فى البلد]

الحادية عشرة: الأقوى

جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ فى البلد (558)، و إن كان الأحوط عدمه، كما

______________________________

فرجاء الوجود و عدمه لا دخل لهما اصلا فى الحكم بالضمان و عدمه، فما عن المصنّف قدّس سرّه من إقحام رجاء الوجود و عدمه في هذا المقام مما لا نعرف له وجها؛ كما أنّ مقتضى صريح النصوص هو الضّمان عند التمكّن من الصرف في سائر المصارف، إذا نقلها و تلفت، و عليه فكان ينبغي للمصنّف قدّس سرّه الافتاء بالوجوب فى الفرض المذكور، دون الاحتياط فيه، كما لا يخفى.

(557) لإطلاق ما دلّ على جواز النّقل، و ما أفاده قدّس سرّه من أولويّة التفريق فى القريب، عند عدم المرجح للبعيد، الظاهرة فى الاستحباب، فممّا لا نعرف له وجها، لعدم الدّليل على ذلك. نعم، قد يكون له وجه استحساني، لكنّه- كما تعلم- ممّا لا يترتّب عليه حكم شرعي.

(558) نسب القول بالجواز إلى جماعة كثيرة، منهم الشيخان «1»، و العلّامة «2»، و

______________________________

(1)- الشيخ المفيد رحمة اللّه (كما عن: العاملى، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 267، ط

مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام قم) و الشيخ الطوسي رحمه اللّه، محمد بن الحسن (الاقتصاد الهادي إلى سبيل الرشاد، ص 279، مطبعة الخيّام- قم).

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 229، ط ايران الحجريّة؛ تحرير الأحكام: ص 70، ط ايران الحجريّة؛ مختلف الشيعة: ج 3، ص 274، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 41

افتى به جماعة.

______________________________

الشهيدان «3»، و غيرهم «4»، في جملة من كتبهم. و نسب إلى المشهور «5»، بل فى «التذكرة «6»»: عليه اجماع العلماء، القول بعدم الجواز مع وجود المستحق.

و

يشهد للقول الأوّل جملة من النصوص؛ كصحيح هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فى الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة الّتي هو فيها إلى غيرها؟ فقال عليه السّلام: لا بأس «7»»، و صحيح أحمد بن حمزة قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها فى إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ فقال عليه السّلام: «نعم «8»»، و نحوهما غيرهما «9».

و استدل «10» للثاني بوجوه:

______________________________

(3)- الشهيد، محمّد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 246، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 428، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(4)- ابن حمزة، محمّد بن على: الوسيلة، ص: 13، ط مكتبة آية اللّه النجفي المرعشي، قم.

(5)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12، 239، ط النجف الاشرف.

(6)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(7)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 37: المستحقين للزكاة، ح 1.

(8)- المصدر، ح 4.

(9)- المصدر، ح 2.

(10)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: صص 430- 431، ط النجف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 42

..........

______________________________

الأوّل: الإجماع. و فيه: أنّ الإجماع بعد تحقّق الخلاف ممّن عرفت، لا سيّما من حاكيه في بعض كتبه- كما عرفت- ممّا لا عبرة به.

الثاني: أنّ فى النقل خطرا. و فيه: إنّه على فرض التسليم به كليّة، فهو مندفع بالضّمان.

الثالث: منافاته للفوريّة. و فيه: عدم لزوم الفوريّة، كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

الرّابع: ما دلّ على الضمان بالنقل عند وجود المستحقّ، حيث أنّه ممّا

يكشف عن حرمة النّقل، و إلّا فلا معنى للترخيص فى النقل مع الحكم بالضمان. و يتوجّه عليه: أنّ الضمان حكم تعبّدي، و لا ينافي ثبوته مع ثبوت الترخيص، كما لا يخفى.

الخامس: النصوص الدالّة على أنّ صدقة أهل البوادى لأهل البوادى، و المهاجرين للمهاجرين، و صدقة أهل الحضر لأهل الحضر، أو الأعراب للأعراب، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب فى المهاجرين «1»»، و صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، أو حسنته بابن هاشم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادى في أهل البوادى، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر «2»».

و يتوجّه على الأول: أنّ الرواية ساكتة عن حكم النقل، و غاية ما تدلّ عليه: أنّ زكاة أهل البوادي لأهل البادية، و أهل الحضر لأهل الحضر، فلا مانع إذا كان النقل من الأعراب إليهم، و من المهاجرين إليهم، فلا يدلّ على حرمة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 38: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 43

..........

______________________________

النقل بقول مطلق. و منه يظهر الحال فى الثاني أيضا، إذ قد ينقل من أهل البوادى إلى من هو على شاكلتهم، و من أهل الحضر إلى اهل الحضر، فالروايتان لا دلالة لهما على حرمة النقل، مضافا إلى أنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله لا يدلّ على الوجوب. نعم، الالتزام باشعارهما بذلك- لا سيّما الأولى منهما- غير بعيد، كما لا يخفى.

السادس: صحيح ضريس، قال: سأل المدائني أبا جعفر عليه السّلام، فقال: إنّ لنا زكاة

نخرجها من اموالنا، ففي من نضعها؟ فقال عليه السّلام: «في أهل ولايتك، فقلت:

إنّي في بلاد ليس فيه أحد من أوليائك، فقال عليه السّلام: ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ... «1»»، و خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد، عن العبد الصالح عليه السّلام، قلت:

الرجل منّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال عليه السّلام: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته، فقلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد، قال عليه السّلام: يبعث بها إليهم ... «2»».

و لا دلالة لشي ء منهما على حرمة النقل، فإنّ الروايتين- كما هو الظاهر منهما- بصدد بيان عدم جواز الدفع إلى غير أهل الولاية، حتّى مع عدم وجود أهل الولاية فى البلد، و أنّه لا بدّ من دفعها إلى أهلها، و لا نظر لهما إلى جواز النقل من البلد و عدمه، إلّا بتوهم أنّ يراد بقوله عليه السّلام: «في أهل ولايتك ...»- كما فى صحيح ضريس- و قوله عليه السّلام: «... و أهل ولايته ...»- كما في خبر الحداد، أهل البلدة، الّذين قد يقال لهم- كما هو المتداول في محاورات الفرس: أهل الولاية، و لكنّه و هم مردود جدّا، كما لا يخفى.

فالإنصاف، أنّه لا دليل على عدم الجواز، فيبقى ما دلّ على الجواز ممّا مرّت الإشارة إليه من النصوص سليما عن المعارض، فيؤخذ به لا محالة.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 44

و لكان الظاهر الاجزاء- لو نقل- على هذا القول أيضا (559).

و ظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في

______________________________

(559) الظاهر من المستند- بل لعلّه هو صريحه- عدم الخلاف

فيه «1»، بل عن غير واحد «2»: نسبته إلى علماء الاماميّة أجمع، و ذلك لصدق الامتثال الموجب للاجزاء قطعا.

و لكن الحقّ هو التفصيل، بأن يقال: إن كان مستند حرمة النقل هو النصوص الدالّة على اختصاص صدقة المهاجرين بالمهاجرين و صدقة الأعراب بالأعراب، أو اختصاص صدقة أهل البوادي بهم، و صدقة أهل الحضر بهم، فلا مجال للقول بالإجزاء حينئذ اصلا، و ذلك لأنّ هذه الأدلّة إنّما توجب التقسيم في الفقير المأخوذ في آية الصدقة، فيكون الموضوع لوجوب صدقة أهل الحضر- مثلا- غير ما هو الموضوع لصدقة أهل البوادي، فلا موجب للاجزاء إذا خولف هذا الأمر، و هذا بخلاف ما إذا كان المستند للحرمة سائر الوجوه المتقدّمة، فإنّ غايتها إنّما هي حرمة النقل عليه تكليفا، فإذا نقل فقد اثم و لكنّه لوصول الزكاة إلى أهلها، يجزي عما هو الواجب، كما هو ظاهر.

و عليه فدعوى المصنّف قدّس سرّه الإجزاء على كلا القولين ممّا لا مستند له

______________________________

(1)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 355، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ مختلف الشيعة: ج 3، ص 248، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ منتهى المطلب: ج 1:

ص 529، ط ايران الحجريّة؛ العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 269، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 45

أهلها، فيجوز الدفع (560)- في بلدها- إلى الغرباء، و أبناء السّبيل. و على القولين إذا تلفت بالنقل يضمن (561)، كما أنّ مئونة النقل عليه (562)، لا من الزكاة، و لو كان بإذن الفقيه

______________________________

- ظاهرا- إلّا

الإجماع المدّعى فى المسألة، و ظاهر الفتاوى.

(560) فإنّ حرمة النقل لا تقتضي سوى وجوب تقسيم الزكاة فى البلد، لا وجوب تقسيمها على أهل البلد، فاذا أعطي الغريب و ابن السبيل- و هما فى البلد- صدق بحقّه: أنّه لم يخرج الزكاة من البلد و إنّما دفعها في بلدها.

نعم، بناء على كون المستند لحرمة النقل هي النصوص الدالة على أنّ صدقة المهاجرين للمهاجرين، و صدقة الأعراب للأعراب، أو اختصاص صدقة الحضريّ باهل الحضر، و البادية بأهلها، لا بدّ من صدق العنوان المذكور على المعطى له.

(561) لدلالة النصّ على الضّمان بالتلف، عند وجود المستحق فى البلد أو إمكان صرفها في غيره من المصارف، إذا لم يفعل ذلك، و نقل، و تلف.

(562) لا مقتضي لكون المئونة من الزّكاة. نعم، مع عدم وجود المستحق فى البلد، حيث كان النقل لمصلحة الفقير، صحّ القول- حينئذ- يكون المئونة من الزكاة، بناء على بعض الوجوه المتقدّمة فى تجويز النّقل، و هذا بخلاف المقام، فإنّ النقل،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 46

لم يضمن (563)، و إن كان مع وجود المستحق فى البلد- و كذا- بل و أولى منه- لو وكّله في قبضها عنه، بالولاية العامّة، ثم أذن له في نقلها.

[الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة، أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد آخر]

الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة، أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد اخر، جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده، و لو مع وجود المستحق فيه، و كذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر، جار احتسابه زكاة، و ليس شي ء من هذه من النقل الّذي هو محلّ الخلاف في جوازه و عدمه (564)، فلا اشكال في شي ء منها.

______________________________

حينئذ- سواء

قلنا بجوازه أم بالمنع عنه- ليس لمصلحة الفقير، بل لهوى نفسه، و اختيار المالك ذلك.

(563) بناء على ثبوت الولاية له على الفقير، لم يلزم الضمان لو تلف المال، لأنّ النقل إنما كان بإذن أهلها، أي الزكاة. و هكذا الحال فيما لو وكّله الفقيه فى القبض، ثم الإذن منه في نقلها.

(564) المستفاد من النصوص هو: أنّ زكاة أهل البلد لفقراء البلد، فلا يجوز نقل الزكاة من بلد المالك الّذي تعلق به الزكاة فيه الى بلد آخر، باعتبار أنّ ذلك

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 47

[الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده]

الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد اخر غير بلده، جاز له نقلها (565) إليه مع الضمان لو تلف، و لكن الأفضل صرفها في بلد المال.

______________________________

يوجب إعطاء زكاة اهل البلد لغير أهله، إذن فنقل الزكاة لا خصوصيّته فيه، و إنما لم يجز ذلك باعتبار كونه موجبا لا عطاء زكاة أهل البلد لغير أهله، فعلى القول بعدم الجواز لا فرق بين جميع الصور التى ذكرها المصنّف قدّس سرّه.

و لعلّه- قدّس سرّه- استند في ذلك إلى ظاهر الفتاوى «1»، حيث إنّهم اعتبروا موضوع الحكم هو نقل الزكاة من البلد، و معلوم: أنّها لم تنقل فى تلكم الصور، كما هو ظاهر.

(565) قد عرفت أنّ المستفاد من النصوص الدالّة على المنع من النقل، هو المنع من نقل الزكاة من بلد المالك الّذي تعلّق به الزكاة فيه إلى بلد آخر، فالموضوع مركب من أمرين:

أحدهما: نقل الزكاة من بلد المالك، و الآخر: كون تعلّق الزكاة بالمال في ذلك البلد، فمع انتفاء أحد القيدين ينتفي المنع لا محالة، و في مفروض المسألة القيد الثاني منتف، لأنّ الزكاة لم تتعلّق بالمال

في بلد المالك، بل بالمال الّذي هو في بلد

______________________________

(1)- قال العلّامة الحلّي رحمه اللّه: «لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحق فيه، عند علمائنا أجمع ...» (تذكرة الفقهاء: ج 5، ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم). و قال شيخنا الشهيد السعيد قدّس سرّه: «و لا يجوز نقلها مع وجود المستحق فيضمن ...» (الدروس الشرعيّة:

ج 1، ص 246، ط مؤسسة النشر الاسلامى، قم) و نحوهما ظواهر كلمات غيرهما.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 48

[الرابعة عشرة: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة]

الرابعة عشرة: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك (566)، و إن تلفت عنده، بتفريط أو بدونه، أو أعطى لغير المستحق اشتباها.

[الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن]

الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن، كانت أجرة الكيّال و الوزّان على المالك (567)، لا من الزكاة.

______________________________

آخر غير بلد المالك، و عليه فلا مانع من النقل حينئذ.

نعم، حكم المصنف قدّس سرّه- تبعا لجماعة من فقهائنا قدّس اللّه اسرارهم «1» بكون الأفضل هو صرفها في بلد المال، إنّما هو مراعاة منه قدّس سرّه لظاهر النصوص، الدالّة على اختصاص صدقة أهل الحضر باهل الحضر، و أهل البوادي بأهل البوادي.

(566) لأنّ الفقيه- بمقتضى ولايته- وليّ الفقير، فيكون قبضه بمثابة قبض المستحق نفسه، فلا محالة يوجب براءة ذمّة المالك، كما إذا كان قد أعطى المستحق مباشرة.

و كما أنّ تفريط الفقير في صرف الزّكاة، أو إعطاؤها لمن لا يستحقّها لا يضرّ ببراءة ذمّة المالك من الزكاة، بعد فرض صرفه ايّاها في مصرفها المقرّر شرعا، كذلك الحال فى تفريط الفقيه فى الصرف، او إعطائه ايّاها لمن لا يستحقّها.

______________________________

(1)- قال صاحب المدارك رحمه اللّه، فى شرح قول المحقق رحمه اللّه: «و لو كان ماله في غير بلده فالأفضل صرفها إلى بلد المال ...» ما لفظه: «أما استحباب صرف الزكاة في بلد المال، فهو مذهب العلماء كافة ...» (مدارك الاحكام: ج 5، ص 271، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 49

..........

______________________________

(567) كما عن الأكثر «1». و فى «المختلف»: «قال الشيخ فى «المبسوط «2»»: قيل فيمن تجب عليه قولان:

أحدهما: على أرباب الأموال.

و الثاني: على أرباب الصدقات، و الأوّل أشبه. و قال في موضع اخر منه «3»:

و

يعطى الحاسب و الوزّان و الكاسب من سهم العاملين «4»».

و الصّحيح هو ما اختاره المصنف قدّس سرّه، وفاقا للأكثر، فإنّ الواجب على المالك إنّما هو إخراج زكاة ماله، فإذا كان هذا الواجب موقوفا على شي ء، كان اللّازم- عقلا أو شرعا- هو تحقيق ذلك الأمر الموقوف عليه الواجب، و منه:

أجرة الكيّال أو الوزّان فيما إذا كان إخراج الزكاة موقوفا على الكيل أو الوزن.

و استدل للقول الآخر، بأن اللّه تعالى أوجب على أرباب الأموال قدرا معلوما من الزكاة، فلو قلنا: إنّ الأجرة تجب عليهم لزدنا على قدر الواجب.

و يتوجّه عليه: أنّ وجوب القدر المعلوم من الزّكاة، لا يزيد على ذلك بوجوب أجرة الكيّال أو الوزّان- مثلا- على المالك، لاختلاف الوجوبين من حيث كون أحدهما تعبديّا و الآخر توصليّا، و لاختلاف الواجبين، من جهة أن مصرف أحدهما هى المصارف الثمانية المقرّرة له شرعا، دون مصرف الآخر، فإنّه لم يقرّر له شي ء شرعا. و نصوص وجوب الزّكاة إنّما تنفي وجوب المقدار الزّائد على القدر المعلوم، مع كون الوجوب و الواجب من نوع و وجوب الزكاة، لا أنّها تنفي وجوب المقدار الزائد مطلقا، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 278، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 256، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(3)- المصدر، ص 257.

(4)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 254، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 50

[السادسة عشرة: إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد]

السادسة عشرة: إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد، كأن يكون فقيرا، و عاملا، و غارما مثلا، جاز أن يعطى (568) بكلّ سبب نصيبا.

[السابعة عشرة: المملوك الّذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة]

السابعة عشرة: المملوك الّذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة (569)، دون الإمام عليه السّلام، و لكن

______________________________

و يشهد بذلك: أنّ أجرة الكيّال أو الوزّان في البيع على البائع اتفاقا، و لو تمّ ما ذكر هنا لأمكن القول هناك، بأنّ الواجب على البائع إنّما هو تسليم المبيع، و لو كانت أجرة الكيّال أو الوزّان واجبة عليه أيضا لكان ذلك موجبا للزيادة على المقدار الواجب، و هو كما ترى.

(568) للإطلاق، و دعوى «1» الانصراف إلى الانفراد فى الأصناف، ممّا لا يصغى إليه، لعدم الموجب للانصراف، كما لا يخفى. نعم، مسألة مراعاة الشروط المعتبرة فى الدفع، كاشتراط عدم زيادة المدفوع إلى الفقير عمّا يزيد على مئونة سنته، و اعتبار عجز الغارم عن اداء دينه، و نحو ذلك ...، أمر آخر، يرجع إلى وجود المانع، و كلامنا فعلا إنّما هو فى المقتضى للدفع بكل سبب نصيبا.

(569) كما هو المشهور شهرة عظيمة «2»، بل فى «المعتبر «3»»: عليه علماؤنا. و يدلّ

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 251، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 444، ط النجف الأشرف.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 589، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 51

الأحوط صرفه فى الفقراء فقط.

______________________________

عليه موثّق عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم يجد موضعا يدفع ذلك

إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الألف درهم الّتي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك، قلت: فانه لمّا أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف فأصاب مالا كثيرا، ثمّ مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه الفقراء المؤمنون الّذين يستحقّون الزكاة، لأنّه اشترى بمالهم «4»»، و صحيح ايّوب بن الحرّ، أخي أديم ابن الحرّ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مملوك يعرف هذا الأمر الّذي نحن عليه، اشتريه من الزكاة فاعتقه؟ قال: فقال: «اشتره و اعتقه، قلت: فان هو مات و ترك مالا، قال: فقال:

ميراثه لأهل الزكاة، لأنه اشتري بسهمهم، و فى حديث اخر: بمالهم «5»» و بذلك يخرج عما قد يتوهّم من أنّ الإمام هو الوارث، لما دل على أنه هو وارث من لا وارث له، كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ الموثق و إن كان دالّا على أنّ الوارث له هم خصوص الفقراء من اصناف المستحقين، لا جميع أرباب الزكاة «6»، إلّا أنّه قد يقال: بأنّ عموم التعليل:

«لأنّه اشتري بمالهم» يقتضي عموم الحكم بالنسبة إلى أرباب الزكاة و لو كانوا من غير الفقراء.

______________________________

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقين للزكاة، ح 2.

(5)- المصدر، ح 3.

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 277، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 52

[الثامنة عشرة: قد عرفت سابقا أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة]

الثامنة عشرة: قد عرفت سابقا (570) أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا أعطى دفعة، فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه،

و إن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف، خصوصا فى المحترف الّذي

______________________________

و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنّ التعليل المذكور ليس تعليلا واقعيّا ليكون موجبا للتعميم أو التخصيص، و إنّما هو تعليل تعبّدي، نظير ما ورد في عدم جواز قراءة آية العزائم فى الصّلاة، من التعليل للسجدة اللازمة حينئذ: بأنّها زيادة فى المكتوبة، فإنّ هذا التعليل ليس تعليلا واقعيّا، و ذلك لأنّ الزيادة فى المكتوبة لا تتحقّق إلّا بالإتيان بالشي ء بقصد أنّه جزء من العمل، و إلّا فلا يكون مصداقا للزيادة.

و الوجه في كون التعليل فى المقام تعبّديا هو أنّ فكّ الرقاب من جملة مصارف الزكاة المقرّرة في الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ... وَ فِي الرِّقٰابِ ...، فليس اشتراءه إلّا بسهمه من الزكاة لا بسهم غيره، و من هنا كان الأحوط هو عدم التعدّي عن مورد الرّواية، اقتصارا فى التعليل على مورده.

و أمّا صحيح أيّوب بن الحرّ، فهو و إن لم يدلّ على التخصيص بالفقراء، بل كان ظاهرا فى العموم لقوله عليه السّلام: «ميراثه لأهل الزكاة ...»، إلّا أنّه لا بدّ من تقييده بالفقراء للموثق، فإنّ النسبة بينهما هى الإطلاق و التقييد، كما لا يخفى.

(570) قد مرّ الكلام فيه مفصّلا في أصناف المستحقين، فراجع، و لاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 53

لا تكفيه حرفته. نعم، لو أعطى تدريجا فبلغ مقدار مئونة السنة، حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق، و الأقوى أنّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضا (571)،

______________________________

(571) نسب إلى الأكثر- كما عن «المعتبر «1»»، و «الشرائع «2»»-: أنّه لا يعطى الفقير أقلّ ممّا يجب فى النصاب الأوّل، و هو خمسة دراهم، أو عشرة قراريط. و نسب إلى

جماعة، منهم السيّد في «جمله «3»»، و ابن ادريس «4»، و القاضي «5»، و الشهيدان «6»، و غيرهم «7»: أنّه لا حدّ لها في طرف القلّة. و النصوص الواردة فى المقام تكون على طائفتين، طائفة منها تدلّ على القول الأوّل، و أخرى تدلّ على الثاني، فيقع التعارض بينهما لا محالة، أمّا:

الطائفة الأولى: و هي صحيحة أبي ولّاد الحناط، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 590، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 166.

(3)- الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين: جمل العلم و العمل/ تحقيق: رشيد الصفّار، ص 128.

(4)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 464، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(5)- القاضي، عبد العزيز: المهذّب، ج 1: ص 172، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ شرح جمل العلم و العمل، ص 263، ط جامعة مشهد.

(6)- الشهيد، محمّد بن مكّي: البيان/ تحقيق: محمّد الحسّون، ص 318؛ الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهيّة، ج 1: ص 175، ط ايران الحجريّة (بدل عبد الرحيم).

(7)- المحقّق الثاني، عليّ بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 40، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ العاملي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 279، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 54

..........

______________________________

سمعته يقول: «لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم، و هو أقل ما فرض اللّه عزّ و جلّ من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقل من خمسة دراهم «1»»، و خبر معاوية

بن عمّار و عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: «لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقل من خمسة دراهم، فإنّها أقلّ الزكاة «2»».

الطائفة الثانية: صحيحة محمّد بن عبد الجبّار: إنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن اسحاق إلى علي بن محمّد العسكري عليه السّلام: أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة؟ فكتب: «افعل إن شاء اللّه تعالى «3»»، و صحيحة الحلبي، أو حسنته بابن هاشم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: ما يعطى المصدق؟ قال: «ما يرى الإمام، و لا يقدّر له شي ء «4»»، و مكاتبة محمّد بن أبي الصهبان، قال: كتبت إلى الصادق عليه السّلام: هل يجوز يا سيّدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة، فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب: «ذلك جائز «5»».

و الظاهر هو الجمع بين الطائفتين، بحمل الأولى على الكراهة، لا من جهة ما قيل «6»: من أنّ الجمع بين «يجوز» و «لا يجوز» إنّما يكون بحمل الثاني على الكراهة، إذ ليس المورد- على هذا- من موارد الجمع، فإنّهما بنظر العرف من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 23: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 5.

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 281، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 55

من غير فرق بين زكاة النقدين و غيرهما، و لكن الأحوط (572) عدم النقصان عمّا فى النصاب الأوّل من الفضّة فى الفضّة، و هو خمسة دراهم، و عمّا فى النصاب الأوّل من الذهب

فى الذهب، و هو نصف دينار.

______________________________

المتعارضين، بحيث لا يجوز جمعهما في كلام واحد، و إلّا كان الكلام متناقضا، بل الوجه فيه: أنّ العمدة فى الطائفة الأولى إنّما هي صحيحة أبي ولّاد، و ذلك لضعف خبر معاوية و ابن بكير، بابراهيم بن اسحاق الأحمري، و الصحيحة غير مشتملة على كلمة «لا يجوز» بل فيها: «لا يعطي ...»، و الجمع العرفي بينه و بين الطائفة الثانية يكون بحمل النهي في الأولى على الكراهة، كما هو ظاهر.

و الحاصل، أنّ «لا يعطى» ظاهر فى الحرمة، و مثل «افعل» و «ذلك جائز» نصّ فى الجواز، فيرفع به اليد عن ظهور النهي فى الحرمة، و يحمل على الكراهة.

(572) الاحتياط المذكور استحبابى، و إلّا فقد عرفت أنّ الأقوى- كما أفتى به قدّس سرّه سابقا- هو عدم الحدّ للزكاة من ناحية القلّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 56

بل الأحوط (573) مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضا، و أحوط (574) من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كل جنس، ففى الغنم و الإبل لا يكون أقلّ من شاة، و فى البقر لا يكون أقل من تبيع، و هكذا فى الغلات يعطى ما يجب في أول حدّ النّصاب.

______________________________

(573) بناء على التعدّي عن مورد النّصوص، لما ورد من التعليل في صحيح أبي ولّاد المتقدّم: «و هو أقل ما فرض اللّه تعالى من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم»، إلّا أنّه عليه السّلام حيث فرّع على ذلك قوله: «فلا تعطوا ...»، نستظهر منه أنّه مع التعدّي عن مورد النقدين لا بدّ من ملاحظة قيمة ما يعطى إلى الفقير، و أنّه إذا كان أقل من

خمسة دراهم فلا يجوز، و ليس من المحتمل- بحسب ما نعهده من العصور- أن يكون أوّل النصاب في غير النقدين ممّا يسوى بهذه القيمة، فإنّ انصاب الأوّل من الغلّات، أو الأنعام ممّا لا نحتمل أن يكون ممّا يسوى بهذه القيمة أو دونها في زمان ما، و عليه فلا بدّ و أن يكون الملاحظ في مقام الإعطاء إنّما هو الخمسة دراهم.

(574) هذا مبنيّ على أنّ التعليل يقتضي دوران الحكم مدار العلّة نفيا و اثباتا، فكلّ ما كان المدفوع إلى الفقير مصداقا للأقلّ من أقلّ ما فرضه اللّه فهو غير جائز، و ما لا يكون كذلك فهو جائز، ففى النقدين حيث كان الأقلّ هو الخمسة دراهم أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 57

[التاسعة عشرة: يستحب للفقيه، أو العامل، أو الفقير الّذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك]

التاسعة عشرة: يستحب (575) للفقيه، أو العامل، أو الفقير الّذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الّذي يقبض بالولاية العامّة.

______________________________

نصف دينار، لم يجز إعطاء الأقل من ذلك، و أمّا فى الغنم أو الإبل مثلا، فأوّل الفريضة فيهما هو الشاة فلا يجوز أن يعطي الفقير أقلّ من ذلك، و إن كان يسوى بحسب القيمة أكثر من خمسة دراهم أو نصف دينار.

و ما يقال «1»: من أنّ هذا الاحتياط إنّما هو فيما إذا كان أكثر قيمة من الخمسة دراهم، و لو كان أقل، فالأحوط مقدار الخمسة دراهم، فقد عرفت ما فيه آنفا، حيث إنّا لا نحتمل في زمان أن يكون أقلّ الفريضة فى غير النقدين دون الخمسة دراهم أو نصف دينار من حيث القيمة. و أمّا قوله عليه السّلام: «فلا تعطوا احدا ...» فهو ليس بتفريع على ما تقدّمه، و إنّما هو من قبيل تطبيق الكبرى المستفادة

من التعليل على المورد، كما لا يخفى.

(575) الظاهر أنّه لا دليل على وجوب الدعاء إلّا الآية الكريمة: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... «2» و هو- مضافا إلى ما ورد فى الخبر، من كونها أجنبيّة عن باب الزكاة، كما أشرنا إليه

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 334، ط الثالثة.

(2)- التوبة، 9: 103.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 58

[العشرون: يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه فى الصدقة الواجبة و المندوبة]

العشرون: يكره (576) لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه فى الصدقة الواجبة و المندوبة،

______________________________

فيما تقدّم «1»- حكم خاص بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله، أو مع الائمّة عليه السّلام، لما ذكر فى الآية الكريمة بمنزلة العلّة له و هو إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... «2» ممّا لا مجال له فى الفقيه و غيره، و عليه فلا وجه للقول بوجوبه على الفقيه أو الفقير. نعم، القول باستحباب ذلك مبنيّ على ثبوت قاعدة التسامح، و شمولها لمورد الفتوى أيضا، و اللّه العالم.

(576) الظاهر أنّه لا دليل عليه سوى الإجماع المدعى من غير واحد «3»، و نفي الخلاف فيه، الوارد في كلمات جملة من الأعلام قدّس سرّه «4»، و أمّا الاستدلال له ببعض الوجوه الاستحسانية، مثل: أن الزكاة طهور للمال فهي وسخ، فالراجع فيه كالراجع بقيئه. أو بأنّه ربما استحيى الفقير فيترك المماكسة، فيؤدّي إلى استرجاع بعضها «5»، فغير ناهض بذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(1)-- صفحة 14- 15.

(2)- التوبة، 9: 103.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 324، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 285، ط مؤسسة آل البيت عليهم

السّلام، قم.

(4)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1؛ ص 530، ط ايران الحجريّة؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 455، ط النجف الأشرف.

(5)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 455، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 59

نعم، لو أراد الفقير بيعه- بعد تقويمه عند من أراد- كان المالك أحقّ به من غيره (577)، و لا كراهة (578).

______________________________

و قد استدل له أيضا بمصحح منصور، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا تصدّق الرجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها، إلّا في ميراث «1»»، و مصحّحه الآخر عنه عليه السّلام: «إذا تصدّقت بصدقة، لم ترجع إليك و لم تشترها، إلّا أن تورّث «2»»، بعد حملهما على الكراهة لأجل الاجماع. و اللّه العالم.

(577) كما يدلّ عليه صحيح محمد بن خالد، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة، فقال: «إنّ ذلك لا يقبل منك ...- إلى أن قال:- فإذا أخرجها فليقسّمها في من يريد، فإذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها «3»».

(578) لا مجال للقول بالكراهة حينئذ، فإنّ كون المالك أحقّ بالمال من غيره، كما هو صريح صحيح محمّد بن خالد، لا يجتمع مع الحمل على الكراهة، بعد فرض أن تملّك غيره لم يكن مكروها قطعا، و المفروض أنّ المالك أولى به من الغير، فكيف

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: أحكام الوقوف و الصدقات، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص:

60

و كذا لو كان جزءا من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به، و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير، فإنّه تزول الكراهة (579) حينئذ أيضا، كما أنّه لا بأس بابقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث (580) و شبهه من المملّكات القهريّة.

______________________________

يمكن فرض كراهة التملّك في حقّه.

و ظاهر النصوص المتقدّمة و إن كان هو الكراهة في مفروض المقام، إلّا أن شمولها له بالإطلاق، و هذه الصّحيحة تكون مقيّدة للإطلاق المذكور، لكونها اخصّ منها، كما هو ظاهر.

فلا وجه- إذن- لما قيل «1» من كونه خلاف إطلاق النصوص المتقدّمة.

(579) الظاهر انّه- على تقدير القول بالكراهة- ممّا لا ينبغى الإشكال في زوالها فى الفرضين، إذ لا مجال لها مع توقّف انتفاع الفقير بها على شراء المالك، أو مع تضرر المالك بشراء غيره، كما هو ظاهر.

(580) أمّا العود بالميراث فهو المصرّح به فى النصوص المتقدّمة المانعة و أمّا ما عداه من المملّكات القهريّة، فلأنّه لا معنى للكراهة- و هو حكم تكليفي لا بدّ من كون متعلّقها اختياريّا- مع فرض كونه من المملّكات، القهريّة. و لا يبعد أن يكون استثناء الميراث فى النصوص المانعة من باب كونه أحد الأمور الموجبة للتمليك قهرا، من دون أن تكون أيّة خصوصيّة فيه، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 335، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 61

[فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة]

اشارة

[فصل] في وقت وجوب إخراج الزكاة قد عرفت سابقا: أنّ وقت تعلّق الوجوب- فيما يعتبر فيه الحول- حولانه بدخول الشهر الثاني عشر (581)، و أنّه يستقرّ الوجوب بذلك، و إن احتسب الثاني عشر من الحول الأوّل لا الثاني، و فى الغلّات

التسمية، و أن وقت وجوب الإخراج فى الأوّل هو وقت التعلّق، و فى الثاني هو الخرص و الصّرم فى

______________________________

(581) تقدّم الكلام في ذلك فى الجزء الأوّل من كتابنا، فى الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة في الأنعام، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 62

النخل و الكرم، و التصفية فى الحنطة و الشعير (582)، و هل الوجوب بعد تحقّقه فوريّ أولا «1»؟ أقوال (583)، ثالثها: أنّ وجوب الإخراج- و لو بالعزل- فوريّ، و أمّا الدفع و التسليم فيجوز فيه التأخير، و الأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحق و إمكان الإخراج، إلّا لغرض، كانتظار مستحق معيّن أو الأفضل، فيجوز حينئذ- و لو مع عدم العزل- الشهرين و الثلاثة، بل الأزيد، و إن كان الأحوط- حينئذ- العزل، ثمّ الانتظار المذكور، و لكن لو تلفت بالتأخير- مع إمكان الدفع- يضمن.

______________________________

(582) مرّ الكلام في ذلك فى المسألة الأولى، و السادسة، من فصل زكات الغلات، من الجزء الثاني من كتابنا، فلاحظ.

(583) الأقوال فى المسألة ثلاثة:

القول الأوّل: وجوب العزل و الدفع فورا.

الثانى: عدم وجوب الأمرين فورا.

الثالث: التفصيل بين العزل فيجب فورا، و بين الدفع فلا يجب كذلك.

و استدل للأوّل «2» بوجوه:

______________________________

(1)- كما عن الحلي، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 454، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 289، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- و هو المشهور، كما فى «الحدائق» (ج 12: ص 229) و اختاره شيخنا المفيد رحمه اللّه «المقنعة»

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 63

..........

______________________________

الأوّل: الإجماع. و يتوجّه عليه: أنّه ممّا لا يظنّ في حقّه بكونه إجماعا تعبّديا، لاحتمال استناد جملة منهم-

على الأقل- في ذلك إلى الوجوه الآتية.

الثاني: إنّ ظاهر الأوامر المتعلّقة بأداء الزكاة إنّما هو الفور. و يتوجّه عليه:

أنّ المقرّر في محلّه من الأصول هو عدم دلالة الأوامر على الفوريّة.

الثالث: إنّ شاهد الحال يقتضي مطالبة المستحق، فيكون حكمها حكم الدّين المطالب به في وجوب الأداء فورا. و يتوجّه عليه: الفرق بين الزكاة و الدّين، فإنّ الفقير المعيّن ليس هو المستحق الزكاة، و إنّما مصرفها طبيعى الفقير، فليس لخصوص هذا الشخص المطالبة، كما هو ظاهر.

الرّابع: قوله عليه السّلام في صحيح محمّد بن مسلم، أو حسنته: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ... «1»»، فإنّ ثبوت الضمان ممّا يكشف عن عدم جواز التأخير فى الإخراج و الدفع عند وجدان الأهل. و يتوجّه عليه:

أنّ الحكم بالضمان تعبّدي لا ينافي مع عدم المعصية فى التأخير، بأن يكون التأخير جائزا، و مع ذلك يكون ضامنا في خصوص مورد وجدان الأهل.

الخامس: ما رواه في «مستطرفات السرائر» عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام: «إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو بشهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها «2»» و لكن الرواية ضعيفة السند، من جهة

______________________________

(ص 240، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم) و المحقّق في «شرائع الإسلام» (تحقيق:

عبد الحسين محمد علي، ج 1: ص 167) و فى «المعتبر» (ج 2، ص 553، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم) و العلّامة في «تذكرة الفقهاء» (ج 5: ص 289، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام) و «تحرير الأحكام» (ج 1، ص 66).

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 52:

المستحقين للزكاة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 64

..........

______________________________

القاسم بن محمّد، المشترك بين الثقة و غير الثقة.

السادس: صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: «متى حلّت أخرجها «1»».

و الاستدلال به لذلك موقوف على أمرين.

الأوّل: أن يكون السؤال عن جواز التأخير لا عن وجوبه، و إلّا فلو كان المسئول عنه هو الوجوب لم تكن الرواية دالّة إلّا على عدم وجوب التأخير، لا على الوجوب الفوري، كما هو المدّعى.

الثّاني: أن يراد بالإخراج هو العزل و الدفع، بقرينة ذكر الدفع فى السؤال، و إلّا فلو كان المراد به ما هو ظاهره من العزل، لم تكن دالّة إلّا على وجوب العزل.

لا يقال: إن إبقاء الإخراج على ظاهره- بعد كون المسئول عنه إنّما هو تأخير الدفع- غير معقول، لاستلزامه سكوت الإمام عليه السّلام عمّا وقع السؤال عنه.

لأنّه يقال: يمكن أن يكون عليه السّلام قد بيّن عدم وجوب الدفع فورا، ببيان وجوب العزل فورا، حيث أنّ مساق التعبير فى الجواب هو أنّ الواجب فورا فى البين إنّما هو وجوب العزل فقط، فيدلّ بالالتزام على عدم وجوب الدفع فورا. و الحاصل، أنّ تماميّة الاستدلال بالرواية موقوفة على تماميّة الأمرين المتقدّمين، و كلا الأمرين محلّ تأمّل، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه بإزاء ذلك طائفة من الروايات دلّت على جواز التأخير فى الدّفع، كصحيح حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الزكاة، ج 3، ص: 65

..........

______________________________

شهرين و تأخيرها شهرين «1»»، و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرّم، قال:

«لا بأس، قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا فى المحرّم، فيجعلها في شهر رمضان، قال: لا بأس «2»»، و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال: فى الرجل يخرج زكاته، فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوّله و أخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس «3»»، و موثّق يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني [يكون عندي عدّة]؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت. قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتّها يستقيم لي، قال: نعم، لا يضرّك «4»».

نعم، مقتضى موثّق يونس إنّما هو التفصيل بين العزل فيجب فورا، و بين الدفع فلا يجب كذلك، و العمل عليه، فيكون ذلك دليلا على القول بالتفصيل الّذي اختاره المصنّف قدّس سرّه فى المتن أيضا.

ثمّ إنّ التأخير فى الدفع لا بدّ و أن لا يزيد على ثلاثة أشهر، لما ورد في جملة من النّصوص المتقدّمة من الجواز إلى شهرين أو ثلاثة أشهر. نعم، بما أنّه لم يذكر ذلك بعنوان التحديد، بل إنّما وقع السؤال عن جواز التأخير إلى هذه المدّة، فلا دلالة له على عدم جواز التأخير بأكثر من ذلك، فلا محالة كان الحكم المذكور على طبق الاحتياط.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقين للزكاة،

ح 11.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- المصدر/ باب 53: المستحقين للزكاة، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 66

[مسألة 1: الظاهر أنّ المناط فى الضّمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفيّ]

[مسألة 1]: الظاهر أنّ المناط فى الضّمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفيّ (584)، فلو أخّر ساعة أو ساعتين، بل أزيد، فتلفت من غير تفريط فلا ضمان، و إن أمكنه الإيصال الى المستحق من حينه، مع عدم كونه حاضرا عنده،

______________________________

(584) مقتضى الأدلّة إنّما هو الضمان عند وجدان الأهل و عدم الدفع إليهم مع التمكّن، و حينئذ فهل يكون الحكم بالضمان ثابتا بمجرّد المسامحة اليسيرة أيضا، بحيث يكون المعتبر هو عدم التأخير عقلا، أو أنّه لا تضرّ المسامحة اليسيرة بذلك؛ كالتأخير ساعة أو ساعتين، نظرا إلى أنّ المراد بالتأخير- المعتبر عدمه- إنّما هو التأخير العرفي، فالتأخير بالمقدار المذكور- مثلا- ممّا لا يعدّ تأخيرا بنظر العرف، وجهان؟

قد يدّعى انصراف ما دلّ على الضمان عن امثال هذه الموارد ممّا يكون التأخير فيه يسيرا بحيث لا يعدّ فى العرف مصداقا للتأخير. و قد ينظّر المسألة بمسألة الدّين المؤجّل، في أنّ التأخير عن الأجل بعد حلوله بالمقدار اليسير جائز قطعا، و لا يعدّ تخلّفا من المديون في أداء دينه على راس الأجل. و لكن للفرق بين المسألتين مجال واسع، فانّ التأخير بالمقدار اليسير، المتسامح فيه عادة و عرفا، ملحوظ للطرفين في مقام جعل الأجل، و لو بنحو الارتكاز لا تفصيلا، و هذا بخلاف المقام، حيث إنّ الشارع ابتداء قد حكم بالضمان عند التأخير فى الدفع مع التمكّن منه، من دون أن يكون هناك ضرب الأجل منهما فى البين إلّا أن دعوى الانصراف فى المقام قريبة جدّا، و لكن مع

ذلك، الاحتياط الوجوبي يقضى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 67

و أمّا مع حضوره فمشكل، خصوصا إذا كان مطالبا (585).

[مسألة 2: يشترط فى الضمان- مع التأخير- العلم بوجود المستحق]

[مسألة 2]: يشترط فى الضمان- مع التأخير- العلم (586) بوجود المستحق، فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان، لأنّه معذور حينئذ فى التأخير.

______________________________

بالحكم بالضمان عند التأخير بالمقدار الّذي يتسامح فيه عرفا. نعم، إذا كان ذلك يسيرا جدّا أمكن فيه القول بنفي الضمان حينئذ، و اللّه العالم.

(585) لإطلاق النّصوص الدالّة على الضّمان مع التلف أو الفساد عند وجود الأهل و عدم الدّفع، و لا موجب للانصراف حينئذ، خصوصا مع مطالبة المستحق.

(586) ففي صحيح محمّد بن مسلم أو حسنته: تعليق الضمان على وجدان الأهل، قال عليه السّلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ... «1»»، و في صحيح زرارة تعليقه- على معرفة الأهل: «قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «2»»، فمع عدم العلم بوجود المستحق بعد الفحص عنه، لا إشكال في عدم الضمان، لعدم تحقّق موضوعه، و هو وجدان

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 68

..........

______________________________

الأهل، أو معرفته. و أمّا إذا لم يعلم بذلك، و لكن كان ذلك في معرض العلم به، بحيث لو تفحّص عن الأهل لعلم بهم، فالظاهر حينئذ هو الحكم بالضمان و إن لم يكن عالما بالأهل فعلا، و الوجه فيه: أنّ المأخوذ في صحيح ابن مسلم موضوعا إنّما هو

«وجدان الأهل»، و لا يختصّ تحقّق العنوان المذكور بالعلم الفعلي بالشي ء، بل يصدق فيما لو كان ذلك في معرض الوصول إليه و العلم به على تقدير الفحص عنه، فيقال له- حينئذ-: إنّه واجد للشي ء، كما هو الحال في باب الطهارات، فإنّ وجوب الوضوء أو الغسل ممّا أخذ في موضوعه- بمقتضى المقابلة- وجدان الماء، و لكن لا يعتبر فيه العلم الفعلي بوجوده مع التمكّن الخارجي منه، بل يصدق ذلك أيضا مع كونه فى معرض العلم بالفحص، و لذلك أوجبوا الفحص عن الماء و عدم جواز التيمّم إلّا بعده فيما لو كان العذر هو عدم وجدان الماء خارجا، و لذلك علّق بعض المحشّين على قول المصنّف: «فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان ...»، بقوله: «فالأقوى الضمان مع وجود المستحق، و عدم الفحص عنه»، و الوجه فيه هو ما ذكرناه.

ثمّ إنّ ما افاده المصنّف قدّس سرّه تعليلا لعدم الضمان في فرض الجهل بقوله: «لأنّه معذور حينئذ فى التأخير» مبنيّ على المسامحة، فان الموضوع للضمان ليس هو التأخير الّذي ينطبق عليه عنوان المعصية، لينتفى الحكم بانتفاء العصيان، خصوصا على مذهبه من الحكم بجواز النقل من البلد إلى بلد اخر، مع الحكم بالضمان على تقدير وجود المستحق فى البلد، أو امكان الصرف في سائر المصارف. فتأمّل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 69

[مسألة 3: لو أتلف الزكاة المعزولة- أو جميع النصاب- متلف]

[مسألة 3]: لو أتلف الزكاة المعزولة- أو جميع النصاب- متلف، فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان، يكون الضمان على المتلف فقط، و إن كان مع التأخير المزبور من المالك، فكلّ من المالك و الأجنبيّ ضامن (587)، و للفقيه أو العامل الرجوع على أيّهما شاء (588)، و إن رجع على

المالك، رجع هو على المتلف، و يجوز له الدفع من ماله، ثم الرجوع على المتلف.

[مسألة 4: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب]

[مسألة 4]: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب، على الأصحّ (589).

______________________________

(587) لوجود السبب في كل منهما، فإن المالك ضامن بالتأخير، و الأخر بالإتلاف.

(588) كما هو مقرّر و محرّر في مسألة تعاقب الأيادي. فلاحظ.

(589) المشهور بين الأصحاب قدّس سرّه شهرة عظيمة «1» هو عدم جواز تقديم الزكاة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 461، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 70

..........

______________________________

قبل وقت الوجوب، و نسب إلى ابن عقيل «1»، و سلّار «2» جواز ذلك.

و الّذي تقتضيه القاعدة فى المسألة- مع الغضّ عن النصوص الخاصّة- إنّما هو عدم الجواز، نظرا إلى أنّ الزكاة عبادة، كما سيجي ء بيان ذلك قريبا إن شاء اللّه تعالى، و حينئذ فمع عدم تعلّق الأمر بها، كيف يمكن قصد التقرّب بها!، و هذا هو العمدة في استشكال التقديم، و إلّا فسائر الوجوه الاستحسانيّة الّتي ذكرت لعدم الجواز، و قد أشار إليها فى «المستند «3»»، فغير قابلة للاهتمام بها، كما لا يخفى على من لا حظها.

و كيف كان، فقد استدل للمذهب المشهور بجملة من النّصوص:

منها: ما دلّ على عدم التزكية حتّى يحول عليه الحول، كصحيح الحلبي، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يفيد المال، قال: «لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول «4»» و صحيح عمر بن يزيد- أو حسنته بابن هاشم- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال:

«لا، و لكن حتّى يحول عليه الحول و يحلّ عليه؛ إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها،

و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره، الإقضاء، و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت «5»».

و منها: ما دلّ على أنّ الزكاة قبل وقت وجوبها كالصلاة قبل وقتها؛ كصحيح زرارة، أو حسنته قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أ يزكّي الرجل ما له إذا

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 237، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(2)- سلّار، حمزة بن عبد العزيز: المراسم/ تحقيق: د محمود البستاني، ص 128.

(3)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 370، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 51: المستحقين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 71

..........

______________________________

مضى ثلث السنة؟ قال: «لا، أ يصلّي الأولى قبل الزوال «1»!»

و الاستدلال بالروايتين الأخيرتين موقوف على أن يكون السؤال فيهما عن جواز التزكية قبل حلول الحول، و إلّا فلو كان المسئول عنه فيهما هو الوجوب، لم تدلّ الروايتان إلّا على أنّ وقت الوجوب- أي وقت تعلّق الزكاة- إنّما هو بتمام الحول و السنة، و هذا ممّا كلام فيه. و لكن الظاهر هو الأوّل، بقرينة إرداف ذلك بالصّلاة قبل الوقت فى الرّوايتين.

و استدلّ للقول الآخر- أيضا- بجملة من النصوص،

منها: صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين، و تأخيرها شهرين «2»»، و صحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال: «لا بأس، قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا فى المحرّم، فيجعلها في شهر

رمضان؟ قال: لا بأس «3»»، و مرسل الحسين بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أوّل السنة؟ فقال: «إن كان محتاجا فلا بأس «4»»، و مرسل محمّد بن الحسن [الحسين]، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يعجّل زكاته قبل المحلّ؟ فقال: «إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس «5»»، و مرسل المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة»: «قد جاء عن الصادقين عليهما السّلام: مرخّص في تقديم الزكاة شهرين قبل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 51: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 49: المستحقين للزكاة، ح 1.

(3)- المصدر: ح 9.

(4)- المصدر، ح 10.

(5)- المصدر، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 72

..........

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 3، ص: 72

______________________________

محلّها و تأخيرها شهرين، و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة، عند الحاجة إلى ذلك ... «1»»، و مرسل «الفقيه»: «روي في تقديم الزكاة و تأخيرها: أربعة أشهر، و ستة أشهر ... «2»».

و عليه فتقع المعارضة بين الطائفتين، فإن اعتبرنا الترجيح بالأشهريّة فى الرواية عند تعارض الخبرين، عملا بمقبولة عمر بن حنظلة، كان الترجيح للروايات المجوّزة، فإنّها أشهر رواية، كما لا يخفى. و إلّا فعلى القول بانحصار المرجّح في موافقة الكتاب و مخالفة العامّة، كان الترجيح للروايات المانعة، لذهاب أحمد، و الشافعي، و غيرهم «3» من العامّة إلى الجواز، و عليه فتكون النتيجة

هي عدم الجواز.

نعم، قد يكون هناك طريق للجمع بين الطائفتين، إلّا أن النتيجة هي عين النتيجة، و ذلك بأن تحمل الروايات المجوّزه على إعطاء المال بعنوان القرض، ثمّ احتسابه عليه زكاة عند وقت الوجوب، و شاهد الجمع المذكور، النّصوص التالية: رواية يونس بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام، يقول: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر (خير)، إن أيسر قضاك، و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة «4»»، و رواية عقبة بن خالد، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «إنّ عثمان بن عمران قال له: إني رجل موسر، و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقين للزكاة، ح 13.

(2)- المصدر، ح 15.

(3)- نسب ذلك إلى الحسن البصري، و سعيد بن جبير، و الزهري، و الأوزاعي، و أبي حنيفة، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبي عبيد (ابن قدامة، عبد اللّه بن احمد: المغني، ج 2:

ص 496، افست دار الكتاب العربي- بيروت؛ ابن قدامة المقدسي، محمد بن أحمد: الشرح الكبير، ج 2: ص 678، افست دار الكتاب العربي، بيروت).

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 73

..........

______________________________

ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة و ما ذا عليك إذا كنت- كما تقول- موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، با عثمان لا تردّه، فإن ردّه عند اللّه عظيم «1»»، و صحيح الأحول- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام: في رجل عجّل زكاة ماله، ثمّ أيسر المعطي قبل رأس السنة، قال: «يعيد المعطي الزكاة «2»»، و مرسل الكافي: «و قد روي: أنه يجوز إذا أتاه من يصلح له الزكاة أن يعجّل قبل وقت الزكاة، إلّا أنّه يضمنها، إذا جاء وقت الزكاة- و قد أيسر المعطي أو ارتدّ- أعاد الزكاة «3»».

و لكن الّذي لعلّه يمكن أن يكون منها شاهدا إنّما هو صحيح الأحول، نظرا إلى أنّه بعد علم السّائل بأنّ وقت وجوب الزكاة إنّما هو رأس السنة، فحينما يسأل عن تعجيل الزكاة، فإنّما يريد بذلك إعطاء مقدار الزكاة إليه، لكن لا بعنوان الزكاة بل بعنوان آخر، مثل القرض، و لكن يحتسب عليه ذلك زكاة في وقت الوجوب، و لذلك حكم عليه السّلام بوجوب الإعادة إذا أيسر وقت الوجوب، فإنّه يظهر منه كون الاعطاء سابقا بعنوان القرض، و حمله على الإعطاء بعنوان الزكاة، لكن مع اشتراط بقاء الاستحقاق إلى زمان الوجوب تعبّدا بعيد، و ذلك لأنّ الثابت فى الشريعة إنّما هو الاستحقاق حال الدفع، و لم يدلّ دليل على اعتبار الاستحقاق حال الوجوب أيضا، و حينئذ فيدور الأمر بين الالتزام بالتخصيص- بأن يكون التعجيل بعنوان الزكاة، لكن مع التخصيص لما دلّ على اعتبار الاستحقاق حال

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 50: المستحقين للزكاة، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 74

فلو قدّمها كان المال باقيا (590) على ملكه مع بقاء عينه، و يضمن تلفه القابض إن علم بالحال، و للمالك احتسابه جديدا

______________________________

الدفع، بأن يلتزم فى المقام باعتباره حال الوجوب أيضا- و بين التخصّص- بأن يكون التعجيل خارجا

عن الزكاة موضوعا، و لا شكّ أنّه متى ما دار الأمر بينهما، كان الالتزام لتخصّص هو المتعيّن، كما حرّر ذلك في محلّه و على هذا، فيكون التعجيل فى الرواية- بعد حمله على الإعطاء لا بعنوان الزكاة بل بعنوان آخر بالقرينة المتقدّمة- شاهدا على كون المراد بالتعجيل فى الروايات المجوّزة أيضا هو ذلك.

و أمّا باقي الروايات فيمكن المناقشة في كونها شاهدا على الجمع، بأنّ غاية ما يستفاد منها إنّما هو الترغيب فى القرض، و جواز احتسابه من الزكاة على تقدير عدم اليسار حال الزكاة، و هذا حكم مستقلّ في نفسه لا ربط له بمحلّ الكلام. و كيف كان فالنتيجة هي: عدم جواز تقديم الزكاة على وقت الوجوب، سواء أ كنّا قد جمعنا بين الطائفتين بحمل المجوّزة منهما على التقيّة، أم التزمنا بحملها على إلا عطاء بعنوان القرض، ثمّ جواز احتسابه من الزّكاة، فلا يهمّنا الأمر بعد ذلك أبدا.

(590) أمّا البقاء على ملكه فظاهر، لأنّه لم يدفعها إليه إلّا بعنوان الزكاة، فإذا فرضنا عدم صحّة ذلك، و لم يكن غيرها أيضا مقصودا على الفرض، كان باقيا على ملك المالك مع بقاء عينه، و مع التلف كان القابض ضامنا، مع العلم بالحال، و أمّا مع

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 75

مع بقائه، أو احتساب عوضه مع ضمانه، و بقاء فقر القابض، و له العدول عنه إلى غيره.

[مسألة 5: إذا أراد ان يعطي فقيرا شيئا و لم يجي ء وقت وجوب الزكاة عليه]

[مسألة 5]: إذا أراد ان يعطي فقيرا شيئا و لم يجي ء وقت وجوب الزكاة عليه يجوز (591) أن يعطيه قرضا، فاذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة، بشرط بقائه على صفة الاستحقاق، و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب.

______________________________

الجهل به فلا، إمّا القاعدة الغرور، أو

غيرها، كما مرّ تفصيله «1».

و أمّا جواز احتسابه جديدا مع بقاء العين، أو احتساب عوضه في فرض الحكم بالضمان- و هو فرض علم القابض بالحال، مع بقاء الفقر- فظاهر أيضا، كما مر الوجه فيه آنفا. كما أن مقتضى تخيير المالك فى الدفع إلى من شاء- كما تقدّم أيضا بيانه «2»- هو جواز العدول منه إلى غيره، فلاحظ.

(591) لا اشكال في ذلك، كما دلّت عليه النصوص المتقدّمة، فلاحظ.

______________________________

(1)- فى الجزء الثاني من كتابنا، فى المسألة 13 من فصل أصناف المستحقين.

(2)- و قد ذكرنا في شرح المسألة المشار إليها هناك ما هو مبنيّ على كون الزكاة- في مفروض المسألة- متعيّنة، بناء على أن مقصود المصنّف قدّس سرّه من قوله- فى المسألة 13-: «فإن كانت العين باقية ارتجعها ...» هو لزوم ذلك، و إن كان المراد هو جواز ارتجاعها، فشرح المسألة هو ما أفيد فى المقام فليكن هذا استدراكا منّا لما سبق. و اللّه العاصم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 76

و لا يجب عليه ذلك (592)، بل يجوز- مع بقائه على الاستحقاق- الأخذ منه و الدفع إلى غيره، و إن كان الأحوط (593) الاحتساب عليه و عدم الأخذ منه.

[مسألة 6: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة]

[مسألة 6]: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة، فالزيادة له (594) لا للمالك، كما أنّه لو نقص كان النقص

______________________________

(592) فإنّ المفروض كون ما في ذمّه الفقير ملكا للدافع، لكونه قد أعطاه قرضا، فله أخذه منه و إعطاءه لغيره زكاة.

الظاهر أنّه لا منشأ للاحتياط المذكور، و الأمر بالاحتساب فى النصوص المتقدّمة وارد مورد توهّم الحظر، و هو عدم جواز احتساب ما في ذمّته من القرض من الزكاة، فلا دلالة له إلّا على المشروعيّة،

و لم نسمع بالقائل بالوجوب أيضا، فالاحتياط المذكور- حسبما يظهر- ممّا لا نرى له وجها، و اللّه العالم.

(593) بلا اشكال فيه، فإنّ القرض- كما عرّفه بعضهم- هو التمليك على وجه التضمين، فالمقترض يكون مالكا لا محالة، فيكون النماء حينئذ في ملكه. و منه يظهر الحال في فرض النقصان، كما هو ظاهر.

(594) لا إشكال في أنّ المقترض ضامن للمقرض بالمثل أو القيمة، باختلاف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 77

عليه فإن خرج عن الاستحقاق، أو أراد المالك الدفع إلى غيره، يستردّ عوضه لا عينه، كما هو مقتضى حكم القرض، بل مع عدم الزيادة- أيضا- ليس عليه إلّا ردّ المثل أو القيمة (595).

______________________________

الموارد، إلّا أنّه مع فرض بقاء العين و عدم الزيادة، يجوز له الوفاء، بدفع نفس العين- بناء على كونها مثليّة- قطعا، و أمّا إذا كانت قيميّة، فمع رضا المقرض بذلك، كما لا يخفى. و عليه، فالواجب على المقترض ليس هو إلّا ردّ المثل أو القيمة، فإن كان المقصود بالعبارة هو ذلك فهو صحيح، و أمّا إذا كان المقصود هو عدم صحّة أداء العين- على تقدير بقاءها- فهو في غير محلّه، كما عرفت.

(595) كما هو المعروف و المشهور، و هو الّذي تقتضيه الأدلّة الأوليّة في هذا الباب، كما لا يخفى. و التعبير بالأصح في كلامه قدّس سرّه لعلّه إشارة إلى ما نسب إلى الشيخ قدّس سرّه «1» من القول بالوجوب، بناء منه على أنّ المقترض لا يملك إلّا بعد التصرّف، فقبله يكون المال في ملك المقرض، فلا ينثلم النّصاب طول الحول، إذا لم يكن قد تصرّف فيه، بأن كانت عينه باقية عند الفقير، أو بناء منه «2» على أنّ الدين يلاحظ في

باب النصاب منضما إلى أصل المال، فإذا كان ما عنده مع ماله من الدين في ذمّة الغير بالغا النصاب، وجبت عليه الزّكاة، و لكن كلا المبنيين ضعيف، كما حرّر ذلك في محلّه.

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 231، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(2)- المصدر، ج 1: ص 211.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 78

[مسألة 7: لو كان ما أقرض الفقير في اثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضا من النصاب، و خرج الباقي عن حدّه]

[مسألة 7]: لو كان ما أقرض الفقير في اثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضا من النصاب، و خرج الباقي عن حدّه، سقط الوجوب (596)- على الأصحّ- لعدم بقائه في ملكه طول الحول، سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة، فلا محلّ للاحتساب. نعم، لو أعطاه بعض النصاب أمانة بالقصد المذكور لم يسقط الوجوب، مع بقاء عينه عند الفقير، فله الاحتساب (597) حينئذ بعد حلول الحول اذا بقي على الاستحقاق.

______________________________

(596) فإنّ المال على هذا لا يكون خارجا عن ملكه، فمع اجتماع شرائط الوجوب، و كون الأمين بصفة الاستحقاق، يجوز له الاحتساب عليه من الزكاة، كما هو واضح.

(597) لعدم قدرته- حينئذ- على مئونة السنة، لا بالفعل و لا بالتدريج، من غير جهة المال المفروض كونه دينا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 79

[مسألة 8: لو استغنى الفقير- الّذي أقرضه بالقصد المذكور- بعين هذا المال، ثمّ حال الحول]

[مسألة 8]: لو استغنى الفقير- الّذي أقرضه بالقصد المذكور- بعين هذا المال، ثمّ حال الحول، يجوز (598) الاحتساب عليه، لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين، و يجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضا. و أمّا لو استغنى بنماء هذا المال (599)، أو بارتفاع قيمته، إذا كان قيميّا، و قلنا: أنّ المدار قيمة يوم القرض لا يوم الاداء، لم يجز الاحتساب عليه (600).

______________________________

(598) فإنّه إذا كان المفروض فيه هو عدم قدرته على أداء دينه، فيكون مندرجا- لا محالة- فى الغارمين، الّذين هم من جملة مصارف الزكاة، بنصّ الآية الكريمة، كما مرّ الكلام فيه.

(599) فإنّه إذا كان الاستغناء بالنماء من حيث مئونة السنة فقط، دون التمكّن من أداء الدين، بمعنى أنّه بنمائه يكون متمكّنا من مئونة سنته فقط، من دون تمكّنه بذلك من أداء الدين المذكور، لا إشكال- حينئذ- في

جواز الاحتساب من سهم الغارمين، كما هو ظاهر.

(600) أي إذا كان في ذمّة المدين قيمة يوم القرض، و فرضنا أنّ ارتفاع قيمته عن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 80

..........

______________________________

ذلك اليوم بمقدار يفي بمئونة سنته، فإنّه- حينئذ- يكون يوم الاحتساب غنيّا لا محالة، لأنّه متمكّن من أداء الدين، و واجد لمئونة سنته أيضا. و هذا بخلاف ما إذا كان في ذمّته قيمة يوم الأداء، فإنّه حين الاحتساب متمكّن من أداء الدين فقط، دون مئونة السنة أيضا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 81

[فصل الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نيّة القربة]

اشارة

[فصل] الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نيّة القربة (601)، و

______________________________

(601) الدليل على كون الزكاة من العبادات، و لذلك يعتبر في صحّتها نيّة القربة، منحصر بالإجماع «1» و لا دليل سواه على ذلك.

______________________________

(1)- فى «الجواهر»: «الإجماع بقسميه عليه، بل لعلّه كذلك بين المسلمين» (- ج 15: ص 471، ط النجف الأشرف).

و فى «المعتبر»: «هو مذهب العلماء، خلا الأوزاعي، قال: إنّها دين، فلا تعتبر لها النيّة، كسائر الدّيون» (- ج 2: ص 559، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم)

و فى «التذكرة»: «عند علمائنا أجمع، و هو قول عامّة أهل العلم» (- ج 5: ص 327، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 82

التعيين (602)، مع تعدّد ما عليه، بأن يكون عليه خمس و زكاة- و هو هاشميّ- فأعطى هاشميّا، فإنّه يجب عليه أن يعيّن أنّه من أيّهما. و كذا لو كان عليه زكاة و كفّارة، فإنّه يجب التعيين، بل و كذا إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة، فإنّه يجب التعيين على الأحوط، بخلاف ما إذا اتّحد

الحقّ الّذي عليه، فإنّه يكفيه الدفع بقصد ما فى الذمة، و إن جهل نوعه، بل مع التعدّد- أيضا- يكفيه التعيين الإجمالي، بأن ينوي ما وجب عليه أوّلا، أو ما وجب عليه ثانيا، مثلا. و لا يعتبر نيّة الوجوب و الندب، و كذا لا يعتبر نيّة الجنس الّذي تخرج منه الزكاة، إنّه من الأنعام أو الغلّات أو النقدين، من غير فرق بين أن يكون محلّ الوجوب متّحدا و متعددا، بل و من غير فرق بين أن يكون نوع الحق

______________________________

(602) لا بدّ لبيان اعتبار التعيين من تمهيد مقدّمة، و هي إنّ الأمر- تارة- يتعلّق بعنوان خاص، فإذا فرض أنّ هناك شيئين لا مائز بينهما ذاتا، و قد تعلّق بكلّ منهما أمر، لكن كلّ منهما بعنوان خاص، بأن كان الاختلاف بينهما فى العنوان المذكور، فإنّه لا بدّ من قصد العنوان الخاصّ، و إلّا فمع عدم قصده لم يتحقّق ما هو متعلّق الأمر قطعا كما في مثل صلاتي الظهر و العصر بالنسبة إلى الحاضر مثلا، فإنّ متعلّق الأمر بصلاة الظهر لا يغاير متعلّق الأمر بصلاة العصر بحسب الذات، فإنّ كلّا منهما أربع ركعات، و إنّما الاختلاف بينهما بالعنوان، فلا بدّ من قصد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 83

متّحدا أو متعددا، كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، فإنّ الحق في كلّ منهما شاة، أو كان عنده من أحد

______________________________

عنواني الظهر و العصر، و لو كان ذلك على وجه الإجمال.

و أخرى يتعلّق الأمر بالذات، و العنوان مأخوذ فى الموضوع بنحو المشير و المعرّف، ففي مثله يكون الوجه في اعتبار قصد العنوان المذكور، هو أنّ امتثال الأمر، أو بتعبير اخر وقوع الفعل عبادة

و امتثالا للأمر المتعلّق به ممّا يتوقّف على قصد العنوان المذكور، و لولاه لم يتحقّق الامتثال، كما إذا أمر المولى باكرام العالم، و إكرام الهاشميّ، حيث إنّ إكرام الشخص بدون أن يقصد به العنوان المذكور، و هو عنوان «العالم» أو «الهاشمي» لا يوجب تحقّق الامتثال بالنسبة إلى كلّ من الأمرين، إذ المفروض هو صلاحيّة وقوع الفعل امتثالا لكلّ منهما، و تعيّن أحدهما لذلك، بأن يعتبر الفعل المذكور امتثالا له بالخصوص، ترجيح بلا مرجّح، فإذا أكرم الشخص المذكور بقصد كونه عالما فقد وقع الفعل المذكور امتثالا للأمر باكرام العلماء، كما أنّه إذا أكرمه بقصد كونه هاشميّا، كان ذلك امتثالا للأمر باكرام الهاشمي دون الأمر بإكرام العالم، و أمّا إذا أكرمه بدون قصد أحد العنوانين لم يقع ذلك امتثالا لشي ء منهما.

و عليه، فنقول: كلّ ما كان- ممّا ذكره المصنّف قدّس سرّه- من القبيل الأوّل، كالخمس و الزّكاة- كما هو ظاهره كلامه قدّس سرّه-، كان اعتبار التعيين فيه بلحاظ أنّه دخيل في تحقّق متعلّق التكليف، و أمّا ما لم يكن كذلك، فاعتباره من جهة دخله في تحقّق الامتثال، إذ لو لم يقصد ذلك لم يتحقّق امتثال الأمر المتعلّق بالفعل بالعنوان الخاصّ، كما عرفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 84

النقدين و من الأنعام، فلا يجب تعيين شي ء من ذلك، سواء كان المدفوع من جنس واحد ممّا عليه أو لا، فيكفي مجرّد قصد كونه زكاة، بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان، حاضران أو غائبان أو مختلفان، فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه، و له التعيين بعد ذلك. و لو نوى الزكاة عنهما وزّعت (603)، بل يقوى التوزيع مع نيّة مطلق الزكاة (604).

[مسألة 1: لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة]

[مسألة 1]: لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة (605)، كما يجوز له التوكيل فى الإيصال إلى الفقير. و

______________________________

(603) فإنّه مقتضى تعيينه و قصده لهما معا، فلا بدّ من توزيعها عليهما.

(604) القوّة ممنوعة، فإنّه بعد ما كان الواجب عليه زكاة مالين، كان المخرج- لا محالة- صالحا لأن يكون زكاة للمال الّذي أخرج منه، و اخراجا للزكاة بالقيمة، بالنسبة إلى المال الآخر، و أن يكون زكاة للمال المخرج منه خاصّة، فمع صلاحيّته لكلّ من الأمرين، كيف يمكن القول بتعيّن الأوّل- و هو التوزيع- بمجرّد قصده مطلق الزكاة؛ فتأمّل جدّا.

(605) أمّا التوكيل فى الإيصال، فجوازه على القاعدة، فإنّ المالك لما ملّك الفقير الزكاة، فلا يفرّق- حينئذ- في إيصال المال إليه بين أن يكون ذلك بلا واسطة، أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 85

..........

______________________________

بواسطة، كانت الواسطة مثل البريد و الحوالة أو غيرهما.

و أمّا التوكيل فى الأداء، بأن ينوب الوكيل عن الموكّل في اخراج الزكاة، فبما أنّ الزكاة عبادة و جواز التوكيل و الاستنابة في باب العبادة- ثبوتا- أمر ممكن، إلّا أنه يحسب مقام الإثبات- يحتاج إلى دليل. و قد ادّعي ظهور الروايات في جواز ذلك. و العمدة فيها هي موثق سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يعطي الزكاة فيقسّمها بين أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم «1»»، بناء على ظهور السؤال في توكيل المالك المعطي ليقسّمها فى الأداء.

هذا، و لكن الظاهر من الرواية هو التوكيل فى الإيصال، و لا أقل من إجمالها و عدم ظهورها في شي ء من الأمرين.

و أمّا النّصوص الأخر «2»، فهي ظاهرة في خصوص التوكيل فى الإيصال.

إذن، فلا دليل على جواز التوكيل

فى الأداء، فما افاده قدّس سرّه، بقوله: «لا إشكال ...»،

في غير محلّه.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، باب 35 و 40: المستحقين للزكاة. و قد مرّت الإشارة إليها في صفحة 6 من هذا الكتاب. هذا و قد سبق منه قدّس سرّه هناك اختيار دلالة النصوص على جواز الاستنابة فى الإخراج، خلافا لما أفاده فى المقام. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 86

فى الأوّل ينوى الوكيل- حين الدفع إلى الفقير- عن المالك (606)، و الأحوط تولّى المالك للنيّة- أيضا- حين الدفع إلى الوكيل. و فى الثاني، لا بدّ من تولّي المالك للنيّة حين الدفع إلى الوكيل، و الأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير.

[مسألة 2: إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نيّة القربة]

[مسألة 2]: إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نيّة القربة، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير (607)، و إن تأخّرت عن الدفع

______________________________

(606) امّا في فرض التوكيل فى الإيصال، فالوجه فى لزوم نيّة المالك القربة حين الدفع إلى الوكيل ظاهر، لأنّ تمليك الفقير من هذا الحين، و الوكيل إنّما هو واسطة فى الإيصال، لا غير، و لا نرى وجها لما افاده المصنف قدّس سرّه من الاحتياط في استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير.

و أمّا في فرض التوكيل فى الإخراج و الأداء، بناء على جوازه، بما أنّ الوكيل نائب عن المالك فى الأداء، فلا بدّ و إن تكون النيّة من النائب حين الدفع إلى الفقير، لأنّه بدل تنزيليّ للمالك، و بأدائه يملك الفقير، فلا بدّ و أن تكون النيّة مقارنة لأدائه- اي أداء النائب- إلى الفقير.

(607) بما أنّ الزكاة من العبادات، و يعتبر فيها النيّة

من المالك أو النائب، فإذا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 87

بزمان، بشرط بقاء العين في يده، أو تلفها مع ضمانه (608)، كغيرها من الديون، و أمّا مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنيّة.

______________________________

دفعها إلى الفقير بلا نيّة من المالك أو وكيله لم تخرج عن ملكه، فإذا كانت العين باقية عند الفقير، كان له أن ينوي القربة بعد ذلك. و هذا بناء على أنّ التمليك- في باب الزكاة- يكون من العقود، المعتبر فيها الإيجاب و القبول، فإذا وقع- في مفروض الكلام- التمليك ايجابا كان حصول التمليك مراعى بقبول الفقير، و كان للايجاب بقاء اعتباريّ إلى حين قبول الفقير، و لا بدّ من استمرار النيّة من حين التمليك إلى حين القبول، و عليه، فحيث أنّ الدفع بلا نيّة قد بطل و كانت العين باقية في ملك مالكها، فإذا أراد المالك- أو وكيله- نيّة القربة بعد ذلك، فلا بدّ و أن يصدر منه ما يدلّ على التمليك ليكون هو مقارنا للنيّة، و إلّا فمع عدم صدور شي ء ممّا يدلّ على التمليك، على أيّ شي ء تقع النيّة.

و حاصل المقال، أنّه إذا صدر من المالك أو وكيله ما يدلّ على التمليك، و نوى القربة، و تصرّف الفقير- و هو دليل الرّضا- كفى ذلك.

(608) كما إذا كان الفقير عالما بأنّ الدفع كان بلا نيّة- مثلا- و مع ذلك تصرّف فى المال، فانّه ضامن له حينئذ، لقاعدة الإتلاف، و عليه فيجوز للمالك احتسابه زكاة، كسائر الديون الّتي سبق القول بجواز احتسابها زكاة.

و أمّا مع عدم ضمانه، كما إذا كان جاهلا، لقاعدة الغرور، فلا مجال للاحتساب زكاة، حيث لا عين و لا دين، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 88

[مسألة 3: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك فى الأداء]

[مسألة 3]: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك فى الأداء، كما يجوز بعنوان الوكالة فى الإيصال، و يجوز بعنوان أنّه وليّ عام على الفقراء. ففى الأوّل يتولّى الحاكم النيّة وكالة حين الدفع إلى الفقير (609)، و الأحوط تولّى المالك- أيضا- حين الدفع إلى الحاكم. و فى الثاني يكفي نيّة المالك حين الدفع إليه و ابقاؤها مستمرّة إلى حين الوصول إلى الفقير. و فى الثالث، أيضا ينوي المالك حين الدفع إليه (610)، لأنّ يده حينئذ يد الفقير المولّى عليه.

[مسألة 4: إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما]

[مسألة 4]: إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما، يكون هو المتولّي للنيّة (611).

______________________________

(609) بناء على جوازه النيابة عن المالك فى الأداء، يكون حال الحاكم و غيره في ذلك سواء، و قد عرفت أنّ النائب فى الأداء إنّما ينوي القربة حين الدفع إلى الفقير.

(610) أي حين الدفع إلى الحاكم، لكونه وليّ الفقير، فتكون يده بمنزلة يد الفقير، فلا بدّ من النيّة حين الدفع إلى الحاكم.

(611) لأنّ الوليّ هو المخاطب بأداء الزكاة، فيكون المتولّي للنيّة لا محالة، لأنّ الأداء

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 89

[مسألة 5: إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى- هو- النيّة عنه]

[مسألة 5]: إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى- هو- النيّة عنه (612)، و إذا أخذها من الكافر يتولّاها- أيضا- عند أخذه منه (613)، أو عند الدفع إلى الفقير، عن نفسه، لا عن الكافر.

[مسألة 6: لو كان له مال غائب مثلا، فتوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته]

[مسألة 6]: لو كان له مال غائب مثلا، فتوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته، و إن كان تالفا فهو صدقة مستحبّة، صحّ (614)،

______________________________

الصحيح- المقروض كونه مأمورا به- لا يكون إلّا بالنيّة.

(612) لأنّه- بمقتضى ما ثبت من أن «الحاكم وليّ الممتنع»- وجود تنزيليّ للمالك شرعا، فيتولّى النيّة عنه حين الأداء، كما يتولّى الأداء.

(613) فإنّ الزكاة عبادة، مشروطة بنيّة القربة، و لا يكاد تصح نيّة القربة من الكافر، لعدم صلاحيّته لذلك، فلا محالة يكون متولّى النيّة هو المأمور بأخذ الزكاة منه، و هو الحاكم، فينوي عن نفسه، لأنّه المأمور به بأخذ الزّكاة و دفعها إلى الفقير، مثلا.

(614) فإنّ ذلك ليس من الترديد في النيّة، فإنّه- على تقدير وجود المال- لم ينو إلّا الزّكاة، و على تقدير عدم وجوده لم ينو سوى الصدقة المستحبّة، و عليه، فإن كان المال موجودا وقع ذلك زكاة، و إلّا وقع صدقة مستحبّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 90

بخلاف ما لو ردّد في نيّته و لم يعيّن هذا المقدار أيضا، فنوى أنّ هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة، فانّه لا يجزي (615).

[مسألة 7: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفا]

[مسألة 7]: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفا، فإن كان ما أعطاه باقيا، له أن يستردّه (616)، و إن كان تالفا استردّ عوضه، إذا كان القائض عالما بالحال، و إلّا فلا.

______________________________

(615) فإنّ ذلك ترديد فى النيّة، بمعنى أنّه لم يعيّن أحد الأمرين على تقدير وجود المال، و عليه فتكون نسبة المال المدفوع إلى الفقير إلى كلّ من نيّة الزكاة و الصّدقة على حدّ سواء، و يكون تخصيصه بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرحّج، فلا يقع ذلك زكاة و لا صدقة مستحبّة، كما

هو ظاهر.

(616) بناء على جواز إخراج الزكاة من غير عين المال المزكويّ، فبما إنّ المال المذكور إنّما أعطي للفقير بعنوان الزكاة، و المفروض أنّه لا واقع له، لفرض تلف المال و عدم وجوب الزّكاة عليه، و حينئذ فمع بقاء عين المال له أن يستردّها، لبقائها على ملكه، و مع التلف مع الضّمان، كما إذا كان القابض عالما بالحال، و كان ضامنا بقاعدة الإتلاف، فللمالك استرداد عوض التالف، و مع عدم الضمان، لقاعدة الغرور، بفرض جهل القابض بالحال، ليس له استرداد عوضه. و هذا ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 91

[ختام فيه مسائل متفرّقه]

اشارة

[ختام] فيه مسائل متفرّقه

[الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ]

الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ، و ليس من باب النيابة عن الصّبي و المجنون (617).

______________________________

(617) لا إشكال في أنّ النيابة- في أيّ مورد التزمنا بثبوتها فيه- إنّما تكون مع فرض توجه التكليف إلى المنوب عنه ابتداء، فإنّ المخاطب بالعمل هو المنوب عنه، و النائب إنّما هو منزّل منزلة المنوب عنه، و لذلك يلزمه قصد العمل عن المنوب عنه، فإذا فرضنا في مورد امتناع توجّه الخطاب نحو المنوب عنه كما فى المقام، حيث إنّه يمتنع توجّه التكليف نحو الصّبي و المجنون- فلا مجال حينئذ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 92

فالمناط فيه اجتهاد الوليّ أو تقليده (618)، فلو كان مذهبه- اجتهادا أو تقليدا- وجوب إخراجها أو استحبابه، ليس للصبي- بعد بلوغه- معارضته، و إن قلّد من يقول بعدم الجواز.

______________________________

للنيابة، و فرض النائب نفسه- في مقام العمل- منزّلا منزلة المنوب عنه. و على هذا، فلا أثر للنيابة فى المقام، لاختصاصها بمورد يكون التكليف ثابتا في حقّ المنوب عنه، و لكنه يسقط بفعل النائب، و هذا المعنى غير ممكن فى المقام، كما عرفت.

(618) النيابة تكون على قسمين: فقد تكون بالتسبيب بالاستيجار، و قد تكون تبرعيّة.

أمّا الأوّل، فيعتبر فيه أن يكون العمل على وفق مذهب المنوب عنه، اجتهادا أو تقليدا، و ذلك لأنّ مقتضى عقد الاجارة- بحسب الارتكاز- إنّما هو ذلك، فانّ من يستأجر شخصا لأن ينوب عنه في عمل من الأعمال، فبالطبع يكون مورد الإجارة إنّما هو ما يراه للعمل من الأجزاء و الشرائط اجتهادا أو تقليدا، إذ لا تفرغ ذمّته عن العمل- بحسب نظره و رأيه- إلّا بالإتيان بالعمل على الوجه

المذكور. نعم، يعتبر في ذلك أن يكون العمل بنظر النائب مشروعا، فلو فرضنا:

أنّ المستأجر كان يرى مانعية السورة- مثلا- فى الصّلاة، و كان النائب يرى جزئيّتها، لم تصحّ النيابة في هذا الفرض؛ لاعتقاد النائب عدم مشروعيّة العمل الّذي وقع عليه الاستيجار، و هذا واضح.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 93

..........

______________________________

و أمّا الثاني، فالمعتبر فيه إنّما هو نظر النائب اجتهادا أو تقليدا، حيث لا يقطع ببراءة ذمّة المنوب عنه إلّا على هذا التقدير.

هذا في باب النيابة، و أمّا المقام، فقد عرفت آنفا أنّه أجنبيّ عن باب النيابة، و أنّ الوجوب أو الاستحباب تكليف متوجّه- ابتداء- إلى الوليّ، فلا محالة يكون المدار على اجتهاده أو تقليده، فلو كان رأيه- بأحد الوجهين- هو وجوب الإخراج أو استحبابه، كان تكليفه الظاهري هو ذلك، فإذا بلغ الصّبى بعد ذلك، فالكلام فيه يقع من جهتين: الأولى فى الضمان؛ و الثانية في تكليف الصبيّ بعد البلوغ في حدّ نفسه.

أمّا الجهة الاولى، فالظاهر هو عدم ثبوت الضمان على الوليّ فيما لو أخرج الزكاة من مال الصّبي، ثمّ بعد البلوغ استقرّ رأيه- اجتهادا أو تقليدا- على عدم وجوب إخراج زكاة مال التجارة من مال الصبيّ، أو عدم استحبابه، لا بضمان التلف، و لا يضمان الإتلاف، أمّا الأول، فلأنّ اليد انما تقتضى الضمان فيما إذا لم تكن يد أمانة، و المفروض أنّها أمانة فى المقام. و أمّا الثاني فلأنّ الإتلاف إنّما يكون موجبا للضمان فيما إذا كان على وجه التعدّي، بأن لم يكن مأذونا فيه من المالك، و المفروض عدمه فى المقام، فإنّ الإذن من مالك الملوك- و هو اللّه سبحانه و تعالى- حاصل فى المقام، فإنّ الشارع قد أوجب عليه

ذلك، أو أنّه حكم باستحبابه في حقّه، كما هو المفروض.

الجهة الثانية، في تكليفه في حدّ نفسه، فإذا بلغ الصبيّ، و خالف- اجتهادا أو تقليدا- ما عمله الوليّ قبل بلوغه، ليس له الاكتفاء بما عمله الوليّ، كما إذا كان رأي الوليّ هو الاستحباب فلم يخرج الزكاة، و رأي الصبيّ بعد البلوغ هو الوجوب، كان عليه العمل برأيه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 94

كما أنّ الحال (619) كذلك في سائر تصرفات الوليّ في مال الصبيّ أو نفسه، من تزويج و نحوه، فلو باع ماله بالعقد الفارسيّ، أو عقد له النكاح بالعقد الفارسيّ، أو نحو ذلك من المسائل الخلافيّة، و كان مذهبه الجواز ليس للصبىّ- بعد بلوغه- إفساده بتقليد من لا يرى الصحّة. نعم، لو شك الولي- بحسب الاجتهاد أو التقليد- في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما، و أراد الاحتياط بالإخراج، ففي جوازه إشكال (620)،

______________________________

(619) ما ذكره قدّس سرّه لا يتمّ إلّا على ما ذكره شيخنا الأعظم العلّامة الأنصاري قدّس سرّه احتمالا في بعض كلماته، من كون الحكم الظاهرى في حقّ أحد واقعيّا في حق الآخر، و لو كان يخالفه فى النظر و الرأي، و هو محلّ إشكال، و القاعدة تقضي في أمثال المقام، بأنّ المعاملة الواقعة لو كان لها أثر بقاء، كان المتعيّن على الصبيّ بعد البلوغ، أو المجنون بعد الإفاقة، العمل على طبق وظيفته، فليس له بعد ذلك ترتيب الأثر على العقد السابق إذا كان يرى فساده، فيما إذا كان للعقد أثر- بعد- في مرحلة البقاء، كما هو ظاهر.

(620) تصوّر الاحتياط في أمثال هذه الموارد ممّا يكون طرف الترديد فيها احتمال الحرمة، و هو حرمة التصرّف فى مال الصّبي، مشكل جدّا،

بل لعلّه غير معقول،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 95

لأنّ الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبيّ.

نعم، لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيّا. و كذا الحال في غير الزكاة، كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبيّ، حيث إنّه محلّ الخلاف، و كذا في سائر التصرّفات في ماله، و المسألة محلّ إشكال، مع أنّها سيّالة.

[الثانية: إذا علم بتعلّق الزكاة بماله و شكّ في أنّه أخرجها أم لا،]

الثانية: إذا علم بتعلّق الزكاة بماله و شكّ في أنّه أخرجها أم لا، وجب عليه الإخراج، للاستصحاب (621)؛ إلّا إذا كان الشكّ

______________________________

و تصوّر الاحتياط الوجوبيّ فيها أشدّ إشكالا و أعمق غموضا و خفاء. و الّذي يظهر لنا في أمثال هذه الموارد، إنّما هو عدم الجواز، بعد فرض عدم إمكان الاحتياط فى المسألة.

(621) أو لقاعدة الاشتغال، بناء على أنّ الشك فى الخروج عن العهدة- بعد العلم باشتغال الذمّة- بنفسه كاف لحكم العقل بالاشتغال، فإنّ ذلك مترتّب على الشكّ فى الإتيان، لا على عدم الإتيان به واقعا، ليتوقّف على استصحابه، فلا مجال للاستصحاب في امثال هذه الموارد.

نعم، ذهب بعضهم إلى التفصيل بين ما إذا كان موردا للعلم الاجمالي، كما إذا علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة، فأتى بأحدهما، فإنّه حينئذ لا مجال للاستصحاب، بل تجري قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الإتيان بالآخر، و بين ما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 96

بالنسبة إلى السنين الماضية، فإن الظاهر جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت، أو بعد تجاوز المحلّ (622). هذا، و لو شكّ في أنّه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحب إخراجها- كمال التجارة له- بعد العلم بتعلقها به، فالظاهر جواز العمل

______________________________

إذا لم يكن كذلك، بأن كان الشك فى الفراغ ناشئا عن الشكّ

فى الإتيان، كما إذا شكّ فى الإتيان بصلاة واجبة عليه في وقتها، فالتزم بجريان الاستصحاب حينئذ.

و لعلّ المصنّف قدّس سرّه حيث حكم بجريان الاستصحاب فى المقام كان نظره إلى ذلك.

و اللّه العالم.

(622) جريان القاعدتين موقوف على أن تكون الزكاة من الموقّتات، أو أن يكون لها محلّ شرعي، بحيث يكون قد حكم الشارع بترتّب شي ء آخر عليها شرعا، و كلا الأمرين ممنوع منه. نعم، بناء على ما احتمله شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه، من جريان قاعدة التجاوز فيما إذا كان للشي ء محلّ عادي، و شكّ فيه بعد تجاوز محلّه، كما إذا كان من عادته الصلاة في أوّل الوقت، فإنّه يحكم- حينئذ- بالإتيان بها، فيما لو شكّ فيها بعد مضيّ الوقت المذكور، فإنّه- على هذا- تجرى القاعدة فى المقام، فيما إذا كان من عادته اعطاء الزكاة في رأس كل سنة مثلا. إلّا أنّ تعميم القاعدة إلى أمثال هذه الموارد- كما أفاده شيخنا الأنصاري قدّس سرّه- يستلزم تأسيس فقه جديد. و الحق هو جريان الاستصحاب، أو قاعدة الاشتغال، في هذا الفرض أيضا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 97

بالاستصحاب، لأنّه دليل شرعيّ و المفروض أنّ المناط فيه شكّه و يقينه لأنّه المكلّف، لا شكّ الصبيّ و يقينه. و بعبارة أخرى، ليس نائبا عنه (623).

[الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه، أو قبله حتّى يكون على المشتري،]

الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه، أو قبله حتّى يكون على

______________________________

(623) فإنّ التكليف إنّما كان متوجّها إلى الوليّ نفسه، فيكون المناط- لا محالة- هو شكّه و يقينه، فيجري الاستصحاب حينئذ.

و قد يورد عليه «1» بأنّه لو كان نائبا عنه كان الحكم- أيضا- كذلك، فإنّ شكّه و يقينه في

بقاء الاستحباب في حقّ الصبيّ يصحّحان جريان الاستصحاب فيه، و إذا ثبت الاستحباب في حقّه- و لو ظاهرا- ناب الوليّ عنه ....

و يتوجّه عليه إنّ المفروض إذا كان هو النيابة، بأن كان توجّه التكليف إليه- وجوبا أو استحبابا- بعنوان النيابة، فمع الشك فى الإخراج لا محالة يكون ثبوت الأمر الوجوبي أو الاستحبابي في حقّ المنوب عنه مشكوكا فيه، و جريان الاستصحاب عنده لا يترتّب عليه ثبوت الأمر ظاهرا للمنوب عنه، ليقصد النيابة عنه فى الأمر المذكور.

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 356، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 98

المشتري، ليس عليه شي ء (624)

______________________________

(624) الكلام بالنسبة إلى البائع يقع- تارة- في صحّة المعاملة و فسادها، و أخرى في وجوب الزكاة عليه و عدمه، و المصنّف قدّس سرّه لم يتعرّض فى الكتاب للجهة الأولى، و محصّل القول فيها:

إنّه لا اشكال في فساد المعاملة و كونها فضوليّة، فيما إذا كانت بعد زمان التعلّق، بناء على الإشاعة أو الكلّي فى المعيّن، بالنسبة إلى المقدار المتعلّق لحقّ الفقير، و كذلك الحال بالنسبة إلى تمام النصاب، بناء على أنّ حقّ الفقير متعلّق بالعين من قبيل حقّ الرهانة.

هذا إذا كان كلّ من زماني البيع و التعلّق معلوما، و أمّا مع الجهل بتاريخهما فمقتضى استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البيع إنّما هو صحّة المعاملة، من حيث وقوعها قبل تعلّق حقّ الفقير بالمال، و مقتضى استصحاب عدم البيع إلى زمان صدق الاسم إنّما هو فساد المعاملة، لوقوعها بعد تعلّق حقّ الفقير بالمال، فيتعارض الأصلان لا محالة، و حينئذ فيكون المرجع إنّما هو أصالة الفساد، المتعيّن في باب المعاملات. نعم، إذا بنينا على أنّ الحقّ

المتعلّق بالعين من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- كانت المعاملة الواقعة صحيحة على كلّ تقدير، سواء أ كانت قبل زمان صدق الاسم أم كانت بعده، و الوجه فيه ظاهر، كما مرّ بيانه سابقا.

و أمّا الجهة الثانية، فالظاهر هو عدم وجوب الزكاة على البائع مع الجهل بتاريخ الحادثين معا، و ذلك لتعارض استصحاب بقاء الملك- أو بتعبير آخر:

استصحاب عدم البيع- إلى زمان صدق الاسم، المقتضي لوجوب الزكاة عليه،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 99

إلّا إذا كان زمان التعلّق معلوما و زمان البيع مجهولا، فإنّ الأحوط حينئذ الإخراج (625)،

______________________________

مع استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البيع، المقتضي لعدم وجوبها عليه، فيتساقطان، و يكون المرجع حينئذ هو البراءة.

هذا بناء على جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ فى نفسه، و سقوطهما بالمعارضة، و أمّا بناء على عدم المقتضى للجريان في حد نفسه- كما هو المختار- فالمرجع إنّما هو أصالة البراءة من الوجوب ابتداء.

ثمّ إنّه- كما يظهر من عبارة «المستمسك «1»» فى الفرع الآتي-: أنّ المعارضة إنّما تكون بين أصالة عدم تعلّق الزكاة إلى زمان البيع، و بين أصالة بقاء الملك إلى زمان التعلّق، و هو غير خال من الإشكال، فإنّ أصالة عدم تعلّق الزكاة أصل حكمي، فإنّها عبارة أخرى عن استصحاب عدم وجوب الزكاة، و الأصل الحكمي ليس هو في مرتبة الأصل الموضوعي، ليعارض به الأصل الموضوعيّ فى الطرف الآخر، بل هو مسبوق بأصل موضوعيّ، و هو استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البيع. نعم، بعد تساقط الأصلين بالمعارضة، أو على القول بعدم جريانهما في أنفسهما، تصل النوبة حينئذ إلى الأصل الحكمي، و هو أصالة البراءة عن الوجوب، أو استصحاب عدم وجوب الزكاة.

(625) بناء على

جريان الاستصحاب في كليهما حينئذ و سقوطه بالمعارضة، كما

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 356- 357، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 100

على إشكال في وجوبه (626)، و كذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شكّ في ذلك، فإنّه لا يجب عليه شي ء (627)،

______________________________

اختاره بعضهم، فالحال فيه هو الحال في إذا كان تاريخ كلا الأمرين مجهولا. و أمّا على مبنى عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ، كما اختاره شيخنا العلّامة الأنصاري رحمه اللّه، فإذا كان زمان التعلّق معلوما و زمان البيع مجهولا، كان مقتضى أصالة عدم تحقّق البيع إلى زمان التعلّق، هو وجوب اخراج الزكاة، فان التعلّق- حينئذ- يكون في زمان يكون المال ملكا له، فيجب عليه زكاته. و إذا كان الأمر بالعكس، كان مقتضي أصالة عدم التعلّق إلى زمان البيع، هو عدم وجوب الزكاة.

(626) منشأ الإشكال إنّما هو احتمال معارضة الأصل المذكور بالأصل في طرف المعلوم، بالنسبة إلى الزمان الإجمالي، كما التزم به بعضهم، على ما هو محرّر في علم الأصول.

(627) الكلام فيه من الجهتين بعينه هو الكلام المتقدّم بالنسبة إلى البائع، فبالنسبة إلى صحّة المعاملة و فسادها، يكون مقتضى استصحاب عدم البيع إلى زمان التعلّق- و هو صدق الاسم- إنّما هو الفساد، بناء على القول بالإشاعة، أو الكلّي في المعيّن. و كذا على القول بكون الحقّ من قبيل حقّ الرّهانة، و مقتضى استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البيع إنّما هو صحّتها، نظرا إلى عدم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 101

..........

______________________________

وقوع المعاملة حينئذ على مال الغير، أو ما هو متعلّق حقّه، فمع تعارض الأصلين و تساقطهما، أو بناء على

عدم جريانهما في أنفسهما، يكون المرجع- حينئذ- إنّما هو أصالة عدم ترتّب الأثر، المعبّر عنها بأصالة الفساد في باب المعاملات. إلّا إذا أحرز المشتري التفات البائع إلى هذه الجهة حين البيع، فإنّ أصالة الصحّة الجارية في حق البائع تكون حاكمة- لا محالة- على أصالة الفساد، كما هو ظاهر.

و كذلك الحال بالنسبة إلى الوجوب، أي وجوب الزكاة عليه، فإنّ مقتضي أحد الاستصحابين إنّما هو وجوبه على المشتري، و مقتضى الآخر هو عدمه، لكن بعكس البائع، بمعنى أنّ ما كان يقتضي الوجوب على البائع لا يقتضيه بالإضافة إلى المشتري، و ما كان يقتضي عدم الوجوب هناك مقتض للوجوب فى المقام، و حينئذ فالمرجع- بعد التساقط، أو عدم جريانهما في انفسهما، على الخلاف- إنّما هو الأصل الحكمي، و هو البراءة عن وجوب الزكاة، أو استصحاب عدمها.

نعم، هنا شي ء آخر، و هو أنّ الزكاة حيث فرضناها متعلّقة بالعين، فلا محالة يعلم المشتري إجمالا بوجوب إخراج الزكاة من المال المذكور، إمّا لتعلّق الزكاة قبل دخوله في ملكه، أو لتعلّقه به بعد ذلك، فالعين المذكورة- على كلا التقديرين- تكون متعلّقا لحقّ الزكاة و حينئذ فلا بدّ له من إخراج الزكاة بمقتضى العلم إلا جمالي المذكور.

و أمّا بالنسبة إلى الضّمان فيما لو أدّاها المشتري، فهل يكون له الرجوع إلى البائع أو لا؟ الظاهر أنّه لا موجب للرجوع إلى البائع بحسب القواعد. و قاعدة العدل و الإنصاف- لو تمّت- لاقتضت تنصيف المال على البائع و المشتري. نعم، في فرض الحكم بفساد المعاملة بمقتضى أصالة الفساد- كما تقدّم تفصيله- أمكن القول بالرّجوع إليه، على القول بالاشاعة أو الكلّي فى المعيّن، فإنّ المعاملة- على الفرض- لم تكن صحيحة في مقدار حقّ الفقير فى العين، فلم

يدخل ما يقابله

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 102

إلّا إذا علم زمان البيع و شكّ في تقدّم التعلّق و تأخّره، فإنّ الأحوط حينئذ إخراجه (628)، على إشكال في وجوبه (629).

[الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة]

الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته، و إن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من

______________________________

من الثمن في ملك البائع، فللمشتري الرجوع إليه في ذلك، كما هو ظاهر. و أمّا على المختار من تعلّق الزكاة بالمال بنحو حقّ الجناية، فلا موجب للرّجوع على البائع، بعد فرض صحّة المعاملة في تمام المال، و دخول تمام الثمن في ملك البائع.

(628) إذا كان تاريخ أحدهما معلوما، فمع البناء على عدم جريان الأصل فيه، يجري الأصل فى الطرف الأخر، و يترتّب عليه حكمه، و بناء على الجريان فيه أيضا، يجرى الأصلان معا، و يتساقطان، على ما عرفت ذلك في طرف البائع.

(629) وجه الإشكال هو ما تقدّم، من احتمال معارضة الأصل في مجهول التاريخ، و هو استصحاب عدم صدق الاسم إلى ما بعد البيع، المقتضي للوجوب، مع الأصل في طرف المعلوم، و هو استصحاب عدم البيع إلى زمان صدق الاسم، المقتضى لعدم وجوبها على المشتري.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 103

الورثة (630)، إذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلّق أو بعده، لم يجب الإخراج من تركته، و لا على الورثة (631) إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب.

______________________________

(630) الحكم في الفرضين واضح، و قد مرّ فى المسألة الثامنة و العشرين «1»، من فصل زكاة الغلّات، ما ينفع فى المقام، فراجع و لاحظ.

(631) فإنّ استصحاب عدم الموت- أو بقاء الحياة- إلى زمان صدق الاسم، المترتّب

عليه وجوب الإخراج من التركة، معارض باستصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان الموت، فيتساقطان لا محالة، و يكون المرجع- حينئذ- إنّما هو أصالة البراءة عن الوجوب. أو يرجع فيه إلى استصحاب عدم الوجوب.

هذا، بناء على جريان الاستصحابين في مجهولي التاريخ و تساقطهما بالمعارضة، و إلّا فالمرجع هو الأصل الحكمي- البراءة أو الاستصحاب- من الأوّل، كما هو ظاهر.

هذا إذا لم يبلغ نصيب كلّ وارث النّصاب، و أمّا مع بلوغه ذلك، فيجب عليه الزكاة، لأنّه يعلم تفصيلا بتعلّق الزكاة بالمال المذكور، إمّا عنده أو عند مورّثه، فمع تحقّق سائر الشرائط من البلوغ، و العقل، يجب عليه إخراج الزكاة، و إلّا فلا، لما سيشير إليه المصنّف قدّس سرّه فى المتن.

______________________________

(1)- ج 2: صص 136- 143.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 104

إلّا مع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان الموت، فإنّ الأحوط- حينئذ- الإخراج، على الإشكال المتقدّم (632). و أمّا إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب، أو نصيب بعضهم، فيجب على من بلغ نصيبه منهم، للعلم الإجمالي (633) بالتعلّق به، إمّا بتكليف الميّت به في حياته، أو بتكليفه- هو- بعد موت مورّثه، بشرط أن يكون بالغا، عاقلا، و إلّا فلا يجب عليه، لعدم العلم الاجمالي بالتعلّق حينئذ.

[الخامسة: إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة، و شكّ في أنّه أدّاها أم لا،]

الخامسة: إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة، و شكّ في أنّه أدّاها أم لا، ففي وجوب إخراجه من تركته لاستصحاب بقاء تكليفه، أو عدم وجوبه للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، و استصحاب بقاء تكليف الميت لا ينفع في تكليف

______________________________

(632) منشأ الإشكال، هو ما مرّت الإشارة إليه آنفا؛ من احتمال معارضة الأصل في المجهول بالأصل في معلوم التاريخ، بالنسبة إلى الزمان الإجماليّ.

(633) هذا مبنيّ

على كون الزكاة متعلّقا بالعين، سواء أ كان هو الملك بنحو الإشاعة، أم الكلّي فى المعين، أم كان حقّا من قبيل حق الجناية، و الوجه فيه ظاهر ممّا تقدّم فى المسألة السابقة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 105

الوارث، وجهان، أوجههما الثاني؛ لأنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميّت حتّى يتعلّق الحق بتركته، و ثبوته فرع شكّ الميّت و اجرائه الاستصحاب (634)، لا شكّ الوارث، و حال الميّت غير معلوم أنّه متيقّن بأحد الطّرفين أو شاك. و فرق بين ما نحن فيه و ما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه- سابقا- و هو نائم، و شكّ في أنّه طهّرهما أم لا؛ حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة، مع أنّ حال النائم غير معلوم أنّه شاكّ أو متيقّن؛ إذ في هذا المثال لا حاجة إلى اثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم، بل يقال: إنّ يده كانت نجسة، و الأصل بقاء نجاستها، فيجب الاجتناب عنها، بخلاف المقام، حيث إنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميّت و اشتغال ذمته بالنسبة إليه من حيث هو.

______________________________

(634) إن كان المانع من جريان الاستصحاب هو ذلك، فيمكن دفعه، بأن يقال: إنّ تكليف الميّت إذا كان من قبيل الموضوع بالنسبة إلى تكليف الوارث، فالاستصحاب و إن كان لا يثبت التكليف في حقّ الميّت، لامتناع ثبوت التكليف في حقّه، إلّا أنّ حاله حال الموضوعات الّتي تكون من الأمور التكوينيّة الخارجيّة؛ كحياة زيد مثلا فإنّها إذا كانت موضوعا لحكم من الأحكام

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 106

..........

______________________________

الشرعيّة، فكما أنّ التعبد بها- عند الشكّ فيها- مرجعه إلى التعبّد بالأثر الشرعي، و هو الحكم

المترتّب عليها، نظرا إلى أنّ الحياة من الأمور التكوينيّة غير القابلة للثبوت بالتعبّد الشرعى، كذلك التعبّد الاستصحابي بتكليف الميّت بالإخراج فى المقام، يكون مرجعه إلى التعبّد بالأثر الشرعي المترتّب عليه، و هو تكليف الوارث بالإخراج، و هذا أمر معقول جدّا، و لا محذور فيه أصلا.

و الصحيح أن يقال: إنّ الوجه في عدم وجوب الإخراج إنّما هو استصحاب عدم اشتغال ذمة الميّت بالمال، فإنّ مفروض الكلام هو عدم وجود المال الّذي هو متعلّق الزكاة، إمّا بالتلف أو الإتلاف. و سيشير المصنّف قدّس سرّه إلى صورة وجود المال. و اشتغال الذمّة بالنسبة إلى الميّت من قبيل النجاسة فى المثال الّذي ذكره، و ليس هو مثل التكليف الّذي لا يعقل ثبوته في حقّ الميّت. و على الإجمال، اشتغال الذمّة أمر ثابت للميّت بما هو موضوع من الموضوعات الخارجيّة، كالنجاسة الثابتة لبدن الإنسان مثلا، فإنّها إنّما تثبت له بما هو موضوع، لا بما هو إنسان، حيّ، مكلّف، و هذا ظاهر.

و دعوى أنّ المقام من موارد جريان الأصل الموضوعي، و هو استصحاب عدم الإخراج، المترتّب عليه اشتغال الذمّة، مدفوعة، بأنّ مجرّد عدم الإخراج- أو التأخير فيه- ليس بموضوع للحكم بالضّمان، بل بضميمة وجود المستحقّ- أو سائر المصارف- مع امكان الدفع، كما مرّ بيانه سابقا. و من الظاهر أنّه على تقدير الملازمة العقليّة أو العاديّة بين عدم الإخراج و بين ما هو المتمّم لموضوع الضمان، فلا شكّ في عدم ثبوت المتمّم باستصحاب عدم الإخراج، إلّا بناء على حجيّة الأصل المثبت، و هو خلاف التحقيق، كما بيّناه في محلّه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 107

نعم، لو كان المال الّذي تعلّق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال الأصل (635)

بقاء الزكاة فيه، ففرق بين صورة الشكّ في تعلّق الزكاة بذمّته و عدمه، و الشكّ في أنّ هذا المال الّذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته، أم لا. هذا كلّه إذا كان الشكّ في مورد لو كان حيّا و كان شاكّا وجب عليه الإخراج، و أمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السّابقة، أو نحوهما، ممّا يجري فيه قاعدة التجاوز و المضيّ (636)، و حمل فعله على الصحّة (637)، فلا اشكال. و كذا الحال إذا علم اشتغاله بدين أو

______________________________

(635) و وجهه ظاهر، كما أفاده قدّس سرّه، و عليه فمع تلف العين، يكون المرجع للوارث إنّما هو استصحاب عدم اشتغال ذمة المورّث، و في فرض بقائها، يكون المرجع هو استصحاب بقاء الزكاة فى العين، و يترتّب على ذلك عدم وجوب إخراج الوارث الزكاة فى الفرض الأوّل، و وجوب إخراجها فى الثاني، فلاحظ.

(636) قد عرفت الحال في جريان القاعدتين و عدمه في مثل المقام فى المسألة الثانية، فراجع.

(637) قوله قدّس سرّه: «و حمل فعله على الصحّة» ممّا لم يظهر لنا المراد منه، و أن ربطه بما تقدمه ما هو؟ و ذلك لاختصاص القاعدة بما إذا صدر منه ما يقبل الاتّصاف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 108

كفّارة، أو نذر، أو خمس، أو نحو ذلك.

[السادسة: إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما]

السادسة: إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما (638)، إلّا إذا كان هاشميّا، فإنّه يجوز أن يعطى للهاشميّ بقصد ما فى الذّمة (639).

______________________________

بالصحّة و الفساد، لا مطلقا، و ليس فى المقام ما يكون كذلك.

و على تقدير عدم جريان القواعد المذكورة، فحيث كان الشك- حينئذ- في وجوب الإخراج و عدمه، فالمرجع هو البراءة عن وجوب

الزكاة.

(638) هذا إذا لم يكن المعطي هاشميّا، فإن مقتضى علمه الإجمالي بأحد الأمرين، إمّا وجوب الخمس أو الزكاة عليه، إنّما هو تنجّز كلا التكليفين، و حيث أنّ المفروض عدم إمكان امتثال كليهما، باعطاء المال إلى شخص واحد- و هو الهاشميّ- بقصد ما فى الذمة من خمس أو زكاة، بناء على اتحادهما فى المقدار، كما هو المفروض، إذ على تقدير كون الواجب هو الخمس فلا يجوز اعطائه لغير الهاشميّ، كما أنّه على تقدير كونه زكاة لا يجوز إعطائه للهاشميّ، لحرمة زكاة غير الهاشميّ عليه كما تقدّم، فلا محالة يجب إخراجهما معا و اعطائهما لشخصين؛ هاشميّ و غير هاشميّ، امتثالا للعلم الإجمالي المذكور، كما لا يخفى.

(639) فإنّه بذلك يتحقّق امتثال كلا التكليفين الواقعين طرفا العلم الإجمالي، كما عرفت آنفا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 109

و إن اختلف مقدارهما قلّة و كثرة، أخذ بالأقلّ (640)، و الأحوط الأكثر.

______________________________

(640) هذا إذا كان المعطي هاشميّا واضح جدا، فان المكلّف يعلم إجمالا بأنّه مكلّف باعطاء المال إلى هذا الشخص المعيّن، مردّدا بين الأقلّ و الأكثر، فالأقلّ معلوم عنده تفصيلا، و أمّا الأكثر فمشكوك فيه، فيرجع في نفيه إلى الأصل، و أمّا إذا كان غير هاشميّ، فالانحلال مبنيّ على ما ذكره بعضهم في بحث العلم الإجمالي من الأصول، من أنّه إذا كان لطرفي العلم الإجمالي أثر مشترك، و كان هناك أثر اخر خاص بأحد الطرفين، فلا محالة ينحلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بالأثر المشترك، و شكّ بدوى بالأثر الخاص، كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة البدن أو الثوب بالبول أو نجس اخر يكفي في طهارته الغسل مرّة بعد زوال العين، بناء على اعتبار التعدّد فى البول، فإنّه- على

هذا- يحصل العلم التفصيلي بوجوب الغسل مرّة واحدة، و أمّا الغسل مرّة اخرى فهو مشكوك فيه، ينفى بالأصل، و المقام من هذا القبيل، فإنّه إذا كان المعطي غير هاشميّ، فلا محالة يتردّد الأمر بين المتباينين، فإنّه إمّا يجب عليه إعطاء خمسة دراهم- مثلا- إلى هذا الشخص، أو إعطاء عشرة إلى الآخر، إلّا أنّ الخمسة معلومة تفصيلا، و أمّا الخمسة الزائدة عليها فهي مشكوك فيها، فيرجع في نفيها إلى الأصل، و عليه فلا وجه لارجاع «1» هذا إلى خصوص ما إذا كان المعطي هاشميّا، لإمكان إرجاعه إلى كلا الفرضين، لاحتمال أن يكون مبنى المصنّف قدّس سرّه هو الانحلال فى المثال الّذي ذكرناه، و اللّه العالم.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 361، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 110

..........

______________________________

و يمكن أن يقال: بانحلال العلم الإجمالي فى المقام، نظرا إلى أنّ المكلّف يعلم تفصيلا بوجوب إعطاء مقدار معيّن من المال لطبيعيّ الفقير، و أمّا وجوب إعطاءه لخصوص الفقير الهاشميّ فهو مشكوك فيه، للشكّ فى الخصوصيّة المذكورة، فيكون المرجع- حينئذ- هو أصل البراءة عن الخصوصيّة المشار إليها.

و بكلمة أخرى: ثبوت الحق لطبيعيّ الفقير فى المال المعيّن- و هو الأقلّ- أمر معلوم لدى المكلّف تفصيلا، و ثبوت الحقّ لخصوص الفقير الهاشميّ أمر مشكوك فيه ينفى بالأصل، كما أنّ الزائد على المقدار الأقل منفي بالأصل.

و دعوى أنّ الخمس و الزكاة حقيقتان مختلفتان بالقصد، كاختلاف صلاتي الظهر و العصر، و معه لا مجال للانحلال مدفوعة، بعدم الدليل على كون الزكاة و الخمس و نحوهما من العناوين القصدية، كعنواني الظهر و العصر، و نحوهما.

و يمكن دفع ذلك، بأنّ مصرف الزكاة غير منحصر فى الفقراء،

و إنّما هم من جملة المصارف الثمانية المقرّرة فى الآية الكريمة، و عليه ففى المقام لا علم تفصيلا باستحقاق طبيعي الفقير تفصيلا، لينحلّ به العلم الإجمالي، و إنّما يعلم اجمالا باستحقاق طبيعي الفقير، و الغارم، و في سبيل اللّه و غير ذلك من مصارف الزكاة، أو باستحقاق خصوص الهاشميّ، و لا موجب لانحلاله أصلا، فما تقدّم ليس إلّا مجرّد شبهة، كما يكشف عنه عدم التزام أحد به.

هذا و لكن يشكل الانحلال في فرض كون الدافع هاشميّا، فضلا عمّا إذا لم يكن بهاشميّ، و وجه الإشكال فى الأوّل هو ما أشرنا إليه آنفا، من أنّ مستحقّ الزكاة ليس هم الفقراء فقط، بل الجامع بين الأصناف الثمانية، و عليه فهو يعلم إجمالا بوجوب درهمين- مثلا- للمصارف الثمانية المقرّرة فى الآية الكريمة- بناء على كون الأزيد هو الزكاة- أو درهم واحد للهاشميّين، و هذا من دوران الأمر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 111

[السابعة: إذا علم إجمالا أنّ حنطته بلغت النصاب، أو شعيره و لم يتمكّن من التعيين]

السابعة: إذا علم إجمالا أنّ حنطته بلغت النصاب، أو شعيره و لم يتمكّن من التعيين، فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما، إلّا إذا أخرج بالقيمة، فإنّه يكفيه إخراج قيمة أقلّهما قيمة، على إشكال (641)، لأنّ الواجب- أوّلا- هو العين و مردّد بينهما إذا كانا موجودين،

______________________________

بين المتباينين دون الأقل و الأكثر، و معه لا موجب للانحلال أصلا، كما لا يخفى. و على هذا فمقتضى القاعدة في فرض كون الدافع هاشميّا إنّما هو إعطاء الزائد إلى الهاشميّ بقصد ما فى الذمة، لتحقّق الامتثال به على كلّ تقدير. و أمّا مع كون الدافع غير هاشميّ، فكونه من دوران الأمر بين المتباينين واضح جدّا، إذ أنّه يعلم إجمالا بوجوب درهمين للفقير غير الهاشميّ و سائر المصارف

المقرّرة للزكاة، أو وجوب درهم مثلا للهاشميّين، فهو نظير ما إذا علم إجمالا باشتغال ذمّته بدرهمين لزيد، أو درهم واحد لعمرو، و حيث لا مجال فيه للانحلال أصلا. و عليه فمقتضى القاعدة هو وجوب الإخراج للفقير غير الهاشميّ، و للفقير الهاشميّ احتياطا، كما عليه جملة من الأعلام.

(641) لا إشكال ظاهرا في إنّ للمالك تطبيق ما عليه من الزكاة واقعا على القيمة، بعد فرض جواز تبديل الزكاة بالقيمة، على ما تقدّم، و لا حاجة- حينئذ- إلى الاحتياط بإخراج قيمة مقدار الفريضة من كلّ من الحنطة و الشعير، بل له تطبيق الفريضة الواقعيّة على القيمة؛ غايته، أنّه- مع اختلاف القيمتين- يلزمه إخراج

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 112

بل في صورة التلف أيضا، لأنّهما مثليان (642). و إذا علم أنّ عليه، إمّا زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة، يكفيه إخراج شاة (643)،

______________________________

أكثر القيمتين ليقطع بالامتثال. و الإشكال فى المتن إن كان راجعا إلى كفاية إخراج قيمة أحد الأمرين، من الحنطة أو الشعير، و عدم لزوم اخراج القيمتين، فلا وجه له، لما عرفت من كفاية ذلك. و إن كان راجعا إلى إخراج أقلّ القيمتين- كما لعلّه الظاهر من العبارة- فهو في محلّه، لوجوب إخراج أكثر القيمتين، فإنّ المقام ليس من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، لينحلّ العلم الإجمالي بالعلم بوجوب الأقلّ تفصيلا، فيرجع في نفي الأكثر إلى البراءة، بل هو من دوران الأمر بين المتباينين، فإنّ الواجب ابتداء إنّما هو العين، و مع تردّدها بين الحنطة و الشعير يكون الواجب- لا محالة- مردّدا بين المتباينين، و إخراج القيمة إنّما يكون من باب تطبيق الواجب الأوّلي عليها، لا أنّها واجبة ابتداء، ليكون

من الدوران بين الأقل و الأكثر، فينحلّ العلم الإجمالى.

(642) فتصير الذمّة مشغولة بالمثل، و على هذا فيكون الواجب في الذمّة مردّدا بين المتباينين، كما في صورة وجود العينين، فلا بدّ من الاحتياط بدفع الأكثر قيمة، إذا أراد تبديل ما عليه من الزكاة بالقيمة، كما عرفت.

(643) لاتّحاد ما هو المخرج، فإنّ الواجب في خمس من الإبل، و في أربعين شاة، إنّما هو شاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 113

و إذا علم أنّ عليه، إمّا زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة، وجب الاحتياط (644)، إلّا مع التلف، فإنّه يكفيه قيمة شاة (645)، و كذا الكلام في نظائر المذكورات.

[الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل ادائها، هل يجوز إعطائها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا،]

الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل ادائها، هل يجوز إعطائها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا، إشكال (646).

______________________________

(644) لدوران الأمر- حينئذ- بين المتباينين، إذ على تقدير كون الواجب هو زكاة ثلاثين بقرة فالواجب هو إخراج تبيع، و على تقدير وجوب زكاة الشياه فالواجب هو إخراج شاة، فيدور الأمر بين المتباينين، و مقتضى القاعدة فيه هو الاحتياط، بإخراج الأمرين معا، كما هو ظاهر.

(645) و الفرق بين مورد التلف و عدمه، هو أنّ مع التلف تكون الذّمة مشغولة بالقيمة لا محالة، لفرض كون الواجب قيميّا، و عليه، فيكون من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، و مقتضى القاعدة هو وجوب قيمة الأقل، و هو الشاة، و المرجع في نفي الأكثر إنّما هو البراءة.

(646) لا ريب في أنّ مقتضى الاستصحاب- بناء على احتمال كون الموضوع لعدم جواز الإعطاء إنّما هو الذات بمعرّفية وجوب النفقة، أو كون حدوث وجوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 114

[التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة، و شرط على المشتري زكاته]

التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة، و شرط على المشتري زكاته، لا يبعد الجواز (647)؛ إلّا إذا قصد كون الزكاة عليه، لا أن يكون نائبا عنه، فإنّه مشكل.

______________________________

النفقة علّة لعدم جواز الإعطاء حدوثا و بقاء- إنّما هو عدم جواز الإعطاء، إلّا أنّ مقتضى العمومات و المطلقات إنّما هو الجواز، و ذلك فإنّ الخارج عنها إنّما هو عنوان واجب النفقة، و المفروض عدم صدقه حين الإعطاء، كما هو المفروض. و نظير ذلك: ما إذا كان أحد غنيّا حال تعلّق الوجوب، و لكنّه افتقر بعد ذلك، أ فلا يجوز دفع الزكاة إليه في حال فقره؟! و من الظاهر، أنّه- مع وجود العمومات و المطلقات- لا مجال

للرجوع إلى الاستصحاب أصلا، و عليه فما هو المنشأ للإشكال؟! و يمكن أن يقال: إنّ الإشكال من جهة دوران الأمر فى المقام بين الرجوع إلى العام أو استصحاب حكم المخصّص، و هذه المسألة و إن كانت محرّرة فى الأصول بحيث كانت موارد الرجوع إلى أحد الأمرين ممتازة عن موارد الرجوع إلى الاخر، إلا أنّ الإشكال في مرحلة التطبيق، و أنّ المقام- مثلا- هل هو من جملة الموارد الّتي لا بدّ فيها من الرجوع إلى العام، أو من جملة الموارد الّتي لا بدّ من الرجوع فيها إلى استصحاب حكم المخصّص.

(647) الكلام إنّما هو فى صحّة المعاملة و عدمها، بعد فرض كون الشرط في حدّ نفسه صحيحا، أي كونه غير مخالف للكتاب و السّنة، و حينئذ فاشتراط وجوب الزكاة على المشتري، بمعنى أن تكون الزكاة ثابتة في حقّه لا في حق البائع، يكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 115

..........

______________________________

شرطا على خلاف الكتاب، إذ الزكاة إنّما تعلّق بمال البائع، كما هو المفروض، فاشتراط أن تكون متعلّقة بالمشتري يخالف الكتاب لا محالة، فيكون باطلا.

ثمّ إنّ تفصيل القول فى المسألة، إنّه قد يبنى في باب الزكاة على أنّها نوع من الحقّ- نظير حقّ الجناية- متعلّق بالعين، و أنّه غير مانع من نقل العين و انتقالها، غايته أن السّاعي يتبع العين، فإذا أخذها من المشتري رجع بها الى البائع، أخذا بالرواية الصحيحة الدالة عليه، كما هو المختار، على ما مرّ الكلام فيه مفصّلا «1».

فعلى هذا المسلك لا ينبغى الإشكال في صحّة المعاملة، إذ المفروض أنّ تعلّق الحقّ بالعين لا يكون بمانع عن النقل و الانتقال. غاية الأمر، أنّ اشتراط ثبوت الزكاة على المشتري إذا كان بمعنى

وجوب الزكاة على المشتري، فهو شرط باطل مخالف للكتاب كما مرّ، و حيث أنّ مفروض الكلام هو صحّة المعاملة، مع فرض صحّة الشرط فلا محالة يكون مرجع الاشتراط المذكور إلى إسقاط حقّ رجوع المشتري على البائع على تقدير أخذ الزكاة منه، إذ لو لا ذلك الاشتراط لكان له الرجوع عليه بالعين على تقدير أخذها منه، فيكون أثر الشرط المذكور هو سقوط هذا الحق، و هذا ظاهر.

و قد يبنى فى المسألة على الملك بنحو الإشاعة أو الكلّي فى المعيّن، و مقتضى القاعدة الأوليّة على المسلكين و إن كان هو بطلان المعاملة في المقدار المملوك للفقراء، بمعنى وقوعها فضوليّة بالنسبة إلى هذا المقدار، إلّا أنّ الرواية الصحيحة قد دلّت على صحّة المعاملة على خلاف القاعدة، و أنّ للمشتري الرجوع على البائع إذا أخذ ذلك منه. و هي و إن دلّت أيضا على أنّ الزكاة من قبيل حقّ الجناية، كما تقدّم الكلام فيه، إلّا أنّه لا يمكن الأخذ بها من هذه الجهة، نظرا إلى أنّ

______________________________

(1)-- المرتقى، ج 1: صص 93- 94.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 116

..........

______________________________

الترجيح- على المسلكين- لما دلّ على الملك بنحو الإشاعة أو الكليّ فى المعيّن. و كيف كان، يلتزم بالتبعيض في مدلول الرواية، فيؤخذ ببعض مدلولها، و لا يؤخذ بالبعض الآخر، و عليه- أيضا- لا ينبغى الإشكال في صحّة المعاملة حينئذ، و يكون مرجع الاشتراط إلى اسقاط حقّ الرّجوع، كما كان هو الحال على المسلك الأوّل.

و هناك مسلك ثالث، و هو الالتزام بالملك بأحد الوجهين، مع طرح الرواية الصّحيحة كليّة، و يترتّب عليه: الالتزام ببطلان المعاملة فى المقدار المملوك، كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه حيث افتى سابقا بكون

المعاملة فضوليّة بالإضافة إلى ذلك المقدار، بعد بنائه على أنّ الزكاة من قبيل ملك الكلّي فى المعين، كما مرّ تفصيله، و حينئذ فيشكل الأمر في تصحيح المعاملة على هذا المسلك، و المصنّف قدّس سرّه في هذه المسألة قد تصدّى لتصحيحها من ناحية الشرط، و توضيح ذلك موقوف على بيان مقدّمتين:

الأولى: إنّه قد ذكرنا سابقا «1»، أنّ متعلّق الزكاة إنّما يتعيّن بتعيين المالك و إفرازه، فلو عيّن مقدارا من الحنطة أو الشعير- مثلا- زكاة، تعيّن ذلك، و يترتّب عليه: أنّه لو تلف ذلك بلا تفريط و تعدّ، لم يثبت في حقه الضّمان.

الثانية: أنّ له تعيين الزكاة الثابت فى الذّمة أيضا، و إنّه لا يختصّ ذلك بالتعيين فى الأعيان الخارجيّة، و قد استفدنا ذلك كما مرّ الكلام فيه «2»- ممّا دلّ على جواز احتساب الدين زكاة، مع أنّ الدين فى الذّمة.

إذا عرفت ذلك، قلنا: إنّ مرجع اشتراط ثبوت الزكاة على المشتري إلى

______________________________

(1)-- المرتقي، ج 2: صص 163- 168.

(2)-- المرتقي، ج 2: صص 245- 248.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 117

..........

______________________________

اشتراط ثبوت مقدار الزكاة في ذمّة المشتري، بمعنى أن يكون للبائع في ذمّة المشتري هذا المقدار، ثمّ تطبيق الزكاة على ماله في ذمّته، فإن كان المشتري مستحقّا للزكاة سقط ذلك عن البائع لا محالة، و إن لم يكن كذلك وجب على المشتري أن يؤدّي ذلك إلى مستحقّيها حتّى تفرغ ذمّته، كما هو ظاهر. و حينئذ فتصح المعاملة، إذ المفروض هو تبديل الزكاة المتعلّق بالعين بالذمّة بواسطة الاشتراط، فتكون العين خالية عن تعلّق أيّ حق مانع من التصرّف فيها بالنقل و الانتقال، كما لا يخفى.

و ممّا ذكرنا يظهر ما في تعليقة العلّامة السيّد البروجردي

قدّس سرّه حيث أفاد معلّقا على قول المصنّف قدّس سرّه: «... لا يبعد الجواز ...»، «بل يجوز بلا إشكال، إذ الزكاة على العين الّتي تصير إلى المشتري لا على البائع، و فائدته عدم رجوعه عليه بما قابلها إن أخذت منه، و ثبوت الخيار له إن تخلف»، و ذلك فإنّه قدّس سرّه ممّن بنى- في باب الزكاة- على الملك بنحو الكلّي في المعين، و التزم بطرح الرواية كليّة، وفاقا للمصنّف قدّس سرّه، و لذا أفتى سابقا ببطلان المعاملة في ما قابل المقدار المملوك، و على هذا، فكيف يحكم بصحّة المعاملة فى المقام. و الحاصل، إنّه قدّس سرّه كان عليه أن يتصدّى لبيان الوجه في صحّة المعاملة، إذ لم يعلم الوجه فيها على مسلكه، كما لا يخفى.

و منه ظهر أيضا حال جملة أخرى من التعاليق، فإنّها أجنبيّة ممّا هو مساق كلام المصنّف، كما لا يخفى على من لا حظها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 118

[العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز و أجزأ عنه]

العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز و أجزأ عنه (648)، و لا يجوز للمتبرّع الرجوع إليه، و أمّا إن طلب و لم يذكر التبرّع فأداها عنه من ماله، فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه، لقاعدة احترام المال (649)، إلّا إذا علم كونه متبرّعا.

______________________________

(648) بناء على تمشّي النيابة في مثل الزكاة المفروض كونها من العبادات- كما هو مختاره قدّس سرّه- لا مجال للإشكال في جواز التبرّع، كما لا مجال للإشكال في طلب الأداء التبرعي. و لعلّ تعرّضه قدّس سرّه لذلك إنّما هو لتبيين عدم الضمان، و أنّه ليس للمتبرّع الرجوع عليه، و هو كذلك، إذ المفروض أنّه قد طلب منه الأداء تبرّعا و مجّانا،

فلا وجه لضمانه. نعم، بناء على ما استشكلناه سابقا، من أنّه لا يستفاد من النصوص جواز النيابة فى المقام، و إنّما المستفاد منها هو جواز التوكيل فى الإيصال، يشكل الأمر في كلّ من التبرّع، و في طلب الأداء من الغير تبرّعا.

(649) قاعدة الاحترام غير سليمة من وجوه الإشكال، كما أوضحناه في محلّه من بحث المكاسب، و لذلك استدلّ المحقّق النائيني قدّس سرّه للضمان في أمثال المقام، بأنّ أمر الشخص بفعل، و تحقّق الفعل من المأمور به، يكون بمنزلة معاملة خاصّة، فكان الأمر بمثابة الإيجاب و الفعل بمنزلة القبول، و لذلك يكون الآمر ضامنا للعوض بضمان معاملي، و هذه المعاملة مما جرت عليه سيرة العقلاء خارجا، و قد أمضاها

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 119

[الحادية عشرة: إذا و كلّ غيره فى أداء زكاته، أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك]

الحادية عشرة: إذا و كلّ غيره فى أداء زكاته، أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك، أو يجب العلم (650) بأنّه أدّاها، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟ لا يبعد جواز الاكتفاء- إذا كان الوكيل عدلا- بمجرّد الدفع إليه.

______________________________

الشارع أيضا، كما يكشف عنه السيرة المستمرة بين المتشرعة، كما لا يخفى.

(650) مقتضى القاعدة إنّما هو عدم البراءة إلّا بالعلم بالأداء، فإنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة، و أمّا الاكتفاء بمجرّد الدفع إلى الوكيل إذا كان عدلا، فلعلّه من باب أنّ الدفع إليه- عادة- يورث الاطمينان الشخصي بالأداء، فالاعتماد فى البراءة- فى الحقيقة- إنّما هو على الاطمينان بالأداء، لا على مجرّد كون الوكيل عدلا. و أمّا ما عن جملة، من الاكتفاء في ذلك باخبار الوكيل بالاداء إذا كان عدلا، فالظاهر ابتنائه على القول بحجيّة الخبر العدل الواحد فى الموضوعات، و إلّا فليس المقام ممّا يقبل فيه

اخبار الشخص الواحد في حدّ نفسه، كاخبار ذى اليد و نحوه، كما هو ظاهر «1».

______________________________

(1)- و في تعليقة سيدنا الاستاذ المحقق الخوئي رحمه اللّه على المقام ما يلي: «الظاهر البراءة مع التسليم إلى الوكيل الموثوق به، لأنّه على كلا تقديرى الأداء و التلف لا ضمان عليه» أمّا على تقدير الأداء فعدم الضمان ظاهر، و أمّا على تقدير التلف فلعلّه لأجل ما ورد فيمن بعث بزكاته لتقسم فضاعت، الدالّ على عدم الضمان إذا لم يكن قد أخّرها مع وجود المصرف، كما مرّ الكلام فيه مفصّلا. أو لعلّه لأجل أنّ الزكاة بعد الإخراج تكون أمانة شرعيّة فى يد المالك،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 120

[الثانية عشرة: إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فاعطى شيئا للفقير، و نوى أنّه إن كان عليه الزكاة]

الثانية عشرة: إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فاعطى شيئا للفقير، و نوى أنّه إن كان عليه الزكاة كان زكاة، و إلّا فإن كان عليه مظالم كان منها، و إلّا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له، و إلّا فمظالم له، و إن لم يكن على أبيه شي ء فلجدّه إن كان عليه، و هكذا ...، فالظاهر الصحّة (651).

______________________________

(651) الوجه فى التعرّض المسألة- مع وضوحها- إنّما هو دفع توهّم البطلان في المقام، نظرا إلى الترديد المانع عن وقوع المأتيّ به امتثالا لشي ء من الأوامر المفروض وجودها، و إلّا لزم منه الترجيح بلا مرجّح. و حاصل الدفع: أنّ المنويّات المذكورة ليست بأجمعها في عرض واحد ليضرّ الترديد فيها، بل كلّ واحد منها في طول الاخر، فالمنوي- حينئذ- متعيّن، بمعنى أنّ المكلّف- على تقدير تعلّق الزكاة بماله- فإنّما ينوي وقوع المعطى زكاة لا شيئا اخر، فلا تصل النوبة- على هذا التقدير- إلى المظالم، و على تقدير أن يكون الثابت في

حقّه هو المظالم فالمال إنّما يكون منها و لا تصل النوبة حينئذ إلى زكاة أبيه أو مظالمه، و هكذا ...، و هو واضح. فليست المسألة نظير ما سبق منه قدّس سرّه، من أنّه إذا تردّد ما عليه بين الزكاة و الخمس، و قد حكم فيه بوجوب الاحتياط، لعدم تعين المنويّ هناك.

______________________________

فلا يضمنها بالتلف إذا لم يكن عن تفريط، و المفروض أنّ التسليم إلى الموثوق به ليس بتفريط، و أمّا احتمال الاتلاف فهو مدفوع بوثاقة الوكيل على الفرض. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 121

[الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا]

الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب (652) في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة و زكاة الحاضرة، جاز تقديم الحاضرة بالنيّة، و لو أعطى من غير نيّة التعيين فالظاهر التوزيع.

______________________________

(652) أمّا عدم وجوب الترتيب فلعدم الدليل عليه، بل الدليل على عدمه، و هو إطلاق ما دلّ على إخراج الزكاة، كما لا يخفى.

و أمّا التوزيع فيما لو أعطى من غير تعيين، فتفصيل القول فيه: أنّ الكلام قد يقع على تقدير اشتغال الذمّة بالزكاة، و أخرى على تقدير تعلّقها بالعين، أمّا على الأوّل، فقد يقال: بأنّ الإعطاء من غير تعيين إنّما يوجب سقوط الزكاة بمقدار ما أعطى، و يبقى الباقى بلا تعيين، فلو كانت ذمّته- مثلا- مشغولة بعشرة دنانير، خمسة منها من السنة الفائتة، و خمسة للسنة الحاضرة، فأعطى خمسة دنانير بلا نيّة التعيين سقط عن ذمّته بمقدار خمسة دنانير، من دون تعيين أنّه من زكاة السنة الفائتة أو الحاضرة، لامتناع التعيين من دون معيّن. و قد يقال: بوقوعه زكاة للسنة السابقة فيسقط عنه، و تبقى في ذمته زكاة السنة

اللّاحقة. و نظيره ما لو نذر صوم يومين، فصام أحدهما، فإنّه يسقط عنه صوم اليوم الأوّل، و يبقى عليه صوم اليوم الاخر.

و لا يخفى ما فى هذا التنظير، فإنّ صوم يومين حيث لا يمكن تحقّقهما في عرض واحد، فلا محالة يكون الأمر بأحدهما في طول الاخر، بمعنى أنّ أحد الواجبين يكون في طول الآخر، و عليه فيتمّ فيه ما قيل، من سقوط الأمر الأوّل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 122

..........

______________________________

و بقاء الاخر، و كذلك الحال في نذر صلاتين، و هذا يختلف عن المقام ممّا لا يكون أحد الواجبين فيه في طول الآخر، إذ للمنع فيه عما قيل به- هناك- مجال واسع، إذ لا مانع هنا من امتثال كلا التكليفين في عرض الآخر، و الإتيان بكلا الواجبين دفعة واحدة، كما لا يخفى.

و التحقيق أن يقال: إنّه إذا كانت ذمّته مشغولة بعشرة دنانير مثلا، فاعطى دينارا واحدا من غير تعيين، فلا محالة يكون ذلك اداء لجميع ما في ذمّته بالنسبة.

بمعنى أنّه يسقط من كل دينار في ذمّته عشره، فيبقى في ذمّته من كلّ دينار من العشرة تسعة اعشاره بنحو الكسر المشاع، و يسقط العشر منه، إذ لا موجب لتعيين الساقط بهذا الدينار دون الآخر، بعد فرض عدم التعيّن له فى الذّمة، و عدم نيّة المعطي التعيين أيضا، بل في أمثال المقام إنّما يقصد السقوط من الجميع. و عليه فالقاعدة تقتضى التوزيع، كما فى المتن، إلّا أنّ نتيجته عقلا إنّما هي ثبوت تسعة دنانير في ذمّته و سقوط دينار واحد، فإنّ- عشرة- تسعة أعشار الدينار يساوى تسعة دنانير، كما لا يخفى.

و أمّا على الثاني، كما إذا كان عنده مقدارا من الحنطة زكاة للسنة

السابقة، و مقدارا من الشعير زكاة السنة الحاضرة، فأعطى مقدارا من النقود زكاة، من دون تعيين أن يكون ذلك بدلا عن زكاة السنة السابقة أو الحاضرة، فمقتضى القاعدة فيه- أيضا- هو التوزيع، و ذلك لأنّه مقتضى الارتكاز في أمثال المقام، فإنّه إذا كانت عليه زكاتان، و أراد أداء مقدار منها بالقيمة لا من نفس العين، فلا اشكال في أنّه- بحسب الطبع و الارتكاز- إنّما يقصد أداء ذلك من مجموع الزكاتين، فلا محالة يسقط من زكاة كلّ سنة بنسبة ما أعطاه، فإذا كانت زكاة السنة السابقة طنا من الحنطة مثلا، و كذلك زكاة السنة الحاضرة، فأعطى قيمة طن واحد، و هي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 123

[الرابعة عشرة: فى المزارعة الفاسدة، الزكاة- مع بلوغ النصاب- على صاحب البذر]

الرابعة عشرة: فى المزارعة الفاسدة، الزكاة- مع بلوغ النصاب- على صاحب البذر (653) و فى الصحيحة منها عليهما (654)، إذا بلغ نصيب كلّ منهما، و إن بلغ نصيب أحدهما دون الاخر فعليه فقط، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما، و إن بلغ المجموع النصاب.

______________________________

مائة دينار، بل و لو أعطى نفس العين و هو الطن من الحنطة مثلا، فبناء على التوزيع- كما ذكرناه- يسقط عنه نصف طن من السنة السابقة و نصف من السنة الحاضرة. نعم، إذا فرضنا أنّ زكاة السنة الحاضرة إنّما هو طن من الشعير، فأعطى طنا من الحنطة، فالظاهر كونه بمنزلة التعيين لزكاة السنة السابقة، إذ يشكل حمل ذلك على الإخراج بالقيمة، فإنّ فرض الإخراج من مماثل المال الزكويّ بعنوان القيمة محل تأمّل و إشكال. و اللّه العالم.

(653) فان الزرع كلّه لمالك البذر، و العامل غير مستحق لشي ء منه أصلا، لفرض كون المزارعة فاسدة. نعم، يستحقّ

العامل أجرة المثل.

(654) و الوجه في جميع ذلك ظاهر، لأنّ الزرع- حينئذ- ملك لهما.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 124

[الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعيّ أن يقترض على الزكاة و يصرفه في بعض مصارفها]

الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعيّ أن يقترض على الزكاة و يصرفه في بعض مصارفها (655)؛ كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلّا بصرف مال و لم يكن عنده ما يصرف فيه، أو كان فقير مضطرّ لا يمكنه إعانته و رفع اضطراره إلّا

______________________________

(655) ذكر المصنف قدّس سرّه لتصوير الاقتراض على الزكاة وجهين:

الأوّل: أن يجعل ذمّة الزكاة مشغولة، بمعنى أن يأخذ القرض بعوض في ذمّة الزكاة، كما قد يؤخذ المال بما في ذمّة شخص، و لا ينافي ذلك عدم تصوّر الذمّة لمثل الزكاة، فإنّ الذمّة من الأمور الاعتباريّة العقلائيّة، و العقلاء يصحّحون مثل هذا الاعتبار. و الحاصل، أنّ الحاكم إنّما يقترض للزكاة، بأن يجعل العوض في ذمّة الزكاة، فإذا صار وقت الزكاة كان تفريغ الذمّة بدفع العوض، و إلّا بقيت ذمّة العين الزكويّة مشغولة بالقرض.

و يتوجّه عليه، أنّه- بعد التسليم بمعقوليّة الفرض في حدّ نفسه- يستلزم كون المال ملكا للزكاة، و حينئذ فلا يجب صرفه في خصوص المصارف المقرّرة للزكاة، بل يجب صرفه فيما يحتاج إليه الزكاة، و ذلك لأنّ ما يجب صرفه فيها إنّما هو الزكاة، لا ما يكون ملكا للزكاة، إذ لا دليل على وجوب الصرف فيها على الثاني، كما لا يخفى. على أنّ معقوليّة الفرض المذكور- كما أشرنا إليه- غير ثابتة، فإنّ الزكاة- كسائر الأعيان الخارجيّة، كالجدار و نحوه- ممّا لا يعقل فيه اعتبار الذمّة له، و لم نجد- و لو في مورد واحد- لذلك في اعتبار العقلاء نظيرا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 125

بذلك، أو ابن السبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو مسجد، أو نحو ذلك و كان لا يمكن تأخيره فحينئذ يستدين على الزكاة و يصرف، و بعد حصولها يؤدّي الدين منها. و إذا أعطى فقيرا من هذا الوجه و صار عند حصول الزكاة غنيّا لا يسترجع منه، إذ المفروض أنّه أعطاه بعنوان الزكاة، و ليس هذا من باب إقراض الفقير و الاحتساب عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمّة الفقير، بخلاف المقام، فإنّ الدين على الزكاة، و لا يضرّ عدم

______________________________

الثاني: أن يستدين الحاكم على نفسه، من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقّين، بقصد الأداء من مالهم، كما يستدين متولّي الوقف بماله من الولاية على الوقف و على الموقوف عليهم، فيؤدّي بعد ذلك من نماء الموقوفة.

و يتوجّه عليه: أنّ غاية ما يقتضيه هذا الوجه إنّما هو صيرورة الحاكم مديونا، فيكون الدين دينا شخصيا، و لا وجه حينئذ لصيرورة المال الّذي استدانه زكاة، ليصرف فى المصارف المقرّرة لها، كما لا يخفى.

و التحقيق أن يقال: إنّ الاقتراض على الزكاة، بالوجه المعقول الّذي يرجع إلى أمر محصّل، إنّما هو: بأن يقترض الحاكم للجهة، بمعنى أنّ الزكاة ممّا قرّر صرفها فى الشريعة المقدّسة لجهات معيّنة، فيستدين الحاكم- لولايته على المستحقين- لتلك الجهة، فتكون الجهة هي المالكة للمال المذكور، و لذلك يجب صرفه فى الجهات الّتي يجب صرف الزكاة فيها. و لعلّ بعض كلمات المصنّف قدّس سرّه، كقوله: «مع أنّه فى الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة ...»، بعد حمل ذلك

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 126

كون الزكاة ذات ذمّة تشتغل؛ لأنّ هذه الأمور اعتباريّة، و العقلاء يصحّحون هذا الاعتبار، و نظيره: استدانة

متولّي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه، مع أنّه- فى الحقيقة- راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة، من الفقراء و الغارمين، و أبناء السبيل، من حيث هم من مصارفها، لا من حيث هم هم، و ذلك مثل ملكيّتهم للزكاة، فإنّها ملك لنوع المستحقّين، فالدين- أيضا- على نوعهم، من حيث أنّهم من مصارفه، لا من حيث أنفسهم.

و يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقّين، بقصد الأداء من مالهم، و لكن فى الحقيقة هذا يرجع- أيضا- إلى الوجه الأوّل.

______________________________

على الاستدانة للجهة، لا للفقراء و الغارمين و نحو ذلك، ممّا يناسب ما ذكرناه من الوجه. و كيف كان، فالوجه المعقول الحقيق بالتصديق و القبول، إنّما هو ما تقدّم، لا ما أفاده قدّس سرّه من الوجهين.

إلّا أنّه لا يزيد على كونه أمرا معقولا بحسب مقام الثبوت، و حينئذ فيبقى الإشكال بالإضافة إلى مقام الإثبات، فإنّه بعد التسليم بمعقوليّة المعاملة المذكورة على الوجه المتقدّم، لا دليل على صحّتها في مقام الإثبات، و أدلّة ولاية الحاكم لا تتكفّل باثبات صحّة معاملات الولي و مشروعيّتها، بل صحّة المعاملة في حدّ نفسها متوقّفة على دليل آخر.

و على الإجمال، أدلّة الولاية لا تثبت إلّا أن ما يصحّ القيام به و يكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 127

و هل يجوز (656) لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أو ان وجوبها، أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا فى الحاكم؟

وجهان: و يجري جميع ما ذكرنا فى الخمس و المظالم و نحوهما.

______________________________

مشروعا من التصرّفات فى المال المذكور راجع إلى الحاكم مثلا، و لا دلالة لها على صحّة المعاملة الخاصّة بوجه من الوجوه. كما هو الحال

فيما دلّ على سلطنة المالك على التصرّف في ماله، فإنّه لا يثبت به مشروعيّة معاملاته و صحّتها على الإطلاق، ما دام لم يقم هناك دليل بالخصوص على الصحّة. و الحاصل، أنّا و إن فرغنا بذلك عن الإشكال في مقام الثبوت، إلّا أنّ الإشكال في مقام الإثبات ممّا لا سبيل لنا إلى التخلّص عنه ظاهرا، كما لا يخفى.

نعم لو اضطرّ إلى ذلك، كان للحاكم أن يستدين لنفسه أو لغيره، ثمّ أداء الدين المذكور من الزكاة من سهم الغارمين.

(656) لا إشكال في جواز إقراض الفقير قبل حلول وقت الزكاة، ثمّ احتسابه عليه من الزكاة بعد حلول وقتها، و قد تقدّم ذلك، أمّا إقراضه بعنوان الزكاة، بأن يكون ما يأخذه بعنوان القرض زكاة، فهذا ممّا لا وجه له اصلا، بعد عدم حلول وقت الزكاة، و عدم كون أمر التطبيق- بهذا المعنى- بيد المالك و أمّا الاستدانة للزكاة على النحو المتقدّم فى الحاكم، فالأقوى هو عدم الجواز، حيث لا ولاية للمالك على الزكاة، و لا على المستحقّين، بخلاف الحاكم الشرعي، فالأمر في المالك- ثبوتا- محلّ إشكال و منع، فضلا عن مقام الإثبات.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 128

[السادسة عشرة: لا يجوز للفقير، و لا للحاكم الشرعي، أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه]

السادسة عشرة: لا يجوز للفقير، و لا للحاكم الشرعي (657)، أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه، المسمى بالفارسيّة ب «دست گردان»، أو المصالحة معه بشي ء يسير، أو قبول شي ء منه بأزيد من قيمته، أو نحو ذلك، فإنّ كل هذه حيل في تفويت حق الفقراء.

______________________________

(657) فى المسألة صور:

الأولى: أن يأخذ الحاكم الشرعي ممّن عليه الزكاة عشرة دنانير- مثلا- دينارا واحدا بعنوان الزكاة، ثمّ يقرضه للمالك، فيدفعه ثانيا إلى الحاكم بعنوان الزكاة، ثمّ يتملّكه منه ثانيا بعنوان القرض

و يدفعه إليه بعنوان الزكاة، و هكذا ...،

إلى أن يأتي على تمام العشرة، و بالنتيجة يكون المالك مديونا للحاكم الشرعي بتسعة دنانير، على تقدير عدم اقتراضه الدينار منه بعد ذلك، أو عشرة دنانير، على تقدير الاقتراض. و حينئذ تفرغ ذمّة المالك عن الزكاة و يبقى مديونا للحاكم بتسعة أو عشرة دنانير. و هذه الصورة ممّا لا مجال للإشكال فيها، و عليها سيرة المراجع و الأعلام قدس اللّه تعالى أسرار الماضين، و أدام ظلال الباقين منهم فى الزكوات و الأخماس و المظالم. و كذلك الحال- في عدم الإشكال- بالنسبة إلى الفقير، فله أن يأخذ الزكاة من المالك و يردّها عليه على الوجه المذكور و حينئذ يحكم بفراغ ذمّته عن الزكاة، كما فى الحاكم.

و الثّانية: الصورة بنفسها، لكن مع كون الرد بعنوان الهبة، فيأخذ الحاكم- أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 129

..........

______________________________

الفقير- من المالك دينارا فى المثال المذكور بعنوان الزكاة، ثمّ يملّكه مجّانا، ثمّ يأخذ منه ثانيا بعنوان الزكاة، ثم يملّكه مجّانا، و هكذا ...، إلى تمام العشرة. و هذه الصورة لا تخلو عن إشكال، إلّا أنّ الإشكال فيها يختلف باختلاف المباني، فإن بنينا على أنّ المستفاد من الأدلّة- بمقتضى ما فهمناه من الحكمة في تشريع الزكاة، و أنّها إنّما شرّعت لسدّ حاجة المحتاجين و دفع عوزهم- أنّ الفقير لا يملك منها إلّا ما يقع في سبيل رفع حاجته، بمعنى أنّ ما يصرفه منها في رفع الحاجة يكون مملوكا له، و أمّا الزائد عليه فغير مملوك له بشخصه، و لأجل ذلك لو قتّر الفقير على نفسه و تحمّل المشقة الشديدة و العناء المبرم، و أبقى الزكاة على حالها و لم يتصرّف فيها،

وجب عليه دفعها إلى المالك أو الحاكم ليصرفها في مصارفها المقرّرة لها، فعلى هذا، الإشكال إنّما يكون من جهة عدم كون الفقير مالكا لما يردّه إلى المالك، و مع عدم كونه مملوكا له كيف تصح منه هبته؟! و إذا لم تصحّ الهبة كذلك من الفقير فكيف تصحّ من الحاكم! مع أنّه وليّ الفقراء بالنسبة إلى التصرّفات المشروعة في أنفسها، و دليل الولاية بنفسه لا يدلّ على مشروعيّة جميع تصرّفات الوليّ، و إنّما تقتضى الولاية فيما ثبت مشروعيّته من التصرّفات، كما مرّت الإشارة إليه آنفا.

و إن قلنا بتملّك الفقير لما يدفع إليه من الزكاة مطلقا، حتّى ما لم يصرفه منها في حاجته، فالإشكال حينئذ إنّما هو من جهة كونه تفويتا لحقّ الفقراء، حيث إنّه يهب المالك الزكاة فيوجب حرمان سائر الفقراء منها. و لا فرق في ذلك حينئذ بين الحاكم و بين الفقير، لما عرفت من استلزامه تفويت حقّ سائر الفقراء.

الثالثة: أن يصالح المالك الزكاة بشي ء يسير، و هذا ممّا يتصوّر بوجهين:

الف) أن يقول له: «صالحتك ما عليك من الزكاة بهذا المقدار من المال». و الإشكال فيه إنّما هو من جهة عدم كون الفقير مالكا للزكاة ليصالح المالك ايّاها،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 130

نعم، لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير، و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها، و أراد أن يتوب إلى اللّه تعالى، لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه المذكورة (658).

______________________________

فإنّها ملك للجهة، و منها مئونة الفقراء، لا أنّها ملك لخصوص أشخاص الفقراء، بل ملكيّتها للشخص موقوفة على القبض من المالك أو وكيله او الحاكم الشرعيّ.

ب) أن تكون المصالحة بعد تمليك المالك إيّاه ما عليه

من الزكاة أو الإشكال فيه إنّما يكون من ناحية تفويت حقّ الفقراء الآخرين، حيث أنّه يوجب حرمانهم من الزكاة، و لا فرق فى الوجهين بين الحاكم و الفقير، كما لا يخفى.

الرابعة: قبول شي ء منه بأزيد من قيمته، و هذا- أيضا- يكون بوجهين:

الف) أن يشتري مالا من المالك بما عليه من الزكاة، مع فرض كون الزكاة أكثر من قيمة المال المذكور. و الإشكال فيه إنّما يكون من جهة عدم كونه مالكا للزكاة إلّا بالقبض، فقبله كيف يصح له أن يشترى بها منه شيئا و لو كان ذلك بقيمته العادلة، فضلا عمّا إذا كان ذلك بأكثر من قيمته.

ب) أن يشتري من المالك مالا بأكثر من قيمته فى الذمّة، فتكون ذمّته مشغولة للمالك بهذا المقدار، ثمّ إنّ المالك يحتسب ما في ذمّة الفقير من الزيادة على القيمة زكاة، فيطبّق زكاته على ماله في ذمّة المشتري المفروض فقره. و الإشكال فيه إنّما هو من جهة استلزامه تفويت حقّ الفقراء الآخرين، كما لا يخفى.

(658) و لا بدّ- حينئذ- أن يكون التفريغ بأحد الوجوه الّتي كان الإشكال فيها من ناحية تفويت حقّ الفقراء، حيث إنّه مندفع في هذا الفرض، إذ لا مال له

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 131

و مع ذلك- إذا كان مرجوا لتمكن بعد ذلك- الأولى أن يشترط (659) عليه أداؤها بتمامها عنده.

[السابعة عشرة: اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- معلوم]

السابعة عشرة: اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- معلوم، و أمّا فيما لا يعتبر فيه- كالغلّات- ففيه خلاف و إشكال (660).

______________________________

ليكون هناك تفويتا، غايته أنّه يدور أمره بين أن يبقى مشغول الذمّة إلى أن يموت فيعذّب فى الآخرة، أو أنّ يتخلّص من ذلك بأحد الأنحاء المتقدّمة،

و إلّا فالمال غير مرجو الحصول. و لا علم بعدم رضى الشارع الأقدس بمثل ذلك، فيجوز على القاعدة.

(659) بعد الحكم بتفريغ الذمّة لا مجال لاشتراط الأداء تماما عند التمكّن، فلعلّ المراد به استحباب أداء ما يكون بمقدار الزكاة أو المظالم، لكن لا بقصد الزكاتيّة أو المظالم. و اللّه العالم.

(660) لعلّ وجه الإشكال: إنّما هو اختصاص أكثر النصوص- بل جميعها- الدالّة على اعتبار التمكّن من التصرّف، بما يعتبر فيه الحول، كما مرّت الإشارة إليها سابقا في محلّه، و إطلاق معاقد الإجماعات المدّعاة على ذلك بالنسبة إلى غير ما يعتبر فيه الحول.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 132

[الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان، و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه]

الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان، و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب (661) فيه الزكاة إلّا بعد العثور، و مضي الحول من حينه. و أمّا إذا كان في صندوقه مثلا، لكنّه غافل عنه بالمرّة، فلا يتمكّن من التصرّف فيه من جهة غفلته، و إلّا فلو التفت إليه أمكنه التصرّف فيه، فيجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول (662)، و يجب التكرار إذا حال عليه

______________________________

هذا و الظاهر هو الاعتبار، لصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك، حتّى يقع في يديك «1»»، فإنّه بإطلاقه شامل لما لا يعتبر فيه الحول. و عليه فيعتبر في غير ذى الحول التمكّن من التصرّف عند وقت الوجوب، كما استظهره، أو قوّاه، أو نفي البعد عنه جملة من محشي المتن، فلاحظ.

(661) كما مرّ بيانه عند البحث عن شرائط الوجوب «2».

(662) فإنّ مانعيّة عدم التمكّن من التصرّف ممّا لم تثبت بدليل

لفظي، بحيث يدلّ دليل على مانعيّة هذا العنوان: «عدم التمكّن من التصرّف» بماله من المفهوم عرفا،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 6.

(2)- ج 1: صص 149- 158.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 133

أحوال، فليس هذا من عدم التمكّن الّذي هو قادح في وجوب الزكاة.

[التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف]

التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف، أو كان مشروطا عليه في ضمن عقد لازم، ففي منعه من وجوب الزكاة، و كونه من عدم التمكّن من التصرّف الّذي هو موضوع الحكم

______________________________

ليؤخذ بإطلاقه، فكلّ مورد كان المفهوم المذكور صادقا فيه كان وجوب الزكاة مرتفعا عنه، و إنّما استفيد من ذلك من النصوص المتفرّقة الواردة فى المال المسروق، و الغائب و نحوهما، الدالّة على عدم الزكاة إلّا بعد الوقوع تحت اليد و حلول الحول عليه، بعد العلم بأنّ خصوصيّة السرقة أو الغيبوبة لا دخل لها في ارتفاع الزكاة، و إنّما مانعيّتها عن وجوب الزكاة باعتبار عدم التمكّن من التصرّف فيها، فالعنوان المذكور عنوان انتزاعي، و عليه فلا بدّ في فرض العموم له و عدمه من ملاحظة منشأ انتزاعه، و بعد الملاحظة نرى أنّ النصوص المذكورة إنّما وردت فى الموارد الّتي كان عدم التمكّن فيها لا من جهة قصور في نفس الشخص من غفلة أو جهل مركّب، بل من جهة القصور في ناحية المال، لكونه في يد الغاصب، أو في مكان لا يعرف، و نحو ذلك. و عليه فلا وجه لارتفاع الزكاة فيما إذا كان عدم التمكّن من جهة قصور في نفس الشخص، كما

فى المقام، فتدبّر جيدا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 134

إشكال (663)؛ لأنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن المال حاضرا عنده، أو كان حاضرا و كان بحكم الغائب عرفا.

[العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا أو قرآنا أو دعاء و يوقفه]

العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا أو قرآنا أو دعاء و يوقفه، و يجعل التولية بيده (664)، أو يد أولاده.

______________________________

(663) النصوص الواردة- كما أشرنا إليه آنفا أيضا- و إن لم يؤخذ في شي ء منها عنوان «عدم التمكّن» و إنّما هي واردة في موضوعات مختلفة، مثل المال المسروق، و المغصوب و نحوهما، إلّا أنّا قد علمنا أنّ مانعيّة الأمور المذكورة إنّما هي من جهة عدم التمكّن من التصرّف، الناشئ من قصور في ناحية المال، كما أشرنا إليه فى المسألة السابقة. و من الظاهر أنّه لا يفرّق الحال في عدم التمكّن الناشئ كذلك، بين كونه عقليّا أو ثابتا فى الشرع، ففي مثل النذر و الشرط يكون المكلّف غير قادر على التصرّف شرعا، و هذا المقدار من عدم القدرة ممّا يجعل المال المذكور بمنزلة الغائب عرفا. و قد مرّ الكلام فيه مفصّلا عند البحث عن شرائط الوجوب «1»، و لم يظهر لنا الوجه في تعرّضه قدّس سرّه للمسألة ثانيا. و اللّه العالم.

(664) الوجه فى التعرّض للفرع المذكور مع وضوح حكمه ظاهرا، إنّما هو توهم كون التولية نحو انتفاع من المال الزكوي، عائد إلى الشخص أو إلى أولاده، مع

______________________________

(1)-- ج 1: ص 199.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 135

و لو أوقفه على أولاده و غيرهم ممّن تجب نفقته عليه، فلا بأس به (665) أيضا. نعم، لو اشترى خانا أو بستانا، و وقفه على من تجب نفقته

عليه لصرف نمائه في نفقتهم، فيه اشكال (666).

______________________________

عدم جواز صرف الزكاة على نفسه أو على اولاده ممّن تجب نفقتهم عليه. و لكن التوهم باطل جدّا، إذ ليست التولية من ذلك أصلا، كما يشهد به مراجعة العقلاء و العرف.

(665) لأنّ ذلك ليس صرفا للزكاة في نفقة واجب النفقة، فإنّ الوقف مصداق ل «سبيل اللّه» الذي هو من جملة مصارف الزكاة، فالوقف حينئذ يكون مصداقا لصرف الزكاة في سهم سبيل اللّه، كما هو ظاهر.

(666) ربما يشكل ذلك، بأنّه كما لا يجوز صرف الزكاة فى نفقة واجبي النفقة، كذلك لا يجوز صرف نماءها في نفقتهم أيضا. و قد يقال بالجواز، لأنّ الزكاة- حينئذ- ممّا لم تصرف في نفقتهم، و الممنوع منه إنّما هو صرف الزكاة، لا صرف نماءها.

و الظاهر هو عدم خلوّ المسألة من وجه الإشكال، فإنّه إذا حرم صرف الزكاة في نفقتهم، حرم- لا محالة- صرف نماءها كذلك أيضا.

و التحقيق: أنّ المنع من اعطاء الزّكاة لواجبي النفقة مع فقرهم، إنّما ثبت بالنّص الخاصّ، و على خلاف القاعدة، و النصّ إنّما دلّ على عدم جواز إعطاء الزكاة لهم، و أمّا شراء الخان أو البستان و نحوهما منه، و وقفه على واجبي النفقة،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 136

[الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة]

الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة، لا يجوز (667) للفقير المقاصّة من ماله إلّا بإذن الحاكم الشرعي في كلّ مورد.

[الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحجّ أو نحوهما من القرب]

الثانية و العشرون: لا يجوز (668) إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحجّ أو نحوهما من القرب، و يجوز من سهم سبيل اللّه.

______________________________

بحيث يصرفون نماء ذلك في نفقتهم، فليس ذلك من مصاديق اعطاء الزكاة لهم، كما لا يخفى.

(667) إنّه لا دخل للفقير فيه أصلا، فإنّ جواز المقاصّة إنّما يتوقّف على كون الفقير بشخصه مالكا للمال الزكويّ، و هو موقوف على تعيين المالك تمليكه بالدفع إليه و إلّا فكلّي الفقير هو مصرف الزكاة. نعم، بما أنّ الحاكم وليّ الفقير، و وليّ الممتنع فله أن يقاصّ، أو يأذن الفقير بالمقاصّة، كما هو ظاهر.

(668) بما أنّ إعطاء الفقير من سهم الفقراء لا بدّ و أن يكون بعنوان التمليك، بخلاف صرف سهم سبيل اللّه في مورده فهو إنّما يكون من باب الصرف، و عليه فلو أعطى الفقير من سهم الفقراء بعنوان التمليك، و لو مع علمه بأنّه يحجّ بذلك أو يزور، لا بأس به، و أمّا لو أعطاه من السهم المذكور لكن بعنوان الصرف فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 137

[الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة]

الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة (669)، حتى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه، إذا لم يمكن دفع شره إلّا بهذا.

______________________________

الحج و الزيارة، لا بعنوان التمليك، فلا يصح، لما عرفت. و لعل نظره قدّس سرّه إلى ذلك، فلا يرد عليه ما علّق على كلامه في بعض الحواشي.

(669) قد مرّ «1» أنّ سهم سبيل اللّه لا يختصّ بالجهاد، كما هو مذهب العامة، و نسب إلى بعض أصحابنا أيضا، بل هو ممّا يعمّ سبل الخير كلّها، لكن مع فرض كونه من الامور المشتملة على المصالح الدينيّة

العامّة، لا مثل صلاة الليل، و صلاة جعفر، و نحوهما من المستحبّات غير المشتملة على المصالح العامّة.

و لا ينافي هذا جواز صرفه فى الحج، كما نطق به خبر عليّ بن ابراهيم المتقدّم «2»، و ذلك لأنّ الحج أيضا مشتمل على المصالح العامّة، كما قال عزّ اسمه في كتابه: وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالًا وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ فِي أَيّٰامٍ مَعْلُومٰاتٍ عَلىٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ- الآية «3» و من أوضح أفراده: تخليص المؤمنين من شرّ الظالمين، فإنّه من فعل الخير، و مشتمل على أعظم مصلحة عامة دينيّة، فيجوز إعطاء الزكاة من سهم

______________________________

(1)-- ج 2: صص 301- 305.

(2)-- ج 2: ص: 302.

(3)- الحجّ، 22: 27- 28.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 138

[الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص- بعنوان نذر النتيجة- و بلغ ذلك النّصاب]

الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص- بعنوان نذر النتيجة- و بلغ ذلك النّصاب، وجبت الزكاة على ذلك الشخص (670) أيضا، لأنّه مالك له حين تعلّق الوجوب. و أمّا لو كان بعنوان نذر الفعل،

______________________________

سبيل اللّه و صرفه في هذا المقام، و إن لم يكن ذلك- أي دفع شر الظالم- متوقّفا على الصرف المذكور، و ذلك لأنّه مع عدم انحصار طريق التخلّص بالاعطاء من الزكاة لا يكون المورد خارجا عن عنوان «سبيل اللّه»، فإذا لم يخرج بذلك عنه، جاز الصرف- حينئذ- من سهم سبيل اللّه و إن لم يكن منحصرا، كما علّق عليه السيّد الشيرازيّ قدّس سرّه بقوله: «التقييد بالانحصار لا وجه له».

(670) بناء على صحّة نذر النتيجة ما أفاده قدّس سرّه ظاهر، فإنّ الثمرة-

حينئذ- من حين وجودها تكون في ملك الشخص، فيتعلّق بها الزكاة مع اجتماع الشرائط، إلّا أنّ الظاهر هو عدم خلو نذر النتيجة عن الإشكال، و إن صحّحنا شرط النتيجة، كما قرّر في محلّه، و ذلك لأنّ المعتبر في متعلّق النذر إنّما هو المقدوريّة، نظرا إلى أنّ مشروعيّة النذر إنّما استفيد ممّا دلّ على وجوب الوفاء بالنذر، فلا بدّ و أن يكون المنذور امرا مقدورا يمكن في حقّه الوفاء به و عدمه، و نذر النتيجة ليس كذلك، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 139

فلا تجب على ذلك الشخص (671) و في وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال (672).

[الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل شخصا يقبض له الزكاة]

الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل (673) شخصا يقبض له الزكاة، من أيّ شخص، و في أيّ مكان كان، و يجوز للمالك إقباضه ايّاه مع علمه بالحال، و تبرأ ذمّته، و إن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير، و لا مانع من أن يجعل الفقير

______________________________

(671) لعدم صيرورته ملكا له بمجرّد النذر، و إنّما هو متوقّف على التمليك من المالك، و المفروض أنّه حال تعلّق الوجوب لم يكن ملكا لذلك الشخص لتجب الزكاة عليه، و إنّما ملّكها المالك إيّاه بعد زمان التعلّق، و هو زمان صدق الاسم.

(672) بما أنّ تعلّق النذر به يستوجب المنع عن التصرّف في المنذور، لوجوب حفظه، فلا محالة يرتفع الزكاة عن المالك بالنسبة إليه، من جهة عدم القدرة على التصرّف فيه شرعا.

(673) فإنّ التوكيل في إعطاء الزكاة و إن كان مجالا للتشكيك فيه، نظرا إلى كون الزكاة من الأمور العباديّة، و تمشّي النيابة فيها ممّا يحتاج إلى الدليل، إلّا أنّ أخذ الزكاة ليس من

جملة العبادات، فلا مانع من النيابة فيه، لا عقلا، و لا عرفا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 140

للوكيل جعلا على ذلك (674).

[السادسة و العشرون: لا تجري الفضوليّة في دفع الزكاة]

السادسة و العشرون: لا تجري الفضوليّة في دفع الزكاة (675)، فلو أعطى فضوليّ زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصحّ. نعم، لو كان المال باقيا في يد الفقير، أو تالفا مع ضمانه بأن يكون عالما بالحال، يجوز له الاحتساب إذا كان باقيا على فقره.

______________________________

(674) لعموم ما دلّ على صحّة الجعالة.

(675) مورد الفضوليّة إنّما هو التصرّفات المعامليّة الإنشائيّة الملحوظ لها البقاء عرفا، الغير النافذة إلّا من المالك، أو باذنه، أو باجازته، ففي مثل ذلك إذا وقعت المعاملة مجرّدة عن ذلك كلّه، بأن لم تصدر من المالك، و لا بإذنه أو أجازته، يقال ببطلان المعاملة، بمعنى عدم ترتّب الأثر عليها بالفعل إلّا بعد إجازة المالك، و أمّا في مثل المقام، فلا شكّ في أن تعيّن الزكاة بالعزل و التعيين من المالك ليس من الأمور الإنشائيّة المفروض لها نحوا من البقاء، بحيث إنّه لو صدر ذلك من غير المالك كان موقوفا في صحّته على إجازة المالك. لا نقول: إنّ تعيّن الزكاة فى المعزول ليس بسبب معاملي، بل نقول: إنّ هذا النوع من المعاملة ليس ممّا يتوقّف على الإنشاء، و إذا لم يكن من الأمور الانشائيّة لم تجر الفضوليّة فيه. نعم، بعد تعيّن الزكاة بعزل المالك، بما أنّ دفع المال إلى الفقير إنّما هو بعنوان التمليك، و هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 141

[السابعة و العشرون: إذا و كلّ المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: «ادفعه إلى الفقراء»]

السابعة و العشرون: إذا و كلّ المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: «ادفعه إلى الفقراء»، يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيرا، مع علمه بأنّ غرضه الإيصال إلى الفقراء، و أمّا إذا احتمل (676) كون غرضه الدفع الى

غيره فلا يجوز.

______________________________

أمر انشائيّ، فإذا كان الدافع للفقير هو غير المالك، و بدون إذنه، كان ذلك معاملة فضوليّة، و توقّفت ملكيّة الفقير له على إجازة المالك، فتدبّر.

(676) و لعدم إحرازه رضاه بتصرّفه في هذا المال، فلا يجوز له ذلك. و الحاصل، أنّه إذا علم- أو احتمل- أنّ المالك لو كان هو المتصدي لدفع الزكاة لكان يدفعه إلى غيره من الفقراء، لم يجز له- حينئذ- أخذه لنفسه، استنادا إلى إذنه بدفع المال إلى الفقراء.

و ما دلّت عليه النصوص من الجواز، كخبر سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرّجل يعطي الزكاة فيقسّمها في أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال:

نعم «1»»، و خبر الحسين بن عثمان، عن أبي إبراهيم عليه السّلام، في رجل أعطى مالا يفرّقه فيمن يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئا أ لنفسه، و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره «2»»، و مصحّح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 142

[الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة، دفعة أو تدريجا، و بقيت عنده سنة]

الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة، دفعة أو تدريجا، و بقيت عنده سنة، وجب عليه إخراج زكاتها (677)، و هكذا في سائر الأنعام و النقدين.

______________________________

سألت أبا الحسن عليه السّلام، عن الرّجل يعطي الرّجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة. قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره «1»»، محمول على ذلك.

و أمّا ما عن بعض الأعلام «2» دام ظلّه، من ابتناء المسألة على الوكالة المطلقة الشاملة لنفسه و عدمها، فلا

يمكن المساعدة عليه، لأنّ الوكالة المطلقة و عدمها إنّما هو في حدود ما تعلّق به غرض الموكّل، فإذا كان غرضه- أي المالك- هو إيصال المال المذكور إلى أيّ فرد صدق عليه عنوان الفقير، حتّى و لو كان هو الوكيل نفسه، كانت الوكالة- حينئذ- مطلقة، و إلّا فلا. فالمدار على إحراز غرض المالك.

(677) المقصود في هذه المسألة إنّما هو بيان أمور:

الأوّل: إنّ المأخوذ زكاة لا يكون بمثابة المال المأخوذ خمسا، في عدم تعلّق الخمس به بعد ذلك، و لو بقي عند الآخذ سنين، كما هو المشهور، و ذلك لاختصاص الدليل بباب الخمس، و ليست الزكاة و الخمس حقيقة واحدة، بل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 376، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 143

[التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوي مشتركا بين اثنين مثلا]

التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوي مشتركا بين اثنين مثلا، و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب، فأعطى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر، أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمّ

______________________________

المأخوذ زكاة- مع اجتماع الشرائط فيه- ممّا يتعلّق به الزكاة، و الفارق إنّما هو الدليل على ذلك فى الخمس دون الزكاة.

الثاني: إنّه قد يتوهّم إنّ المأخوذ زكاة لا يكون ملكا للفقير إلّا ما يصرف منه في سبيل حاجاته و رغباته، و أما لو قتّر على نفسه فلم يصرف شيئا من ذلك، أو أنّه أبقى بعضه، لم يدخل الباقي في ملكه، بل كان مملوكا للجهة، فلا مجال لتعلّق الزكاة به. و الوجه فى التوهّم المذكور: هو ما أشرنا إليه سابقا؛ من كونه هو المستفاد من الأدلّة، بملاحظة التعليلات الواردة في

بعضها؛ من أنّ الوجه في تشريع الزكاة إنّما هو سدّ حاجة الفقراء، و دفع عوزهم. و لكن الصحيح خلافه، و أنّ الفقير إنّما يملك ما يدفع إليه و لو لم يصرفه أبدا، و عليه فلو بقي في ملكه إلى أن تحقّقت شرائط الزكاة بأجمعها، وجب عليه الزكاة حينذاك.

الثالث: إنّه قد يتوهّم عدم كون ما يدفع من سهم الفقراء إلى الفقير ملكا له، فلا يتعلّق به الزكاة فيما لو بقي تحت يده و لم يتصرّف فيه، حتّى مع اجتماع سائر الشرائط، لفقد شرط الملكيّة. و لكنّه مدفوع، بأنّ الإعطاء إلى الفقير إنّما هو بعنوان التمليك، و لذلك يكون الفقير مالكا له، و لو لم يتصرّف فيه. و الحاصل، أنّ مقصوده قدّس سرّه فى المسألة إنّما هو بيان الأمور المذكورة، فلا وجه لما عن بعض الأعلام دام ظله «1» من التدليل للمسألة بقوله: «لعموم الأدلّة».

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 376، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 144

اقتسماه، فإن احتمل المزكّي أن شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال، و إن علم أنّه لا يؤدّي ففيه اشكال (678)، من حيث تعلّق الزكاة بالعين، فيكون مقدار منها في حصّته.

______________________________

(678) لا بدّ من التكلّم فى المسألة على جميع المباني الموجودة في مسألة تعلّق الزكاة بالعين، و إليك تفصيله:

الف- بناء على الالتزام بالملك بنحو الإشاعة، مقتضى القاعدة- حينئذ- إنّما هو بطلان القسمة، و ذلك لأنّ المفروض- حينئذ- اشتراك المال بين ثلاثة، فالقسمة برضا اثنين منهم و عدم رضا الثالث- و هم الفقراء- أو برضا وليّهم- و هو المجتهد جامع الشرائط- باطلة قطعا، و عليه فكلّ جزء من مجموع المالين- بعد القسمة- يكون ملكا

للفقراء، بنسبة ملكهم إلى مجموع المال، و نتيجة ذلك:

بطلان القسمة، كما أشرنا إليه.

نعم، يمكن تصحيح ذلك، بأن يقال: إنّه بعد ما ثبت من الأدلّة أنّ للمالك إفراز الزكاة و تعيينها في مال خاص بالعزل، فلا محالة يكون تراضى الشريكين فى القسمة، بعد العلم بأداء احدهما بمقدار نصيبه من الزكاة، إنّما هو تعيين المقدار الباقي من الزكاة في نصيب الآخر، و حينئذ فيكون كلّ جزء مشاع من أمواله مملوكا للفقراء بنسبة زكاة حصّته- اي حصّة الشريك الّذي لم يؤدّ زكاته- إلى نصيبه من المال، فلو فرضنا أنّ المال المشترك كان مائة دينار، و كان عشرة منها زكاة، فأدّى أحدهما زكاة حصّته- و هو خمسة دنانير- من مال آخر، ثمّ اقتسما المال المذكور فصار لكلّ منهما خمسين دينارا، كانت زكاة من لم يؤدّيها إنّما هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 145

..........

______________________________

خمسة دنانير، و نسبتها إلى الخمسين دينارا هو العشر، فيكون كلّ جزء من المال المذكور مملوكا للفقراء بنسبة العشر، و عليه فتصحّ القسمة، و تكون الزكاة الباقية في حصّة من لم يؤدّها، لا في كلتا الحصّتين.

ب- على القول بالملك بنحو الكلّي فى المعيّن يكون مقتضى القاعدة هو صحّة القسمة، إذ المفروض على هذا القول إنّما هو جواز التصرّف فى المال الزكويّ إلى أن يبلغ بمقدار الفريضة، فلو أراد الشريكان- فى المثال المتقدّم- التصرّف في مالهما تدريجا جاز لهما ذلك إلى أن يبلغ المال خمسة دنانير، و هو المقدار الباقي من الزّكاة، و إذا كان الأمر كذلك جاز لهما القسمة أيضا، إذ المفروض أنّها لا توجب التصرّف في مقدار الزكاة، و إنّما هو باق بحاله حتّى بعد القسمة. و الحاصل، أنّ تصرف الشريكين

بالإتلاف فى المال المذكور إلى حدّ خمسة دنانير جائز بلا إشكال على هذا القول. نعم، إذا بلغ إلى حدّ خمسة دنانير لم يجز لهما بعده التصرّف في ذلك، فينبغي عليه جواز القسمة من الشريكين أيضا بلا اشكال و لا ريب، كما هو ظاهر. و عليه تكون الخمسة دنانير المملوكة للفقراء بنحو الكلّي فى المعيّن، في نصيب غير المؤدّي منهما للزكاة، لما عرفت.

ج- إذا كانت الزكاة متعلّقة بالعين لا بنحو الملك و لكن بنحو حق الرهانة، بأن كانت من الحقوق المتعلّقة بالعين نظير حقّ الرهانة، فالحكم فيه هو الحكم على الإشاعة، و ذلك لأنّه كما لا يجوز التصرّف فى المال المشترك من حيث الملكية إلّا برضا الجميع، كذلك لا يجوز التصرّف فى المال المفروض كونه متعلّقا لحقّ الغير المنافي لجواز التصرّف فيه بلا اذنه، إلّا برضا صاحب الحق.

د- ما إذا كان الحقّ من قبيل حقّ الجناية، غير المانع من التصرّفات مطلقا، حتّى الناقلة منها كالبيع، على ما مرّ الكلام فيه مفصّلا، فالأمر فى المسألة واضح

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 146

[الثلاثون: قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة]

الثلاثون: قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة (679)، و لا تصحّ منه،

______________________________

جدّا، فإنّ مقتضى القاعدة إنّما هو صحّة القسمة، غايته: أنّ الساعي- أعني به المطالب بالزكاة- يتبع العين، فان استوفى الزكاة من نصيب غير المؤدّي فهو، و إلّا رجع الاخر- المفروض كونه قد أدّى نصيبه من الزكاة- إلى من لم يؤدّ الزكاة بمقدار ما أخذ الساعي منه.

هذا ما تقتضيه القاعدة فى المسألة، و منه يظهر الحال فيما جاء فى المتن، فإنّه على مسلكه قدّس سرّه من الالتزام بالملك بنحو الكلّي فى المعين في باب الزكاة لا وجه لاستشكاله صحّة القسمة

أصلا. كما أنّه على القول بالإشاعة أيضا لا وجه للاستشكال، بناء على ما عرفته آنفا. و يمكن تنزيل العبارة على هذا المبنى، و يكون حينئذ التقييد بمورد احتمال أداء الشريك الآخر- كما فى العبارة- من باب أنّ العزل مطلقا لا يكون موجبا لتعيّن الزكاة، بل العزل بنيّة الأداء، فلو بنينا على استفادة ذلك من الأدلّة، كان التقييد المذكور حينئذ على طبق القاعدة، نظرا إلى أنّه مع احتمال تحقّق الأداء منه خارجا يكون هناك مجال لإجراء أصالة الصحّة في فعله، و هو العزل، فيثبت بها أنّه عزل يترتّب عليه الأثر، و هو التعيّن. و أمّا مع القطع بالعدم فلا مجال لإحراز كون العزل مما يترتّب عليه الأثر، و لا سبيل إلى احرازه بالأصل مع القطع بعدم تحقّق الاداء منه خارجا، كما لا يخفى.

(679) قد مرّ في أوائل البحث: أنّه لا دليل على وجوب الزكاة على الكافر، و على تقدير الوجوب فلا دليل على عدم صحّتها عنه حال الكفر، كما أنّه لا دليل على سقوطها عنه بالإسلام، و لا على جواز اجبار الحاكم ايّاه على الاعطاء له، أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 147

و إن كان لو أسلم سقطت عنه، و على هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له، أو أخذها من ماله قهرا عليه، و يكون هو المتولّي للنيّة، و إن لم يؤخذ منه حتّى مات كافرا جاز الأخذ من تركته، و إن كان وارثه مسلما وجب عليه. كما أنّه لو اشترى مسلم تمام (680) النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار

______________________________

أخذها منه قهرا. نعم إنّ سيّدنا الاستاذ دام ظلّه اختار في هذا المقام جواز الإجبار أو الأخذ من ماله قهرا،

بعد التسليم بوجوبها على الكافر و عدم صحّتها منه حال الكفر، من باب أن الحاكم وليّ الممتنع، فان امتناع الزكاة منه إنّما هو باختياره الكفر و عدم الإسلام، و لا شكّ أنّ هذا إنّما يتم فيما لو لم نقل بسقوطها بالإسلام، و إلّا فلا مجال له ظاهرا، لاختصاص القاعدة بما إذا أمكن الممتنع التصدي و هو مفروض العدم فى المقام، فإنّه لو أسلم سقطت عنه، و لو لم يسلم لما صحّت منه، فكيف يصح القول بأنّ امتناع الزكاة منه راجع إلى الاختيار؟! و اللّه العالم.

و ممّا ذكرنا من المنع عن وجوب الزكاة على الكافر يظهر الحال فيما فرّع على هذا المبنى في المتن؛ من جواز الأخذ من تركته لو لم يؤخذ منه حيا، و من وجوبه على وارثه المسلم، و كذا الفرع التالي، فلاحظ.

(680) و قد علّق عليه بعض المحشّين قدّس سرّه بقوله: «أو بعضه»، أي: و لو كان المشترى بعض النصاب، لا تمامه، و هو مبنيّ على مسلكه قدّس سرّه من القول بالملك بنحو الإشاعة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 148

الزكاة فضوليّا، و حكمه حكم ما اذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة، و قد مرّ سابقا.

[الحادية و الثلاثون: اذا بقي من المال- الّذي تعلّق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما، و لم يكن عنده غيره]

الحادية و الثلاثون: اذا بقي من المال- الّذي تعلّق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما، و لم يكن عنده غيره، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة (681).

______________________________

(681) إذ المفروض أنّ المال- لعدم وفائه بكلا الحقّين كاملا- لا يمكن أن يتعلّق به كلا الحقّين معا، و حيث أنّه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، كما هو المفروض، فلا محالة يكون بعضه متعلّقا للزكاة، و بعضه متعلّق الخمس، و هذا هو التوزيع.

و أمّا ما عن بعض

الأعلام «1» دام ظلّه «من أنّ المورد من صغريات باب التزاحم، نظرا إلى أنّ كلّ جزء من المال موضوع لكلّ من الحقّين، فحيث لا يمكن إعمالهما معا، يكون اعمال أحدهما بعينه ترجيحا بلا مرجّح، و لازمه التخيير في إعمال كلّ منهما، فلا موجب للتوزيع ...»، فيتوجّه عليه: أنّ اندراج المورد تحت كبرى باب التزاحم موقوف على عدم المانع من جعل كلا الحقّين، و أنّ المانع إنّما هو من فعليّتهما معا، لأجل عجز المكلّف عن امتثالها معا، مع أنّ المانع كما ذكره المصنّف قدّس سرّه- كما بيّناه- إنّما هو في أصل جعل الحقّين، و أنّه لا يمكن جعلهما معا، بحيث يكون المال كله موضوعا لكل من الحقّين، بل لا بدّ و إن يجعل بعضا من المال موضوعا لهذا الحقّ، و بعضه موضوعا للحق الآخر.

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 378، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 149

بخلاف ما إذا كانا في ذمّته، و لم يكن عنده ما يفي بهما، فإنّه مخيّر (682) بين التوزيع، و تقديم أحدهما. و إذا كان عليه خمس أو زكاة، و مع ذلك عليه من دين الناس و الكفّارة و النذر و المظالم، و ضاق ماله عن أداء الجميع، فإن كانت العين- الّتي فيها الخمس أو الزكاة- موجودة، وجب تقديمهما على

______________________________

و بكلمة أخرى: حيث إنّه لا يمكن فرض المال الباقي- كلّه- موضوعا لحقّ الزكاة و حقّ الخمس معا، و لا موضوعا لأحدهما معيّنا، فلا محالة يكون بعضه موضوعا الحقّ الزكاة، و بعضه موضوعا للخمس، و بهذا لا تصل النوبة إلى مرحلة التزاحم بين الحقّين، ليكون مقتضى القاعدة فيه هو التخيير، كما لا يخفى.

(682)

ثبوت الزكاة و الخمس فى الذمّة إنّما يكون بأحد وجهين:

أحدهما: أن يقال باشتغال الذمّة من الأوّل، و هو خلاف التحقيق، كما مرّ ذلك في أوائل البحث، و سيجي ء فى الخمس.

و الثانى: أن يكون ذلك بتلف العين المتعلّق للحقّ، و على كلّ تقدير، فبعد اشتغال الذمّة بهما، و مع عدم وفاء ما عنده من المال بهما، مع فرض عدم كون المال المذكور متعلّقا لشي ء منهما يكون المورد- لا محالة- من صغريات باب التزاحم، فحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر، و لا للتوزيع على غيره، فلا محالة يكون مخيّرا بين تقديم أحدهما و بين التوزيع، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 150

البقيّة (683) و إن لم تكن موجودة، فهو مخيّر (684) بين تقديم أيّها شاء، و لا يجب التوزيع، و إن كان أولى. نعم، إذا مات و كان عليه هذه الأمور، و ضاقت التركة، وجب التوزيع بالنسبة (685)، كما في غرماء المفلّس.

______________________________

(683) لتعلّق الخمس أو الزكاة بالعين، و ثبوت الباقي فى الذمّة، و لا يسري الحق منها إلى العين، فلا محالة يتقدّم ما هو متعلّق بالعين.

(684) لثبوت الجميع- حينئذ- فى الذمّة، فيتخيّر حينئذ بين تقديم أيّها شاء، و بين التوزيع، كما عرفت ذلك آنفا.

(685) لتعلّق الجميع حينئذ بعين التركة، حتّى ما كان منها ثابتا فى الذمّة حال الحياة، فإنّه بالموت يتعلّق بالعين، كما ثبت ذلك في محلّه، و حينئذ يجب التوزيع، لما عرفته فى الفرع الأوّل من هذه المسألة. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 151

و إذا كان عليه حج واجب أيضا كان في عرضها (686).

[الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه]

الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل

بكفه (687)، و كذا فى الفطرة، و من منع من ذلك- كالمجلسي رحمه اللّه في «زاد المعاد «1»» في باب زكاة الفطرة- لعلّ نظره إلى جهة حرمة السؤال، و اشتراط العدالة فى الفقير، و إلّا فلا دليل عليه بالخصوص، بل قال المحقّق القمي قدّس سرّه «2»: لم أر من استثناه- فيما رأيته من كلمات العلماء- سوى المجلسي في «زاد المعاد»، قال: «و لعلّه سهو منه، و كأنّه كان يريد الاحتياط منها، و ذكره بعنوان الفتوى».

______________________________

(686) لما ثبت في محلّه- كما سيجي ء البحث عنه في باب الحج إن شاء اللّه- من كون الحج من الواجبات الماليّة، فيتعلق بالعين بالموت، كسائر الحقوق الماليّة.

(687) لا ينبغي الإشكال- ظاهرا- في جواز اعطاء الزكاة للسائل بكفه، بعد كونه مصداقا للمسكين، الّذي هو من جملة مصارف الزكاة، بنصّ الآية الكريمة، بصريح صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: أنّه سأله عن الفقير و المسكين،

______________________________

(1)- المجلسي، محمّد باقر: زاد المعاد، ص 227، ط المكتبة الإسلاميّة، طهران، سنة 1378 ق.

(2)- المحقّق القمي، ميرزا أبو القاسم: جامع الشتات، ج 1: ص 37، ط أولى، إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 152

[الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة فى الفقير- عدم جواز اخذه أيضا]

الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة فى الفقير- عدم جواز اخذه أيضا، لكن ذكر المحقّق القمى رحمه اللّه «1» أنّه مختصّ بالإعطاء (688)، بمعنى: أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل، و أمّا الآخذ فليس مكلّفا بعدم الأخذ.

______________________________

فقال: «الفقير، الّذي لا يسأل، و المسكين، الّذي هو أجهد منه، الّذي يسأل «2»»، و قريب منه صحيح أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه تعالى:

إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ...، قال:

«الفقير، الّذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم ... «3»».

و لعلّ الوجه فى المنع المحكي عن المجلسي قدّس سرّه هو: احتمال اندراج السائل بكفه في أهل الحرف الخارجين عن المطلقات الواردة في مصرف الزكاة، بعد حمل كلامه قدّس سرّه على من اتّخذ السؤال حرفة له. و لكنّه لا وجه له ظاهرا، و ذلك لأنّ من اتّخذ الأكل من الزكاة طريقا لتعيّشه، بحيث كان شغله أخذ الزكاة، لا يكون هذا داخلا في أهل الحرف و الكسب قطعا، كي يمنعه ذلك من أخذ الزكاة، كذلك حال من اتّخذ السؤال حرفة، فإنّ ذلك لا يخرجه من الفقير و المسكين، اللذين هما من جملة مصارف الزكاة.

(688) ضعف هذا التفصيل ظاهر، فإنّ العدالة إذا كانت من الشرائط الواقعيّة-

______________________________

(1)- المحقّق القمي، ميرزا أبو القاسم: جامع الشتات، ج 1: ص 39، ط أولى، إيران الحجريّة.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقين للزكاة، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 153

[الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة فى الزكاة]

الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة فى الزكاة، و ظاهر كلمات العلماء أنّها شرط فى الإجزاء (689)، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة و لم يجز. و لو لا الإجماع امكن الخدشة فيه، و محلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصدا للقربة فى العزل و بعد ذلك نوى الرياء- مثلا- حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير، فإنّ الظاهر إجزاؤه و إن قلنا باعتبار القربة، إذ المفروض تحقّقها حين الإخراج و العزل.

______________________________

كسائر الشرائط- فكما لا يجوز للمعطي الدفع إلى غير العادل، كذلك لا يجوز لغير العادل أخذ ذلك، و عليه فلو فرضنا أنّه دفعها

إلى غير العادل، فلا محالة يكون قاطعا بعدم كون المدفوع إليه مالكا للمال لعدم كونه مصرفا له، و حينئذ فكيف يصحّ للفقير أخذ ما ليس يملكه. نعم، ذكرنا سابقا عدم اشتراط العدالة فى الفقير، فلاحظ.

(689) الكلام في مقامين:

الأوّل: هل القربة معتبرة فى المأمور به، أو أنّها واجبة بوجوب نفسي مستقل؟ ربّما يحتمل الثاني، و عليه فلو لم يقصدها المالك أجزأ ذلك و صحّ ما دفعه زكاة، و إن كان آثما من حيث تركه قصد القربة، المفروض وجوبه. و لكن الظاهر هو الأوّل، و ذلك لأنّ الظاهر ممّا دلّ على اعتبارها- و هو ارتكاز

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 154

..........

______________________________

المتشرعة و نحو ذلك- إنّما هو اعتبارها فى المامور به، كما هو الحال في غير الزكاة من سائر العبادات، و لا ينافي ذلك الالتزام بتعلّق الزكاة بالعين- سواء أ كان ذلك بنحو الملك أم بنحو الحق- لما أشرنا إليه في محلّه سابقا، من أنّه لا مانع- ثبوتا- في دخل قصد القربة في إفراز متعلّق حقّ الغير أو مملوكه.

و بكلمة أخرى، يكون تشخّص متعلّق الزكاة في عين خاصّ موقوفا على قصد القربة زائدا على العزل و اليقين، و هذا أمر معقول ثبوتا، و مقام الإثبات أيضا ممّا يساعده، كما عرفت.

المقام الثاني: إنّه هل يعتبر قصد القربة فى المأمور به في خصوص حال الدفع إلى المستحقّين، أو خصوص حال العزل، أو حال العزل مستمرّا إلى حال الدفع، أو فيهما مع عدم الاستمرار؟ وجوه و احتمالات، و الظاهر أنّه لا ينبغى الريب في بطلان الأوّل، و ذلك للاتّفاق على صحّة الزكاة و الإجزاء فيما لو لم يكن المالك حال الدفع قاصدا القربة، بأن كان غافلا

محضا، كما إذا كان المستحق في بلد غير بلد المالك، فأوصل- هذا الأخير- الزكاة إليه عن طريق الحوالة، إذ من الطبيعي أنّه قد يكون المالك حال وصول الحوالة بيد المستحقّ غافلا عن ذلك، أو نائما، فلا يتمشّى منه قصد القربة في تلك الحال، و هذا ظاهر جدّا.

و الظاهر أنّه إن تمّ الإجماع المدعى فى «المستند «1»» على الوجه الأخير، و هو اعتبار القربة حال العزل و الدفع فهو، و إلّا فالقاعدة لا تقتضي إلّا اعتبارها حال العزل. و هو حال تعيّن الزكاة، كما عرفت و أمّا اعتبارها على سبيل الاستمرار من حال العزل إلى الدفع فهو غير محتمل أيضا، إذ لا شكّ في أنّ اعتبارها كذلك ينافي تحقّق النوم و الغفلة و غيرهما من المنافيات فى الأثناء،

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 374، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 155

[الخامسة و الثلاثون: إذا و كلّ شخصا في إخراج زكاته و كان الموكّل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء]

الخامسة و الثلاثون: إذا و كلّ شخصا في إخراج زكاته و كان الموكّل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء ففى الإجزاء إشكال (690)، و على عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامنا.

[السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة]

السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة، فإن كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء كما مرّ،

______________________________

فيستكشف- من عدم بناء المتشرعة على اختلال قصد القربة بتخلل الأمور المذكورة- عدم اعتبارها كذلك، كما لا يخفى.

و عليه فإذا كان المالك قاصدا القربة حين العزل، و بعد ذلك خطر له الرياء حين الدفع إلى الفقير، لم يضرّ ذلك، كما عن المصنّف قدّس سرّه.

(690) بناء على ما تقدّم؛ من عدم ثبوت النيابة في إخراج الزكاة، فالتوكيل حينئذ لا يكون الا بالإضافة إلى الإيصال، و حينئذ فلا يضرّ قصد الوكيل الرياء بصحّة العمل أصلا. نعم، بناء على الثبوت- كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه و جماعة- و فرضنا كون الوكالة فى الإخراج لا للإيصال، فالظاهر هو البطلان بقصد الوكيل الرياء، و وجهه ظاهر. كما أنّه على تقدير قصده ذلك يكون الوكيل ضامنا، فإنّ الأمين إنّما لا يضمن حيث لا يكون منه تعدّ و تفريط، و هذا بخلاف فى المقام، فإنّه يكون- بقصده الرياء- قد أتلف مال الغير، فيكون ضامنا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 156

و إن كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم (691)، و إن كان بعنوان الولاية على الفقراء، فلا إشكال فى الإجزاء إذا كان المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة، و أمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل (692).

______________________________

(691) بناء على امكان

النيابة في باب الزكاة، و فرض الوكالة فى المقام من باب النيابة عن المالك في أداء الزكاة و اخراجها دون الوكالة في مجرد الإيصال، فالأمر كما أفيد من المتن، و أمّا بناء على أنّ النيابة في باب الزكاة ممّا لا دليل عليها، كما هو المختار. أو كون الوكالة في مجرّد الإيصال، فالإشكال فى الإجزاء فى الفرض المذكور يبتني على اعتبار القربة حال الدفع أيضا، زائدا على اعتبارها حال العزل، إلّا إذا فرضنا كون المالك ناويا للقربة حال دفع الحاكم إلى الفقير فينتفى الإشكال حينئذ، كما هو ظاهر.

(692) يمكن توجيه الإشكال بنحوين:

الأوّل: إنّ العزل الموجب للتعيين إنّما هو خصوص ما يقع طريقا للصرف في مصرفه المشروع، و أمّا ما لا يكون كذلك، كما فى المقام، حيث كان صرف المال المذكور لأجل تحصيل الرئاسة- و نفرضها رئاسة محرّمة، فمثل هذا العزل لا يوجب التعيّن فى المعزول، فلا يجزي ذلك، و هذا بعيد عن العبارة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 157

بل الظاهر ضمانه، حينئذ، (693) و إن كان الآخذ فقيرا.

[السّابعة و الثلاثون: اذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنيّة]

السّابعة و الثلاثون: اذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنيّة (694)، و ظاهر كلماتهم الإجزاء، و لا يجب على الممتنع بعد ذلك شي ء، و إنّما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه (695).

______________________________

الثّاني: أن يكون اعطاء المال لتحصيل الرئاسة من باب الجعل على قيام المدفوع إليهم بتحقيق موجبات الرئاسة و لوازمها، فلم يدفع المال إلى الفقير مجانا، ليسقط به الأمر بالزكاة، بل من باب الجعالة و الأجرة، و هذا هو الظاهر من العبارة.

(693) لدفعه ذلك إلى الفقير من باب الجعل لا مجّانا، فكان قد اتلف الزكاة، فيضمنها لا محالة.

(694) فإنّ مقتضى

ما دلّ على أنّ الحاكم وليّ الممتنع- كما هو المتسالم عليه فيما بينهم- إنّما هو نيابة الحاكم عن الممتنع فى الإخراج و الأداء، ففي هذا المورد بالخصوص تجوز النيابة من جهة قيام الدليل عليها، و يكون هو المتولّي.

(695) تحقّق الإثم بذلك مبنيّ على أن يكون ما ورد في شأن مانعي الزّكاة شاملا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 158

لكنّه لا يخلو عن إشكال (696)، بناء على اعتبار قصد القربة، إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه.

[الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل]

الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل، لا مانع من إعطائه من الزكاة، إذا كان ذلك العلم مما يستحبّ تحصيله (697)، و إلّا فمشكل.

______________________________

لمثل هذا الشخص، المفروض تحقّق الزكاة منه بأخذ الحاكم، و إلّا كان الإثم على التجرّي، إلّا إذا افترضنا وجوب إخراجها عليه فورا فاخلّ بذلك. و اللّه العالم.

(696) الظاهر إنّه ممّا لا إشكال فيه لما مرّ، و كما أشار إلى نفي الإشكال فيه أيضا جملة من المحشّين.

(697) تقدّم في فصل المستحقّين أنّ الظّاهر هو جواز الإعطاء من سهم الفقراء لمن كان مشتغلا بالعلوم المباحة، مثل الفلسفة، و النجوم، و الرياضيّات و نحو ذلك، فضلا عن الراجحة، كالفقه و الأصول و نحوهما، و الوجه فيه: أنّ مقتضى الأدلّة الأوليّة إنّما هو جواز الإعطاء من سهم الفقراء لكلّ فقير، إلّا أنّه قد خرج عن ذلك بدليل منفصل «المحترف»، و قد فسّر ذلك في ذيل الدليل المذكور، بالقادر على كفّ نفسه من الزكاة، و عليه فإذا كان المناط فى القدرة و عدمها في هذا الباب إنّما هو نظر العرف دون العقل، فلا ينبغي الإشكال في أنّ

المشتغل بالعلم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 159

[التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الرّاجح شرعا قاصدا للقربة]

التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الرّاجح شرعا قاصدا للقربة، لا مانع من إعطائه الزكاة، و أما إذا كان قاصدا للرياء أو للرئاسة المحرّمة، ففي جواز إعطائه إشكال (698) من حيث كونه إعانة على الحرام.

[الأربعون: حكى عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة فى المكان المغصوب]

الأربعون: حكى عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة فى المكان المغصوب، نظرا إلى أنّه من العبادات فلا يجتمع مع

______________________________

المباح أو الراجح- في حال اشتغاله- ممّا يصدق عليه أنّه غير قادر على كفّ نفسه من الزّكاة، فيجوز إعطائه من سهم الفقراء. نعم، شريطة أن لا يعدّ بطّالا، لما سبق من عدم جواز اعطاء الزكاة للكسلان. هذا كلّه في سهم الفقراء، و أمّا الإعطاء من سهم سبيل اللّه، فهو إنّما يختصّ بموارد انطباق عنوان «سبيل اللّه» عليه، و ذلك فيما إذا كان العلم ممّا يستحب تحصيله، و هذا هو الوجه في تخصيص المصنّف قدّس سرّه الجواز بالفرض المذكور، و قد مرّ بيان ذلك فى الفصل المشار إليه، فلاحظ.

(698) قد بيّن في محلّه أنّه بناء على حرمة الإعانة على الإثم، لا تكون الحرمة ثابتة لمطلق الإتيان بما هو من مقدّمات الحرام و لو لم يكن الآتي قاصدا الاعانة، بل في خصوص فرض قصده ذلك، كما يستفاد ممّا ورد في بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا، أو يكون ترتّب الحرام على ذلك ممّا لا بدّ منه، فلاحظ ما ذكرناه بهذا الصدد في بحث المكاسب المحرّمة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 160

الحرام. و لعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه، إذ فيه لا يكون تصرّفا في ملك الغير، بل إلى صورة الإعطاء و الأخذ حيث أنّهما فعلان خارجيان، و لكنّه- أيضا-

مشكل (699)، من حيث أنّ الإعطاء الخارجي مقدّمة للواجب، و هو الإيصال، الّذي هو أمر انتزاعي معنوي، فلا يبعد الإجزاء.

[الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول]

الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول، كالأنعام و النقدين، كما مرّ سابقا. و أمّا ما لا يعتبر فيه الحول- كالغلّات- فلا يعتبر

______________________________

(699) تارة نقول: أنّ الواجب في باب الزكاة هو تمليك الفقير أو غيره، و الفعل الخارجي- و هو الإعطاء و الأخذ- مبرزان للتمليك و التملك، و حينئذ لا يضرّ بالصحّة كون الإعطاء و الأخذ مصداقا للغصب الحرام، باعتبار منافاة الحرمة مع قصد القربة المعتبر فى الزكاة، فإنّ القربة إنّما تعتبر في ما هو الواجب، و ليس هو مصداقا للحرام، و إنّما مبرزه مصداق له، فليس المأمور به مصداقا للمنهي عنه.

و أخرى نقول: إنّ الواجب هو إيصال الزكاة إلى الفقير أو غيره من المصارف و الإعطاء مقدّمة له، فإن لم تنحصر المقدّمة بالحرام لم يكن هناك محذور أصلا، و على تقدير الانحصار يقع التزاحم- لا محالة- بين حرمة المقدّمة و وجوب ذيها، فلا بدّ من مراعاة ما هو الأهم منهما، فيقدّم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 161

التمكّن من التصرّف فيها قبل حال تعلّق الوجوب، بلا إشكال. و كذا لا إشكال في أنّه لا يضرّ عدم التمكّن بعده، إذا حدث التمكّن بعد ذلك. و إنّما الإشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب، و الأظهر عدم اعتباره (700)، فلو غصب زرعه غاصب، و بقي مغصوبا إلى وقت التعلّق، ثمّ رجع إليه بعد ذلك، وجبت زكاته.

______________________________

(700) مرّ الكلام في ذلك فى المسألة السّابعة عشرة، و قد تقدّم من المصنّف قدّس سرّه هناك

الإشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف حال تعلّق الوجوب، و هنا استظهر العدم. و لكن الصحيح- كما ذكرناه هناك- هو اعتباره حال تعلّق الوجوب فيما لا يعتبر فيه الحول، عملا بإطلاق صحيح ابن سنان، فراجع و لاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 163

[فصل في زكاة الفطرة]

اشارة

[فصل] في زكاة الفطرة و هي واجبة إجماعا من المسلمين (701).

______________________________

(701) و فى «الجواهر «1»»: نسبة الخلاف فيه إلى من وصفه بالشاذّ من أصحاب مالك «2»، و كيف كان فالدليل عليه- مضافا إلى الإجماع- هو النصوص الكثيرة، كصحيح هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس و أموال، و إنّما كانت الفطرة «3»»، و صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 484، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 645؛ ابن قدامة، عبد الرحمن بن أبي عمرو: الشرح الكبير، ج 2: ص 645، ط- افست- دار الكتاب العربي.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 164

و من فوائدها: أنّها تدفع الموت في تلك السنة عمّن أديت عنه (702). و منها: أنّها توجب قبول الصّوم، فعن الصادق عليه السّلام أنّه قال لوكيله: «اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة أجمعها، و لا تدع منهم أحدا، فإنّك إن تركت منهم أحدا تخوفّت عليه الفوت، قلت: و ما الفوت؟ قال عليه السّلام: الموت» (703)، و عنه عليه السّلام: «إنّ من تمام

______________________________

«تصدّق عن

جميع من تعول ... «1»»، و نحوهما غيرهما «2». و استدلّ له أيضا بقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى «3»، و دلالته على وجوب الفطرة، إنّما هي بضميمة الرواية المفسّرة، الآتي ذكرها قريبا إن شاء اللّه.

(702) كما في خبر معتّب مولى أبي عبد اللّه عليه السّلام، عنه عليه السّلام، قال: «اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة، و عن الرقيق، و أجمعهم و لا تدع منهم أحدا؛ فإنّك إن تركت منهم إنسانا تخوّفت عليه الفوت. قلت: و ما الفوت؟ قال: الموت «4»»، و قريب منه ما رواه السيد ابن طاوس رحمه اللّه فى «الإقبال» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «5».

(703) و هذه هي رواية معتب الّتي ذكرناها آنفا، و ما جاء فى المتن فيه بعض التغيير عن ما جاء في «وسائل الشيعة»، فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 3.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 3، ص: 164

(2)-- وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة.

(3)- سورة الأعلى، 87: 14.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 5.

(5)- المصدر، ح 16.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 165

الصوم إعطاء الزكاة، كما أنّ الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة؛ لأنّه من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا، و لا صلاة له إذا ترك الصّلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله إن اللّه تعالى قد بدأ بها

قبل الصلاة، فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى* وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى «1» (704). و المراد بالزكاة في هذا الخبر هو زكاة الفطرة، كما يستفاد من بعض الأخبار المفسّرة للآية (705).

______________________________

(704) روى الصدوق الحديث عن أبي بصير و زرارة، قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«إنّ من تمام الصوم اعطاء الزكاة ... «2»»، و رواه الشيخ قدّس سرّه أيضا، و لكن عن أبي بصير، عن زرارة، و كذلك المفيد رحمه اللّه فى المقنعة «3».

(705) كما في مرسل الفقيه، عن قول اللّه عزّ و جلّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى ...،

قال عليه السّلام: «من أخرج الفطرة «4»»، و نحوه ما عن تفسير القمّي «5».

______________________________

(1)- سورة الأعلى، 87: 14- 15.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 5.

(3)- المصدر، ملحق الحديث 5.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ملحق الحديث 6.

(5)- تفسير عليّ بن إبراهيم القمي، ج 2: ص 417، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 166

و الفطرة، إمّا بمعنى الخلقة، فزكاة الفطرة، أي زكاة البدن، من حيث أنّها تحفظه عن الموت، أو تطهّره من الأوساخ. و إمّا بمعنى الدين، أي زكاة الإسلام و الدين.

و إمّا بمعنى الإفطار، لكون وجوبها يوم الفطر. و الكلام في شرائط وجوبها، و من تجب عليه، و في من تجب عنه، و في جنسها، و في قدرها، و في وقتها، و في مصرفها، فهنا فصول:

[فصل في شرائط وجوبها]

اشارة

[فصل] في شرائط وجوبها

[و هي أمور]

اشارة

و هي أمور:

[الأوّل: التكليف]

الأوّل: التكليف، فلا تجب على الصبيّ و المجنون (706).

______________________________

(706) لا خلاف فيه ظاهرا، بل عن جملة «1» منهم دعوى الإجماع عليه. و استدلّ له بحديث «رفع القلم ...»، و لا ينبغى الشكّ في أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة إنّما هو وجوب الفطرة عليهما، إلّا مثل الطفل الصغير جدّا- كالرضيع مثلا- الّذي لا يعقل في حقّه التكليف، و إنّما الكلام في المخصّص و المقيّد للإطلاق المذكور. و تحقيق الكلام في هذا المقام يستدعى عقد البحث في جهتين:

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 593، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم (لكنه خصّ الاجماع باشتراط البلوغ (؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1:

ص 531، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 167

..........

______________________________

الجهة الأولى:

إنّ المجعول في باب زكاة الفطرة هل هو الحكم التكليفي أو الوضعيّ؟ و المتصوّر هنا أحد أمور:

الأوّل: أن يكون المجعول إنّما هو وجوب الإخراج تكليفا فقط، ثبوتا و إثباتا.

الثاني: أن يكون المجعول ثبوتا هو الحكم الوضعي، و هو اشتغال الذّمة، و لكنّ الكاشف عنه إثباتا هو الحكم التكليفي. و بكلمة أخرى، المجعول بحسب مقام الثبوت إنّما هو الحكم الوضعي، و لكن انكشافه إنّما يكون بالأمر باخراج الفطرة تكليفا.

الثالث: أن يكون المجعول- ثبوتا و إثباتا- حكما وضعيّا، و لا يكون فى مقام الكشف تابعا للحكم التكليفي أصلا. إلّا أنّ الحكم التكليفي ممّا يتفرّع عنه و يترتّب عليه. هذه هي الوجوه المتصوّرة فى المقام و لا يهمنا تحقيقه فعلا.

الجهة الثانية:

في ما هو المخصّص أو المقيّد لوجوب الفطرة بالنسبة إلى الصبي و المجنون، و الكلام من هذه الجهة- تارة- يقع فى المخصّص بوجه عام، و أخرى

في المخصص في باب زكاة الفطرة بوجه خاصّ.

أمّا الكلام في المخصّص أو المقيّد العام، فنقول: إنّه وقع الكلام في ما هو المرفوع بحديث رفع القلم، فقد يقال: أنّ المرفوع به هو المؤاخذة الأخرويّة، أو الأعمّ منها و من المؤاخذة الدنيويّة، كالضمان و نحوه، و لكنّه ممّا لا يمكن الالتزام به، لكونه خلاف لسان الرواية عرفا، فإنّ إرادة المؤاخذة تحتاج إلى دقّة عقليّة خارجة عن المتفاهم العرفيّ، فلا بدّ و أن يكون المرفوع هو الحكم الّذي رفعه و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 168

..........

______________________________

وضعه بيد الشارع، و هو أعمّ من الحكم التكليفي و الوضعيّ، فكلّ ما كان وضعه بيد الشارع- تكليفا أو وضعا- فهو مرفوع عن الصبيّ و المجنون.

هذا، و لا يخفى أن مقتضى أخذ الصبي و المجنون في موضوع الرفع هو اختصاص المرفوع من الأحكام الوضعيّة في حقّهما، بالأحكام المترتّبة على الفعل الإراديّ فقط، فإنّ التفرقة بين الصبيّ و المجنون و بين غيرهما من المكلفين برفع الحكم عنهما دون غيرهما، إنّما يتّجه في مثل هذه الأحكام، و ذلك باعتبار ضعف الإرادة فيهما.

و أمّا الأحكام المترتّبة على الأفعال بقول مطلق، إراديّة كانت أم لا، فلا خصوصيّة فيها تقتضي ارتفاعها عن الصبي و المجنون، كما فى الجنابة المترتّبة على خروج المني مطلقا، و مثل الحكم بالضمان المترتّب على الإتلاف مطلقا، اختياريّا كان أم لم يكن، و عليه، فنقول: إنّه لا شكّ في أنّه- بناء على الاحتمال الأوّل- مقتضى القاعدة هو عدم ثبوت الفطرة على الصبيّ و المجنون، و ذلك بمقتضى حديث رفع القلم، الموجب لرفع الحكم التكليفي. و كذلك الحال، بناء على الاحتمال الثاني، فإنّه لا إشكال في عدم توجّه الأمر التكليفي

بالإخراج نحو الصبي و المجنون بمقتضى الحديث المذكور، و حيث إنّ الكاشف عن الحكم الوضعي كان هو هذا الحكم التكليفيّ، فمع انتفائه لا مجال لاستكشاف ثبوت الحكم الوضعيّ، و حينئذ فلا طريق لنا إلى القول باشتغال ذمّة الصبيّ أو المجنون بالفطرة، كما هو ظاهر.

و أمّا بناء على الثالث، فإن التزمنا باختصاص المرفوع بالحديث المذكور بالأحكام التكليفيّة، فلا ينبغى الإشكال في ثبوت الفطرة في حقّ الصبي و المجنون حسب الأدلة الأوليّة، و كذلك الحال ما إذا التزمنا بعموم الحديث المذكور

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 169

..........

______________________________

للأحكام الوضعيّة أيضا، و لكن خصّصناه كما هو المختار- بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع- بالأحكام الوضعيّة الثابتة للأفعال الإراديّة، من جهة قصور فعل الصبيّ أو المجنون- مثلا- عن غيرهما، من جهة ضعف الإرادة و الاختيار فيهما.

و الحاصل أنّ الحديث المذكور و إن كان شاملا للأحكام الوضعيّة، إلّا أنّ القرينة المشار إليها ممّا توجب اختصاصه بما يكون الموضوع للحكم المذكور من الأفعال الإراديّة، نظرا إلى أنّه يحتمل في أفعال الصبي و المجنون مثلا، القصور بالإضافة إلى أفعال البالغين، من جهة ضعف الإرادة فيهما، فإنّه على هذا أيضا لا يوجب الحديث المذكور عدم ثبوت الفطرة في حق الصبيّ و المجنون، و ذلك لأنّ موضوع الحكم فى المقام إنّما هو الذّمة دون فعل من أفعالهما، إذ الكلام في اعتبار الشارع اشتغال ذمّة الصبي أو المجنون، كما هو ظاهر. نعم، بناء على شمول الحديث المذكور للأحكام الوضعيّة مطلقا، فالقاعدة تقتضى انتفاء وجوب الفطرة عن الصبيّ و المجنون، كما هو ظاهر.

و المتحصّل من ذلك كلّه: أنّه- بناء على المختار من عدم شمول الحديث المذكور للأحكام الوضعيّة مطلقا- فالقاعدة تقتضي ثبوت الفطرة

في حقّ الصبى و المجنون.

هذا كلّه بالنظر إلى المخصّص أو المقيّد للوجوب بنحو عام. و أمّا الكلام فى المخصّص بوجه خاصّ بزكاة الفطرة، فنقول: إنّ الدليل قد قام على عدم ثبوتها في حقّ الصبيّ، كما في صحيح محمّد بن القاسم بن الفضيل البصري: إنّه كتب إلى أبى الحسن الرضا عليه السّلام يسأله عن الوصيّ يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب عليه السّلام: «لا زكاة على يتيم «1»» و موضوعه و إن كان هو «اليتيم»،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي؛ محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 170

و لا على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما (707)، بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضا (708).

______________________________

إلّا أنّه محمول على إرادة الصبي غير البالغ، لعدم الخصوصيّة لليتيم فى الحكم المذكور.

و أمّا المجنون فنفي الفطرة عنه مشكل، بعد ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة فيه- بناء على كون المجعول حكما وضعيّا- هو ثبوت الفطرة في حقّه، إلّا أن يكون هناك إجماع على نفيها عنه، و هو محلّ تأمّل لعدم الجزم بالإجماع التعبديّ في مثل المقام، لكون مدرك الفتوى عندهم- ظاهرا- هو حديث الرفع، الّذي عرفت حاله.

ثمّ إنّ الجزم بأنّ المجعول فى المقام هل هو الحكم الوضعي أو التكليفي، ممّا يحتاج إلى ملاحظة ما فى الباب من الأدلّة بكاملها، و ما ذكرناه من البحث الأنف الذكر إنّما هو بحث على كلا التقديرين، فلاحظ و لا تغفل.

(707) فإن وجوب تصدّى الوليّ لذلك من جهة الولاية إنّما هو متفرّع على ثبوت الفطرة عليهما، فيكلّف الوليّ- حينئذ- بالأداء، نظرا الى امتناع تكليفهما بذلك، كما هو ظاهر.

(708) لجريان ما

تقدّم فى الصبي و لا مجنون بالنسبة إلى عيالهما. نعم، في خصوص المملوك من عيال الصبيّ ورد في ذيل الصحيح المتقدّم: أنّه كتب إلى أبي الحسن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 171

[الثاني: عدم الإغماء]

الثاني: عدم الإغماء (709)، فلا تجب على من أهلّ شوال عليه و هو مغمى عليه.

______________________________

الرضا عليه السّلام يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أخرى، و فى يده مال لمولاه، و يحضر الفطرة، أ يزكي عن نفسه من مال مولاه، و قد صار لليتامى؟ قال: «نعم «1»،» قال فى «الجواهر»: «و ذيل المكاتبة المزبورة، مع مخالفته لما دلّ على عدم جواز التصرّف لغير الوليّ، لم أجد عاملا به، فلا يصلح دليلا لما خالف الأصول «2»» و عليه يشكل القول بسقوطها عن العيال، و الأحوط عدمه.

(709) في رسالة شيخنا العلّامة الأنصاري رحمه اللّه الخاصّة «3»: إنّه قد صرّح المعظم بأنّ في حكم الصبي و المجنون، المغمى عليه. و استشكله فى «المدارك» على اطلاقه، إلّا إذا كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب، قال قدّس سرّه: «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، و قد ذكره العلّامة و غيره مجرّدا عن الدليل، و هو مشكل على اطلاقه. نعم، لو كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب، اتّجه ذلك «4»» و إلّا فلا فرق بين الاغماء و النوم في غير مورد الاستيعاب، مع أنّ النوم في وقت الوجوب

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 3.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 485، ط النجف الأشرف.

(3)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة زكاة الفطرة، ج 10: ص 399، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ

الأعظم، قم.

(4)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 308، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 172

..........

______________________________

آنا ما لا يوجب سقوط الوجوب، كما لا يخفى.

و قد يستدلّ- لاشتراط عدم الإغماء مطلقا حتّى غير المستوعب في وجوب الفطرة- بأنّ الإغماء مانع عقلي عن توجّه التكليف نحو المغمى عليه، لاشتراط التكليف- عقلا- بالإدراك و الشعور، فشرط صحّة التكليف إنّما هو عدم الاغماء لا محالة بحكم العقل، و بضميمة الإجماع على لزوم استمرار ما هو الشرط في التكليف من أوّل وقت الوجوب إلى آخره يتمّ المطلوب، إذ الإغماء آنا ما يستلزم عدم استمرار الشرط، كما لا يخفى.

و يتوجّه عليه: بأنّ عدم الإغماء و إن كان شرطا في صحّة التكليف، إلّا أنّه شرط عقليّ لا شرط شرعيّ، و الإجماع القائم على لزوم استمرار الشرائط من أوّل وقت الوجوب إلى آخره خاص بالشرائط الشرعيّة، مثل الغنى، و الحريّة، و كون عدم الإغماء من الشرائط الشرعيّة إنّما هو أوّل الكلام، و هو المعنيّ بالإثبات فعلا، بضمّ إحدى المقدّمتين- و هو كونه شرطا في صحّة التكليف عقلا- إلى الأخرى، و هي الإجماع على الاستمرار.

و الحاصل: أنّ الإجماع المدّعى و إن كان أمرا مسلّما به، إلّا أنّه خاصّ بالشرائط الشرعيّة، و كون المقام منها أوّل الكلام. و على هذا فالظاهر هو ما ذهب إليه صاحب «المدارك رحمه اللّه»، و كذلك صاحب «المستند رحمه اللّه «1»»، من لزوم الفطرة في غير مورد استيعاب الإغماء لتمام الوقت، و الوجه فيه ظاهر، فإنّه مع الاستيعاب لا يعقل التكليف بذلك قطعا، و ذلك لأنّ اشتغال الذمّة- على فرض التسليم به- فإنّما يستكشف بالتكليف بالأداء، و إلّا

فليس لنا في أدلّة الفطرة ما يدلّ على اشتغال الذمّة ابتداء، فإذا امتنع توجّه التكليف نحو المغمى عليه مع

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 379، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 173

..........

______________________________

الاستيعاب، امتنع علينا استكشاف أن ذمّته مشغولة بالفطرة أو غير مشغولة بها، كما هو ظاهر.

و قد يقال: إنّ التكليف بالفطرة مع الإغماء المستوعب و إن كان أمرا غير معقول، إلّا أنّه لا موجب للقول بسقوطها، بل اللازم حينئذ القول بوجوب القضاء، لأجل أنّ فوتها بالعذر المانع عن توجّه التكليف، كما هو الحال فى النوم المستوعب.

و الجواب عنه أوّلا: أنّ القضاء إنّما يحتاج إلى دليل مفقود فى المقام. و ثانيا:

إنّه على فرض التسليم بوجود الدليل على وجوب القضاء في باب الفطرة، فلا ينبغي الشك في إنّ موضوعه إنّما هو الفوت، و هو غير صادق مع استيعاب الإغماء، بخلاف النوم. و الفرق بينهما أنّ عدم التكليف فى المغمى عليه و المجنون إنّما هو من باب عدم المقتضى للتكليف، بخلافه في مورد النائم و الناسي فإنّه من جهة المانع، و عليه فمع الاغماء لا يصدق الفوت أصلا، لعدم وجود المقتضى للتكليف بالفطرة، بخلاف صورة النوم حيث كان المقتضى له موجودا، فلا محالة يصدق فيه الفوت.

و على الإجمال، إنّا لا نسلم بوجوب القضاء مطلقا، و لو سلّمنا به في مثل النائم و الناسي، فلا نسلم به فى المغمي عليه و المجنون، لما ذكرناه من الفرق بين الموردين. و قد أشار إلى ما ذكرناه العلّامة الأنصاريّ رحمه اللّه في رسالته، و المحقّق الهمداني رحمه اللّه في باب الصّلاة، من كتابه «مصباح الفقيه «1»».

______________________________

(1)- الهمداني، آغا

رضا: مصباح الفقيه، ج 2/ كتاب الصلاة: ص 599، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 174

[الثالث: الحريّة]

الثالث: الحريّة (710)، فلا تجب على المملوك و إن قلنا أنّه يملك، سواء كان قنّا، أو مدبّرا، أو أمّ ولد.

______________________________

(710) بلا خلاف ظاهر «1»، و عن «المعتبر «2»»: نسبته إلى علمائنا. و عن غير واحد «3»: دعوى الإجماع عليه، و هو- بناء على القول بعدم صلاحيّته للتملك ظاهر جدّا، فإن من جملة شرائط وجوب الفطرة الغنى- كما ستأتي الإشارة إليه قريبا إن شاء اللّه تعالى- و هو مفقود على الفرض، ففي هذا الفرض لا ينبغي الإشكال في عدم وجوبها على المملوك، و أمّا بناء على القول بتملّكه فقد استدلّ لاشتراط الحريّة بوجوه:

الأوّل: الأصل، و يتوجّه عليه: انقطاع الأصل، و يعنى به اصالة البراءة، إمّا بالدليل على اشتراط الحريّة، ممّا نسوقه إليك من الأدلّة على ذلك. أو بالعمومات الدالّة على ثبوت الفطرة على كلّ إنسان، كما في مكاتبة ابراهيم ابن محمّد الهمداني:

إنّ أبا الحسن صاحب العسكر عليه السّلام كتب إليه- في حديث-: «الفطرة عليك و على الناس كلّهم ... «4»»، و مرسل يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له:

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12؛ ص 259، ط النجف الأشرف.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 593، ط مطبعة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- الطوسي، محمّد حسن: الخلاف، ج 2: ص 130، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الموسوي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 308، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 368، ط مؤسسة آل البيت عليهم

السّلام، قم؛ الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 234، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 175

..........

______________________________

جعلت فداك، هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال: فقال: «الفطرة على كلّ من اقتات قوتا فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت «1»» و نحوهما غيرهما «2».

الثاني: ما دلّ على أنّ فطرة المملوك على سيّده، كصحيح عبد اللّه بن سنان- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه ... «3»»، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك، الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير ... «4»»، و نحوهما غيرهما «5».

و يتوجّه عليه: اختصاص ذلك بمورد العيلولة، بحيث يكون العبد و المملوك عيالا لسيّده، و أمّا إذا لم يكن كذلك، فلا دلالة للنصوص المذكورة على وجوب الفطرة على سيّده أيضا، و هذا ظاهر.

الثالث: ما دلّ على نفي الزكاة مطلقا عن مال المملوك، الشامل ذلك لزكاة الفطرة أيضا، كصحيح عبد اللّه بن سنان- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا «6»»، و نحوه صحيحه الآخر «7»، و صحيحه الثالث عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: مملوك في يده مال، أ عليه زكاة؟ قال: «لا، قلت:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل

الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 1: زكاة الفطرة [و] باب 6: زكاة الفطرة، ح 20، 21، 22.

(3)- المصدر/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 8.

(4)- المصدر، ح 10.

(5)- المصدر، ح 2، 6، 7، 12، 13.

(6)- المصدر/ باب 4: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(7)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 176

..........

______________________________

فعلى سيّده؟ قال: لا، إنّه لم يصل إلى السيد، و ليس هو للمملوك «1»».

و يتوجه عليه: ظهور اختصاص الرّوايات المذكورة بزكاة الأموال، أمّا الأولى، فلأنّ المنفي فيها إنّما هو ثبوت شي ء في مال المملوك، و ليس ذلك إلّا زكاة الأموال، فإنّ الفطرة إنّما تثبت فى الذّمة، و كذا الحال فى الثانية، و أما الثالثة- فمضافا إلى هذه الجهة- فيها جهة أخرى تقتضي اختصاصها بزكاة الأموال، و هي تعليل الإمام عليه السّلام لعدم ثبوت الزكاة على السيّد بقوله عليه السّلام: «إنّه لم يصل إلى السيد ...»، حيث يظهر منه أنّ مورد السؤال إنّما هو زكاة المال المشروط بكون المال تحت يد المالك، بحيث يكون متمكّنا من التصرّف فيه عرفا، المفقود ذلك فى المقام، نظرا إلى كونه تحت يد العبد بنحو لا يكون السيّد متمكّنا من التصرّف فيه، و إلّا فثبوت الفطرة على السيّد ممّا لا يتوقّف على وصول المال إليه، كما هو واضح.

الرابع: مرفوع المفيد رحمه اللّه فى «المقنعة»، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تجب الفطرة على كل من تجب عليه زكاة المال «2»».

بتقريب: أنّه يدلّ بمقتضى مفهوم التحديد على أنّ من لا تجب عليه زكاة المال- كالمملوك مثلا- لا تجب عليه زكاة الفطرة أيضا.

و يتوجّه عليه: أنّ ذلك موقوف على أن تكون الرواية مسوقة لبيان التحديد؛ أي تحديد موضوع زكاة الفطرة، كي تدلّ بمقتضى المفهوم على نفيها عمّن لا تجب عليه زكاة المال، و هو ممنوع منه جدّا، لكونها مسوقة لبيان موضوع وجوب زكاة الفطرة، و إنّ وجوبها

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 177

أو مكاتبا (711) مشروطا أو مطلقا و لم يؤدّ شيئا، فتجب فطرتهم على المولى.

______________________________

ثابت في مورد تجب فيه زكاة المال. و التمسك بمفهوم الوصف لا وجه له، لعدم حجيّته، خصوصا غير المعتمد منه، كما في مورد الرواية.

الخامس: الإجماع و نفي الخلاف عنه، كما عن غير واحد «1»، و نسبته إلى علمائنا، كما عن «المعتبر «2»»، و هذا هو العمدة فى البين، و الظاهر هو الاطمينان بعدم استناد واحد من المجمعين إلى إحدى الوجوه المتقدّمة، لضعفها كما عرفت، فالدليل على الاشتراط إنّما هو الإجماع و التسالم، لا غير.

(711) خالف في ذلك الصدوق رحمه اللّه «3»، و هو كاف في عدم تحقّق الإجماع- الّذي هو العمدة كما عرفت- بالنسبة إلى المكاتب. و يدلّ عليه- مضافا إلى العمومات الدالّة على وجوب الفطرة- خصوص صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: عن المكاتب، هل عليه فطرة شهر رمضان، أو على من كاتبه، و تجوز شهادته؟ قال: «الفطرة عليه، و لا تجوز شهادته «4»»، و لا يعارضه خبر حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه،

و

______________________________

(1)- قال فى «الجواهر»: «بلا خلاف اجده فيه، بل الإجماع محكيّ عليه مستفيضا، إن لم يكن محصّلا ...» (ج 15: ص 485، ط النجف الأشرف).

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 593، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- الصدوق: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 179، ط مكتبة الصدوق، طهران.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: زكاة الفطرة، ح 17.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 178

نعم، لو تحرّر من المملوك شي ء وجبت عليه و على المولى بالنسبة (712)، مع حصول الشرائط.

[الرابع: الغنى]

الرابع: الغنى (713)، و هو أن يملك قوت سنة، له و لعياله، زائدا على ما يقابل الدين و مستثنياته، فعلا أو قوة، بأن يكون له كسب يفي بذلك. فلا تجب على الفقير، و هو من لا يملك ذلك.

______________________________

رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و ما أغلق عليه بابه «1»»، و ذلك لاختصاص الخبر المذكور- كما هو ظاهره- بمورد العيلولة.

(712) في رسالة شيخنا العلّامة الأنصاري رحمه اللّه: «و أمّا المبعّض، فالمحكيّ عن الأكثر وجوب فطرته على نفسه و على المولى، بنسبة الحصّة ... «2»»، و لكن هذا لا يخلو عن إشكال، فإنّه لا مقيّد لإطلاق ما دلّ على وجوب الفطرة على الإطلاق، إذ الإجماع على عدم ثبوته على المملوك غير شامل للمقام، لاختصاصه بغيره، إذ لا يصدق عليه المملوك، كما أن ما دلّ على وجوب فطرة العبد على سيّده- أيضا- غير شامل له، لأنّ بعضه عبد و بعضه حرّ، كما هو المفروض.

(713) الوجوه المتصوّرة فى المسألة أربع، و هي كالآتي:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح

13.

(2)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة زكاة الفطرة، ج 10: ص 402، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 179

..........

______________________________

الأولى: ما أشار إليه المصنّف رحمه اللّه.

الثانية: أن يراد بالغنى، أن يملك قوت سنة له و لعياله الواجبى النفقة و إن كان عليه دين، بمعنى أنّ الدين لا يمنع عن صدق الغنى فى المقام.

الثالث: أن يراد به تملك عين أحد النصب الزكوية، كما عن الشيخ و ابن ادريس قدّس سرّهما «1»، أو قيمتها، كما عن الشيخ رحمه اللّه «2».

الرابع: تملك قوت يوم و ليلة، بزيادة مقدار الفطرة، و هو صاع عن كل رأس. و نسب ذلك إلى ابن الجنيد رحمه اللّه «3» و يمكن الاستدلال للأوّل بجملة من النصوص، و هي على طوائف:

1- ما تضمن سقوط الفطرة عن المحتاج، كخبر يزيد بن فرقد، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: على المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال: لا «4»»، و موثق اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: على الرجل المحتاج زكاة الفطرة؟ قال: «ليس عليه فطرة «5»»، و خبر إسحاق بن المبارك، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال: «ليس عليه فطرة «6»».

2- ما تضمن سقوطها عن آخذ الزكاة، كخبر يزيد بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، إنّه سمعه يقول: «من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة «7»»، قال: و

______________________________

(1)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 465، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: الخلاف، ج 2: ص 146، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(3)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 261،

ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 4.

(5)- المصدر، ح 6.

(6)- المصدر: ح 3.

(7)- المصدر: ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 180

..........

______________________________

قال ابن عمّار: ان أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا فطرة على من أخذ الزكاة «1»»

3- ما تضمن سقوطها عمّن يأخذ الزكاة أو يقبلها، كصحيح الحلبى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سئل عن رجل يأخذ من الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟ قال:

«لا «2»»، و خبر يزيد بن فرقد النهدي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقبل الزكاة، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال: «لا «3»».

4- ما دل على وجوبها على من تجب عليه الزكاة، كمرفوعة المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة» عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة «4»».

و يمكن الاستدلال للقول الرابع- و هو مذهب ابن الجنيد- بوجهين:

أحدهما «5»: ان مقتضى العموم او الاطلاق هو وجوب الفطرة على كل احد، خرج منه غير الغنيّ، و بما أنّه مجمل، فلا بدّ من الاقتصار على المتيقّن بخروجه، و هو من لم يملك- زائدا على قوت يومه و ليلته- بمقدار صاع، و هو مذهب ابن الجنيد رحمه اللّه.

و يتوجه عليه: أنّ هذه الدعوى غير تامة في محلّ الكلام، نظرا إلى إمكان دعوى اطلاق دليل المخصص أو عمومه بالنسبة إلى مورد الشك، فلا مجال للوجه المذكور.

و الآخر: الاستدلال له بجملة من النصوص، و هي- أيضا- على طوائف:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 8.

(2)- المصدر: ح 1.

(3)- المصدر: ح 5.

(4)-

المصدر/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 1.

(5)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 383، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 181

..........

______________________________

منها: ما هو صريح فى الدّلالة على ذلك، كصحيح زرارة، قال: قلت: الفقير الّذي يتصدّق عليه، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال: «نعم، يعطى ممّا يتصدّق به عليه «1»»، و رواية ابى الحسن الأحمسي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث زكاة الفطرة- قال: و قال: «هى واجبة على كلّ مسلم، محتاج أو موسر، يقدر على فطرة «2»»، و ما رواه العيّاشي في تفسيره، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: و قلت: و على الفقير الّذي يتصدق عليه؟ قال: «نعم، يعطى ممّا يتصدّق به عليه «3»».

و منها: ما هو ظاهر فى ذلك، كخبر عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «زكاة الفطرة صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من أقط عن كل إنسان، حرّ أو عبد، صغير أو كبير ... «4»- إلى أن قال:- ليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج «5»»، بتقريب أن ظاهره ثبوت الفطرة ما دام لم يبلغ الأمر حدّ العسر و الحرج، فاذا انتفى الحرج بملك ما يتصدق به ثبت الوجوب. و منه يظهر ان الاستدلال ليس هو بمفهوم الوصف كي يقال- كما فى «المستند «6»»- بأنّه ضعيف غير معتبر جدّا، و صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: لمن تحل الفطرة؟ قال: «لمن لا يجد، و من حلّت له لم تحلّ عليه، و من

حلّت عليه لم تحل له «7»»، حيث دلّ على أنّ مستحقّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 16.

(3)- المصدر/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 23.

(4)- المصدر/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 11.

(5)- المصدر/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 2.

(6)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 384، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(7)- الحر العاملى، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 2: زكاة الفطرة، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 182

..........

______________________________

الفطرة، ممّن لا تجب عليه الفطرة. كما دلّ على أنّ مستحق الفطرة هو من لا يجد شيئا، و نتيجة ذلك وجوب الفطرة على كلّ شخص، عدا من لا يجد شيئا. و صحيحه الآخر، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال:

«أمّا من قبل زكاة المال فان عليه زكاة الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة «1»» فإن ظاهر التفصيل فى الرواية- بين قابل الزكاة حيث تجب عليه الفطرة، و قابل الفطرة حيث لا تجب عليها ذلك- إنما هو كون الفقر المعتبر في أخذ زكاة المال غير الفقر المعتبر في جواز أخذ الفطرة، و نتيجة ذلك كون الفقر هناك- و هو عدم تملّك قوت السنة- مصداقا للغنى هنا، كما هو ظاهر. و ما رواه علي بن ابراهيم فى تفسيره قال: قال الصادق عليه السّلام في قوله تعالى، حكاية عن عيسى عليه السّلام: وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا ...،

قال: «زكاة الرءوس، لأنّ كلّ الناس ليست لهم أموال، و إنّما الفطرة على الفقير

و الغنيّ، و الصغير و الكبير «2»».

و منها ما لا يخلو عن إشعار بذلك، و لأجله يمكن جعلها مؤيدة لما تقدّم، و هي ما تضمنت الدلالة على أن من تمام الصيام هو الزّكاة، كصحيح زرارة و أبي بصير جميعا قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن من تمام الصوم اعطاء الزكاة- يعنى الفطرة- كما أن الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة، لأنه من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له، إذا تركها متعمدا «3»» و خبر أبان و غيره عن الصادق عليه السّلام، قال: «من ختم صيامه بقول صالح، أو عمل صالح تقبل اللّه منه صيامه، فقيل:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر: ح 12.

(3)- المصدر/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 183

..........

______________________________

يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و العمل الصالح، إخراج الفطرة «1»»، فإنّ ما هذا شأنه حتى يكون من تمام الصّيام لا يختصّ بالغنيّ، بمعنى من يمتلك قوت سنته، بل يناسب هذا وجوبها على كافة الناس، ممّن يتمكن من أدائها، كما لا يخفى.

تحقيق المسألة: و الّذي يتراءى فى النظر هو القول الرّابع، الّذي ذهب إليه ابن الجنيد، و ذلك لتمامية الدليل عليه، بخلاف سائر الوجوه و الأقوال، و لا ينافي ذلك النصوص المتقدمة التى استدل بها للمذهب المشهور، لعدم خلو جميعها عن المناقشة:

أمّا الطائفة المتضمّنة لسقوطها عن المحتاجين، فمن الظاهر أنّ كلمة «المحتاج» عرفا ظاهرة فيمن لا يجد شيئا بالفعل يتصدّق به، و ليس لهما معنى

شرعي اصطلاحي- و هو غير الممتلك قوت سنته، أو عين أحد النصب الزكويّة، أو قيمتها، و نحو ذلك- لتحمل عليه، بل المعنى العرفي- و هو من لا يجد شيئا يتصدق به- هو الّذي ينبغي حمل الكلمة عليه، و لا إشكال فيه ظاهرا، لما تقدمت الاشارة إليه مما دل على سقوطها عمن لا يجد شيئا. و لو تنزّلنا عن ذلك و سلّمنا بعدم ظهورها فيما ذكرناه ابتداء، إلّا أنه لا ينبغى الاشكال في لزوم حملها عليه، بملاحظة ما دلّ من النصوص الصريحة- كما مرّت الإشارة إليه- على وجوبها على من يجد ما يتصدق به فقط، و إن لم يكن مالكا لقوت سنته.

و أمّا ما تضمّنت سقوطها عن آخذ الزكاة، فيرد عليها أوّلا: أنّ ظاهرها مما لا يمكن الالتزام- و لم يلتزم أيضا أحد- به فإنّ المستفاد منها أنّ أخذ الزكاة- أي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 184

..........

______________________________

زكاة الفطرة- فى الزمان الماضي يكون موجبا لسقوط الفطرة عن الآخذ فى المستقبل، كما يدل عليه التعبير ب: «أخذ» بصيغة الماضى، و هو واضح البطلان. و ثانيا: إنّه مع التنزل عن ذلك، فلا شكّ في أنّه لا بد من تقييده بما إذا لم يكن المأخوذ بمقدار يتجاوز مقدار مئونة سنته باضعاف كثيرة، ممّا يوجب عدّه- عرفا- من أشخص أفراد الأغنياء.

و الحاصل، أن تماميّة الاستدلال به موقوفة على مخالفة الظاهر فيه من أحد وجهين:

الأوّل: حمل اخذ بصيغة الماضى على استحقاق الزكاة، لا ما هو الظاهر من هذه، الكلمة و هو الأخذ الفعليّ.

الثاني: تقييده بما إذا لم يتجاوز المأخوذ من الزكاة عن مقدار مئونة

سنته، و إلّا لم يمكن الأخذ بظاهره قطعا، إذ لا قائل بسقوط الفطرة عمن يملك الزائد عن قوت سنته بالفعل، كما هو المفروض. و لا دليل على شي ء من الأمرين، كما لا يخفى.

و اما ما تضمنت سقوطها عمن يأخذ الزكاة أو يقبلها، فيتوجه عليها:

أوّلا: أن مثل هذا التعبير عرفا قد يقال في مورد يقصد به بيان احتياج الشخص إلى المال، بحيث أنّه هيّأ نفسه لتقبّل الزكاة، كما أنّه يقال ذلك لبيان أن الشخص مصرف الزكاة و مستحق لها، فكلا المعنيين يمكن قصده من التعبير المذكور، و الاستدلال موقوف على إرادة المعنى الثانى، حيث تكون الرواية دالة- حينئذ- على سقوط الفطرة عن مستحق الزكاة، و هو عبارة عمّن لا يملك قوت سنته فعلا أو قوة، كما مر بيانه سابقا. إلّا انّه لا دليل عليه، لاحتمال إرادة المعنى الأوّل، و معه تكون الرواية دالّة على سقوط الفطرة عن خصوص المحتاج بالفعل،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 185

..........

______________________________

و هو من لا يجد شيئا يتقوت به، و لا إشكال في سقوطها عن مثله.

و ثانيا: لو تنزلنا عن ذلك، و لم نسلّم باحتمال الجملة لكلا المعنيين، و قلنا بظهورها ابتداء فى خصوص الثاني، فلا ينبغي الاشكال ظاهرا في لزوم حملها على المعنى الأوّل بملاحظة النصوص الصريحة الدلالة على ثبوت الفطرة على من يجد ما يتصدق به، كما مرّت الإشارة إليها.

و أمّا رواية المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة» فقد يتوهم أنها تدل على وجوب زكاة الفطرة بتملّك أحد النصب الزكوية، لأنّ زكاة المال تجب على مثله. و يتوجّه على الاستدلال بها أنّها ناظرة إلى وحدة الشرائط المعتبرة فى المكلّف من البلوغ، و العقل و نحوهما في كلّ

من زكاة المال و الفطرة، و لا نظر لها إلى سائر الشرائط أصلا، و لذلك لا منافاة بين الأخذ بظاهر الرّواية، و بين القول بوجوب الفطرة على من يجد ما يتصدّق به إذا كان بالغا، عاقلا، مسلما، إلى غير ذلك من شرائط الوجوب الّتي تعتبر فى المكلّف، و تملك النصاب من جملة الشرائط المعتبرة فى المال الّذي تجب فيه الزكاة كما هو ظاهر، مضافا إلى ذلك لازمه عدم وجوب الفطرة على من كان له الثراء الفاحش جدا، من دون أن يكون مالكا لأحد النصب الزكوية بالفعل، و هو كما ترى.

و المتحصل من ذلك كلّه أن المستفاد- ابتداء- من مجموع ملاحظة النصوص الموجودة فى المسألة، بعد ضمّ بعضها إلى بعض، إنّما هو ثبوت الفطرة على من يجد ما يتصدق به، و سقوطها عن غير الواجد له، و هو ينطبق على مذهب ابن الجنيد رحمه اللّه، فإن الواجد لقوت يومه و ليلته و صاع- و هو مقدار الفطرة- يكون مصداق الواجد عرفا. نعم، الّذي لا يكون واجدا لقوت يومه و ليلته، أو كان واجدا لذلك بلا وجدانه لمقدار الفطرة و هو الصاع- زائدا عليه، بحيث

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 186

..........

______________________________

يلزمه الأخذ من قوت يومه و ليلته إذا أراد إعطاء الفطرة، يعدّ هو من مصاديق المحتاج و غير الواجد، الّذي دلت النصوص المتقدمة على سقوط الفطرة عنه، و هذا القول هو الموافق للاحتياط أيضا.

و مع التنزل عن ذلك، فالمتعيّن إنما هو الاحتمال الثاني، و هو ثبوت الفطرة على واجد قوت سنته، فعلا أو قوة، بلا استثناء الدين أصلا، بمعنى: أن الدّين غير مستثنى في هذا المقام، فعليه الفطرة و إن لم يكن

عنده ما يؤدّي به دينه، زائدا على مقدار قوت سنته، و ذلك لأن ظاهر ما دل على سقوط الفطرة عمن أخذ الزكاة، أو يأخذها، أو يقبلها، و نحو ذلك ممّا مرت الإشارة إليه سابقا، إنما هو الأخذ بعنوان الفقر، و منشأ ذلك هو ما افاده صاحب الجواهر قدّس سرّه «1»، من أنه الأصل في مصرف الزكاة، فكان هو المنساق. و من الظاهر، أن الواجد لقوت سنته له و لعياله، ممّن لا يجوز له اخذ الزكاة بعنوان الفقر فانه غني، عرفا و شرعا، و إن كان عليه دين، و لم يكن عنده ما يؤدى دينه زائدا على مقدار القوت. نعم، إنّما يجوز له الأخذ من الزكاة من سهم الغارمين. و الحاصل، أن ظاهر النصوص المذكورة إنما هو سقوطها عن الفقير الّذي يأخذ زكاة المال بعنوان الفقر، فيختص ذلك- لا محالة- بغير الواجد لقوت سنته، و أما الواجد له و لكن عليه دين لا يتمكن من أدائه فهو ليس بمصداق للفقير، لتكون الفطرة ساقطة عنه، بل مقتضى الأدلة المذكورة إنما هو ثبوتها عليه.

و مع التنزل عن هذا أيضا، فالمتعين أنّما هو الاحتمال الثالث، بناء على ان المراد من رواية المفيد رحمه اللّه فى «المقنعة»: «تجب الفطرة على من تجب عليه الزكاة» إنما هو مقايسة البابين، و أنّه كما تجب الزكاة بتملك أحد النصب، كذلك تجب

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 488، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 187

و إن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكا لقوت السنة، و إن كان له عليه دين، بمعنى أن الدين لا يمنع من وجوب الإخراج، و يكفي ملك قوت السنة،

بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكا عين أحد النصب الزكويّة أو قيمتها و إن لم يكفه لقوت سنته، بل الأحوط إخراجها إذا زاد- على مئونة يومه و ليلته- صاع (714).

______________________________

الفطرة به أيضا. و لإطلاق «الغنى» على الممتلك لأحد النصب و الفقير على غيره، في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «... إن اللّه فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ترد إلى فقراءهم ... «1»».

و أمّا الاحتمال الاول، و هو المذهب المشهور، فقد استدل له بما دلّ على ان زكاة الفطرة تحل لمن تحل له زكاة المال، و تجب على من تجب عليه زكاة المال، و بما أن الفقير الّذي تحلّ له زكاة المال هو الّذي لا يملك قوت سنته فعلا و لا قوة و الغنيّ هو الّذي يملك ذلك، فلا محاله يحكم بوجوب الفطرة على من يملك قوت سنته كذلك. و لكنّك قد عرفت الحال فى النصوص الواردة فى زكاة الفطرة، على اختلاف طوائفها، و أنها لا تدل على الاحتمال المذكور، فلاحظ.

و ممّا ذكرناه يظهر الحال فيما عن الاصحاب رحمهم اللّه من حمل النصوص الّتي ذكرناها- الّتي تساعد ابن الجنيد على ما ذهب إليه- على الاستحباب، فلاحظ و تأمّل.

(714) يعرف الوجه في ذلك- كله- بملاحظة ما ذكرناه آنفا، فراجع و لاحظ.

______________________________

(1)- ذكرنا مصادر الحديث في ج 2: ص 215.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 188

[مسألة 1: لا يعتبر فى الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة]

[مسألة 1]: لا يعتبر فى الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة، فتجب و إن لم يكن له الزيادة، على الأقوى، و الأحوط (715).

______________________________

(715) هذه المسألة مبتنية على اعتبار تملّك قوت السنة في ثبوت الفطرة. و اعتبر الفاضلان «1»، و الشهيد، و المحقق الثاني

«2» رحمهم اللّه فى «حاشية الشرائع» الزيادة المذكورة، و إليه ذهب شيخنا العلّامة الانصاري قدّس سرّه- أيضا- في رسالته «3»، خلافا للشيخ رحمه اللّه «4»، و الشهيد الثاني رحمه اللّه «5»، و تبعهما على ذلك صاحب الجواهر «6» ناسبا له إلى إطلاق النص و الفتوى.

ثمّ ان الوجه في اعتبار الزيادة المذكورة أمران:

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تحرير الاحكام، ص 71، ط ايران الحجريّة؛ منتهى المطلب:

ج 1، ص 532، ط ايران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء: ج 5، ص 370، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: صص 592- 593، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

- محمد بن مكّي: الدروس الشّرعية، ج 1: ص 248، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(2)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 391، ط الثالثة.

(3)- الانصارى، الشيخ المرتضى: رسالة الزكاة، ج 10: ص 404، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

(4)- الطوسى، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: صص 147- 146، ط مؤسسة النشر الاسلامى، قم.

(5)- الشهيد الثانى، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 444، ط مؤسسة المعارف الاسلامية، قم.

(6)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 492، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 189

..........

______________________________

أحدهما: الوجه العقلي، و هو أن الفقر في مرتبة العلة لعدم وجوب الفطرة، و عليه فلو وجبت الفطرة مع عدم الزيادة المذكورة لزم منه انقلاب الشخص فقيرا، و معنى ذلك هو عدم وجوب الفطرة عليه لانتفاء موضوعه، و هو الغنيّ. و الحاصل، أنّ الفطرة موضوعها الغنيّ، و مع عدم الزيادة على مقدار القوت يلزم من وجوبها انتفائه لأجل انتفاء الموضوع،

فيلزم من وجوبها- أي الفطرة- حينئذ عدمه، و ما يكون كذلك باطل قطعا.

و يتوجّه عليه: أنّه لا منافاة بين الغنى في مرتبة متقدّمة على الوجوب، و هي مرتبة الموضوع، و الفقر في مرتبة متأخرة عنه، و نتيجة ذلك، أنّ الفقر الحاصل من جهة وجوب الفطرة لا يوجب انتفاء الموضوع، فان الفقر إنما يكون في مرتبة متأخرة عن الحكم، و هو وجوب الفطرة، و أما فى المرتبة المتقدمة عليه فالموجود هو الغنى دون الفقر.

و الحاصل، أن الغنى متحقق في مرتبة سابقة على الحكم، و الفقر في مرتبة لاحقة له، و لا مانع من ذلك بعد اختلاف المرتبتين، كما لا يخفى.

و ثانيهما: هو الوجه الاعتباري الموجب للانصراف، الّذي أشار إليه صاحب فى «الجواهر قدّس سرّه «1»» و حاصله، أن الغرض الأصلي الّذي شرّع لأجله الزكاة- و منها زكاة الفطرة- انما هو سدّ حاجة الفقراء و دفع عوزهم، فالمصرف الاساس للزكاة إنّما هم الفقراء، و من البعيد جدّا أن يكون تشريع الحكم لأجل رفع الفقر، مع كون الفقر ممّا يترتب على نفس الحكم المذكور خارجا.

و الحاصل، أن الاعتبار لا يساعد على أن تكون الزكاة مشروعة فيما إذا ترتب على التشريع المذكور الفقر، نظرا إلى أن الغرض من التشريع إنّما هو رفع

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 492، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 190

[مسألة 2: لا يشترط في وجوبها الإسلام]

[مسألة 2]: لا يشترط في وجوبها الإسلام، فتجب على الكافر، لكن لا يصحّ أداؤها منه (716)،

______________________________

الفقر، فكيف تشرع مع ترتب الفقر عليه؟! و عليه فيكون ما دلّ على تشريع الزكاة منصرفا عن أمثال هذه الموارد، ممّا يترتب على تشريع الزكاة فيها الفقر.

و هذا

الوجه و إن كان قريبا إلى الاعتبار، لا سيّما و أنه صادر من مثل صاحب الجواهر قدّس سرّه، الّذي لا ينكر في حقّه أنه صاحب الذوق الفقهي السّليم نسبيا، إلا أنه لا يمكن الركون إليه و الاعتماد عليه، لا سيّما و انه قدّس سرّه- أيضا- لم يعتمده، و أعرض عنه. فالاحتياط فى المسألة يقتضي عدم اعتبار الزيادة المذكورة، كما أفاده المصنف قدّس سرّه.

و لعلّ الوجه فيه هو انه لم يثبت انحصار الملاك فى تشريع زكاة الفطرة في رفع الفقر و سدّ العوز المالي للفقراء، بحيث يكون ذلك تمام الملاك، فلعله- مضافا إلى ذلك- كان الملاك في تشريعه هو المواساة، و هي تحصل مع فرض كون ايجابها مستلزما للفقر، كما هو ظاهر. على أن ذلك ممنوع منه في زكاة الفطرة، لو سلّم به فى زكاة المال، فان المستفاد من أدلّة تشريعها هو أنها توجب ضمان سلامة بدن المعطي و نحوه، فلاحظ.

(716) مرّ الكلام في ذلك مفصّلا في بحث زكاة المال «1»، إذ لا فرق بين البابين من هذه الجهة اثباتا و نفيا، و قد عرفت هناك أنه لا دليل على تكليف الكفار بالزكاة،

______________________________

(1)-- ج 1: صص 222- 224.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 191

و إذا أسلم بعد الهلال سقط عنه (717). و أمّا المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه (718).

______________________________

و على فرض التسليم بذلك، فلا دليل على عدم صحّة الأداء منه لو أدّاها، فراجع.

(717) قد عرفت سابقا «1» الإشكال في سقوط زكاة المال بالإسلام بدليل الجبّ، على فرض التسليم بتكليف الكفار بها، و أمّا فى المقام فلا اشكال في ذلك، بعد التسليم بأصل التكليف، و ذلك لصحيح معاوية بن عمّار،

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر. و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: لا «2»»، و نحوه خبره الاخر «3».

(718) أمّا على تقدير عدم الاداء أصلا فظاهر، إذ لا دليل على ذلك، و حديث الجبّ- على فرض تماميّته- خاص بالكافر، و لا يجري في المخالف إذا استبصر. و أمّا على تقدير الأداء، و كون ذلك للمخالف كما يقتضيه طبع الحال، فلعموم التعليل فيما ورد في زكاة المال، كمصحح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا فى الرجل يكون في بعض هذه الأهواء: الحرورية، و المرجئة، و

______________________________

(1)-- ج 1: صص 225- 228.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 2.

(3)- المصدر: ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 192

[مسألة 3: يعتبر فيها نية القربة]

[مسألة 3]: يعتبر فيها نية القربة (719) كما في زكاة المال، فهي من العبادات، و لذا لا تصحّ من الكافر (720).

______________________________

العثمانيّة، و القدريّة، ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كل صلاة صلّاها، أو صوم، أو زكاة، أو حج، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال:

«ليس عليه إعادة شي ء من ذلك، غير الزكاة، و لا بدّ أن يؤديها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية «1»»، و نحوه إطلاق صحيح ابن اذينة «2».

(719) ليس فى المقام و لا في زكاة المال ما يدل على العباديّة، و إنّما حكمنا بذلك في زكاة المال من جهة التسالم و الإجماع.

(720) قد عرفت الإشكال في ذلك فالتفريع المذكور في غير محلّه.

______________________________

(1)-

الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 193

[مسأله 4: يستحب للفقير إخراجها أيضا]

[مسأله 4]: يستحب للفقير إخراجها أيضا (721)، و إن يكن عنده إلّا صاع، يتصدق به على عياله (722)، ثم يتصدق به على الأجنبيّ (723)، بعد أن ينتهى الدور، و يجوز أن يتصدق به على

______________________________

(721) قد عرفت أنّ القول بوجوب الفطرة على من يملك قوت يومه و ليلته، مع صاع زائدا على ذلك- و هو مذهب ابن الجنيد رحمه اللّه- هو مقتضى التحقيق فى المسألة، و ما أفاده المصنف قدّس سرّه، مبنيّ على حمل النصوص الّتي تعاضد مذهب ابن الجنيد رحمه اللّه على الاستحباب- كما هو المشهور-، بل عليه الإجماع، كما فى «الجواهر «1»».

(722) كما دلت عليه رواية اسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها، أ يعطيه غربيا [عنها] أو يأكل هو عياله؟ قال عليه السّلام: «يعطي بعض عياله، ثم يعطي الآخر عن نفسه، يتردّدونها، فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة «2»».

(723) قوله عليه السّلام- في رواية اسحاق-: «ثم يعطي الآخر عن نفسه» ظاهر في أن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 492، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: زكاة الفطرة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 194

واحد منهم أيضا، و إن كان الأولى و الأحوط الأجنبيّ.

______________________________

المراد [الآخر] هو من يعدّ من أفراد العائلة، فيكون معنى الرواية أنه يجوز لبعض العائلة أن يعطى الفرد الاخر من العائلة بعنوان زكاة الفطرة،

و هذا بإطلاقه يقتضي جواز الاستمرار فى الاعطاء بين أفراد العائلة حتى ينتهي إلى آخر فرد من العائلة، و حينئذ يدفع هذا الأخير ذلك إلى المصدّق الأوّل.

إلّا أن السرّ في إعطاء بعض العائلة للآخر من العائلة، إن كان هو تمكن الكل من إخراج زكاة الفطرة، مع التحفظ على المال ضمن أفراد العائلة، نظرا إلى أن العائلة- كما هو المفروض- لا تملك أكثر من مقدار الصّاع، فلا بدّ و أن لا يخرج ذلك عن ملكهم لحاجتهم إليه، و عليه فيكون مقتضى الرواية هو لزوم دفع آخر أفراد العائلة الصّاع إلى المصدّق الأوّل بعنوان الفطرة.

و أما إذا كان السرّ فى ذلك هو مجرّد تمكن المعطى له من إخراج الفطرة عن نفسه، من دون تقيّد بحفظ المال للعائلة، لم يكن هناك ملزم لإعطاء اخر أفراد العائلة إلى المصدّق الأوّل دون الأجنبيّ.

و ظاهر السؤال فى الرواية يعطي الأوّل، بقرينة قوله فى السؤال: «أو يأكل هو و عياله»، إلّا أن ظاهر قوله عليه السّلام: «يترددونها» هو الثاني، حيث يفهم منه أن الوجه فى الاعطاء على النحو المذكور هو تمكن جميع أفراد العائلة من اخراج الفطرة، و مع عدم الترجيح لأحد الظهورين، لا محالة تصبح الرواية مجملة.

نعم، قوله عليه السّلام: «يتردّدونها فيما بينهم» ظاهر في لزوم إعطاء اخر أفراد العائلة الى المصدّق الأوّل، دون الأجنبيّ. فإن المراد بها إن كان هو الإدارة- كما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 195

..........

______________________________

ذكره جمع «1»- فواضح، فان إدارة الصّاع فيما بينهم لا تتحقق إلّا برجوعه إلى المصدّق الأوّل. و إن كان المراد هو الدفع و الرجوع، بأن يراد به دفع المال ثم رجوعه إلى الدافع، فظاهر أنه إذا كان للأخير

من أفراد العائلة أن يدفعه للأجنبي، لم يكن في مثل هذا الإخراج دفع و رجوع، و هذا بخلاف ما إذا كان على الأخير من أفراد العائلة هو الدفع إلى المصدّق الأوّل، حيث يتحقّق به الدفع و الرجوع، و يكون فعل كل واحد من أفراد العائلة مقدمة لتحقق ذلك، و لأجل ذلك صحّت نسبة التردّد إلى الجميع، كما هو ظاهر.

هذا، و قد يستظهر الاحتمال الأول، و هو لزوم الإخراج أخيرا إلى الأجنبيّ، من قوله عليه السّلام: «فتكون عنهم- جميعا- فطرة واحدة»، بلحاظ كون هذه الجملة ظاهرة في أنّ هذه العمليّة توجب إخراج جميع العائلة فطرة واحدة، على غرار إخراج كل انسان الفطرة، و ذلك لا يكون إلّا باعطاء الأخير إلى الأجنبيّ، ليصدق إخراج الفطرة. و لكن ذلك مخدوش فيه، بمنافاته للتفريع على الحكم فى الرواية، و هو إعطاء بعض افراد العائلة، كمنافاته لقوله عليه السّلام: «يتردّدونها» الظاهر في عدم خروج الفطرة عن ملك العائلة. مضافا إلى أن المراد بقوله:

«فتكون عنهم ...» هو أنّ الجميع قد استطاعوا- بهذه العمليّة- إعطاء الفطرة بصاع واحد، و هذا لا ينافي الحكم بلزوم إرجاع الأخير الفطرة إلى المتصدّق الأوّل، فيكون هو المتعيّن.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 493، ط النجف الأشرف؛ الموسوي، السيد محمد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 315، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 196

و إن كان فيهم صغير أو مجنون يتولّى (724) الولي له الأخذ له و الإعطاء منه، و إن كان الأولى و الأحوط أن يتملّك الوليّ لنفسه، ثم يؤدّي عنه.

______________________________

(724) قال فى «الجواهر»: «ظاهر اطلاق النص و الفتوى عدم الفرق فى المعال بين

كونه مكلّفا أو غيره «1»». و قال الشهيد الثاني رحمه اللّه: «و لو كانوا غير مكلفين، أو بعضهم، تولّى الولي ذلك، و لا يشكل إخراج ما صار ملكه عنه بعد النص، و ثبوت مثله فى الزكاة الماليّة «2»» و علّق عليه صاحب المدارك رحمه اللّه بقوله: «و هو جيّد، لو كان النص صالحا لا ثبات ذلك، لكنه ضعيف من حيث السند، قاصر من حيث المتن عن إفادة ذلك، بل ظاهره اختصاص الحكم بالمكلّفين «3»».

و قد يقال: إن مراد صاحب المدارك رحمه اللّه من القصور فى المتن إنما هو التشكيك في اطلاق الدليل، باعتبار أن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة، كي ينعقد لها الاطلاق، و إنّما هي بصدد بيان إمكان إخراج صاع واحد بعنوان الفطرة عن متعدّد، و امّا أن المتعدّد من هو؟ فهل هو خصوص المكلّفين؟

أو هو الأعمّ منه و من غيره؟ فالرواية غير ناظرة لبيان ذلك، كي يؤخذ بإطلاقها.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 493، ط النجف الأشرف.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 445، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم.

(3)- الموسوي، السيد محمد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 315، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 197

..........

______________________________

و الصّحيح هو أن نظر صاحب المدارك رحمه اللّه إلى أمر أدقّ ممّا أفيد، و توضيحه أنه متى ما كان الاطلاق متوقّفا على مئونة زائدة فى الكلام، لم يكن هناك مجال لثبوت الإطلاق، كما هو محرّر و مقرّر فى محلّه من أصول الفقه. و المقام من صغريات هذه الكبرى، فانّ الولي حينما يتصدّى للإخراج عن غير المكلّف لا يخلو

الحال فيه من أن يكون ذلك بعنوان النيابة و الولاية عن الصّبي مثلا، أو بعنوان امتثال الأمر الاستقلالي المتوجه إليه بتفريع ذمّة الصبيّ، و على كلا التقديرين يكون ذلك موقوفا على مشروعيّة العمل المذكور، و لا يثبت بالإطلاق مشروعيّته، و إنّما لا بدّ من اثبات المشروعية بالدليل أوّلا، و لا مجال لإثبات المشروعيّة بنفس الإطلاق، كما لا يخفى.

و أما صاحب الجواهر رحمه اللّه، فقد قرّر الإشكال فى المسألة بقوله: «و لا يشكل ذلك، بأنه لا يجوز اخراج الولي ما صار ملكا له عنه، مع فرض كونه غير مكلّف «1»» و حاصله: أن المال بعد فرض صيرورته ملكا للصّبي مثلا، لا يجوز للوليّ إخراجه عن ملكه، لعدم كونه بمصلحة الصبيّ، بل هو إضرار بحقّه. ثم إنّه قدّس سرّه دفع الإشكال المذكور بقوله: «يمكن دفعه، بأن غير المكلّف إنّما ملكه على هذا الوجه، أي على أن يخرج عنه صدقة»، و حاصله: أنّ تمليك غير المكلّف كان مشروطا بتمليك الغير باخراج الفطرة، فلم يكن إخراج الوليّ إضرارا بحق غير المكلّف، بعد أن كان تملّكه للمال المذكور مشروطا بشرط الإخراج و إعطاء الفطرة.

و يتوجه عليه أنّه قدّس سرّه إن أراد بذلك، أن الاشتراط المذكور مستفاد من الرواية، بمعنى أنّ إعطاء الفطرة لم يشرع فيها إلّا بهذا الشرط، فهو خلاف اطلاق

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 493، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 198

[مسألة 5: يكره تملك ما دفعه زكاة، وجوبا أو ندبا]

[مسألة 5]: يكره تملك ما دفعه زكاة (725)، وجوبا أو ندبا، سواء تملكه صدقة أو غيرها، على ما مرّ في زكاة المال.

______________________________

الرواية، فان المستفاد من الرواية هو جواز الإعطاء للغير بلا قيد. و إن أراد

أن التمليك إذا كان بهذا الشرط لم يكن اخراج الفطرة عن الصّبي- حينئذ- على خلاف المصلحة، فهو إنّما يجدي لو كان الملاك فى الإشكال من ناحية عدم المصلحة بحال غير المكلّف، و قد عرفت أن الاشكال فى المسألة من جهة أخرى، و هو عدم ثبوت مشروعية هذا العمل للوليّ، و حينئذ فلا يجدي التمليك المشروط في جواز تصدى الولي، بعد عدم ثبوت مشروعيته له. إذن فالمتعين هو ما اختاره صاحب المدارك رحمه اللّه.

(725) المقدار الّذي يمكن اثباته بالإجماع، أو بعض الوجوه الاستحسانية، إنما هو كراهة طلب تملّك ما دفعه زكاة، لا نفس التملّك- كما مرّ ذلك في بحث زكاة المال- و أمّا نفس التملّك بلا طلب، كما إذا أراد الفقير بيعه، فقوّمه بسعره الحالي، فليس حينئذ في شراء المالك منه ذلك أية كراهة، بل هو أحق به من غيره، كما دل عليه صحيح محمد بن خالد، أنه سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن الصدقة؟ فقال: «إن ذلك لا يقبل منك ...- إلى أن قال:- فإذا أخرجها فليقسّمها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها، و إن لم يردها فليبعها «1»» و عليه فالعبارة لا تخلو عن مسامحة ظاهرة، و الصحيح هو ما مرّ منه قدّس سرّه في بحث زكاة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 199

[مسألة 6: المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط]

[مسألة 6]: المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط (726)، فلو جنّ، أو أغمي عليه، أو صار فقيرا قبل الغروب- و لو بلحظة-، بل أو مقارنا للغروب، لم تجب عليه، كما أنه لو

اجتمعت الشرائط بعد فقدها- قبله، أو مقارنا له- وجبت، كما لو بلغ الصبي، أو زال جنونه و لو الأدواريّ، أو أفاق من الاغماء، أو ملك ما يصير به غنيّا، أو تحرّر و صار غنيّا، أو أسلم الكافر، فإنها تجب عليهم.

______________________________

المال «1»، حيث عنون المسألة فيه كما يلى: «يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه فى الصدقة الواجبة و المندوبة، ...». فراجع.

(726) كما هو المشهور بين المتأخرين «2». و استدل له بصحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال: «ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر «3»»، و صحيحه الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر». و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه

______________________________

(1)-- صفحة 58.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 297، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 527، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 200

..........

______________________________

فطرة؟ قال: «لا «1»».

و الّذي ينبغي أن يقال: إن مقتضى القاعدة- مع قطع النظر عن الروايتين- إنما هو وجوب الفطرة على كل من اجتمعت فيه الشرائط من حين زمان الوجوب آنا مّا، فإذا فرضنا: أن زمان الوجوب إنما هو غروب ليلة الفطر، أو كان ممتدا من الغروب إلى الزوال، كان تحقق الشرائط في ذلك الحين آنا مّا كافيا في فعلية الوجوب، و ذلك لأنّ مقتضى العمومات كقوله عليه السّلام في

مرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت «2»»، و قوله عليه السّلام في مكاتبة ابراهيم بن محمد الهمداني- في حديث-: «و الفطرة عليك و على الناس كلّهم ... «3»»، و نحوهما غيرهما إنما هو وجوب الفطرة على كلّ احد، غايته أنه بالمخصص المنفصل قيّدنا وجوبها بجملة من الشرائط كالبلوغ، و العقل- على الخلاف المتقدم- و الحريّة، و نحو ذلك، ممّا مرّت الإشارة إليه، و مقتضى ذلك إنما هو فعليّة الوجوب عند اجتماع الشرائط المذكورة في زمان الوجوب آنا مّا، و عليه فلو اجتمع ذلك حين الغروب، أو بعده إلى الزوال آنا مّا، كان مقتضى القاعدة هو فعليّة الوجوب، كما لا يخفى.

و أمّا بملاحظة النّصوص المذكورة، فالذي يدلّ عليه صحيح معاوية الأوّل إنّما هو اعتبار إدراك الشهر في وجوب الفطرة، و هل المراد به إدراك تمامه، أو بعضه و لو آنا مّا؟ الظاهر هو الثاني، و ذلك لأن الاسناد إلى الشي ء مما يختلف عرفا باختلاف الموارد، فقد لا يصح الإسناد إلى الشي ء إلّا إذا كان الفعل واردا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 8: زكاة الفطرة، ح 4.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 201

..........

______________________________

على المسند إليه بتمامه، و ذلك كالمشي و المجي ء، فلا يقال- مثلا- جاء زيد، أو مشى زيد، إلا مع اسناد الفعل إلى المجموع المركب بتمامه، و قد لا يكون كذلك، بل يكون اسناده إلى المجموع باعتبار اسناده إلى البعض حقيقة، و بأن يكون الإسناد إلى المجموع ظاهرا فى البعض، كما فى

«اللّمس»، فان قولنا: «لمست الشي ء الفلاني»، ظاهر فى وقوع اللمس على بعضه. و ثالثة يكون محتمل الأمرين من دون ظهور له فى أحدهما، كما في إسناد «الإبصار «و «الرؤية»، إلى الشي ء، حيث يصح إسناد ذلك إليه مع عدم وقوعه إلّا على بعضه، فيصح أن يقال: «رأيت الشي ء الفلاني» مع عدم وقوع الرؤية على تمام جوانبه. كما يصح ذلك مع وقوع الرؤية على الكلّ. و الإدراك من هذا القبيل، حيث يصح القول: «إنّي أدركت الشهر» مثلا، إذا كنت قد أدركت بعضه، كما هو واضح.

و عليه فالرواية لا تدل على اعتبار إدراك الشهر بتمامه أو بعضه في وجوب الفطرة، و لكنّها تحمل على إدراك الشهر آنا مّا، بقرينة الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمار المتقدّمة، فانّها علّلت عدم وجوب الفطرة على المولود ليلة الفطر، بقوله عليه السّلام: «قد خرج الشهر»، ممّا يدل على كفاية إدراك الشهر آنا مّا. فلاحظ.

و هل المراد به هو شهر رمضان، أو شهر شوال؟ الظاهر هو الأوّل، للتعليل فى الصحيحة الثانية، بقوله عليه السّلام: «قد خرج الشهر ...»، و من الظاهر أن المراد به ليس هو إدراك ذات الشخص بعض الشهر، بل هو جامعا للشرائط، و إلّا فلا وجه لنفي الفطرة عن مورد الرواية، فان اليهوديّ و النصراني- على المفروض- كانا قد أدركا شهر رمضان. فلا بد و أن يراد به إدراكهما جامعين للشرائط، ليتم الحكم و ينسجم مع الضابطة المذكورة في الرواية لوجوب الفطرة.

و على هذا، فيكون مفاد الروايتين، بعد التقييد بسائر الشرائط إنما هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 202

..........

______________________________

وجوب الفطرة على من أدرك بعض شهر رمضان، جامعا لشرائط و لو آنا مّا، و هذا لا ينطبق

على ما تقدم عن المشهور، بل ادعى عليه الاجماع أيضا، و ذلك لأن مقتضى ما ذكرناه إنما هو وجوب الفطرة على من أدرك بعض شهر رمضان جامعا للشرائط، ثم زال بعضها قبل زمان الوجوب، و عاد ثانيا بعد حلول زمان الوجوب، و هذا مما لا يلتزم به المشهور، بل يعتبرون فى الوجوب استمرار اجتماع الشرائط قبل الغروب إلى حين الغروب، بحيث يكون الشخص حين الغروب واجدا للشرائط، و لا يضرّ بذلك فقدها- أو فقد بعضها- بعد الغروب، و عليه فالمشكلة انما تكون فى الاستدلال لاعتبار الاستمرار، أي استمرار الشرائط إلى الغروب، بحيث يكون فقد الشرائط- كلا أو بعضا- قبل الغروب أو مقارنا له، موجبا لانتفاء وجوب الفطرة، و الظاهر أن الاستدلال له في غاية الصعوبة و الإشكال، إلّا ما يمكن أن يقال في هذا المجال- و لعلّه ليس ببعيد كلّ البعد عن واقع الحال، بعد استقصاء جملة من النظائر و الامثال- و هو أن ورود مثل هذا التعبير «و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر» في فرض حلول زمان الوجوب، مع فرض اجتماع الشرائط فى ذلك الحال- كما هو المفروض في مورد الرواية- يكون المتفاهم العرفي منه أن اجتماع الشرائط في بعض الشهر الماضي مستمرا إلى زمان الوجوب هو الموجب الفعلية الوجوب، و لو لا الاستمرار لم يكن الوجوب فعليا اصلا، فاعتبار الاستمرار إنما يهتدى إليه بالفهم العرفي من التعبير المذكور في أمثال الموارد المشار إليها، فان تم ذلك فهو، و إلّا كان الاستدلال لما ذهب إليه المشهور في غاية الصعوبة و الإشكال.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 203

..........

______________________________

تنبيه: لا يخفى عليك أن الاستدلال بقوله عليه السّلام- في صحيح معاوية

بن عمار المتقدم:

«و ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر» إنما يتم على القول بعدم كون الكفّار مكلّفين بالفروع مطلقا، و لا أقل من عدم تكليفهم بزكاة الفطرة، فإنّه على هذا يكون الوجه في عدم وجوب الفطرة على اليهودي أو النصراني، الّذي أسلم ليلة الفطر، إنما هو لأجل عدم ادراكه الشهر- أي شوال- جامعا للشرائط، و منها الإسلام. و أمّا على المذهب المشهور، من كونهم مكلفين بالفروع- بما فيها زكاة الفطرة- فالرواية تكون مجملة، لعدم امكان تطبيق الجملة المتقدمة على مورد الرواية، إذ المفروض حينئذ هو ادراك الشهر جامعا للشرائط، بعد البناء على عدم شرطيّة الإسلام، كما هو المفروض.

و قد تصدّى شيخنا العلامة الأنصاري قدّس سرّه لتوجيه الرواية على المذهب المشهور، و هو تكليف الكافر بزكاة الفطرة، و حاصل ما أفاده قدّس سرّه في رسالته الخاصّة «1» في هذا المقام هو أن الرواية إنما دلت على عدم وجوب الفطرة على من لم يدرك الشهر جامعا للشرائط، و الكافر و إن كان قد أدركه جامعا لشرائط الوجوب، إلّا أن الإسلام- بمقتضى حديث الجبّ- صار مسقطا لوجوب الفطرة عليه من ناحية الكفر، و أمّا عدم وجوب الفطرة عليه من ناحية الإسلام، فلعدم إدراكه الشهر مسلما، و عليه فالوجه في عدم وجوب الفطرة في مورد الرواية من حيث الكفر إنما هو حديث الجبّ، و من ناحية الإسلام هو عدم إدراكه الشهر مسلما، فالرواية مما تنطبق- بحسب موردها- على المذهب المشهور، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة زكاة الفطرة، ج 10: ص 415، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 204

..........

______________________________

و يتوجه على ذلك:

أوّلا: أنّ حديث الجبّ- بناء على

التسليم به- إنما يقتضي سقوط تبعات ما صدر من الكافر حال كفره بالإسلام، و نتيجة ذلك اختصاص الساقط بالإسلام بالقضاء، فيما إذا كان الإسلام بعد فوات زمان الواجب، و أما لو ذلك في زمان الوجوب فلا وجه لسقوط الوجوب به، فان امتثال الواجب في زمان الأداء ليس هو من تبعات شي ء، بل القضاء خارج الوقت انما هو من تبعات التكليف بالفعل فى الوقت، و على هذا فلا يبقى مجال للقول بسقوط زكاة الفطرة في مورد الرواية، بعد فرض وقوع الاسلام في زمان الواجب، و عليه فلا وجه لنفي الفطرة في مورد الرواية، بعد فرض إدراكه الشهر جامعا للشرائط.

و ثانيا: إنّ معنى عدم شرطية الإسلام هو اطلاق دليل وجوب زكاة الفطرة بالإضافة إلى الكفار أيضا، و على هذا فالكافر إذا كان مكلفا بالفطرة فأسلم، كان لازم القول بسقوط الفطرة عنه بالإسلام انما هو عدم وجوب الفطرة الشخص المذكور، و بعد هذا لا يبقى مجال لتوهم وجوب الفطرة عليه من حيث الإسلام، كي ينفى ذلك بعدم حصول الشرط قبل الغروب مثلا، و ذلك لأن موضوع الوجوب إنما هو ذات الشخص، غايته أن عنوان الكفر لم يكن مانعا عن اطلاق دليل الوجوب بالإضافة إليه، فإذا فرضنا سقوطه عنه بالإسلام، لم يكن بعد ذلك مجال لتوهم إطلاق دليل الوجوب بالإضافة إليه و صيرورته موضوعا له، كما لا يخفى. و الحاصل، أن الموضوع فى المقام واحد، فإذا خرج عن كونه موضوعا لم يكن مجال لموضوعيته له بعد ذلك.

و ثالثا: مع الغض عن ذلك، إن لازم ما ذكره قدّس سرّه هو: أن وجوب الفطرة- مثلا- من حيث الإسلام وجوب شخصي يغاير وجوب الفطرة حال الكفر، و

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الزكاة، ج 3، ص: 205

و لو كان البلوغ، أو العقل، أو الإسلام- مثلا- بعد الغروب لم تجب. نعم، يستحب إخراجها (727) إذا كان ذلك بعد الغروب

______________________________

لذلك كان كل منهما محتاجا الى سبب يخصّه، فكما أن وجوبها عليه حال كفره كان متوقّفا على إدراكه الشهر جامعا للشرائط، كذلك الوجوب عليه حال إسلامه مما يحتاج الى إدراك آخر للشهر جامعا للشرائط، فيكون التعليل دالا على عدم تحقق الإدراك الثانى جامعا للشرائط، و أنه لا يكفي فيه الإدراك الأوّل، و هذا ممّا لا يستفاد من الرواية، كما هو ظاهر.

و المتحصل من ذلك كله أن الاستدلال بالرواية لا يتم إلّا على المختار من عدم تكليف الكفار بالفروع، و منها زكاة الفطرة، كما مرّت الإشارة إليه.

ثمّ ان ما ذكره المصنّف قدّس سرّه من عدم وجوب الفطرة باختلال الشرائط- و لو بعضا- مقارنا للغروب، مبني على استظهار الاستمرار فى اجتماع الشرائط، و قد عرفت الحال فيه.

و أمّا ما أفاده قدّس سرّه، من وجوب الفطرة عند اجتماع الشرائط و لو مقارنا للغروب، ففيه أنه لا وجه لذلك، بعد عدم إدراكه الشهر- و هو شهر رمضان- جامعا للشرائط، و المستفاد من النصوص- كما تقدم- اعتبار ذلك في وجوب الفطرة، هو ذلك، فلاحظ.

(727) نسب القول باستحباب الفطرة فى الفرض المذكور إلى الأكثر «1»، حملا لما

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 499، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 206

إلى ما قبل الزوال من يوم العيد.

[فصل فيمن تجب عنه]

اشارة

[فصل] فيمن تجب عنه يجب إخراجها- بعد تحقّق شرائطها- عن نفسه، و عن كلّ من يعوله (728)، حين دخول ليلة الفطر، من غير فرق بين واجب النفقة عليه

و غيره، و الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و المسلم و الكافر، و الأرحام و غيرهم.

______________________________

رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال: «تصدق عن جميع من تعول، من حرّ أو عبد، صغير أو كبير، من أدرك منهم الصّلاة»، قال فى «الوسائل»: «أقول: المراد صلاة العيد «1»»، و مرسل الشيخ قدّس سرّه: «إنه إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال «2»» على الاستجاب، لما دل على اختصاص الوجوب بما اذا كان جامعا للشرائط قبل الغروب، كما تقدّم بيانه.

(728) العناوين المأخوذة موضوعا لوجوب الفطرة فى النصوص إنما هي عنوان «من يعول»، «من تعول»، «عيال»، «أهل» و أما سائر العناوين، كعنوان «من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 6.

(2)- المصدر/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 207

..........

______________________________

تمونون»، كما في مرسل المحقق قدّس سرّه فى «المعتبر» عن الصادق عليه السّلام «1»، أو «ما أغلق عليه بابه»، كما في رواية حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «2»، و مرفوعة محمد بن أحمد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3»، فالظاهر انه من باب الكناية عما هو الموضوع للحكم، كما لا يخفى.

و النسبة بين العنوانين الأولين- أعني بهما «من يعول، تعول»، «عيال»- هي العموم المطلق، و الأول هو الأعم، و ذلك لأن المبدأ في «من يعول» إنّما هو العول، بمعنى الإنفاق، و لا يعتبر في صدقه الدوام و الاستمرار، و مبدأ «عيال» انما هو «العيلة»، بمعنى تحمّل المعيشة، و

هو أخص مطلقا من الإنفاق، و يعتبر في صدقه الدوام و الاستمرار، فإن كل من يحتمل معيشة شخص يكون منفقا عليه لا محالة، و لا عكس، فإن تحمّل المعيشة في اللغة الفارسية لعله قريب من قولنا:

«ادارۀ زندگى»، و المنفق لا يلزم أن يكون متحمّلا لمعيشة من ينفق عليه، و هو واضح.

و قد يقال فى الفرق بينهما إن المعتبر في صدق العيال هو وجود سنخ تبعية للمعال بالنسبة إلى المعيل، بحيث يعدّ المعال تابعا للمعيل و ممن يتعلق به في شئون معاشه، و لا يعتبر ذلك في صدق العول قطعا. فإن أريد بالتبعيّة ما يتحقق ذلك بنفس تحمل المعيشة، فمثل هذه التبعية المتحققة بالإنفاق موجودة في صدق العول أيضا، و إن أريد بها غير ذلك، فالظاهر أنه خلط بين العيال اللّغوي و العرفي بالعرف بالعام، و بينه بالعرف الدراج عندنا، و ما ذكر صحيح فى الثاني دون

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 15.

(2)- المصدر، ح 13.

(3)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 208

..........

______________________________

الأوّل، و المراد به فى المقام إنما هو بالمعنى الأوّل، كما لا يخفى.

و امّا النسبة بين العنوان الأوّل و الثالث، فالظاهر انّها العموم من وجه، فانه قد يكون المنفق عليه أهل للشخص و قد لا يكون كذلك، كما إذ أنفق على شخص أجنبي غريب، كما أنه قد لا يكون الأهل منفقا عليه، و هو واضح.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنه لا تنافي- ابتداء- بين النصوص الدالّة على ثبوت الفطرة على «من يعول» و بين ما دلّ على ثبوتها عن ال «عيال»، فان الخاص و العام المثبتين ممّا لا تنافي بينهما أصلا،

ما لم يكن للخاص مفهوم، كما إذا كان في مقام التحديد لما هو الموضوع. و إليك ذكر النصوص المأخوذ فيها عنوان «من تعول» و المأخوذ فيها عنوان ال «عيال»:

1- صحيح عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه، فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ فقال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول ... «1»»، و خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال: «تصدق عن جميع من تعول ... «2»»، و ما رواه في «قرب الاسناد» عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن فطرة شهر رمضان، على كلّ إنسان هي، أو على من صام و عرف الصلاة؟ قال: «هي على كلّ صغير أو كبير ممّن تعول «3»»، و رواه علي بن جعفر في كتابه أيضا «4».

و أمّا ما أخذ فيه «العيال»، فهو:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 6

(3)- المصدر، ح 14.

(4)- المصدر، ملحق ح 14، و عليه فالرواية صحيحة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 209

..........

______________________________

1- خبر معتب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة، و عن الرقيق، و أجمعهم، و لا تدع منهم احدا ... «1»».

و يتوجه عليه: أنّ الرواية غير دالّة على أن موضوع الحكم إنما هو عنوان «العيال» ليتنافى مع ما تقدم، و ذلك لأنها لا تتضمن إلا أمره عليه السّلام باعطاء الفطرة عن العيال و لا دلالة فيه على كونه موضوع الحكم، نظير ما

إذا أمر شخص خادمه- مثلا- باعطاء الفطرة عن زيد، و عمرو، و رباب، و زينب، و غيرهم من أفراد أسرته، أ فهل يحتمل في ذلك أن يكون الحكم مترتّبا على هؤلاء بهذه العناوين!

2- صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كلّ من ضممت إلى عيالك، من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدي الفطرة عنه ... «2»».

و يتوجه عليه عدم دلالة الصحيحة إلّا على وجوب أداء الفطرة عن كل من ضمّه الشخص إلى عياله، و ذلك بجعله عيالا له، فيدلّ على وجوب الفطرة عن «العيال» و هذا لا ينافي مع وجوب ذلك بالنسبة إلى غير العيال أيضا. و الحاصل، أن مدلول الصحيحة ليس هو انحصار الوجوب بالعيال، لعدم المفهوم، و إنما يكون مدلوله وجوب أداء الفطرة عن العيال، و هذا لا يقتضي كون تمام الموضوع للحكم هو عنوان «العيال»، كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر الحال فى الاستدلال له بما روي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة العيد يوم الفطر: «أدّوا فطرتكم، فانّها سنّة نبيّكم، و فريضة واجبة من ربّكم، فليؤدّها كلّ امرئ منكم عن عياله كلّهم؛ ذكرهم و أنثاهم، و صغيرهم و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 5.

(2)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 210

..........

______________________________

كبيرهم ... «1»»، فإنه عليه السّلام- على فرض التسليم بالسند- ليس في مقام بيان الخصوصيّات، بل هو في مقام بيان أصل التشريع، و حثّ الناس على امتثال ما جاءت به الشريعة المقدّسة من حكم في خصوص الفطر، و حينئذ فلا مجال للأخذ بالرواية، دليلا على أن الموضوع للحكم إنما هو

عنوان «العيال».

3- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله، إلا أنه يتكلف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟ قال: «لا، إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. و قال: العيال، الولد، و المملوك، و الزوجة، و أم الولد «2»».

و الاستدلال بالصحيحة- تارة- بتعليق الحكم على الوصف، في قوله عليه السّلام:

«إنما تكون فطرته على عياله» حيث دلّ على اختصاص الحكم بالعيال. و لكنه مندفع، بأن ذلك يتوقف على القول بمفهوم الوصف، و هو خلاف التحقيق. و لعل ذكر الوصف لأجل الأهمية، أو لكونه مورد السؤال، كما فى الرواية. و اخرى بمفهوم الحصر- و هو حصر وجوب الصدقة على العيال- و عليه فالصحيحة قد تكون ظاهرة فى اختصاص الحكم بعنوان «العيال»، بل الانصاف أن انكار ظهورها في ذلك مكابرة واضحة، إلا أنه مع ذلك يمكن المناقشة في دلالتها أيضا، نظرا إلى أن الحصر فيها إضافي لا حقيقي، و المقصود أنّ الواجب انّما هو فطرة العيال دون فطرة الشخص المذكور في مورد الرواية، فالحصر فى العيال إنما هو بالإضافة إلى الشخص المذكور، فكأنّ التعبير كان بهذا النحو: إن الواجب عليه هو فطرة العيال دون هذا الشخص الذي ليس بعيال، و هذا لا يقتضي كون تمام

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 7.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 211

..........

______________________________

الموضوع للحكم هو العنوان المذكور. و الحاصل، أنها و إن كانت ظاهرة ظهورا ما في اختصاص الحكم بالعيال، إلّا أنّه ليس من الظهور الذي لا يمكن الإخلال به و رفع اليد عنه.

و

المتحصل من ذلك كلّه أنه لا موجب لتخصيص ما دلّ على ثبوت الفطرة بالنسبة إلى من يعول، بما دلّ على ثبوتها بالنسبة إلى العيال، بعد عدم ثبوت المفهوم للخاص. و قد يقال: إن المنفق عليه في مورد السؤال و إن لم يكن العيال، إلّا أنّه مشمول للنصوص الدالّة على وجوب الفطرة على من يعول، فإنّه داخل في ذلك، و حينئذ تكون هذه الصحيحة منافية لتلك الروايات الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة معنى، كما فى «المستند «1»». إلّا أنه، نظرا لكثرة تلك الروايات، و صراحتها في وجوب الفطرة على من يعول، لا بدّ من حمل الصحيحة على الإنفاق الذي لا يحقق الإعالة، كالانفاق بعنوان الهدية أو الصدقة، كما عن الوسائل، فان الإنفاق في مورد الصحيحة مجمل قابل للحمل على ذلك، و لا يلتزم بتخصيص الروايات بهذه الصّحيحة من هذه الجهة أيضا.

و أمّا ما تضمنت الأمر باداء الفطرة عن الأهل، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك؛ الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير ... «2»»، و المرسل عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: سألته عن صدقة الفطرة؟ قال: «عن كلّ رأس من أهلك؛ الصغير منهم و الكبير، و الحرّ و المملوك ... «3»».

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 389، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 10.

(3)- المصدر، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 212

..........

______________________________

و النسبة بين هذه النصوص و بين النصوص المتضمنة للامر بالأداء عمن يعول و إن

كانت هى العموم من وجه- لما أشرنا إليه آنفا- من كون النسبة بين العنوانين هي ذلك، إلّا أنه يمكن القول، بأن الغلبة الخارجية لكون الأهل من المنفق عليه، تقتضي ضعفا في ظهور الدليل المأخوذ فيه عنوان «الأهل» فى الموضوعيّة، و يقوى احتمال كون أخذه فى الدليل إنما هو بلحاظ انطباق عنوان «من يعول» عليه، نظرا إلى أن الغالب هو أنّ الأهل ممن ينفق عليه، و عليه فيكون ظهور الدليل المأخوذ فيه عنوان «من يعول» فى الموضوعيّة للعنوان المذكور أقوى من غيره، فيؤخذ به لا محالة، كما هو ليس ببعيد.

و المتحصّل من ذلك هو أن الموضوع للحكم إنما هو عنوان «من يعول» دون «العيال» و «الأهل».

ثم إن مقتضى الفعل المضارع «من يعول» إنّما هو فعلية الإنفاق حال ثبوت الحكم و استمراره فى الجملة، فلا يكفي في وجوب إخراج الفطرة عنه مجرد الانفاق عليه دفعة واحدة، بل لا بد من تحقق المبدأ، ثم البناء على استمراره فى الجملة، لا إلى الأبد و بنحو الدوام، و هذا هو الظاهر من الفعل المضارع. و نظيره ما أفاده المحقق النائينى قدّس سرّه و جماعة، في بحث شرائط الصلاة، من أن الدليل إذا قام على اعتبار شرط فى الصلاة، كان مقتضاه اعتبار الشرط المذكور فى الافعال دون الاكوان المتخللة فى البين، بخلاف ما إذا دلّ على اعتباره في «من يصلّي» حيث يكون ظاهره اعتباره فيه حتى فى الأكوان، مع أن المبدأ- و هو الصلاة- فى العنوانين واحد، فكيف يفهم من اللفظ على الأوّل خصوص الأفعال دونه على الثاني! و لذلك استشكله بعضهم، إلا أن واقع الأمر هو كما أفاده قدّس سرّه، فان الظاهر من كلمة «من يصلّي» إنما هو كون مورد

الشرط و مصبه أمرا له البقاء و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 213

..........

______________________________

الاستمرار، و ليس ذلك إلّا الأفعال الصلاتية بما فى ضمنها الأكوان المتخلّلة، و إلا فلا استمرار و لا بقاء لنفس الأفعال فقط، فانها توجد و تنعدم. و الحاصل، أن اعتبار الشرط في طبيعة الصلاة الموجودة، المفروض خروج الاكوان عنها، يقتضي عدم اعتباره فى الأكوان، بخلاف اعتباره فى الوجود المستمر للطبيعة، حيث لا يكون لها وجود مستمر الا مع فرض إرادة الأكوان أيضا، و مقامنا من هذا القبيل، للتعبير بالفعل المضارع، و هو «من يعول».

و من هنا يظهر، أن مجرّد وجوب الانفاق- كما إذا كان المخرج عنه من واجبي النفقة- دون الانفاق الفعلي أصلا مما لا يفيد في فعلية وجوب الأداء عنه، خلافا لشيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه، حيث ذهب في رسالته إلى أن الموضوع للحكم المذكور إنما هو عنوان «واجب النفقة»، و عنوان «من يعول» أي يكون كل من العنوانين سببا لوجوب الفطرة، فيجب على الشخص إخراج الفطرة عمن تجب عليه نفقته و لو لم يكن ذلك ممن يعوله. و استدل له قدّس سرّه بروايتين:

إحداهما: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم، و قال: «و العيال: الولد و المملوك، و الزوجة، و أمّ الولد»، و الآخر خبر اسحاق بن عمار: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة ...- الى أن قال:- و قال: «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك، و أبيك، و أمّك، و ولدك، و امرأتك، و خادمك».

و يتوجه على الاستدلال بالأولى: أن الاشخاص المذكورين فى الرواية لم يجعلوا بعناوينهم موضوعا للحكم، و إنما جعلوا موضوعا للحكم بعنوان «العيال»، و صدق هذا العنوان موقوف على الإنفاق الفعلي.

و

أما الثانية، فقد اورد على الاستدلال بها- كما فى «المستند «1»»- بأنه لا بد

______________________________

(1)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 399، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 214

..........

______________________________

من الالتزام بأحد التقييدين في مورد الرواية:

أحدهما: تقييد المذكورين فيها من الأب، و الأم، و الولد بما إذا كانوا واجبي النفقة، و إلّا فلا تكون فطرتهم عليه قطعا، فيما لو كانوا أغنياء بأنفسهم. و الحاصل، أن وجوب فطرة الأب و الأم على الولد، و كذلك فطرة الولد على الأب لا يمكن الالتزام به على سبيل الاطلاق حتى مع عدم وجوب نفقتهم عليه.

و ثانيهما: التقييد بالانفاق الفعلي، ليتحقق به عنوان «من يعول»، و الاستدلال إنما يتم على التقدير الأوّل، إلّا أنه لا مرجّح له على التقدير الآخر، و هو التقييد بالانفاق الفعلى، و لا معيّن فى البين لأحد التقييدين على الاخر، و عليه فلا يتم الاستدلال بالرواية لإجمالها.

و يمكن القول بلزوم التقييد على النحو الثاني حتى مع التقييد الاول، و ذلك لأن من البعيد جدّا، أن يخاطب الممتنع عن الانفاق- المفروض كونه واجبا في حقه- بإخراج الفطرة، فان من لا يقوم بنفقة من تجب عليه نفقته، كيف يتجه خطابه بالقيام بفطرته؟! و الحاصل، أن هذا الاستبعاد الذوقي ممّا يوجب تعيّن التقييد الثانى و لزومه حتى مع التقييد على الوجه الأوّل،

و النتيجة المستخلصة من ذلك هو عدم الدليل على كون واجب النفقة موضوعا مستقلا في هذا المقام في مقابل عنوان «من يعول». فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 215

حتى المحبوس عنده و لو على وجه محرّم (729)، و كذا تجب عن الضيف، بشرط صدق

كونه عيالا له (730)، و إن نزل عليه في آخر يوم من رمضان، بل و إن لم يأكل عنده شيئا، لكن بالشرط المذكور، و هو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر، بأن يكون بانيا على البقاء عنده مدّة، و مع عدم الصدق تجب على نفسه، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضا، حيث أنّ بعض العلماء اكتفى- فى الوجوب عليه- مجرد صدق اسم الضيف، و بعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر، و بعضهم العشر الأواخر، و بعضهم الليلتين الأخيرتين، فمراعاة الاحتياط أولى.

______________________________

(729) لشمول «من يعول» له، فتجب الفطرة حينئذ، عملا بإطلاق النصوص.

(730) اختلفت الأقوال فى المسألة، فعن الشيخ و السيّد قدّس سرّهما «1»: اعتبار الضيافة طول الشهر، و عن المفيد قدّس سرّه «2» الاكتفاء بالنصف الأخير، و عن جماعة «3»،

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: الخلاف، ج 2: ص 133، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ المرتضى، علي بن الحسين: الانتصار، ص 88، ط النجف الأشرف.

(2)- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 265، ط مؤسسة النشر الاسلامى، قم.

(3)- المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: صص 603- 604، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 380، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 216

..........

______________________________

الاجتزاء بالعشر الأخيرة، و عن الحلي قدّس سرّه «1» الاكتفاء بالليلتين الأخيرتين، و العلامة قدّس سرّه «2» بالليلة الأخيرة، و ابن حمزة «3» بمسمّى الافطار فى الشهر، و عن جماعة، منهم شيخنا الشهيد الثاني قدّس سرّه «4»، و وافقهم عليه- أيضا- شيخنا رحمه اللّه فى «الجواهر»: أن الاعتبار بصدق الضيف في جزء

من الزمان، قبل أن يهل الشهر، و عن بعضهم «5»- و هو المختار- صدق عنوان: «من يعول» أو «العيلولة» عرفا. و المعتمد فى المقام هما القولان الأخيران، و الا فباقى الاقوال ممّا لا دليل عليه ظاهرا. و كيف كان، فالذي يمكن أن يستدل به للمسألة إنما هو صحيح عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من اخوانه، فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول ... «6»» و لا اشكال في أنه إذا فسر «العول» بتحمل المعيشة، لتصبح كلمة «من يعول» مرادفة لكلمة «العيال»، فهو مما لا ينطبق على الضيف بوجه، و ذلك لأن تحمّل المعيشة على سبيل الاستمرار- و هو معنى من يعول- غير صادق

______________________________

(1)- الحلي، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 466، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 280، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(2)- العلامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 380، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب: ج 1: ص 536، ط إيران الحجرية؛ تحرير الأحكام: ج 1، ص 71، ط إيران الحجرية؛ الاردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 243، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(3)- ابن حمزة، محمد بن على، الوسيلة: ص 131، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم.

(4)- الشهيد الثانى، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: صص 446- 445؛ المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 604، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(5)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 397، ط مؤسسة

آل البيت عليهم السّلام.

(6)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 217

..........

______________________________

في مورد الضيف مهما طال به البقاء. و من هنا ذهب صاحب الجواهر «1» إلى أنّ الضيف بنفسه عنوان مستقل لوجوب إخراج الفطرة.

و لكن يتوجه عليه أن كلمات اللغويين في هذا المقام مختلفة، فربما فسّره بعضهم «2» بذلك، بينما فسّره آخرون «3» بالانفاق مطلقا، استمرّ أو لم يستمرّ، و حيث أنه لا سبيل لنا إلى احراز المعنى اللغوي للكلمة، و ليست الكلمة دارجة فى عرفنا الحالي، بحيث يعود علينا بالامكان- على ضوءه- استكشاف المعنى اللغوي و انجلاءه، فلا محالة لا بد من الرجوع في ذلك إلى ما يقتضيه ظاهر الرواية، و لا شك في أن ظاهر الرواية هو أن وجوب الفطرة عن الضيف باعتبار انطباق الكبرى الكلّية الواردة فى الرواية عليه، و هي قوله عليه السّلام: «الفطرة واجبة على كلّ من يعول».

و بكلمة أخرى: ظاهرها أن الجملة المذكورة إنما سيقت لبيان الكبرى الكلية المنطبقة على مورد الرواية، و هذا مما ينافى القول بجعل الضيف عنوانا مستقلا.

نعم- بناء على ما عرفت آنفا من أن العول بمعنى الإنفاق، لكن مطلق الإنفاق لا يكون بموضوع الحكم، كما أنه لا يكون الموضوع مجرّد الإنفاق الفعلي، بل الإنفاق المستمر على النهج المتقدّم بيانه، عملا بما يقتضيه الفعل المضارع من الدلالة على

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 497، ط النجف الاشرف.

(2)- ابن دريد، محمد بن الحسن: جمهرة اللغة، ج 3: ص 140، ط حيدرآباد- الهند؛ ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ج 11: ص 486، ط دار صادر- بيروت

(نقلا عن الأصمعي)؛ الأزهري، محمد بن احمد: تهذيب اللغة، ج 3: ص 195، ط الدار المصرية للتأليف و الترجمة.

(3)- الجوهري، اسماعيل بن حماد: صحاح اللغة، ج 5: ص 1777، ط دار العلم للملايين- بيروت؛ ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ج 11: ص 486، ط دار صادر- بيروت؛ الصاحب، اسماعيل بن عبّاد: المحيط، ج 3: ص 156، ط عالم الكتب- بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 218

و أما الضيف النازل بعد دخول الليلة، فلا تجب الزكاة عنه، و إن كان مدعوّا قبل ذلك (731).

______________________________

الاستمرار كما قدمنا- يمكن الأخذ بما هو ظاهر الرواية، من كون وجوب إخراج الفطرة عن الضيف باعتبار كونه من مصاديق «من يعول»، إلا أن الكلام في انطباق العنوان المذكور على الضيف، و أنه هل يكون منطبقا على كل من يصدق عليه عنوان «الضيف» أو أنه يعتبر فيه بعض الخصوصيات؟

الظاهر أن كلمة «من يعول» بعد ما تقدم من استظهار الاستمرار فيها فى الجملة، إنّما تصدق على الضيف إذا تحقّق الإنفاق الفعلي عليه قبل الغروب فى الجملة، و كان ذلك مع البناء على استمرار الإنفاق عليه مع تحقّقه بعد ذلك أيضا، و لو لم يتحقق منه الإنفاق بالفعل حال الغروب، لظهور النص فى التلبس بالإنفاق حال الغروب، فانه كما يستظهر الاستمرار فى الأكوان المتخللة بين الإنفاقين، الماضى و الآتي، حيث يصدق بذلك الاستمرار فى الانفاق، كما هو ظاهر، فلا يعتبر فيه الإنفاق الفعلي حال الغروب، كما لا يكفي فى صدق ذلك عليه الانفاق فى المستقبل فقط.

(731) فإن الدّعوة السابقة على الغروب لا تستوجب فطرته على المضيّف، فإنّه إن كان الموضوع لوجوب الفطرة هو صدق عنوان «من يعول»، فهو غير

صادق على مثل هذا الضيف قطعا، و إن كان الموضوع هو الضيف، بمعنى أن الضيف- بنفسه- له موضوعيّة فى المقام، و ليس ذلك باعتبار كونه من مصاديق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 219

[مسألة 1: إذا ولد له ولد، أو ملك مملوكا، أو تزوّج بامرأة، قبل الغروب من ليلة الفطر، أو مقارنا له]

[مسألة 1]: إذا ولد له ولد، أو ملك مملوكا، أو تزوّج بامرأة، قبل الغروب من ليلة الفطر، أو مقارنا له (732)، وجبت الفطرة عنه، إذا كان عيالا له، و كذا غير المذكورين ممّن يكون عيالا، و إن كان بعده لم تجب. نعم، يستحب (733) الإخراج عنه، إذا كان ذلك بعده و قبل الزوال من يوم الفطر.

______________________________

«من يعول»، فعدم وجوب الفطرة عنه، باعتبار أن المستفاد من النّص- بملاحظة مورد السؤال فيه- هو حضور الضيف قبل الغروب من ليلة الفطر، و دخول ليلة الفطر عليه و هو ضيف، لا أن الضيف- كيف كان- ممن تجب الفطرة عنه، فالملاك هو الحضور قبل الغروب، لا الدّعوة قبل الغروب، كما أنّ الدّعوة السابقة لا تحقّق عنوان الضيف قبل الغروب، كما هو ظاهر.

(732) الاكتفاء بالمقارنة لا يخلو عن اشكال، لما عرفت من أن مقتضى صحيح معاوية بن عمّار «1» الدّال على اعتبار ادراك الشهر، و ظاهره- كما تقدم- هو إدراك الشهر رمضان، خلاف ذلك. فلاحظ.

(733) أما عدم الوجوب، فلأن مقتضى صحيح معاوية بن عمار المتقدم عدم كفاية الولادة بعد الغروب، و أمّا الاستحباب، فقد استدل له بما رواه الشيخ قدّس سرّه مرسلا:

______________________________

(1)-- صفحة 199.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 220

[مسألة 2: كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه]

[مسألة 2]: كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه، و إن كان غنيّا (734) و كانت واجبة عليه لو انفرد، و كذا لو كان عيالا لشخص ثم صار وقت الخطاب عيالا لغيره.

______________________________

«إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال «1»»، و بما أن صحيح معاوية نص في عدم الوجوب إذا كانت الولادة بعد الغروب، فلا محالة تحمل الرواية على

الاستحباب، بعد رفع اليد عن ظاهرها و هو الوجوب. أو أنّه لضعف الرّواية من جهة الارسال يبنى على الاستحباب، استنادا الى قاعدة التسامح في أدلة السنن، بناء على كونها مثبتة للاستحباب. و هو محلّ الاشكال، كما قرّر في محلّه، فالاولى هو الإتيان به رجاء.

(734) محتملات المسألة أربعة:

الأوّل: أن يقال بوجوب الفطرة على كلّ من المعيل و المعال تعيينا، بحيث يكون هناك وجوبان مستقلان لا ربط لأحدهما بالآخر، و لذلك لا يكون قيام أحدهما بوظيفته مسقطا للتكليف عن الآخر.

الثّاني: أن تكون الفطرة واجبة على كل من المعيل و المعال بوجوب كفائي، فيكون المكلّف هو الجامع بينهما مثلا، أو غير ذلك، بأي نحو تصورنا الوجوب الكفائي، على ما هو المحرّر في محلّه، و حينئذ فيكون قيام أحدهما به مسقطا له عن الآخر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 221

..........

______________________________

الثالث: أن يكون وجوبها على المعيل فعليّا دون المعال، فلا يكون المعال خارجا عن دائرة التكليف في مقام الجعل، و إنما لا يكون التكليف بها بالنسبة إليه فعليا ما دام ذلك فعليا في حق المعيل، فتكون فعلية التكليف في حق المعيل مانعة عن فعليته في حق المعال.

الرابع: أن يكون الوجوب مجعولا في حق المعيل فقط، و يكون المعال خارجا عن دائرة التكليف رأسا، فيكون تكليف فى حق المعيل رافعا للتشريع عن المعال. هذه هى الاحتمالات المتصورة فى المسألة، و تظهر الثمرة العملية بينها في موارد، سيظهر ذلك إن شاء اللّه تعالى فيما سيأتي. هذا كله بحسب مقام الثبوت.

و أما بحسب مقام الاثبات، فالاحتمال الأوّل- الّذي هو ظاهر كلام ابن ادريس قدّس سرّه حيث

التزم بوجوبها على المضيّف و الضيف «1»، و يترتّب عليه عدم سقوط التكليف عن الضيف بقيام المضيّف باداء الفطرة عنه، فضلا عن سقوطها عنه بمجرد فعلية وجوبها فى حق المضيّف، أو بأصل وجوبها عليه- ممّا لا يمكن الإذعان به و المصير إليه.

و قد يقال في وجه بطلان هذا الاحتمال بأن مقتضى عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ثنى فى الصدقة «2»» هو عدم ثبوت تكليفين استقلالييّن بالفطرة فى حق المعيل و المعال معا. و لكن للاشكال فيه، نظرا إلى عدم ثبوت الرواية بهذا المضمون و عدم حجيتها سندا، مجال واسع، و الّذي ثبت ممّا يمكن أن يكون هو المنشأ للجملة المتقدمة- و الله العالم- إنما هو ما جاء في صحيح زرارة- أو حسنته بابن هاشم-

______________________________

(1)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 468، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(2)- ذكرنا في هامش الجزء الاول من كتابنا مصادر الحديث المذكور، فراجع: ج 1، ص 360.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 222

..........

______________________________

من قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد ... «1»». و لكن الاستدلال به فى المقام لا يخلو ما فيه، فان الرواية خاصة بزكاة الاموال، و لا عموم- او اطلاق- لها بالإضافة إلى زكاة الفطرة. و قد تعرّضنا لحال الرواية مفصّلا فى الكلام على المسألة الثالثة عشر من مسائل زكاة الانعام فراجع «2» و لاحظ.

و الأولى أن يقال في رد الاحتمال المذكور: أن المستفاد من التعابير الواردة في نصوص الباب بكلمة «يؤدّي عنه» و نحو ذلك، كما في صحيح عمر بن يزيد قال:

سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه،

فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول ... «3»»، و صحيح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «كلّ من ضممت إلى عيالك، من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه «4»»، إنما هو كون المجعول فطرة واحدة، قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ثنى فى الصدقة «5»» هو عدم ثبوت تكليفين استقلالييّن بالفطرة في حقّ المعيل و المعال معا، و لكن للاشكال فيه، نظرا إلى عدم ثبوت الرواية بهذا المضمون و عدم حجيّتها سندا- مجال واسع و الّذي ثبت مما يمكن أن يكون هو المنشأ للجملة المتقدمة و اللّه العالم- إنما هو ما جاء في صحيح زرارة، أو حسنته- بابن هاشم- من قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال من وجهين في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(2)- ج 1: صص 375- 374.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 2.

(4)- المصدر: ح 8.

(5)- ذكرنا في هامش الجزء الأوّل من كتابنا مصادر الحديث المذكور (- ج 1: ص 360).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 223

..........

______________________________

عام واحد ... «1»» و لكن الاستدلال به فى المقام لا يخلو ما فيه، فان الرواية خاصة بزكاة الاموال، و لا عموم- أو اطلاق- لها بالإضافة إلى زكاة الفطرة. و قد تعرّضنا لحال الرواية مفصّلا فى الكلام على المسألة الثالثة عشر من مسائل زكاة الأنعام فراجع «2» و لاحظ.

و الأولى أن يقال في رد الاحتمال المذكور أن المستفاد من التعابير الواردة في نصوص الباب

بكلمة «يؤدّي عنه» و نحو ذلك، كما في صحيح عمر بن يزيد، قال:

سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول ... «3»»، و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كل من ضممت الى عيالك، من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه «4»»، إنما هو كون المجعول فطرة واحدة، لا فطرتين، إحداهما على المعيل، و الأخرى على العيال. و هذا ظاهر لمن راجع الروايات و لا حظها.

و أما الاحتمال الثاني، فالاعتبار العلمي يساعده، فان مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام: «الفطرة على كل من اقتات قوتا «5»» انما هو وجوب الفطرة عينيّا على الكل بما في ضمنه المنفق عليهم، كما أن مقتضى ما دلّ على وجوب الفطرة على المعيل إنّما هو وجوبها عليه عينا، و القاعدة تقتضى في مثل المقام برفع اليد عن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(2)-- ج 1: صص 374- 375.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 2.

(4)- المصدر، ح 8.

(5)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 224

..........

______________________________

ظهور كلا الدليلين فى التعيين، حيث انه لا يمكن توجه تكليفين عينيين نحو شخصين مع فرض وحدة المتعلق، كما هو المفروض، و نتيجة ذلك التخيير، و التخيير فى المكلّف معناه وجوب الشي ء كفاية، كما أن التخيير فى المكلّف به، معناه الوجوب تخييرا و

يترتب على هذا: أن العيال إذا كان جامعا لشرائط الوجوب في نفسه كانت الفطرة واجبة عليه بنحو الوجوب الكفائي أيضا، فإذا قام من يعوله بالواجب سقط عنه، و إلّا كان عليه القيام به، كما هو ظاهر.

و الحاصل، أن مقتضى القاعدة و الصناعة إنما هو الأخذ بالاحتمال المذكور، إلّا أنه ربما يخدش في ذلك، بأن المستفاد من النصوص أن فطرة المنفق عليهم واجبة على المنفق، وجوبا عينيّا، بحيث لا يمكن رفع اليد عنه و البناء على الوجوب الكفائي. و بكلمة أخرى: ليست العينيّة مستفادة من الظهور الإطلاقي ليسهل امر رفع اليد عنها، و انما هو- زائدا على ذلك- مما يستفاد من القرائن الداخلية الموجودة فى النصوص، و منها وحدة السياق، فانه لا إشكال في أن وجوب فطرة نفس المنفق وجوب عيني، مع أنّا نرى في جملة من النصوص اردافها بفطرة من يعوله بسياق واحد، ففي خبر اسحاق بن عمّار المتقدم «و الواجب عليك أن تعطي عن نفسك، و أبيك، و أمّك ...» و مقتضى وحدة السياق أن يكون وجوب الجميع عليه على نحو واحد، لا أن وجوب بعضها عليه عيني و البعض الآخر كفائي.

فلو سلمنا بالمناقشة المذكورة فلا محالة يتجه الاحتمال الثالث، و هو القول بعدم فعليّة الفطرة على العيال ما دام وجوب الفطرة في حق المعيل فعليا، من جهة التزاحم و ترجيح جانب الأهمّ، حيث أنه لا يمكن فعلّية كلا الوجوبين عينا لعدم القدرة، فلا محاله تكون الفعلية للأهم من المتزاحمين، و الأهميّة انما تكون في

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 225

و لا فرق (735)- فى السقوط عن نفسه- بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصيانا أو

نسيانا، لكن الأحوط الإخراج عن نفسه حينئذ.

______________________________

جانب المعيل، و عليه فمع الترك منه- عصيانا، أو سهوا و نسيانا- لا مانع من القول بفعليتها في حق العيال، كما هو واضح.

و اما الاحتمال الرابع، و هو أن يكون وجوب الفطرة على المعيل موجبا لسقوطها عن العيال رأسا، فالظاهر ان الدليل عليه مفقود جدا، و إثباته في غاية الإشكال، فإنه مبني على الالتزام بأحد امرين، إما كون ما دلّ على وجوب الفطرة على المعيل مخصّصا لعموم ما دلّ على الفطرة على كل أحد الشامل للعيال أيضا، أو حكومته عليه، و لا يمكن المصير إلى شي ء منهما، إذ لا وجه للأول أصلا، إذ ليس في لسان ما دل على وجوب الفطرة عمن يعول ما يقتضي تخصيص عموم ما دلّ على وجوب الفطرة على العيال، حيث أن الدليل الاثباتي لا يكون موجبا للتخصيص، كما أن لسان الدليل ليس هو الحكومة، كما لا يخفى.

(735) القول بالسقوط عن العيال مطلقا، حتى مع فرض عدم قيام المعيل بفطرته، لعذر أو غيره، مبني على الاحتمال الرابع، الّذي قد عرفت الحال فيه، و عليه فالقول بوجوب الإخراج في صورة الترك لا يخلو عن قوة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 226

نعم، لو كان المعيل فقيرا و العيال غنيّا فالأقوى وجوبها على نفسه (736). و لو تكلف المعيل الفقير بالإخراج على الأقوى، و إن كان السقوط حينئذ لا يخلو عن وجه (737).

______________________________

(736) فان تخصيص عموم وجوب الفطرة على كلّ انسان- كما هو مقتضى الاحتمال الرابع المتقدّم- إنما هو في فرض وجوبها على المعيل، و أمّا مع عدم وجوبها عليه من جهة عدم اجتماع الشرائط فيه- كأن يكون فقيرا- فلا وجه حينئذ للالتزام بالتخصيص

أصلا. و منه يظهر ما في تعليقه السيد البروجردي قدّس سرّه على المقام، حيث افاد: «القوة غير ثابته. نعم، هو أحوط، سواء تكلف من حاله باخراجها عنه، أم لا»، و كذلك السيد الشيرازي قدّس سرّه حيث علق عليه بقوله: «بل الأحوط» و لم يعلم وجه لما افاده، فلاحظ و تأمّل.

(737) بل الظاهر ان السقوط حينئذ قويّ، و ذلك لأن استحباب الفطرة في حق المعيل الفقير- كما دل عليه خبر اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلا ما يؤدّي عن نفسه من الفطرة وحدها، أ يعطيه غريبا أو يأكل هو و عياله؟ قال: «يعطي بعض عياله، ثم يعطى الاخر عن نفسه، يردّ دونها، فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة»- يكفي في سقوطها عن العيال بتكلف المعيل فى القيام بها، و ذلك لأن الفطرة على المعيل تكون مشروعة حينئذ، و بعد العلم بان المشروع ليس إلّا فطرة واحدة يكون قيام المعيل بها موجبا لسقوطها عن العيال.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 227

[مسألة 3: تجب الفطرة عن الزوجة]

[مسألة 3]: تجب الفطرة عن الزوجة، سواء كانت دائمة أو متعة، مع العيلولة لهما، من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو متعة، مع العيلولة لهما، من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا؛ لنشوز أو نحوه، و كذا المملوك و إن لم تجب نفقته عليه، و أما مع عدم العيلولة، فالأقوى (738) عدم الوجوب عليه، و ان كانوا من واجبي النفقة عليه، و إن كان الأحوط الإخراج، خصوصا (739) مع وجوب نفقتهم عليه، و حينئذ ففطرة الزوجة على نفسها إذا كانت غنية، و لم يعلها الزوج و لا غير الزوج-

أيضا-، و أمّا إن عالها، أو عال المملوك، غير الزوج و المولى، فالفطرة عليه مع غناه (740).

______________________________

(738) لما عرفت فيما سبق، من أن الملاك في وجوب الفطرة عن الغير هو العيلولة، و وجوب النفقة و نحو ذلك مما لا خصوصيّة له في هذا الباب. فراجع.

(739) هذا الاحتياط لأجل الخروج عن مخالفة من ذهب إلى وجوب الفطرة فى الفرض المذكور، و قد مرّت الإشارة إليه.

(740) لاطلاق ما دل على وجوب الفطرة عمّن يعول، حيث لا دليل على تقييده بما إذا لم يكن المعال زوجة، أو مملوكا لشخص اخر، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 228

[مسألة 4: لو أنفق الوليّ على الصغير أو المجنون من مالهما]

[مسألة 4]: لو أنفق الوليّ على الصغير أو المجنون من مالهما سقطت الفطرة عنه و عنهما (741).

[مسألة 5: يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكّل]

[مسألة 5]: يجوز التوكيل (742) في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكّل، و يتولّى الوكيل النيّة، و الاحوط نيّة الموكّل أيضا، على حسب ما مرّ في زكاة المال، و يجوز توكيله فى الإيصال، و يكون المتولّي حينئذ هو نفسه.

______________________________

(741) أما عنه فلعدم كونهما ممّن يعول، و أما عنهما، فلما مرّ من أن الاقوى هو السقوط عن الصّبي و المجنون، على اشكال فى الثانى، كما مرّ.

(742) قد عرفت فيما سبق فى البحث عن المسألة في زكاة المال، ان مشروعية النيابة فى الأمر العبادي يحتاج إلى دليل، و لا دليل على مشروعيّتها في باب الزكاة و ما استدل به لذلك من النصوص- التي مرت الإشارة إليها في محلّه- لا دلالة لها على النيابة بوجه، بل ان غاية ما يستفاد منها التوكيل فى الإيصال، و عليه فعدم مشروعية النيابة في باب زكاة الفطرة يكون أوضح، إذ على تقدير التسليم بظهور النصوص فى النيابة فهي خاصّة بمورد زكاة المال، و لا اطلاق لها بالإضافة إلى زكاة الفطرة أيضا، ليتمسك به فى المقام، كما هو واضح.

ثم إنّه على فرض التسليم بدلالة النصوص على مشروعية النيابة، فلا ينبغى الشك في أنّ مفادها إنما هو مشروعية «الاستنابة»، بأن يكون عمل النائب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 229

و يجوز الإذن (743) فى الدفع عنه أيضا لا بعنوان الوكالة، و حكمه حكمها. بل يجوز توكيله (744)، أو إذنه فى الدفع من ماله، بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة، كما يجوز التبرّع به من ماله، بإذنه أو لا بإذنه، و إن كان

الأحوط عدم الاكتفاء في هذا و سابقه.

______________________________

بتسبيب من المنوب عنه، ليكون مفاد المتحصّل من ملاحظة النصوص المذكورة، منضمة إلى دليل وجوب الفطرة على الشخص أن الواجب على المكلّف هو الاعم من الفعل المباشري و التسبيبي، و عليه فلا دليل على مشروعية النيابة مطلقا حتى و لو لم يتسبب إليها المنوب عنه، كما لا يخفى.

(743) ظاهر كلامه قدّس سرّه: أنّ الإذن فى الدفع مما يقابل التوكيل فيه، و ليس مرجعهما الى أمر واحد، و لعلّه يريد بذلك: ترخيصه الغير- و مفاد الترخيص هو الاباحة- التصدي لدفع الفطرة من مال المكلّف. و الإذن هذا المعنى لا يحتاج إلى القبول، بخلاف التوكيل فإنه مما يحتاج إلى القبول و لكن للاشكال فيه مجال واسع، فانه على فرض التسليم بجريان النيابة فى المقام، لا نلتزم بذلك مطلقا، بل جواز الاستنابة، أي الصادرة عن تسبيب المنوب عنه إلى ذلك، و الإذن فى الدفع- بالمعنى المذكور- لا يحقق عنوان «الاستنابة»، كما لا يخفى.

(744) لم يمكننا استظهار اشتغال الذمة من شي ء من النصوص الواردة في هذا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 230

[مسألة 6: من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه،]

[مسألة 6]: من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه (745) إخراج

______________________________

الباب، بل الظاهر منها- كما تقدم- إنما هو مجرد الوجوب التكليفي، و عليه فالمستفاد منها- بحسب الذوق غير المبنيّ على اساس علمي صناعي و بمناسبة الحكم و الموضوع، و هي ان الفطرة زكاة البدن- أن المكلّف به إنّما هو اخراج الفطرة من مال من وجب عليه الاخراج لا من مال غيره، و لأجل ذلك يشكل الأمر فى الفرعين، أما الفرع الأوّل- و هو التوكيل أو الإذن فى الدفع من ماله- فلأن غاية ما فى الباب أن

التوكيل فى الدفع انما يصح باعتبار كونه توكيلا في إيصال الفطرة إلى مستحقّها، و ليس من الاستنابة في أداءها، لعدم الدليل على مشروعيتها في زكاة الفطرة، و ما دلّ من النصوص على ذلك خاصّ بزكاة المال، كما مرّ. و عليه فلا بدّ للمكلّف من إخراجها مباشرة، و حينئذ يجوز له توكيل الغير- أو إذنه إيّاه- إيصالها إلى مستحقّها. مضافا إلى ما استظهرناه ذوقيّا، من أن الواجب هو إخراج المكلّف الفطرة من مال نفسه، فاخراج الغير من ماله، و لو كان بقصد الرجوع إلى المكلف مشكل جدّا.

و أمّا الثاني، فلأنّا و إن لم نعتبر وجوب إخراج الفطرة من مال المكلّف، و جوّزنا الأعمّ منه و من مال غيره، إلّا أنّا فهمنا من ظاهر النّصوص وجوب الإخراج تكليفا على المكلّف، و قد عرفت: أن الاستنابة في أداء الزكاة خاصّة بزكاة الأموال، فلا تكون مشروعة في زكاة الفطرة، فضلا عن مشروعيّة التبرع فيها.

(745) بناء على ما قرّبناه سابقا من الوجوب الكفائي عند اجتماع الشرائط فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 231

ذلك الغير عن نفسه، سواء كان غنيّا أو فقيرا و تكلف بالإخراج، بل لا تكون حينئذ فطرة، حيث إنّه غير مكلف بها. نعم، لو قصد التبرّع (746) بها عنها أجزأه على الاقوى، و إن كان الأحوط العدم.

______________________________

المعال، يكون الاجزاء- فيما لو أدّى المعال عن نفسه إذا كان غنيا- واضحا. نعم، ما أفاده المصنف قدّس سرّه انما يتم على مبناه و هو الاحتمال الاخير من المحتملات الأربعة المتقدمة، و هو عدم ثبوت التكليف بالفطرة في حق المعال أصلا، و أما إذا كان فقيرا، فالفطرة و إن لم تكن بواجبة عليه و على المعيل بنحو

الوجوب الكفائي، و انما تجب على المعيل عينا، إلّا أنه لا مانع من الالتزام باستحبابها بالنسبة إليه، بمقتضى موثق عمار، المتقدم ذكره عند تعرضه قدّس سرّه له فى المسألة الرابعة من الفصل السابق لاستحباب الفطرة على الفقير، و عليه فتكون الفطرة مشروعة في حقّه فلو أدّاها أجزأه ذلك و سقطت عن المعيل. كما إنّه يجزى على الاحتمال الثالث أيضا، و هو عدم فعليّة تكليف المعال ما دام تكليف المعيل فعليا، فإذا سقط عن الفعليّة، لعجز أو عصيان و نحوهما، كان تكليف المعال فعليّا لا محالة، فيجزى.

(746) مرّ الكلام في مشروعية التبرّع، و منه يظهر الوجه فى الاحتياط، فراجع و لاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 232

[مسألة 7: تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي]

[مسألة 7]: تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي (747) كما في زكاة المال، و تحلّ فطرة الهاشمي على الصنفين.

______________________________

(747) تقدم في زكاة المال أن النصوص الواردة فى الصدقة على الهاشميين على طوائف ثلاث:

منها: ما دلت على التحريم بقول مطلق، واجبة كانت أم مستحبة، كصحيح العيص بن القاسم «1»، و صحيح الفضلاء، أو حسنتهم بابن هاشم «2»، و صحيح ابن سنان «3».

و منها: ما دلت على الجواز بقول مطلق، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج «4».

و منها: المفصّلة بين الواجبة و غيرها، كخبر زيد الشحام «5»، و خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمي «6»، و صحيح جعفر بن ابراهيم الهاشمي أو حسنته «7».

و مقتضى القاعدة انما هو تقييد كل من الطائفتين الأوليين بالأخيرة، فتكون النتيجة هي عدم جواز أخذهم الصدقة الواجبة دون المستحبة، هذا ما فصّلناه هناك. و أمّا المقام- و هو زكاة الفطرة- فالأمر فيها أيضا كذلك، نظرا إلى أن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل

الشيعة/ باب 29: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر/ باب 31: المستحقين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 32: المستحقين للزكاة، ح 4.

(6)- المصدر، ح 5.

(7)- المصدر/ باب 31: المستحقين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 233

..........

______________________________

الروايات المفصّلة بين الصدقة الواجبة و المستحبة شاملة للفطرة أيضا، امّا خبر زيد الشحام فالوارد فيه عنوان «الزكاة المفروضة» و هو شامل للفطرة أيضا، بل يمكن القول بانها القدر المتيقن به، نظرا إلى ما ورد في صحيح هشام بن الحكم، عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و انما كانت الفطرة «1»». و أما ما فى «الجواهر «2»» من ذكر خبر زيد الشحام مشتملا على ما يوجب اختصاص ذلك بزكاة الأموال، و هو قوله عليه السّلام: «المطهرة للمال ...» فهذا مما لم نعثر عليه أصلا، في شي ء من المجاميع الحديثية.

و أما خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمي، فقد فسّر فيه الصدقة المحرّمة ب «الزكاة»، و لا شك في صدق العنوان المذكور على الفطرة أيضا. و اما صحيح جعفر بن ابراهيم الهاشمي، فقد خص فيه التحريم ب «الصدقة الواجبة على الناس» و قد بيّنا هناك انه قد يقال: بعدم شمول الخبر لمثل الكفارات، و النذورات و نحوهما. إلا أنّه لا وجه للقول بعدم شمولها للفطرة، أ ليست هي بصدقة واجبة على الناس؟! و المتحصل من ذلك كله، أن المحرم على الهاشميين إنما هو الفطرة، دون مطلق الصدقات و لو كانت مستحبّة.

ثم إن تحريم الصدقة الواجبة عليهم ليس على سبيل الإطلاق، بل يختص ذلك بما إذا لم يكن المتصدق بها هاشميا، و إلا فصدقة الهاشمي مما

تحلّ للهاشمي و إن كانت واجبة، كما تحلّ لغيره. و الوجه فيه انما هو الروايات المستفيضة، و فيها الصحيحة الدالة على ذلك «3»، و قد مرّت الإشارة إليها أيضا فى البحث عن زكاة المال، فراجع.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 412، ط النجف الأشرف.

(3)-- وسائل الشيعة/ باب 32: المستحقين للزكاة (من ابواب زكاة المال).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 234

و المدار على المعيل لا العيال (748)، فلو كان العيال هاشميا دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى الهاشمي، و فى العكس يجوز.

______________________________

(748) فى المسألة قولان: أحدهما ما ذهب إليه صاحب المستند قدّس سرّه «1» و تبعه على ذلك المصنف قدّس سرّه، و هو الصحيح أيضا، من ان العبرة بالمعيل لا بالعيال. و ثانيهما ما اختاره صاحب الحدائق قدّس سرّه «2» من كون العبرة بالمعال دون المعيل.

و استدل للثاني، بأنّ الفطرة مما تضاف إلى المعال، فيقال: «فطرة فلان»، فاذا كان المعال غير هاشمي صدق عليها أنها فطرة غير الهاشمي، فلا يجوز إعطائها إلى الهاشمي، و لو فرضنا كون المعيل هاشميا، إذ أن المناط فيه صدق كونها «صدقة غير الهاشمي»، و هو مفروض فى المقام، كما لا يخفى.

و استدل للأوّل، بأنّ المكلف بالصدقة، و الّذي اشتغلت ذمته بها، و هو الّذي يثاب و يعاقب على فعله و تركه، إنما هو المعيل دون المعال، فإن كان هاشميّا كانت الصدقة صدقة هاشمي، فتحلّ للهاشمي، و إن كان عياله غير هاشمي، و إن لم يكن هاشميا كانت صدقة غير الهاشمي، فلا تحل للهاشمي، و إن كان عياله هاشميا. و

الحاصل، أن الصدقة انما تضاف إلى من هو مكلّف باخراجها، و ليس هو إلا المعيل، و أما المعال فلا تضاف هي إليه إلا بنحو الاضافة إلى ما هو سبب تحقق الوجوب على المعيل، فهي بالنسبة إلى المعيل فطرته و صدقته، و بالنسبة إلى المعال فطرة و صدقة عنه، و المراد بالصدقة المحرّمة إنما هي الصدقة الّتي تجب

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 434، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 317، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 235

..........

______________________________

على غير الهاشمي و تشتغل ذمّته بها، لا ما تكون عن غير الهاشمي و إن لم تشتغل ذمته بها.

و التحقيق أن يقال: إن القول الفصل فى المسألة مما يبتني على تحقيق معنى «الصدقة» و تفسيرها، فقد يفسر ذلك «1»، بالمطهّر للبدن، و الدافع للبلاء، و نحوهما من التعاريف بالآثار المترتبة عليها، و لا شك في أنها- بناء على هذا التفسير- ممّا تضاف إلى المخرج عنه- و هو المعال- دون المخرج، و هو المعيل، فانها مطهّرة لبدن المعال، و دافعة للبلاء عنه، فهي صدقته، فإذن تكون العبرة بالمعال، لا بالمعيل.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 3، ص: 235

و لكن يتوجه عليه، عدم استقامة التفسير المذكور، فان التعريف بما تقدم مبنيّ على ضرب من المسامحة، و إلّا فالأمور المذكورة من الآثار المترتبة على الصدقة، كما أشرنا إليه، فكيف يتّجه تفسير حقيقتها بذلك! و هذا واضح.

و

قد تفسّر- كما هو الصحيح- باعطاء المال تبرّعا و مجّانا بقصد القربة، كما عن بعض أهل اللغة «2» التصريح به، و عليه فلا ينبغي الشك في إضافتها إلى المعيل، إذ الاعطاء صادر منه على الفرض، فتكون مضافة إليه لا محالة، و تكون صدقته، و نتيجة ذلك: كون العبرة به، لا بالمعال، و هذا ظاهر. فتدبر.

هذا و الاحتياط- في صورة الدفع إلى الهاشمي- فى كون المعيل و المعال- كلاهما- هاشميين، مما لا ينبغي تركه.

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 318، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن منظور، محمّد بن مكرّم: لسان العرب، ج 10: ص 196، ط دار صادر، بيروت؛ الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب: قاموس اللّغة، ج 2: ص 253؛ الراغب، الحسين بن محمد: معجم مفردات الفاظ القرآن/ تحقيق: نديم المرعشلي، ص 286.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 236

[مسألة 8: لا فرق فى العيال بين أن يكون حاضرا عنده- و في منزله أو منزل آخر]

[مسألة 8]: لا فرق فى العيال بين أن يكون حاضرا عنده- و في منزله أو منزل آخر- أو غائبا (749) عنه، فلو كان له مملوك في بلد آخر، لكنه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته، و كذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك، كما أنه إذا سافر عن عياله و ترك عندهم ما ينفقون به على انفسهم يجب عليه زكاتهم. نعم، لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه (750) سواء كان الغير موسرا و مؤدّيا أو لا. و إن كان الاحوط (751) في الزوجة و المملوك اخراجه عنهما، مع فقر العائل، أو عدم أدائه.

______________________________

(749) لاطلاق ما دل على وجوب فطرة المعال على المعيل، إذ لا يعتبر في صدق العيلولة الحضور، كما لا يخفى.

(750) لوجوب الفطرة- حينئذ-

على من يعولهم، و هو الغير، حسب الفرض.

(751) منشأ الاحتياط المذكور هو ما تقدمت الإشارة إليه؛ من احتمال أن يكون عنوان «واجب النفقة» موضوعا مستقلا في قبال عنوان «من يعول»، كما اختاره شيخنا العلامة الانصاري قدّس سرّه. و لكنك عرفت فيما سبق ضعف الاحتمال المذكور.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 237

و كذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله و لا في عيال غيره، و لكن الأحوط (752) فى المملوك و الزوجة ما ذكرنا، من الإخراج عنهما حينئذ أيضا.

[مسألة 9: الغائب عن عياله الّذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم]

[مسألة 9]: الغائب عن عياله الّذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم، بل يجب (753)، إلّا إذا وكّلهم (754) أن يخرجوا من ماله الّذي تركه عندهم، أو أذن لهم فى التبرع عنه.

______________________________

(752) الاحتياط المذكور مبنيّ على ما تقدم بيانه آنفا.

(753) قد يستشكل ما أفاده المصنف قدّس سرّه بقوله: «يجوز أن يخرج عنهم، بل يجب ...»

فانه لا معنى الجواز بعد فرض وجوبها عليه. و الظاهر أن ذلك لا يكون إلا مراعاة لنكتة أدبيّة، و إن كان قد خفى أمرها علينا. و لعلها تكون هي صحة الاستثناء الّذي ذكره قدّس سرّه متفرعا عليه، فكان ذكر الجواز أوّلا، ثم الوجوب بعده بكلمة «بل» تمهيدا للاستثناء المتأخر. و كيف كان فالوجه فى الحكم ظاهر مما تقدم فى المسألة السّابقة. فلاحظ.

(754) ظاهر العبارة أنّ التوكيل فى الاخراج بنفسه يكون مسقطا للوجوب عنه، و هو غير واضح، و لذلك ينبغي تقييده بمورد الوثوق بالإخراج، كما نبّه عليه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 238

[مسألة 10: المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة]

[مسألة 10]: المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة، إذا كان في عيالهما معا، و كانا موسرين (755).

______________________________

محشّو الكتاب رحمهم اللّه. ثم انّ الفرق بين الصورتين، المذكورتين فى العبارة هو ان الصورة الأولى عبارة عن الاستنابة فى الاخراج، بالتسبيب الى ذلك بواسطة التوكيل، و أمّا الثانية فهي عبارة عن الاذن فى النيابة التبرعيّة، بأن يأذن المعيل المعال في أنّه لا مانع عنده من تبرّعه بالنيابة عنه إن شاء، و قد مرّ ذكرها فى المسألة الخامسة، كما و قد مرّ الاشكال في كلتا الصورتين، و قلنا إن الثانية أولى بالإشكال من الاولى، إذ على تقدير التسليم بالجواز فى الاولى لا يمكننا ذلك فى

الثانية، فلاحظ.

(755) فى المسألة وجوه، بل أقوال ثلاثة:

الأوّل: ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه و اختاره، و هو المحكي عن الأكثر «1».

الثاني: عدم الوجوب على واحد منهما، كما عن الصدوق قدّس سرّه «2»، و هو الصحيح، كما سنبيّنه إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: الوجوب عليهما معا، بنحو الوجوب الكفائي.

و استدل للاول بوجهين:

الأوّل: الإطلاق، بدعوى أن مقتضى اطلاق ما دلّ على وجوب الفطرة على

______________________________

(1)- الموسوي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 329، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الصدوق، محمد بن على: الهداية، ص 52، ط دار العلم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 239

..........

______________________________

المعيل هو عدم الفرق بين تعدد المعيل و وحدته، فالدليل- بإطلاقه- شامل لمورد التعدد أيضا.

الثاني: مكاتبة محمد بن القاسم بن الفضيل البصري إلى أبى الحسن الرضا عليه السّلام يسأله عن المملوك، يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أخرى، و بيده مال لمولاه، و يحضر الفطرة، أ يزكّي عن نفسه من مال مولاه، و قد صار لليتامى؟ قال عليه السّلام: «نعم «1»».

و كلا الوجهين مخدوش فيه، أمّا الاول فلان مثل هذه الجملة «فطرة العيال على من يعول» مما لا أثر لها فى النصوص أصلا، ليؤخذ بإطلاق «من يعول» في مورد التعدد، و إنما هي واردة في كلمات الفقهاء رحمهم اللّه، و قد صادوها من متون النصوص، و إلّا فأغلب النصوص الواردة فى الباب مساقها بيان الخصوصيات فى المعال، و ليست واردة في مقام البيان من حيث المعيل أصلا، ليؤخذ بإطلاقها في مورد تعدّده.

و يشهد بذلك: ما ورد في ذيل جملة من نصوص الباب، من قوله عليه السّلام: «من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير،

حرّ أو مملوك»، أو ما يقرب من ذلك «2»، فإن ذلك ممّا يشهد بأن المقصود بالبيان فى النصوص المذكورة، إنما هو خصوصيات المعال، و أمّا المعيل فلم يكن الإمام عليه السّلام في مقام بيان خصوصيّاته أصلا.

و دعوى أنه على هذا لا مجال للتمسك بالإطلاق في ناحية المعيل اصلا، مع أنه قد سبق الاستدلال بالإطلاق لعدم الفرق بين كون المعيل غائبا أو حاضرا؟! مدفوعة بأن الاطلاق المتمسك به هناك إنما هو الاطلاق من ناحية المعال لا من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 5: زكاة الفطرة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 240

..........

______________________________

يعول، فان إطلاق الأب، و الأم، و الولد، و المرأة، و الخادم في مثل موثق إسحاق بن عمار «1»: «و الواجب عليك أن تعطي عن نفسك، و أبيك، و أمّك، و ولدك، و امرأتك، و خادمك و ما أشبهه» يشمل الغائب و الحاضر معا، و لا شك في أن الحكم إذا ثبت مع غيبة المرأة- مثلا- كان مرجع ذلك إلى ثبوته على المعيل مع غيبته، فان غيبة المعال تستلزم غيبة المعيل- بواقع الغيبة، لا بما هو المعنى المصطلح عليه لها- لا محالة، فإنهما متضائفان، كما لا يخفى.

و أمّا الثاني، فلأن الرّواية بظاهرها غير معمول بها بين الأصحاب، و ذلك لما دلّ على عدم ثبوت الفطرة على اليتيم. مضافا إلى دلالتها على جواز تصرفه في مال مولاه بدون إذن منه، مع فرض عدم الوصاية و نحوها، و هو على خلاف القواعد المسلّم بها. و لأجل ذلك حملها صاحب الوسائل قدّس سرّه على ما إذا كان موت المولى بعد الهلال. و هو و

إن كان دافعا للمحذور الأوّل، إلا أن المحذور الثاني- و هو التصرف بلا إذن من مولاه- باق. و كيف كان فالرّواية من جهة إعراض الأصحاب عنها لا تصلح دليلا لما تقدم، و إن كانت في حدّ نفسها مما لا بأس بها من حيث السند.

هذا، مضافا إلى ان الرواية- على تقدير تماميتها في نفسها- معارضة بخبر زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت: عبد بين قوم عليهم، فيه زكاة الفطرة؟

قال: «إذا كان لكلّ انسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته، و إذا كان عدّة العبيد و عدّة الموالى سواء، و كانوا جميعا فيهم سواء، أدّوا زكاتهم، لكلّ واحد منهم على قدر حصّته، و إن كان لكلّ إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شي ء عليهم «2»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 18: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 241

و مع اعسار أحدهما تسقط و تبقى حصّة الآخر (756)، و مع إعسارهما تسقط عنهما. و إن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره، و تسقط عنه و عن الاخر مع إعساره (757)، و إن كان الآخر موسرا، لكن الأحوط إخراج حصّته و إن لم يكن

______________________________

أما الثالث، فستأتى الاشارة- إن شاء اللّه تعالى- فى المسألة الحادية عشرة، ما يمكن الاستدلال به له. فانتظر.

و عليه فالصحيح هو ما نسب إلى الصدوق رحمه اللّه، من نفي الوجوب عنهما.

(756) على تقدير التسليم بثبوت الفطرة على الشريكين إذا كانت العيلولة مشتركة، يحتاج ما افاده قدّس سرّه فى المقام إلى دليل، و ذلك فإن غاية ما نسلمه انما هو ثبوت فطرة من يعول بكاملها

على المعيل، المفروض تعدّده، بأن تكون المطلقات الدالة على وجوب الفطرة على المعيل، شاملة لهما معا و لا نسلّم بثبوت بعض الفطرة على بعض افراد المعيل، و هو الموسر منهما، إذ لا دليل على ذلك فان المطلقات غير شاملة لهما لفقر أحدهما، و شمولها للموسر منهما بمقدار حصّته، بعد عدم صدق المعيل عليه بالخصوص، ممنوع منه، كما لا يخفى.

(757) أما سقوطها عن المعيل فللإعسار، و أما عن الشريك الآخر- مع فرض يساره- فلعدم العيلولة، مع ان الحكم مترتب عليه بعنوان العيلولة، كما عرفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 242

في عيال واحد منهما سقطت عنهما أيضا، و لكن الأحوط الإخراج مع اليسار، كما عرفت مرارا. و لا فرق- في كونها عليهما مع العيلولة لهما (758)- بين صورة المهاياة «1» و غيرها، و إن كان حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما، فان المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض.

______________________________

و الوجه فى الاحتياط هو ما تقدمت الإشارة إليه، من احتمال أن يكون وجوب النفقة بنفسه عنوانا مستقلا- في قبال عنوان العيلولة- لثبوت الفطرة، كما اختاره شيخنا العلامة الانصاري قدّس سرّه. فراجع و لاحظ. و هذا هو الوجه فى الاحتياط الآتي أيضا.

(758) قد تفرض الشركة بنحو لا يصدق في أيّ آن من الآنات أنه عيال لهذا بالخصوص، أو أنه عيال لذلك بالخصوص، بل هو في كل آن من الآنات يعدّ عيالا لهما. و قد تفرض ذلك بنحو المهاياة، بحيث يعدّ في مقدار من الزمان عيالا لأحدهما، و في مقدار آخر منه عيالا للآخر.

أما على الأول، فالوجه فيه هو سقوط الفطرة عنهما، كما عرفت. و أما على

______________________________

(1)- تهايا القوم، تهايؤا: إذا جعلوا لكل واحد هيئة معلومة، و

المراد النوبة و هايئته مهائية، و قد تبدل للتخفيف فيقال: هابيته مهاباة. و المهاباة في كسب العبد، انهما يقسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه، و يكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة (الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين، مادّة «هيأ»). فالمراد به فى المقام «النوبة».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 243

و لا يعتبر اتفاق جنس المخرج من الشريكين (759)، فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير و الاخر من حنطة، لكن الاولى- بل الأحوط- الاتفاق.

[مسألة 11: إذا كان شخص في عيال اثنين]

[مسألة 11]: إذا كان شخص في عيال اثنين، بأن عالاه

______________________________

الثاني، فالظاهر ثبوتها على من عدّ عيالا له حال الوجوب، فعيلولة أيّ واحد منهما في زمان الوجوب توجب ثبوت فطرته على المعيل في ذلك الوقت، و إن كان المعيل في غير زمان الوجوب هو الآخر، إذ لا يعتبر في ذلك إلّا صدق العيلولة في زمان الوجوب، كما يشهد بذلك الالتزام بثبوت الفطرة على الضيف إذا كانت الضيافة- المنطبق عليها عنوان العيلولة- متحققة في زمان الوجوب، كما هو مقتضى النص الخاصّ المتقدم، فان المسألتين من واد واحد، لما عرفت من أن الالتزام بذلك فى الضيف إنما هو بملاك العيلولة أيضا. فلاحظ.

(759) سيأتى الكلام- إن شاء اللّه تعالى- في جواز التلفيق مع اتحاد المعيل. و الظاهر أنه لا يفرق الحال فيه بين اتحاد المعيل و بين تعدّده، فما أفاده قدّس سرّه انما يتم على تقدير البناء على جواز التلفيق في تلك المسألة و الاحتياط المذكور مبني على احتمال عدم جواز التلفيق. فانتظر لتحقيق المسألة في محلّها، إن شاء اللّه تعالى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 244

معا، فالحال كما مرّ فى المملوك بين شريكين (760)، إلّا

في مسألة الاحتياط المذكور فيه (761). نعم، الاحتياط بالاتفاق في جنس المخرج جار هنا أيضا (762)، و ربما يقال: بالسقوط عنهما (763)، و قد يقال: بالوجوب عليهما كفاية، و الأظهر ما ذكرنا.

______________________________

(760) و قد مرّ ان التحقيق هو سقوط الفطرة- في صورة الاشتراك فى العيلولة- عن كلام الشريكين، لعدم الدليل- حينئذ- على الوجوب.

(761) فان منشأ الاحتياط المذكور هناك إنما كان هو احتمال وجوب الفطرة بعنوان واجب النفقة و إن لم يكن ممن يعول، و هذا منتف فى المقام، إذ المفروض هو عدم وجوب نفقته على واحد منهما «1».

(762) لعين الملاك فى المسألة السابقة، بعد فرض عدم الخصوصية لوجوب النفقة و نحوه، فى التلفيق، جوازا و منعا.

______________________________

(1)- هكذا افاده- دام ظله- و لعله مبنيّ على أن كون الشخص في عيال اثنين مما يتنافى و وجوب نفقته على كل واحد منهما. و يمكن أن يكون الوجه في عدم جريان الاحتياط فى المقام هو ما قيل، من اختصاصه بصورة عدم عيلولة الموسر، أحدهما كان أو كلاهما، و هو خلاف فرض العيلولة منهما معا فى المسألة. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 245

..........

______________________________

(763) اما احتمال السقوط عنهما، فقد عرفت فى المسألة السابقة أنه الاظهر. و أما احتمال الوجوب عليهما كفاية، فتقريبه- بحسب مقام الثبوت- يكون بأحد وجهين:

الأوّل: أن يقال: إن اطلاق وجوب الفطرة على المعيل يقتضي وجوب الفطرة على كل منهما- في مفروض المسألة- عينا، و لكن حيث يمتنع ذلك، نظرا إلى عدم امكان تعلق تكليفين وجوبيين- بنحو الوجوب العيني- بشي ء واحد، بحيث يجب شي ء واحد على شخصين بنحو الوجوب العيني، فان الفطرة واحدة بلا اشكال، فلا محالة يرفع اليد عن الاطلاق المذكور،

و نتيجة ذلك ثبوت الوجوب الكفائي، بحيث يكون قيام كل منهما بذلك مسقطا للتكليف عن الاخر أيضا.

الثاني: إنه كما قام الدليل على وجوب الفطرة على المعيل فيما إذا كان من ينطبق عليه العنوان المذكور شخص واحد، بحيث يكون تقومه بشخص واحد، كذلك دلّ على وجوب الفطرة على المعيل الضّمني، بمعنى أنه إذا كان هناك انفاقان، كل منهما جزء مقوم للعيلولة، بحيث تكون العيلولة متحققة بكلا الإنفاقين، و لكن كان المتصف بكل من الجزءين شخص غير الشخص المتصف بالآخر، فإذا دلّ الدليل على وجوب الفطرة على كل من الشخصين، مع أنه ليس بمعيل بالاستقلال، و انما هو معيل بالانضمام إلى الاخر، كما هو المفروض، فلا محالة يكون مقتضى القاعدة هو الوجوب الكفائي، لامتناع الوجوب العيني في شي ء واحد بالنسبة إلى شخصين.

و الحاصل، إنه إذا دل الدليل على وجوب الفطرة على كل من الشخصين اللّذين لا يكون كل واحد منهما باستقلاله معيلا، كما دل عليه فيما إذا كان باستقلاله معيلا، فاطلاقه و إن كان يقتضي العينية، إلا أنه لاجل المحذور يلزمنا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 246

..........

______________________________

رفع اليد عنه، فيثبت الوجوب الكفائي لا محالة. هذا، و كلا الوجهين غير سليمين عن الاشكال:

أمّا الأوّل، فلعدم صدق المعيل على كل واحد من الشريكين، إذ المفروض هو ان كل واحد منهم هو جزء المعيل، و حينئذ فلا اطلاق للنصوص، ليقال: إنه- بعد عدم إمكان الأخذ بإطلاقه المقتضى للعينية في مورد تعدد المعيل- يحمل على الوجوب الكفائي، فلاحظ.

و أما الثاني، فلأن غاية ما ثبت بالأدلّة انما هو وجوب الفطرة على المعيل استقلالا و لا دلالة لها على وجوبها على الضمني أيضا.

و أمّا ما جاء فى «المستمسك

«1»» من تقريب الوجوب الكفائي، بأنه إذا كان عنوان المعيل ملحوظا بنحو الطبيعة السارية، فيكون كل واحد موضوعا للحكم، و لأجل أن الفطرة واحدة لا تقبل التعدد، يكون الوجوب الوضعيّ كفائيا، فيتوجّه عليه:

انه لا كلام في ذلك إنما الكلام في عدم كون كل من الشريكين في مفروض المسألة فردا للطبيعة الملحوظة بنحو السريان، لعدم كون كل منهما بالاستقلال فردا لطبيعيّ المعيل، ليكون موضوعا مستقلا للحكم، و انما هو جزء من المعيل المتقدم بهما معا، كما هو المفروض.

كما أن جاء فيه بعد ذلك ردا على التقريب المذكور، من قوله: «لكن الظاهر كونه ملحوظا بنحو صرف الوجود، كما هو مقتضي اطلاقه، فينطبق على الفردين كما ينطبق على الفرد الواحد، و مقتضاه التوزيع ... «2»» مما يتوجه عليه:

أوّلا: انه لا ظهور فى البين كما ادّعاه، و إنما التزموا بذلك في خصوص باب

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 408- 409، ط الثالثة.

(2)- المصدر، ص 409.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 247

..........

______________________________

الأوامر بالنسبة الى المتعلقات بوجوه و اعتبارات.

و ثانيا: إن الصحيح في رد التقريب هو ما أشرنا إليه، من ان لحاظه بنحو الطبيعة السّارية لا يستوجب كون الوجوب فى المقام كفائيا، كما عرفت.

و أما ما جاء فيه «1» من تنظير المقام- في مقام تقريب الوجوب الكفائي- بمسألة تعاقب الأيادي، حيث إن كل واحد من ذوى اليد ضامن لذلك المال، و باداء واحد تفرغ ذمة الجميع عنه، و إن جاز الرجوع من السابق على اللاحق بمناط اخر. فيمكن أن يناقش فيه: بأن تلك المسألة و إن كانت شبيهة بالمقام من جهة، إلا انها تفترق عنه من جهة اخرى، و هي أنه بمجرد

أداء واحد من الأيادى، المال إلى مالكه- فيما إذا لم يكن هو ذو اليد الأخير- لا يسقط حق الرجوع من ذى اليد المتأخر عن اليد المؤدّية على اللاحق، و هذا لا يجتمع مع فرض الوجوب الوضعي فى المسألة بنحو الوجوب الكفائي، و لذلك اختلف القوم في تصوير المسألة، فاختار جمع منهم ما اختاره المحقّق الخراساني قدّس سرّه في حاشيته على المكاسب، من المعاوضة القهرية على النحو المقرر في محله، و ليس هذا موضع بيانه.

نعم، إذا كان المؤدّي هو ذو اليد الأخير، فقد فرغت بذلك- لا محالة- ذمّة الجميع، و لم يكن هناك حق لرجوع واحد منهم إلى الآخر، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 409، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 248

[مسألة 12: لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه]

[مسألة 12]: لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه (764) إن كان هو المنفق على مرضعته، سواء كانت أمّا له أو أجنبيّة،

______________________________

(764) لا اشكال فيه ظاهرا، و قد ادّعي عليه الإجماع «1» و يدلّ عليه مكاتبة ابراهيم بن محمّد الهمداني، ان أبا الحسن، صاحب العسكر عليه السّلام، كتب إليه- في حديث-: «الفطرة عليك و على الناس كلّهم، و من تعول، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، حرّا أو عبدا، فطيما أو رضيعا ... «2»»، و يمكن الاستدلال له بمفهوم صحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال: «ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر «3»»، و قريب منه صحيحه الآخر «4» فانّ مفهومه هو ثبوت الفطرة إذا كانت الولادة قبل ليلة

الفطر بمقدار يصدق عليه أنه أدرك الشهر، و معلوم من الرواية أنها إذا ثبتت فانما يكون ذلك بحق الوالد، فلا محالة تدل الروايتان على ثبوت الفطرة على الرضيع بالأولويّة، لدلالتها على ثبوت فطرة من ولد قبل ليلة الفطر- و لو لم يرتضع بعد- على والده، فكيف به لو ارتضع أيضا؟!

______________________________

(1)- النراقى، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 403، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 4.

(3)- المصدر/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 249

و إن كان المنفق عليه غيره فعليه (765)، و إن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد (766). و أما الجنين فلا فطرة له (767)،

______________________________

بل يمكن أن يقال: إن المستفاد من الرّواية انما هو ثبوت فطرة الرضيع بعنوانه على أبيه، و لكن حيث بنينا- بمقتضى النصوص المتقدم ذكرها- على أن الفطرة انما تثبت بالنسبة إلى من يعول، لا مطلقا، فلا محالة يستكشف من ذلك أن الرّضيع داخل في من يعول، أو بتعبير آخر، يستكشف منه أن العيلولة متحققة فى الفرض المذكور. و عليه فلا يفرق الحال بين ما إذا كانت المرضعة هي أمّه و لو مجانا، أو غيرها بالأجرة.

(765) لأنه حينئذ يكون داخلا في عنوان «من يعول» بالإضافة إلى المنفق، لا بالنسبة إلى الأب. إلّا إذا كان الأب قد استأجر الأمّ لإرضاعه فان الرّضيع حينئذ- مع كون المنفق على أمّه هو غير الأب- يكون داخلا تحت عنوان «من يعول»، كما هو ظاهر.

(766) اما عدم الوجوب عليه، فللصغر، و أمّا على غيره، فلعدم العيلولة.

(767) إجماعا، لعدم العيلولة

قبل الولادة يقتضيه صحيحا معاوية بن عمار، المتقدمان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 250

إلّا إذا تولّد قبل الغروب (768). نعم، يستحب (769) إخراجها عنه إذا تولّد بعده إلى ما قبل الزوال، كما مرّ.

[مسألة 13: الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال]

[مسألة 13]: الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال (770)، فلو أنفق على عياله من المال الحرام- من غصب أو نحوه- وجب عليه زكاتهم.

______________________________

(768) لما دل على وجوب الفطرة عمن أدرك الشهر، كصحيحي معاوية بن عمار المتقدم ذكرهما.

(769) لمرسل الشيخ قدّس سرّه: «إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من اسلم قبل الزوال» و قد مرّ الوجه في دلالة الخبر على الاستحباب، فلاحظ.

(770) فان المناط هو صدق العيلولة، المفروض تحققها، حتى مع الانفاق من المال الحرام، و لعلّ احتمال- أو توهم- عدم وجوب الفطرة عليه فيما اذا أنفق عليهم من المال الحرام إنما نشأ من تخيّل أن العيلولة إنما تكون سببا لوجوب الفطرة على المعيل، فإذا كان الإنفاق منهيا عنه- و هو سبب لوجوب الفطرة عليه- كان ذلك من النهي عن السبب المقتضى للفساد، و بمعنى عدم ترتب المسبب عليه، و لاجل تعرض قدّس سرّه للمسألة. و لكنه فاسد جدا، فان المراد بالسبب في تلك المسألة لا يراد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 251

[مسألة 14: الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة]

[مسألة 14]: الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته (771) بعد صدق العيلولة، فلو أعطى زوجته نفقتها، و صرفت غيرها في مصارفها، وجب عليه زكاتها، و كذا في غيرها.

______________________________

به ما يكون مأخوذا فى مرحلة الموضوع مطلقا، بل خصوص ما يصطلح عليه باسم السبب، و العيلولة إنما تكون موضوعا لوجوب الفطرة عليه، و ليست هي من السبب بالمعنى المصطلح.

أو أنّ الإنفاق من المال الحرام، باعتبار كونه انفاقا لمال الغير، و هو غير مملوك للمنفق- كما فى الغصب و نحوه- فلا يكون ذلك المنفق عليه مصداقا ل «من يعول»، فلا تجب فطرته

على المنفق. و هو أيضا باطل، فان انفاقه من مال الغير باعتبار كونه موجبا للضمان، و ثبوت ذلك في عهدته، يوجب صدق العنوان المذكور لا محالة، كما هو ظاهر.

(771) و السر في ذلك أن المنفق لا يشترط على المنفق عليه صرف عين ما يدفعه إليه، و انما يدفع ذلك إليه لينفق عينه أو قيمته، فإنّ غرضه انما هو إعاشة المنفق عليه، و لا خصوصيته لعين المال المدفوع إليه. و عليه، فإذا صرف المنفق عليه غير العين المدفوع إليه، كان مرجع ذلك- فى الحقيقة- إلى تبديل مالية المدفوع إليه بمالية اخرى، فيتحقق فى البين تبديل ارتكازي لمالية بمالية اخرى، و هذا مما لا يضر بصدق الانفاق، بعد فرض عدم اشتراط المنفق صرف العين بنفسها.

و أوضح من ذلك، ما إذا دفع إليه دينارا- مثلا- فأبدله بالدراهم عند

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 252

[مسألة 15: لو ملك شخصا مالا- هبة، أو صلحا، أو هدية- و هو أنفقه على نفسه]

[مسألة 15]: لو ملك شخصا مالا- هبة، أو صلحا، أو هدية- و هو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته (772)، لأنه لا يصير عيالا له بمجرد ذلك. نعم، لو كان من عياله عرفا و وهبه- مثلا- لينفقه على نفسه، فالظاهر الوجوب (773).

______________________________

الصيرفيّ و صرف الدراهم، أ فهل يكون هذا موجبا لعدم صدق المنفق على معطى الدينار؟! كلّا، و الوجه فيه هو ما أشرنا إليه. و المقام من هذا القبيل، غايته أن الصدق فيه أخفى من لمثال.

(772) و الوجه فيه ظاهر، فإن الإنفاق انما هو من العناوين المتميّزة عرفا عن مثل الهبة، و الهدية و غيرهما بالقصد، فإذا لم يقصد الإنفاق لم يصدق حينئذ عنوان «العيلولة».

ثم إن كان الأولى به التعليل بعدم تحقق العيلولة بذلك، فان المناط في وجوب

الفطرة عليه انما هو انطباق عنوان «من يعول»، لا كونه عيالا له، كما تقدم.

(773) لصدق الإنفاق عليه حينئذ، الموجب لصدق العيلولة، و هو ممّا يوجب الفطرة عنه. ثم إنّ المناط في وجوب الفطرة عنه- كما عرفت- انما هو صدق العيلولة المتحقق ذلك بالإنفاق، فاعتبار كونه عيالا له عرفا- كما عن المصنف قدّس سرّه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 253

[مسألة 16: لو استأجر شخصا و اشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه]

[مسألة 16]: لو استأجر شخصا و اشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه، لا يبعد وجوب إخراج فطرته (774). نعم، لو اشترط عليه مقدار نفقته، فيعطيه دراهم- مثلا- ينفق بها على نفسه، لم تجب عليه (775)، و المناط الصدق العرفي في عدّه من عياله و عدمه.

[مسألة 17: إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه، و صار ضيفا عنده مدة، هل تجب عليه فطرته، أم لا؟]

[مسألة 17]: إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه، و صار ضيفا عنده مدة، هل تجب عليه فطرته، أم لا؟ اشكال (776).

______________________________

مما لا موجب له.

(774) لتحقق موضوعه، و هو عنوان «من يعول»، كما لا يخفى.

(775) لأن المال المشترط بمقدار النفقة، و ليس هو بعنوان النفقة، و الموجب للفطرة هو الثاني.

ثم إن الأولى- كما مرّ آنفا- هو أن يقال: إن المناط هو صدق عنوان «من يعول» عرفا و عدمه، لا عنوان «العيال».

(776) الظاهر أنه لا اطلاق لنصوص الباب من هذه الجهة، فإنها مسوقة لبيان الخصوصيات الأخر، بقرينة بيان خصوصيات المعال فيها، من كونه صغيرا أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 254

و كذا لو عال شخصا بالإكراه و الجبر من غيره (777).

______________________________

كبيرا، حرّا أو مملوكا. و أمّا خصوصيّة كون الإنفاق عن داعى طيب النفس بذلك أو الأعم منه و من غيره، فليس شي ء منها في مقام البيان من هذه الجهة اصلا، ليتمسك بإطلاقها لنفي اعتبار الخصوصيّة، و هي اعتبار الرضا و الاختيار، كما لا يخفى على من لاحظها. و المرجع- حينئذ- هو البراءة. و لعل تردده قدّس سرّه في ثبوت الإطلاق و عدمه، هو الذي أوجب الإشكال فى المسألة، و إلّا فالحكم كما استظهرناه هو الرجوع إلى البراءة.

و أمّا ما فى «المستمسك»، من أن «منشأه انصراف الاطلاق إلى صورة الرضا و الاختيار،

لكن الإطلاق محكم ... «1»»، فيتوجه عليه:

أوّلا: أن دعوى الانصراف من الدعاوى الجزافيّة غالبا، حيث لا شاهد عليها نفيا و لا اثباتا.

و ثانيا: إن الاطلاق إنما هو أول الكلام.

(777) و الوجه فيه هو ما تقدم في سابقه، و قد ذكر له فى «المستمسك» وجها آخر، و هذا نصه: «اللّهم إلا أن يقال: مقتضى حديث رفع الإكراه عدم سببيّة العيلولة عن إكراه للوجوب، كما في أمثاله من الموارد «2»».

قلت: المرفوع بحديث الرفع- كما استقر عليه الرأي أخيرا- انما هو الشي ء

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن، مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 411، ط الثالثة.

(2)- نفس المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 255

..........

______________________________

عن عالم التشريع، بمعنى إخراجه عن مورد التشريع، و عدم جعله موضوعا للحكم الشرعي، كما يقابله الوضع الشرعي، و هو عبارة عن جعله موضوعا للحكم الشرعي. و بهذا يتحفظ على ظهور كلمة «الرفع» فيحمل على معناه الحقيقي، كما يتحفظ به على ظهور النسبة، بأن تكون نسبة الرفع إلى الأمر التكويني نسبة حقيقية و إلى من هي له، بلا حاجة إلى تقدير الحكم و نحو ذلك اصلا. و على هذا، فيختص مورده بما إذا كان الشي ء متعلقا لحكم شرعي كشرب الخمر مثلا، أو كان موضوعا له، و كان متصفا بالحكم المذكور أيضا، كما فى البيع مثلا، فانه موضوع للصحّة شرعا و عقلا، و متصف بها أيضا، فيقال: إن البيع صحيح و نافذ شرعا، و أما فى المقام، فالإنفاق و إن كان موضوعا لوجوب الفطرة على المنفق، إلا أنه ليس مما يتصف بالوجوب المذكور، فلا يقال: «الانفاق واجب»، أو «العيلولة واجبة»، و حينئذ فحديث الرفع لا يكون رافعا لوجوب الفطرة عن المنفق إذا كان

مكرها على الإنفاق، و ذلك لأن رفع الإنفاق- كما تقدم- لا يكون إلّا بعدم تشريع الحكم له، و هو فى المقام عبارة عن وجوب الفطرة على المنفق، و المفروض هو عدم تشريع الحكم المذكور له، إذ لا يتصف به كما عرفت، ليرفع ذلك بحديث الرفع، كما هو ظاهر.

نعم، يمكن الالتزام بجريان حديث الرفع فى المقام بوجه اخر، و هو مما يبتنى على أمرين:

أحدهما: الالتزام بعدم اختصاص المرفوع به بالأحكام التكليفية، بل هو الأعمّ منها و من الوضعيّة.

و الآخر: ان السببيّة من الأحكام الوضعية القابلة لكلّ من الوضع و الرفع تشريعا، و عليه ففى المقام تكون سببية الانفاق لوجوب الفطرة على المنفق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 256

نعم، في مثل العامل الّذي يرسله الظالم لأخذ مال منه، فينزل عنده مدّة ظلما، و هو مجبور في طعامه و شرابه، فالظاهر عدم الوجوب (778)، لعدم صدق العيال، و لا الضيف عليه.

______________________________

مرفوعة بالحديث.

إلا أنه يشكل الأمر في قبول الوجه المذكور، نظرا إلى انّه بعد التسليم بالأمرين المذكورين كبرويا. انما يقع الكلام و الإشكال فى الصغرى، فان الإنفاق فى المقام إنما أخذ موضوعا للوجوب على المنفق، لا سببا بالمعنى المصطلح عليه القابل لكل من الوضع و الوضع تشريعا، و موضوعيّة الشي ء بالنسبة إلى شي ء اخر ليست هي من الأمور الوضع الاستقلالية القابلة لتعلق الوضع به ليصح انتساب الرفع إليه، فإنها ليست إلا الحكم بشي ء مترتبا عليه، فينتزع من ذلك موضوعية المترتب عليه.

و الحاصل، أن الاستدلال بالحديث فى المقام مشكل فعلا، و الوجه الذي يمكن الاستدلال به لعدم الفطرة على المنفق في كلا الفرعين هو ما تقدمت الاشارة إليه. فلاحظ.

(778) المناط في هذا الباب- كما مرّ

غير مرّة- إنّما هو صدق عنوان «من يعول»، و هو الضابط حتى في مورد الضّيف، كما تقدم، و بما أن الظاهر من العرف هو اعتبار نحو من التبعيّة في صدق العنوان المذكور، و هي غير موجودة فى الفرض، إذ قد يتصدى العامل النازل للأمر باعداد الطعام الخاص حسبما يشتهيه، و لو لا امره به

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 257

[مسألة 18: إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شي ء]

[مسألة 18]: إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شي ء، و إن مات بعده وجب الإخراج من تركته (779)، عنه و عن عياله.

______________________________

لم يقدّم له الطعام المذكور بحسب الطبع أصلا، و إذا فرضنا عدم تصديه لذلك بالإبراز خارجا فلا شك في أنّ وضعه- باعتبار كونه مبعوثا من قبل الظلم- ممّا يوحي بالأمر ارتكازا، كما لا يخفى.

و الحاصل، أن الوجدان يشهد بعدم التبعية اللازمة فى الصدق فى المقام، بل الأمر فيه بالعكس، حيث ان المنفق تابع للنازل، كما عرفت، فلا محالة لا يجب على المنفق فطرته ظاهرا. و اللّه العالم.

(779) إذا سلمنا بكونها- أي الفطرة- من الديون المالية المتعلقة بالتركة بسبب الموت، فالأمر واضح، إلا أن الكلام فى التسليم بذلك، و إن كنا نسلّم به في زكاة المال، كما مرّ. و الوجه فيه إنّا قد بنينا في تلك المسألة على أن الزكاة حق متعلق بالعين من قبيل حق الجناية، يدور مدارها أين ما وجدت، و عليه فيكون مقتضى القاعدة حينئذ إنّما هو الإخراج من تركته، و أمّا فى المقام فلم يثبت من الأدلة ان الفطرة تكون من قبيل الحق المتعلق بالعين، أو انها تكون ثابته فى الذمّة فتكون الذمة مشتغلة بها، أو أنّها مجرد تكليف محض؟ و

لذلك لا يمكننا القول بوجوب إخراجها من التركة بعد الموت، لاحتمال أن يكون الأمر بها تكليفا محضا و هو مما يسقط بالموت لا محالة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 258

و إن كان عليه دين، و ضاقت التركة، قسّمت عليهما بالنسبة (780).

______________________________

و امّا النصوص الخاصّة، فالظاهر عدم وجود ما يمكن التمسك بإطلاقه فى المقام، بل هي مختصة بزكاة الاموال، كصحيح زرارة- أو حسنته بابن هاشم- قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل لم يزكّ ماله، فأخرج زكاته عند موته فأدّاها، كان ذلك يجزى عنه؟ قال: «نعم، قلت: فإن أوصى بوصية من ثلثه و لم يكن زكىّ، أ يجزي عنه من زكاته؟ قال: نعم، تحسب له زكاة، و لا تكون له نافلة و عليه فريضة «1»»، و صحيح شعيب- أو حسنته- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن على أخي زكاة كثيرة، أ فأقضيها أو اؤدّيها عنه؟ فقال لى: «و كيف لك بذلك؟! قلت: احتاط، قال: نعم، إذن تفرج عنه «2»»، و من الظاهر اختصاص الخبر الأوّل بزكاة الاموال، كما يشهد به صدره. و أمّا الثاني، فاطلاقه بالإضافة إلى الفطرة، لقوله: «... زكاة كثيرة ...» و إن كان محتملا، إلا ان ليس بحدّ الظهور ليصلح للاعتماد عليه، و عليه فلا دليل على خروج الفطرة عن التركة بعد الموت.

(780) بناء على قيام الدليل على وجوب إخراجها من التركة بعد الموت ما أفاده قدّس سرّه ظاهر، لعدم المرجح لبعض الديون على الآخر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 22: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 259

[مسألة 19: المطلقة رجعيّا فطرتها على زوجها، دون البائن، إلّا إذا كانت حاملا ينفق عليها.]

[مسألة 19]: المطلقة رجعيّا فطرتها على

زوجها (781)، دون البائن، إلّا إذا كانت حاملا ينفق عليها.

[مسألة 20: إذا كان غائبا عن عياله، أو كانوا غائبين عنه، و شك في حياتهم، فالظاهر وجوب فطرتهم]

[مسألة 20]: إذا كان غائبا عن عياله، أو كانوا غائبين عنه، و شك في حياتهم، فالظاهر وجوب فطرتهم، مع إحراز العيلولة على فرض الحياة (782).

______________________________

(781) بناء على كون الضابط في اخراج الفطرة هو صدق عنوان «من يعول»، لا وجوب الإنفاق- كما تقدمت الإشارة إليه غير مرّة- يكون المتّبع- لا محالة- إنّما هو العنوان المذكور، فمتى ما كان ذلك متحققا، سواء أ كان من يعول زوجة أو غيرها، كانت مطلّقة بطلاق رجعيّ أو بائن أم لم تكن، وجبت الفطرة على المعيل، و إلّا فلا. و عليه فلا وجه لعقد المسألة فى الزوجة المطلقة الرجعيّة و البائن و نحوهما من الصغريات، كما هو ظاهر.

(782) تحقيق الكلام فى المسألة هو أن أخذ شيئين فى الموضوع مما يتصور على انحاء، فقد يكون المأخوذ هو ذات الشيئين، دون أخذ عنوان آخر بسيط، منتزع من كيفية من الكيفيّات الخارجية القائمة بهما، من التقدم و التقارن و التأخر و نحو ذلك، و حينئذ، فإذا كان أحد الجزءين مشكوكا فيه أمكن إحرازه بالاستصحاب، و بضمه إلى الجزء الآخر المحرز الوجدان، يكون الموضوع بتمامه محرزا، كما انه يمكن احراز كلا الجزءين، فيما إذا تعلق الشك بهما معا. و قد يكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 260

..........

______________________________

المأخوذ فى الموضوع هو عنوان بسيط كعنوان «الاتصاف» مثلا، و هذا يكون بأحد وجوه ثلاث:

الأوّل: أن يكون المأخوذ هو العنوان المذكور بنحو مفاد كان التامّة، كما إذا رتّب حكم على اتصاف زيد بالعدالة، بأن كان وجود الاتصاف موضوعا للحكم المذكور، و حينئذ فلو شكّ في بقاء الاتصاف المذكور أمكن اثباته بالاستصحاب و هذا ظاهر.

الثاني:

أن يكون العنوان المذكور مأخوذا فى الموضوع بنحو مفاد كان الناقصة، لكن بحيث لا يكون لوجود المتصف به خارجا دخل في ترتب الحكم، بل الحكم مترتب على اتصافه بالشي ء على تقدير وجوده، كما إذا قلنا: إن جواز التقليد- مثلا- مترتب على العدالة على تقدير الحياة، و حينئذ فإن كانت الحياة محرزة بالوجدان، و كان المشكوك فيه هو الاتصاف بالعدالة، أمكن اثباته بالاستصحاب، كما أنه مع عدم إحراز الحياة وجدانا أيضا يمكن اثبات ذلك بالاستصحاب، نظرا إلى أن الأثر غير مترتب على اتصاف الموجود الخارجي بالعدالة، لئلا يكون الاستصحاب متكفلا باثبات اتصافه بها، إلّا على تقدير حجية الأصل المثبت، و إنّما هو مترتب على الاتصاف على تقدير الوجود، فإذا أثبتنا كلا من الحياة و الاتصاف بالاستصحاب، كفى ذلك في ترتب الاثر المذكور.

الثالث: أن يكون مأخوذا فيه بنحو مفاد كان الناقصة، مع دخل الوجود الخارجي في ترتب الأثر المذكور، ففى المثال المتقدم: إذا فرضنا ترتب الأثر على وجود المجتهد خارجا، و اتصافه بالعدالة، فان كان الوجود محرزا بالوجدان، كان استصحاب اتصافه بالعدالة كافيا فى الحكم بترتب الاثر المذكور عليه،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 261

..........

______________________________

بخلاف ما إذا كان مشكوكا فيه أيضا، فان استصحاب الحياة، و استصحاب الاتصاف، مما لا يترتب عليهما كون المجتهد الحيّ خارجا متصفا بها، الا بناء على حجية الأصل المثبت، و ما دام لم يترتب على الاستصحابين ذلك، لا يجدي في ترتب الأثر اصلا، و هذا ما يمنع عن جريان الاستصحاب فانه مشروط بترتب الأثر الشرعي على مورده فيما إذا لم يكن هو بنفسه من الأحكام الشرعية، و لا يكفي فيه ترتّب الأثر على اللوازم العقلية أو الملازمات لمورده، كما

هو مقرر في اصول الفقه.

و قد يتخلص من المحذور بالالتزام، بجريان الاستصحاب فى المثال في وجود المجتهد المتصف بالعدالة، فيقال: إنا كنّا على يقين من وجود المجتهد المتصف بالعدالة، و نشك فيه الآن، فيبنى على بقاء المتيقن به إلى زمان الشك بمقتضى الاستصحاب، و هو باطل؛ لأنه إذا كان المراد به هو استصحاب الوصف المنتزع من الأمور الثلاثة- أعني بها وجود المجتهد، و صفة العدالة، و اتصاف المجتهد بالصفة المذكورة- فجريان الاستصحاب من جهة تماميّة أركانه، و هو اليقين السابق و الشك اللاحق، و إن كان صحيحا، إلّا أنّ الإشكال فيه من جهة أخرى، و هو: أن الأثر الشرعي مترتب على ذوات الأمور الثلاثة، لا على الوصف المنتزع منها، و مع عدم ترتب الأثر الشرعي على المستصحب، لا يصح جريان الاستصحاب و إن كان المراد هو استصحاب ذوات الأمور الثلاثة جمعا فهو- فى الحقيقة- عبارة عن الاستصحابات ثلاثة بعدد ذوات الأمور المشكوك فيها، و إن كان- بحسب الصورة- استصحاب واحد، عاد المحذور المتقدم ذكره، كما و لا فرق في ترتب المحذور المذكور بين جريان الاستصحابات الثلاثة مستقلا و بين جريانها ضمنا، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 262

..........

______________________________

ثم ان موضوع الحكم فى المقام لمّا كان هو المعال، و هو متقوم بالحياة، فلم تكن العيلولة و الحياة مأخوذتين فى الموضوع بنحو التركيب، فإن الماخوذ فى الموضوع إذا كان هو الوصف و محلّه، كان ذلك مأخوذا بنحو التوصيف لا التركيب، كما قرر في محلّه.

كما أنه لا ينبغى الاشكال في عدم كون المأخوذ فى الموضوع هو الوصف فقط، فان الفطرة انما تجب- بمقتضى الأدلّة- عمّن يعول، فالموصوف لا محالة معتبر فى الموضوع.

كما أن وجود الموصوف- أيضا- مأخوذ فى الموضوع، إذ لا تجب الفطرة عن غير الحيّ، فانّ العيلولة المأخوذة فى الموضوع إنّما هي فعليّة العيلولة، و فعليتها لا تكون إلا مع حياة المعال، فلا تجب الفطرة إلا مع فعلية العيلولة، و فعليتها لا تكون إلا بفرض حياة المعال، و لا يكفي فى وجوب الفطرة فعليّة العيلولة آنا مّا، بل تكون فعليّة الحكم تابعة لفعليّة الموضوع في ذلك الظرف.

فالموضوع للحكم- إذن- هو الذات، مع الحياة، المتصفة بالعيلولة فعلا، فمع الشك فى الحياة لا مجال لجريان الاستصحاب، حتى مع إحراز العيلولة على تقدير الحياة، بلا فرق في ذلك بين كون المستصحب هو ذات الموصوف و غيره، و بين كونه هو المجموع.

و منه يظهر الإشكال في ما أفاده فى «المستمسك» «1» من توجيه استصحاب المجموع. فالمرجع- لا محالة- هو الأصل الحكمي، و هو البراءة عن وجوب الفطرة.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 412- 413، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 263

[فصل في جنسها و قدرها]

اشارة

[فصل] في جنسها و قدرها و الضابط فى الجنس القوت الغالب لغالب النّاس (783)، و هو الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأرز، و الأقط، و اللبن، و الذرة، و غيرها.

______________________________

(783) اختلفت الأقوال فى المسألة تبعا لاختلاف النصوص الواردة فيها، فعن الصدوقين، و العمّاني «1». الاقتصار على الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب. و يستدل لذلك بصحيح سعد بن سعد الأشعري، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عن الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب؟ قال: «صاع بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله «2»»، و صحيح الحلبي

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك- إلى أن قال:- عن كلّ إنسان نصف صاع، من حنطة، أو شعير، أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين «3»»، و خبر ياسر القمي، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام، قال: «الفطرة صاع من حنطة، و صاع من شعير، و صاع من تمر، و صاع من زبيب، و إنما خفّف

______________________________

(1)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 281، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ الصدوق، محمد بن علي: المقنع، ص 66، ط مؤسّسة دار العلم، قم؛ الهداية: ص 51.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 1.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 264

..........

______________________________

الحنطة معاوية «1»»، و خبر الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام: «إن الفطرة مدّين من حنطة، أو صاع من الشعير، و التمر، و الزبيب «2»» و خبره الاخر عنه عليه السّلام- أيضا- في كتابه إلى المأمون، قال: «زكاة الفطرة ...- إلى أن قال:- من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، صاع، و هو أربعة أمداد «3»».

و زاد صاحب المدارك «4» «الأقط» عليها. و يستدل له زائدا على ما مرّ، بصحيح عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «زكاة الفطرة صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من أقط ... «5»»، و صحيح عبد اللّه بن المغيرة، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام فى الفطرة، قال: «يعطى من الحنطة صاع، و

من الشعير صاع، و من الأقط صاع «6»».

و زاد الشيخ قدّس سرّه «7» على ذلك «الأرز» و «اللبن» أيضا، مدّعيا ثبوت الإجماع على إجزاء السبعة، و عدم الدليل على إجزاء غيرها. و فى «الدروس»:

«اكثر الأصحاب حصروه فى السبعة «8»». و يدل عليه ذكر الأرز و اللبن في بعض النّصوص، كصحيح زرارة و ابن مسكان الأتي، و مكاتبة ابراهيم بن محمد الهمدانى، قال: اختلفت الروايات فى الفطرة، فكتبت إلى أبى الحسن صاحب

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 5.

(2)- المصدر، ح 19.

(3)- المصدر، ح 18.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 333، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(5)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 11.

(6)- المصدر/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 3.

(7)- الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط ج 1: ص 241، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(8)- الشهيد، محمد بن مكى؛ الدروس الشرعية، ج 1: ص 251، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 265

..........

______________________________

العسكر عليه السّلام أسأل عن ذلك، فكتب: «إن الفطرة صاع من قوت بلدك، على أهل مكة، و اليمن، و الطائف، و أطراف الشام، و اليمامة، و البحرين، و العراقين، و فارس، و الأهواز، و كرمان تمر، و على أهل أوساط الشام زبيب، و على أهل الجزيرة، و الموصل، و الجبال كلها برّ أو شعير، و على أهل طبرستان الأرز، و على أهل خراسان البرّ، إلّا أهل مرو و الرّي فعليهم الزبيب، و على أهل مصر البرّ، و من سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، و من سكن البوادى من الأعراب فعليهم

الأقط ... «1»».

و نسب إلى الإسكافي «2» كما القول بوجوب إخراج ما يغلب على قوت المخرج نفسه، و اختاره أبو الصلاح الحلبي «3»، و الحلّي «4». و يدل على ذلك المكاتبة المتقدمة.

و قال المحقق قدّس سرّه فى «المعتبر»: «و الضابط ما كان قوتا غالبا، كالحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأرز، و الأقط، و اللبن، و هو مذهب علمائنا ... «5»»، و نحوه كلام العلامة قدّس سرّه فى «المنتهى «6»». و قد نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين «7».

و يستدل له بأنه مقتضى الجمع بين النصوص المتقدم ذكرها و بين ما دل على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 282، ط مؤسسة دار النشر الاسلامي، قم.

(3)- الحلبي، ابو الصلاح: الكافي، ص 169، مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السّلام، أصفهان.

(4)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 468، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(5)- المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2، ص 605، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(6)- العلامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 5: ص 536، ط ايران الحجريّة.

(7)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 279، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 266

..........

______________________________

ان العبرة بالقوت الغالب، كصحيح زرارة ابن مسكان جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الفطرة على كل قوم مما يغذّون عيالهم؛ من لبن، أو زبيب، أو غيره «1»»، و مرسل يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: جعلت فداك! هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال: فقال: «الفطرة

على كل من اقتات قوتا، فعليه أن يؤدّى من ذلك القوت «2»»، و المكاتبة المتقدمة.

و هناك أقوال أخر «3»، أضربنا عن التعرض لها، كما أن في بعض النصوص إضافة «الذرّة»، و في بعضها: «السلت، و السّويق، و القمح، و العلس «4»».

تحقيق المسألة و الذي يبدو فى النظر هو أن الأدلة المتضمّنة للأجناس الخاصّة، من الحنطة، و الشعير ...، كلها مسوقة لبيان مقدار الواجب، و أنّه صاع فى الجميع، في مقابل من فرضه فى مثل الحنطة- التي يكون قيمتها ضعف قيمة الشعير- نصف صاع، كما يشهد بذلك خبر ياسر القميّ، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام، قال: «الفطرة صاع من حنطة، و صاع من شعير، و صاع من تمر، و صاع من زبيب، و إنما خفف الحنطة معاوية «5»»، و صحيح معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «فى الفطرة جرت السنّة بصاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، فلما كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قوّمه الناس، فقال: نصف صاع من برّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: صص 406- 405، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- المصدر/ باب 6، 8: زكاة الفطرة.

(5)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 267

..........

______________________________

بصاع من شعير «1»».

و عليه، فالمنظور فى النصوص المتضمنة للأجناس إنما هو بيان ان مقدار الفطرة الواجب إنما هو صاع، من دون أن يكون لاختلاف الجنس المخرج منه فى القيمة أثرا فى المقدار المذكور. و

عليه، فلا ظهور لها في موضوعيّة الأمور المذكورة فى مقام أداء الواجب، ليقع الإشكال في معارضة إطلاقها بالإضافة إلى ما اذا لم تكن الأجناس المذكورة قوتا غالبا، مع اطلاق ما دلّ على ان الواجب انما هو الاداء من القوت الغالب و ان لم يكن من الأجناس المذكورة، بل النصوص المذكورة مجملة من هذه الجهة، و عليه فيكون المناط هو القوت الغالب، و إن لم يكن ذلك من الأجناس المذكورة فى النصوص المتقدمة.

و مع التنزل و التسليم بالمعارضة بين الاطلاقين بالعموم من وجه، فالظاهر أن مقتضى القاعدة فيه إنّما هو التخيير فى المسألة الفرعيّة، فان مقتضى اطلاق كل منهما انما هو التعيين، فيرفع اليد عن كلا الإطلاقين، و نتيجة ذلك لا محالة هو التخيير، فيصح الاداء من الأمور المذكورة و إن لم تكن من الجنس الغالب، كما يصح الاداء من القوت الغالب و إن لم يكن ذلك واحدا منها، فالمكلف يكون بالخيار في مقام العمل بين الأمرين. كما لا يخفى.

و لا يخفى أن التخيير فى المقام ليس هو بملاك الأخبار الدالة على التخيير عند التعارض، كما هو مختارنا في باب التعارض من الأخذ بروايات التخيير، و عدم الرجوع إلى المرجحات، فان مقتضى ذلك إنما هو التخيير فى المسألة الأصوليّة، و التخيير الذي نلتزم به إنما هو التخيير فى المسألة الفرعية، و ذلك لأنه ما دام يمكن الجمع العرفي بين الدليلين بالالتزام بالتخيير لم تستقر المعارضة حينئذ بينهما،

______________________________

(1)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 268

..........

______________________________

ليرجع فيها إلى أخبار الترجيح و التخيير.

و هذا هو مراد المحقق النراقي رحمه اللّه، حيث قال: «و منهم من اعتبر غلبة القوت في غير الأجناس المذكورة، و

أمّا فيها فاكتفى بالإطلاق، و مرجعه التخيير بين الأمرين، و هو الأشهر، سيّما بين المتأخرين «1»».

تحقيق فى القوت الغالب حيث أن الضابط في ما يجب إخراج الفطرة منه- كما عرفت- هو كونه من القوت الغالب، فالظاهر أنّ المراد به ما تعارف أكله بين النّاس، فلا يجزى الإخراج مما لم يتعارف أكله بينهم و إنما يؤكل أو يشرب فى ظروف استثنائية، كالأدوية و نحوها، و ليس المراد به ما يكون هو القوت لغالب النّاس، و ذلك لعدم انطباقه بالمعنى المذكور على الزبيب و اللبن مثلا، مع تطبيقه عليه السّلام له على ذلك، كما في صحيح زرارة و ابن مسكان المتقدّم.

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 406، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 269

و الأحوط الاقتصار على الأربعة الأولى (784)، و إن كان الأقوى ما ذكرناه. بل يكفي الدقيق، و الخبز، و الماش، و العدس. و الأفضل إخراج التمر (785)،

______________________________

(784) منشأ الاحتياط المذكور عند المصنف قدّس سرّه، إنما هو وجود القائل بذلك، كما عرفت.

(785) كما نسب ذلك إلى الأكثر «1»، و تدل عليه النصوص المستفيضة؛ كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث في صدقة الفطرة- قال: و قال: «التمر أحبّ ذلك إليّ، يعني: الحنطة، و الشعير، و الزبيب «2»»، و خبر منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن صدقة الفطرة؟ قال: «صاع من تمر- إلى أن قال:- و التمر أحبّ إليّ «3»»، و خبر اسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن صدقة الفطرة؟ قال: «التمر أفضل «4»»، و خبر عبد اللّه بن سنان، عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- إنه سأله عن صدقة الفطرة؟ فقال: «التمر أحبّ إليّ، فإنّ لك بكل تمر نخلة فى الجنة «5»»، و خبر زيد الشحام، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 520، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الفطرة، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 270

ثم الزبيب، (786).

______________________________

«لأن أعطي صاعا من تمر أحبّ إليّ من أن أعطي صاعا من ذهب فى الفطرة «1»»، و صحيح هشام بن الحكم، عن الصادق عليه السّلام، أنه قال: «التمر فى الفطرة أفضل من غيره، لأنه أسرع منفعة، و ذلك إنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه ... «2»»، و مرسل الصدوق قدّس سرّه، قال: قال الصادق عليه السّلام: «لأن أعطي فى الفطرة صاعا من تمر أحبّ إليّ من أن أعطي صاعا من تبر [برّ] «3»»، و مرسل المفيد رحمه اللّه فى «المقنعة»، قال: سئل الصادق عليه السّلام عن الأنواع، أيّها أحبّ إليه فى الفطرة؟ فقال: «أمّا أنا فلا أعدل عن التمر للسنة شيئا «4»»، و خبر اسحاق بن المبارك، عن أبي ابراهيم عليه السّلام- في حديث فى الفطرة- قال: «صدقة التمر احبّ إليّ، لأن أبي كان يتصدق بالتمر ... «5»».

(786) كما عن جماعة «6» و الوجه فيه: هو عموم التعليل الوارد في صحيح هشام

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الفطرة، ح 6.

(2)- المصدر، ح 8.

(3)- المصدر، ح 7.

(4)- المصدر، ح 9.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- نسب ذلك إلى الشيخ،

و القاضي ابن البرّاج رحمهم اللّه فى «الكامل» (البحراني، الشيخ يوسف:

الحدائق الناضرة، ج 12: ص 286، ط النجف الأشرف).

و اختاره المحقق رحمه اللّه فى «الشرائع» (ج 1، ص 174، ط عبد الحسين محمد علي البقّال) و غيرهم (- مستند الشيعة، ج 9: صص 409- 410، ط مؤسسة آل البيت رحمه اللّه).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 271

ثم القوت الغالب (787). هذا إذا لم يكن هناك مرجح، من كون غيرها أصلح بحال الفقير و أنفع له (788)،

______________________________

المتقدّم، و مقتضاه و إن هو كان مساواته مع التمر فى الفضل، إلا ان اختصاص التمر بجملة من النصوص، كما مرّ ذكرها، الظاهرة في إثبات خصوصية و مزية للتمر حتى بالإضافة إلى الزبيب أوجب تقدمه على الزبيب فى الفضل، كما لا يخفى.

(787) هذا مبني على اعتبار الأصناف المذكورة موضوعا مستقلا في باب الفطرة، فانه- على هذا- يتّجه القول بافضليّة القوت الغالب- بعد التمر و الزبيب- بالنسبة إلى سائر الأصناف. و أمّا بناء على ما هو المختار- كما تقدم تقريبه- من كون المناط هو القوت الغالب، فلا مجال لهذا الكلام، كما لا يخفى.

(788) لما عرفت من أن الميزان فى الفضل انما هو جهة النفع بحال الفقير، كما هو المستفاد من التعليل المتقدم، فإذا كان غير ما ذكر أصلح بحاله و أنفع له قدّم عليه لا محالة، بمعنى أن الأفضل حينئذ انما هو تقديم الأصلح. و ربما يشير إلى ذلك موثق اسحاق بن عمار الصيرفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك، ما تقول فى الفطرة، يجوز أن أؤدّيها فضة بقيمة هذه الأشياء الّتي سميّتها؟ قال: «نعم، إن ذلك أنفع له، يشترى ما يريد «1»».

______________________________

(1)- الحرّ

العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 272

لكن الأولى و الأحوط حينئذ دفعها بعنوان القيمة (789).

[مسألة 1: يشترط فى الجنس المخرج كونه صحيحا]

[مسألة 1]: يشترط فى الجنس المخرج كونه صحيحا (790)، فلا يجزى المعيب.

______________________________

(789) أي فيما إذا كان غير التمر أو الزبيب و نحو ذلك أنفع، كان الأولى هو دفع الغير بعنوان القيمة للتمر مثلا. و لعلّ الوجه فيه أنّه ممّا يتأدّى به كلا الغرضين، و يدرك به كلتا الفضيلتين، فضيلة إعطاء التمر، و فضيلة دفع الأنفع.

و لكن للتأمل فيه مجال، فان المستفاد من النصوص المتقدمة هو ان الفضيلة انما تكون في اعطاء التمر بعينه، لا فى الأعم منه و من قيمته، و عليه فلا يدرك تلك الفضيلة بإعطاء قيمة التمر، كما لا يخفى. فالاحتياط غير متيسر في مثل المقام.

مضافا إلى ابتنائه على جواز دفع القيمة من غير النقدين، و هما الدرهم و الدينار، و سيأتي تحقيق الكلام، إن شاء اللّه تعالى.

(790) و قد يستدل له بالانصراف. و لكن دعوى الانصراف كما أشرنا إليه في نظائر المقام- ممّا لا أساس لها أصلا، بل الأوجه الاستدلال له بقوله تعالى: وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ... «1».

و الظّاهر أن المراد بالخبيث فى الآية الكريمة هو الخبيث العرفي، الصادق على

______________________________

(1)- البقرة، 2: 267.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 273

و يعتبر خلوصه، فلا يكفى الممتزج بغيره (791)، من جنس آخر، أو تراب، أو نحوه؛ إلّا إذا كان الخالص منه، بمقدار الصاع، أو كان قليلا يتسامح به.

[مسألة 2: الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات]

[مسألة 2]: الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات، من

______________________________

المعيب، دون الخبيث بالمعنى المراد في قوله تعالى: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «1» و هو الذي يحرم اكله، في مقابل الطيّب، كما يشهد بذلك استدلالهم بالآية الكريمة لعدم جواز دفع ذات العوار و الهرمة فى الزكاة، على ما مرّ الكلام فيه فى

البحث عن زكاة الأموال.

(791) فانه مع عدم الخلوص بمقدار يوجب انتفاء صدق الاسم عليه عرفا لا يتحقق الامتثال بدفعه قطعا، فإن المأمور به إنما هو دفع ما يصدق عليه الاسم المذكور عرفا، و إذا لم يكن المزج موجبا للخروج عن صدق الاسم، لم يكن دفع صاع منه موجبا للامتثال، لنقصانه عن المقدار الواجب بالاختلاط بغيره، كما لا يخفى. نعم، إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع الواجب دفعه، على ما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى، أو كان الخلط بمقدار لا يخرجه عن المفهوم العرفي للاسم المذكور، جاز دفعه حينئذ، و حصل الامتثال به أيضا.

______________________________

(1)- الأعراف، 7: 157.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 274

الدراهم و الدنانير (792)،

______________________________

(792) الظاهر عدم الخلاف فيه «1»، بل الإجماع بقسميه عليه «2». و تدل عليه النصوص الكثيرة، كصحيح محمد بن اسماعيل بن بزيع، قال: بعثت إلى أبى الحسن الرضا عليه السّلام بدراهم لي و لغيري، و كتبت إليه أخبره أنّها من فطرة العيال، فكتب بخطه: «قبضت «3»»، و خبر أيّوب بن نوح، قال: كتبت إلى أبى الحسن عليه السّلام: إن قوما يسألوني عن الفطرة، و يسألوني أن يحملوا قيمتها إليك، و قد بعثت إليك هذا الرجل عام أوّل، و سألني أن أسألك، فأنسيت ذلك، و قد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي لك بدرهم، على قيمة تسعة أرطال بلدهم، فرأيك جعلنى اللّه فداك في ذلك؟ فكتب عليه السّلام: «الفطرة قد كثر السؤال عنها، و أنا أكره كلّ ما أدىّ إلى الشهرة، فاقطعوا ذكر ذلك، و اقبض ممن دفع لها، و أمسك عمّن لم يدفع «4»»، و موثق اسحاق بن عمار- في حديث- قال: سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة نجمعها و نعطي قيمتها ورقا، و نعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال:

«لا بأس به «5»»، و صحيح عمر بن يزيد، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: و سألته يعطي الرجل الفطرة دراهم ثمن التمر و الحنطة، يكون أنفع لأهل بيت

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 288، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 518، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 275

أو غيرهما من الأجناس الأخر (793)،

______________________________

المؤمن؟ قال: «لا بأس «1»»، و موثق اسحاق بن عمار المتقدم «2»، و موثقه الاخر قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الفطرة، فقال: «الجيران أحق بها، و لا بأس أن يعطي قيمة ذلك فضة «3»»، و غير ذلك «4».

(793) كما هو المنسوب إلى الشهرة «5» و قد يستدل لذلك بموثق اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بالقيمة فى الفطرة «6»»، بدعوى أنه قد دلّ على جواز اخراج الفطرة بالقيمة من دون تعيين لها فى خصوص النقدين.

و لكن يتوجه عليه: أن الظاهر من القيمة هنا و في باب الضمان أيضا هو النقدان، لا مطلق ما يساوى الشي ء من حيث المالية، فإذا قيل في تلك المسألة بضمان القيمي بالقيمة- مثلا- فالمعنيّ بذلك إنما هو الضمان بقيمة التالف من أحد النقدين، لا ضمانه بما يساويه فى المالية من سائر الأجناس مطلقا، و هذا مما لا ينبغى الإشكال فيه. و عليه فالقيمة فى الرواية تكون ظاهرة

في خصوص النقدين. و ما عن شيخنا العلامة الأنصاري قدّس سرّه «7»، من تفسير الرّواية بأن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 5.

(2)-- صفحة 213.

(3)- المصدر، ح 10.

(4)-- وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة.

(5)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 290، ط النجف الأشرف.

(6)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 9.

(7)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة زكاة الفطرة، ج 10: ص 427، ط لجنة تحقيق تراث

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 276

..........

______________________________

إخراج الشي ء بقيمة الأصول، لا إخراج نفس القيمة، ليختص ذلك بالنقدين، خلاف الظاهر، كما لا يخفى.

و الصحيح هو الاستدلال له بصحيح عمر بن يزيد- فى حديث- قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام نعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟ قال: «لا بأس، يكون أجر طحنه بمقدار ما بين الحنطة و الدقيق «1»»، فان الظاهر من جوابه عليه السّلام أنّ مورد السؤال إنما كان هو إخراج الدقيق بعنوان القيمة لا بعنوان الأصل، كما صرح بجواز إخراجه فى بعض النصوص، و ذلك لأن الجواب إنّما يدل على اشتمال الدقيق على نقص عن المقدار الواجب، و هو الصاع، المنجبر ذلك بأجرة الطحن الموجب ذلك لارتفاع سعر المدفوع بما يساوي قيمة صاع من الحنطة، و لو كان دفع الدقيق بعنوان الأصل لم يكن وجه لدفعه ناقصا عن الصّاع، و مجرّد كون الصاع منه أعلى سعرا من الصاع من الحنطة لم يكن مما يجوّز الإعطاء منه بأقل من الصاع، بالمقدار الّذي تساوى قيمته قيمة الصاع من الحنطة، كما هو ظاهر.

نعم، مورد الرواية هو الدقيق، و من المحتمل أن يكون الحكم مختصا بما إذا

كان المخرج بعنوان القيمة من أحد الأجناس الّذي يجوز إخراجه فطرة بعنوانه أصلا لا قيمة، و حينئذ فلا يمكن التعدّي عن موردها إلى سائر الأجناس، ممّا لم يجز إخراجه بعنوان الأصل- كالقماش- مثلا. و يمكن التخلّص منه، بأحد وجهين:

الأوّل: التعدّي عن مورد الرواية بالاجماع المركب و عدم القول بالفصل، فان من ذهب الى جواز إخراجها بالقيمة لم يفصّل في ذلك بين الدقيق و غيره، كما لا يخفى.

______________________________

الشيخ الأعظم، قم.

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 277

و على هذا، فيجزي المعيب و الممزوج و نحوهما بعنوان القيمة (794)، و كذا كل جنس شك في كفايته، فإنّه يجزي بعنوان القيمة.

______________________________

الثّاني: أن يقال: بأنّ مورد الرواية و إن كان خاصا بما ذكر، إلّا أن التعدي عن ذلك إنما هو لأجل عموم التعليل فى الرواية، فانه عليه السّلام بعد ما نفى البأس عن ذلك، علّله بقوله: «يكون أجرة طحنه ...» فيستفاد من ذلك أن جواز إخراج الدقيق بعنوان القيمة إنما هو من جهة مساواته فى القيمة لصاع من الحنطة، لا لأجل كونه دقيقا، و حينئذ- فبمقتضى عموم التعليل- يتعدّى من موردها إلى كلّ مورد كانت العلة المذكورة ثابتة فيه، و قديما قيل: إنّ العلة قد تعمّم الحكم، كما و قد تخصّصه أحيانا.

و على هذا، فيجوز الاخراج من غير الجنس، و لو لم يكن من الأصناف الّتي يجوز إخراجها بعنوان الفطرة، أي من الأصول، حسب التعبير الفقهي المصطلح.

(794) جواز إخراج صنف من جنس- كالمعيب من الحنطة، أو الممزوج منها مثلا- بعنوان القيمة عن صنف آخر من الجنس المذكور مما لا يتم، إلّا بناء على

استفادة العموم من صحيح عمر بن يزيد المتقدم، نظرا إلى عموم التعليل الوارد فيه، كما تقدّم بيانه، و إلّا فمع الغض عنه، و احتمال اختصاص الحكم بمورد الرواية لا يصحّ التعدّي منه إلى مثل المورد، بضميمة عدم القول بالفصل، و ذلك لعدم احراز القول بعدم الفصل في هذا المقام، بل عن السيد العلامة البروجردي قدّس سرّه في حاشيته على المتن ما نصّه: «الأحوط الاقتصار على الأثمان، و لو بني على

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 278

[مسألة 3: لا يجزي نصف الصاع- مثلا- من الحنطة الأعلى]

[مسألة 3]: لا يجزي نصف الصاع- مثلا- من الحنطة الأعلى، و إن كان يسوى صاعا من الأدون أو الشعير مثلا، إلّا بعنوان القيمة (795).

[مسألة 4: لا يجزي الصاع الملفق من جنسين]

[مسألة 4]: لا يجزي الصاع الملفق من جنسين، بأن يخرج نصف صاع من الحنطة و نصفا من الشعير مثلا، إلّا بعنوان القيمة (796).

______________________________

التعميم، فالأحوط الاقتصار على غير ما هو من الأجناس الأصلية، فإجزاء المعيب، و الممزوج، و الملفّق من جنسين منها بعنوان القيمة في غاية الإشكال».

(795) لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، من أن الواجب هو إخراج الصّاع من الأجناس المذكورة، سواء أ كان ذلك بعناوينها الخاصّة، من الحنطة و الشعير ...، أم كان بعنوان القوت الغالب، و عليه فلا يجزي إخراج الأقل من الصّاع. نعم، بناء على ما عرفت من عموم التعليل في صحيح عمر بن يزيد المتقدم، يجزى إخراج الأقل من صاع، إذا كان بحسب القيمة يسوى بقيمة صاع من جنس آخر، أو الأدون من جنسه، كما تقدّم بيانه.

(796) ما أفاده قدّس سرّه إنما يتم بناء على القول بالموضوعيّة للأجناس المذكورة فى النصوص المتقدم ذكرها، و أنّ وجوب الإخراج منها لا بعنوان كونها من القوت

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 279

[مسألة 5: المدار قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب.]

[مسألة 5]: المدار قيمة وقت الإخراج (797) لا وقت الوجوب.

______________________________

الغالب، فانّه على هذا لا يصح التلفيق، لظهور النصوص في وجوب إخراج صاع من الحنطة أو الشعير أو غيرهما، عن كلّ رأس، فالصّاع الملفّق من الجنسين- على هذا- لا يكون مصداقا للواجب أصلا، و أمّا بناء على ما هو المختار، من إجمال النصوص المذكورة من هذه الجهة، و أنّها غير مسوقة الا لبيان كميّة الواجب و أنها بمقدار «صاع»، و أنّ الضابط فى المخرج منه انما هو ما كان من القوت الغالب، كما نطقت به جملة من النصوص المتقدم ذكرها أيضا، فالظاهر عدم الإشكال حينئذ في جواز التلفيق،

إذ يصدق على الصّاع الملفّق: أنّه صاع من القوت الغالب، كما هو ظاهر.

و منه يعرف الحال فى المسألة العاشرة من الفصل السابق، حيث قال قدّس سرّه: «و لا يعتبر اتفاق جنس المخرج من الشريكين، فلاحدهما إخراج تصف صاع من شعير ...»، حيث لا عبرة في ذلك- جوازا و منعا- بتعدد المخرج- بالكسر- و وحدته، كما أشرنا إليه هناك أيضا.

(797) توضيح الحال فى المسألة بحيث يظهر منه منشأ القولين، مع العلم بعدم ورود النص على شي ء منهما، يقتضي أن يقال: إنه بحسب مقام الثبوت، بعد قيام الدليل على جواز الإخراج بالقيمة يتصور الأمر فيه بأنحاء ثلاث:

الأوّل: أن يكون الوجوب المتعلق بالأجناس المذكورة- مثلا- متعلّقا فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 280

..........

______________________________

الحقيقة بها بما لها المالية، بحيث تكون خصوصيّة العينيّة و التشخصات كلّها ملغاة اعتبارا.

الثاني: أن تكون القيمة عدلا لها في مقام تعلّق الحكم، بحيث يكون الحكم متعلقا بأعيانها و بالقيمة على نحو الوجوب التخييري.

الثالث: أن يكون الوجوب متعلقا بالأعيان المذكورة بما هي هي، إلّا ان للمكلف تبديل ذلك الواجب بالقيمة بترخيص من الشارع، فالقيمة تكون بدلا عن الواجب في مقام الامتثال.

أمّا على الأولين، فالعبرة انما هو بالقيمة حال لأن المناط هو مالية الأعيان المذكورة حال تعلق الوجوب فى الفرض الأوّل، و الّذي هو عدل الواجب التخييري انما هو القيمة في زمان تعلق الوجوب، كما فى الفرض الثاني، و هذا ظاهر. و أمّا على الأخير فالعبرة انما تكون بالقيمة وقت الإخراج، لأنه متى ما أراد الإخراج كان التبديل بالقيمة في ذلك الوقت مرخّصا فيه، فلا بد و أن يكون المخرج- بالفتح- قيمة له فى الوقت المذكور، و هذا لا يتم إلّا إذا

كانت العبرة بالقيمة وقت الإخراج، و هو واضح جدّا، هذا بحسب الثبوت.

و أما الإثبات، فالظاهر من الأدلة إنما هو الثالث، بمعنى أن المستفاد منها إنما هو جواز إعطاء القيمة حال الإخراج، و هذا هو نتيجة الوجه الثالث، و ذلك لما جاء في صحيح عمر بن يزيد المتقدم: «نعطي الفطرة دقيقا مكان الحنطة ...» فان الظاهر منه أن بدليّة الدقيق بعنوان القيمة انما هو حال الإعطاء، فاستفادة ذلك انما هي من كلمة «نعطي» و إلّا فمجرد قوله: «مكان الحنطة ...» يناسب كونهما فى عرض واحد، اي الوجوب التخييري، كما هو الفرض الثاني.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 281

و المعتبر قيمة بلد الإخراج (798)، لا وطنه، و لا بلد آخر، فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده و أراد الإخراج منه، كان المناط قيمة ذلك البلد، لا قيمة بلده الّذي هو فيه.

[مسألة 6: لا يشترط اتحاد الجنس الّذي يخرج عن نفسه مع الّذي يخرج عن عياله]

[مسألة 6]: لا يشترط اتحاد الجنس الّذي يخرج عن نفسه مع الّذي يخرج عن عياله، و لا اتّحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض (799)، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة و عن عياله

______________________________

(798) و الوجه فيه ظاهر، فانه- كما يستفاد من الصحيح المتقدم- لا بدّ و أن يكون المعطى- حال الإعطاء- قيمة للجنس الأصلي، فإذا كانت القيمة في بلد الإخراج- مثلا- عشرة دراهم، و في وطنه- مثلا- خمسة، لا تكون الخمسة حينئذ في حال الإخراج قيمة له. و بعبارة اخرى: ظاهر النصّ هو اعتبار القيمة حال الإخراج زمانا و مكانا، فكما أنّه إذا كانت القيمة سابقا خمسة دراهم و في زمان الإخراج عشرة، لم تعدّ الخمسة قيمة للعين، كذلك الحال بالنسبة إلى المكان.

مضافا إلى ذلك بدل عليه مضمرة سليمان

بن جعفر المروزي، قال: سمعته يقول: «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك السّاعة قبل الصلاة. و الصدقة بصاع من تمر، أو قيمته في تلك البلاد دراهم «1»».

(799) و الوجه في ذلك ظاهر، فان ثبوت الوجوب بالنسبة إلى المخرج- بالكسر-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 282

الشعير، أو بالاختلاف بينهم، أو يدفع من نفسه- أو عن بعضهم- من أحد الأجناس، و عن آخر منهم القيمة، أو العكس.

[مسألة 7: الواجب فى القدر الصاع عن كل رأس]

[مسألة 7]: الواجب فى القدر الصاع عن كل رأس (800)، من جميع الأجناس.

______________________________

و عمّن يعوله، إنّما هو بنحو العام الاستغراقي، لا المجموعي، فهو- فى الحقيقة- أحكام و موضوعات متعدّدة.

(800) كما ذهب إليه جماعة كثيرة «1»، بل عن كثير «2» منهم دعوى الإجماع عليه، و

______________________________

(1)- قال العلامة رحمه اللّه فى «المختلف»: «قال المفيد: الواجب صاع صاع عن كلّ رأس، من جميع الأجناس، و لم يفصّل. و كذا قال ابن الجنيد، و السيد المرتضى فى «الجمل» و «الانتصار» و «المسائل المصريّة»، و سلّار، و ابن البرّاج، و أبو الصّلاح، و ابن زهرة، و هو قول الشيخ في «الخلاف» ...» (مختلف الشيعة: ج 3، ص 287، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم).

و لاحظ «المقنعة» (ص 250، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم)؛ «جمل العلم و العمل» (المجموعة الثالثة من رسائل الشريف المرتضى، ص 80، ط قم)؛ «الانتصار» (ص 88، ط النجف الأشرف)؛ «المراسم» (ص 135، تحقيق محمود البستاني)؛ «المهذّب» (ج 1:

ص 176، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم)؛ «الغينة» (ضمن: الجوامع الفقهية، ص 506، ط إيران الحجرية)؛ «الخلاف» (ج 2: ص 148، ط مؤسسة النشر

الاسلامي، قم).

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 339، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 218، ط مجمع الذخائر الاسلامية، قم؛ الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 216، مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 416، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 522، النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 283

..........

______________________________

فى «المستند «1»» إن الأخبار الدالة على ذلك تبلغ سبعة عشر رواية، سبعة منها صحاح، و هي رواية الجمال، و الحذّاء، و القدّاح، و سعد بن سعد الأشعري، و الحلبي، و معاوية بن وهب، و محمّد بن عيسى؛ و عشرة غير صحاح، و هي رواية الهمداني، و المروزي، و الشّحام، و سلمة، و ابن المغيرة، و جعفر بن معروف، و ياسر، و ابراهيم ابن أبي يحيى، و ابن سنان، و منصور «2».

و لكن ورد في جملة من الروايات الاجتزاء بنصف صاع من حنطة أو شعير.

و في بعضها اضافة العدس، و السلت، و الذّرة؛ و كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك ...- إلى أن قال:- عن كل انسان نصف صاع من حنطة أو شعير، أو صاع من تمر أو زبيب، لفقراء المسلمين «3»».

و صحيحه الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صدقة الفطرة؟ فقال:

«على كل من يعول ... صاع من تمر، أو نصف صاع من برّ. و الصاع أربعة أمداد «4»»، و نحوه صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السّلام، و زاد عليه:

«أو صاع من شعير «5»»، و صحيح محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «الصدقة لمن لا يجد الحنطة و الشعير، يجزى عنه القمح، و العدس، و السلت، و الذرّة، نصف صاع من ذلك كلّه، أو صاع من تمر أو زبيب «6»»، و صحيح الفضلاء، عن

______________________________

(1)- ج 9: صص 416- 417.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة.

(3)- المصدر، ح 11.

(4)- المصدر، ح 12.

(5)- المصدر، ملحق ح 12.

(6)- المصدر، ح 14.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 284

..........

______________________________

أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام- فى حديث- قالا: «فان أعطي تمرا فصاع لكل رأس، و إن لم يعط تمرا فنصف صاع لكلّ رأس، من حنطة أو شعير، و الحنطة و الشعير سواء، ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزى عنه «1»»، و نحوهما، أو قريب منها غيرها «2».

و الإنصاف القطع- و لا اقل من الاطمينان- بصدور كلتا الطائفتين، و حينئذ فلا مجال للرجوع فيهما إلى الأخبار العلاجيّة، لاختصاصها- كما بيّناه في محلّه في بحث الأصول- بالتعارض فى السند، فلا يرجع إليها في مورد القطع به. كما أنّه لا مجال للترجيح من حيث الجهة، بحمل الطائفة الثانية على الإخراج بعنوان القيمة، و ذلك لوجهين:

أما أوّلا: فلان مذهب العامة- عدا الحنفيّة «3» إنّما هو على وجوب الصاع من الأجناس المذكورة، و قد استدلّوا له بما أخرجه عبد الرزاق، بسند صحيح، عن عبد بن ثعلبة، قال: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، فقال:

«أدّوا صاعا من برّ أو قمح، أو صاعا من تمر أو شعير، عن كل حرّ أو عبد،

أو صغير أو كبير «4»».

و ثانيا: إن الشّاهد على الحمل المذكور- عند من ارتضاه- انما هو جملة من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 14.

(2)- المصدر/ باب 6: زكاة الفطرة.

(3)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 652؛ المقدسي، عبد الرحمن: الشرح الكبير، ج 2: ص 659.

قال العلّامة رحمه اللّه فى «التذكرة»: «و قدر الفطرة عن كل رأس صاع من أحد الأجناس، و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد، و اسحاق، و ابو سعيد الخدري، و الحسن و ابو العالية ...» (ج 5: ص 387، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

(4)- الجزيري، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: صص 627- 630، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 285

..........

______________________________

النصوص «1» الدالة على ان السنّة إنما كانت على إخراج الصاع من جميع الأجناس، فحوّله عثمان في خصوص الحنطة إلى النصف، و في بعضها: أن معاوية أيضا كان قد أحيى سنة عثمان من جديد، و هذا انما يتم لو كانت النصوص الدالّة على الاجتزاء بنصف الصاع خاصّة بالحنطة، مع أن الأمر ليس كذلك، كما أشرنا إلى جملة منها، فليلاحظ.

و الحاصل، إن كلتا الطائفتين- كما ذكرنا- مقطوع الصدور، و ترجيح ما دلّ على الصاع من حيث الجهة بحمل الطائفة المنافية له على التقية إنما يتم لو لا الأمرين المتقدمين، كما لا يخفى. فإذا لم يكن مجال للرجوع إلى الأخبار العلاجيّة، و لا للترجيح بينهما من حيث الجهة، و المفروض هو عدم امكان الجمع الدلالي العرفي بين الطائفتين لما ذكرناه فى بحث التعادل و الترجيح من الأصول: من ان الجمع الدلالي

العرفي إنما يكون فيما لا يرى العرف تنافيا بينهما فيما لو ألقيا إليه، و أما إذا فهم العرف التنافي بينهما، كما في مثل «يعيد» و «لا يعيد» فلا مجال هناك للجمع الدلالي، و لو كان أحدهما نصّا في مدلوله و الآخر ظاهرا، و المقام من هذا القبيل، فلا محالة يلزمنا رفع اليد عن العمل بكلتا الطائفتين، و هو نتيجة التساقط،

______________________________

(1)- كصحيح معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول فى الفطرة: «جرت السنة بصاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، فلما كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قوّمه الناس، فقال: نصف صاع من برّ بصاع من شعير»، و صحيح عبد الرحمن الحذّاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه ذكر صدقة الفطرة، إنها على كلّ صغير و كبير، من حرّ أو عبد، ذكر أو أنثى، صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من ذرة. قال: فلما كان زمن معاوية و خصب الناس عدل الناس عن ذلك إلى نصف صاع من حنطة»، و خبر ياسر القميّ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال: «الفطرة صاع من حنطة، و صاع من شعير، و صاع من تمر، و صاع من زبيب، و انما خفّف الحنطة معاوية» (- وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 286

حتى اللّبن، على الأصحّ، و إن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال (801).

______________________________

و يكون المرجع حينئذ إنما هو العام الفوق، السليم عن المعارض، و هو ما دلّ على أن الفطرة صاع بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله، كصحيح محمد

بن عيسى قال: كتب إليه ابراهيم بن عقبة يسأله عن الفطرة، كم هي برطل بغداد عن كل رأس، و هل يجوز إعطائها غير مؤمن؟ فكتب إليه: «عليك أن تخرج عن نفسك صاعا بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله، و عن عيالك أيضا ... «1»».

و المتحصل من ذلك كله: أن الظاهر إنما هو وجوب الإخراج عن كل رأس بمقدار صاع، من الأجناس المذكورة أو غيرها من الأجناس، بشرط أن يكون قوتا غالبا، كما تقدم.

(801) حكى الاجتزاء فى اللّبن بأربعة أرطال عن جماعة، كما عن «المبسوط «2»»، و «المصباح «3»»، و «الاقتصاد «4»»، و «النهاية «5»»، و «التهذيب «6»»، و «الاستبصار «7»»، و «السرائر «8»»، و «الشرائع «9»»، و غيرها «10». و قد استدل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 6.

(2)- ج 1: ص 241، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(3)- ص 665، ط مؤسسة فقه الشيعة، بيروت.

(4)- الاقتصاد، ص 284، ط مكتبة جامع چهلستون، طهران.

(5)- ص 189 (؟).

(6)- ج 4: ص 84، ط النجف الأشرف.

(7)- ج 2: ص 49، ط النجف الأشرف.

(8)- ج 1: ص 469، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(9)- ج 1: ص 174، تحقيق عبد الحسين محمد علي.

(10)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 418، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 287

و الصاع أربعة أمداد، و هى تسعة أرطال بالعراقي، فهو ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال بالمثقال الصيرفي، فيكون بحسب حقّة النجف، الّتي هى تسعمائة مثقال، و ثلاثة و ثلاثون مثقال و ثلث مثقال، نصف حقّه و نصف وقيّة، و أحد و ثلاثون مثقالا،

إلا مقدار حمّصتين و بحسب حقّة الإسلامبول- و هي مائتان و ثمانون مثقالا- حقّتان و ثلاثة أرباع الوقيّة، و مثقال و ثلاثة أرباع المثقال. و بحسب المنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا- نصف منّ، إلا خمسة و عشرون مثقالا، و ثلاثة أرباع المثقال.

______________________________

له بمرفوعة ابن هاشم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سئل عن الرجل فى البادية لا يمكنه الفطرة؟ قال: «يتصدق بأربعة أرطال من لبن «11»»، و نحوه مرسلة القاسم بن الحسن، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «12».

و لكن الاستدلال بها- مضافا إلى ما فى السند من الضعف، و عدم الجبر يعمل المشهور صغرى و كبرى- غير صحيح، و ذلك لاختصاص الرواية بمورد

______________________________

(11)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 3.

(12)- المصدر، ملحق الحديث 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 288

[فصل في وقت وجوبها]

اشارة

[فصل] في وقت وجوبها و هو دخول ليلة العيد (802)، جامعا للشرائط.

______________________________

عدم التمكن من الفطرة، فالأمر بدفع أربعة ارطال من اللبن فى الفرض المذكور ليس بعنوان الفطرة ليتنافى مع النصوص المتقدمة، و إنما هو أمر استحبابي بدفع المقدار الممكن. و يشهد بذلك فرض السّائل عدم التمكن من الفطرة في مورد الرواية، مضافا إلى أن الإمام عليه السّلام- على تقدير صحة الخبر- إنما أمر بالتصدق بأربعة ارطال من اللبن، و انفراد الخبر بأخذ عنوان «التصدق» من بين نصوص الباب ممّا يشهد بعدم كون الدفع بعنوان الفطرة، بل هو بعنوان التصدق الاستحبابي، فانه لم يعهد اطلاق التصدق على إعطاء الفطرة، و إن كان قد ورد اطلاق «الصدقة» على الفطرة. و عليه فالصحيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه، وفاقا لجماعة

من الأعلام رحمهم اللّه.

(802) كما هو المشهور بين المتأخرين «1»، و بعض القدماء، كالشيخ قدّس سرّه فى «الجمل «2»» و «الاقتصاد «3»»، و ابن حمزة «4» و الحلّي «5» قدّس سرّهم. و المحكي عن كثير

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 297، ط النجف الأشرف.

النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 527، ط النجف الأشرف.

(2)- الجمل و العقود، ص 108، ط جامعة مشهد المقدسة.

(3)- الاقتصاد، ص 284، ط مكتبة جامع چهلستون، طهران.

(4)- الوسيلة، ص 131، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم.

(5)- السرائر، ج 1: ص 469، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 289

..........

______________________________

من القدماء، منهم الإسكافي «6»، و المفيد «7»، و السيد المرتضى «8»، و الشيخ فى «المبسوط «9»»، و «الخلاف «10»»، و «النهاية «11»»، و القاضي «12»، و الحلبي «13»، و سلّار «14»: ان وقته طلوع الفجر من يوم العيد، و ظاهر ابن زهرة «15»- كما قيل «16»- الإجماع عليه، و اختاره شيخنا الأنصاري قدّس سرّه فى رسالته «17».

و قد يقال: إن الثمرة بين القولين إنما تظهر فيما إذا مات الشخص بعد الغروب و قبل طلوع الفجر، فانه بناء على القول الأول يجب اخراج الفطرة من تركته، لتحقق الشرائط كلّها، و بناء على الثاني لا يجب ذلك، لتوقف فعلية الوجوب حينئذ على شرط غير حاصل، و هو إدراك طلوع الفجر، و لكن هذا الكلام قابل لأن يناقش فيه، بناء على أن يكون وقت الإخراج بعد طلوع الفجر، لا من حين

______________________________

(6)- الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 611، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلامة، الحسن

بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 295، مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(7)- المقنعة، ص 249، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(8)- جمل العلم و العمل، ص 264، ط جامعة مشهد (مع شرح الجمل).

(9)- ج 1: ص 242، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(10)- ج 2، ص 155، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(11)- ص 191.

(12)- شرح جمل العلم و العمل، ص 267، ط جامعة مشهد.

(13)- الكافي، ص 169، ط مكتبة أمير المؤمنين عليه السّلام العامة، أصفهان.

(14)- المراسم، ص 134، تحقيق محمود البستاني.

(15)- الغنية، ص 569، (ضمن" الجوامع الفقهية")، ط ايران الحجرية.

(16)- الشيخ الانصاري رحمه اللّه.

(17)- كتاب الزكاة، ج 10 (من مجموعة آثار الشيخ الأعظم رحمه اللّه)، ص 428، نشر لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 290

..........

______________________________

الغروب، فانه حينئذ- على القول الأول- يكون المواجب من قبيل الواجب المعلق، و لا شك في أن فعلية الوجوب في الزمان السابق مشروطة بالقدرة على الواجب في ظرفه، و هي مفقودة في محل الكلام، كما لا يخفى.

و استدل للأوّل بصحيحي معاوية بن عمّار: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر». و سألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا «1»»، و عنه عليه السّلام فى المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر، قال: «ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من إدراك الشهر «2»».

و نوقش «3» فى الاستدلال بالأوّل منهما: بأنه ليس فيه الّا نفي الفطرة عمّن لم يجمع الشرائط عند الهلال، و لا تعرّض فيه لاثبات الوجوب، فضلا عن وقته. و الحاصل، ان الرواية غير متضمنة

إلا للعقد السلبي، و هو نفي الفطرة عمّن لم يجمع الشرائط عند الهلال، و لا نظر لها إلى العقد الايجابي أصلا، فضلا عن كونها ناظرة إلى بيان وقت الوجوب و مبدأه.

و فى الاستدلال بالثاني منهما: بأن الاستثناء و إن كان متضمنا لثبوت الوجوب على من أدرك الشهر، إلّا أنه لا إطلاق فيه يقتضي ثبوت الوجوب في ذلك الزمان أو فيما بعده، لعدم وروده لبيان هذه الجهة، فلا ينافي ما دل على حدوث الوجوب عند طلوع الفجر على من أدرك. و كلتا المناقشتين لا محصّل لهما.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 426، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 291

..........

______________________________

أمّا المناقشة في أولى الصحيحتين، فيمكن دفعها بأن يقال: إن الرواية حيث كانت متضمنة لبيان ما هو العلّة و المناط في نفي الفطرة عمّن لم يجمع الشرائط عند الهلال، و هو قوله عليه السّلام: «قد خرج الشهر»، فلا محالة تكون دالّة- بالدلالة العرفية الواضحة- على ثبوت الفطرة على من لم تجري العلّة المذكورة في حقّه، و مقتضى ذلك هو ثبوت الفطرة على من كان جامعا للشرائط قبل خروج الشهر و لو آنا مّا.

و بكلمة أخرى: ظاهر الرواية أن العلّة في عدم وجوبها في موردها انما هي خروج الشهر، فإذا كان جامعا للشرائط و لم يخرج الشهر فقد ثبتت الفطرة عليه، عملا بمقتضى التعليل، و عليه فتكون الرواية دالّة على العقد الايجابيّ أيضا، كما أنّها تكون دالّة بالدلالة العرفية على أن مبدأه إنّما هو الغروب لا طلوع الفجر، لتعليله عليه السّلام لعدم الفطرة في

مورد الرواية، بخروج الشهر، و مقتضى ذلك ثبوتها عند انتفاء العلة، و هو الخروج، بأن كان اجتماع الشرائط قبل الخروج، كما هو واضح.

و أمّا المناقشة فى ثانيتهما فيمكن دفعها، بأن يقال: إن ظاهر الرواية إنما هو تعليق الوجوب الفعلي للفطرة على إدراك الشهر، بمعنى أنه متى ما تحقق ذلك كان وجوب الفطرة فعليا، و هذا يقتضي كون مبدأ الوجوب هو الغروب، و إلّا لتوقفت فعليّته على إدراك طلوع الفجر أيضا، و هو خلاف الظاهر من الرّواية.

و الحاصل، أنّه قد يقرّب دلالة الرواية على ذلك من باب مفهوم الحصر المستفاد من الاستثناء، بتقريب أن مفاد الرواية إنما هو قصر نفي الفطرة على غير المدرك للشهر مطلقا، سواء كان هناك إدراك طلوع الفجر أم لم يكن، و مقتضاه اثبات الفطرة لمدرك الشهر، مطلقا، سواء أدرك طلوع الفجر أم لم يدرك.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 292

..........

______________________________

و قد يستشكل هذا التقريب بأن المقام نظير قولهم عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور»، حيث لا يلتزم في مثله بالمفهوم، و إلّا لكان مقتضاه أنّه مع الطهور، مطلقا، حتى و لو كان ذلك مجرّدا عن سائر ما يعتبر فى الصلاة- جزءا أو شرطا- تتحقق الصلاة، مع أنه باطل قطعا، خصوصا على القول بالصحيح. و فى المقام أيضا حيث يعلم بأن وجوب الفطرة مشروط بجملة من الأمور غير ادراك الشهر، فلا يستفاد من الرواية حينئذ مفهوم، ليكون مقتضاه كون مبدأ الوجوب هو الغروب.

و الجواب عن الإشكال: أن الاستثناء- في نفسه- ممّا يدل على الحصر، و اثبات الحكم المنفي عن المستثنى منه للمستثنى بقول مطلق، كما حقق ذلك في بحث أصول الفقه. فإذا دلّ على عدم وجوب اكرام الفسّاق

إلّا العلماء منهم، كان مفاد الاستثناء هو ثبوت الحكم للعلماء مطلقا، لأن ثبوته لغيرهم، أو لحصّة خاصّة من العلماء ينافي حصر الحكم المذكور بالعلماء بنحو مطلق.

هذا ما يقتضيه الاستثناء في نفسه. إلّا أنّه قد تقوم- في بعض الموارد- قرائن خاصّة على إرادة الحصر بالنحو المذكور، كما في قولهم عليهم السّلام: «لا صلاة إلا بطهور»، فانه بمقتضى العلم القطعي بأن صدق الصلاة منوط بجملة من الأجزاء و الشرائط، و إنها لا تصدق إلا بعد تحقق كل ذلك أو المعظم منه- على الخلاف بين القولين، الصحيح و الأعمّ- لا محالة لا يدلّ الاستثناء حينئذ على الثبوت للمستثنى بقول مطلق، و إلّا لكان مقتضاه هو صدق الصلاة بتحقق الطهور، حصل معه شي ء اخر- من الأجزاء و الشرائط- أم لم يحصل، و هو خلاف المقطوع به، و إنّما يدل على شرطيّة الطهور للصّلاة، من دون دلالة على أن الصّلاة صادقة بتحقق الطهور مطلقا، و لكن ليس معنى هذا هو نفي دلالة الاستثناء على

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 293

..........

______________________________

الحصر، لينتفي بذلك- تبعا- دلالته على المفهوم، بل معنى ذلك تضييق دائرة الحصر، و ذلك بجعل المستثنى هي الصّلاة مع الأجزاء و الشرائط عدا الطهور، فيكون مفاد الكلام أن صدق الصلاة مع فرض تلك الأجزاء و الشرائط لا يكون إلا بالطهور، فانحصار صدق الصلاة بتحقق الطهور فما لم يرفع اليد عنه، و انما ضيّق دائرة المستثنى منه بفرض اجتماع الاجزاء و سائر الشرائط، و ان صدق الصّلاة على مجموع هذه الأجزاء و الشرائط لا يكون إلا بانضمام الطهور إليها.

و محلّ الكلام من هذا القبيل، فانه ليس المراد فيه ثبوت وجوب الفطرة بإدراك الشهر فقط، علما بان

ذلك منوط بعدة شرائط أخر، بل المراد أن الحكم بوجوب الفطرة مع اجتماع سائر الشرائط انما يكون بإدراك الشهر، و معنى ذلك انما هو تعليق الحكم الفعليّ على إدراك الشهر، فان تعليق الحكم مع اجتماع سائر الشرائط على الإدراك، يعنى به تعليق فعلية الحكم، و إذا كان الأمر كذلك، دلّ ذلك على تعيين مبدأ الوجوب و أنّه من حين رؤية الهلال، إذ لو لا كونه هو مبدأ الوجوب لما كانت فعليّة الوجوب معلّقة على الإدراك، مع أنا قد فرضنا ذلك.

و بهذا البيان يظهر: أن ما أفيد فى المناقشة، بأنه لا اطلاق للرواية يقتضي تعيين مبدأ الوجوب، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، لا أساس له، فانّه إذا يتم إذا كان مفاد الرواية هو شرطيّة الإدراك للوجوب فانّه لا ينافي شرطية شي ء آخر كطلوع الفجر مثلا، فلا يدل على توقيت الوجوب بالادراك.

و أمّا إذا كان مفادها هو تعليق فعلية الوجوب على الإدراك لم يكن لهذا الكلام مجال فتدبر جيّدا.

و عليه فالمستفاد من الروايتين انما هو فعلية الوجوب بادراك الشهر، و بضميمة التسالم على عدم اعتبار الإدراك الا قبيل غروب ليلة الفطر، لا محالة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 294

..........

______________________________

تدل الروايتان على ان وقت الوجوب هو الزمان المتصل بالغروب لا مطلق زمان الادراك و لو كان ذلك من اوّل الشهر.

و استدل للثانى بصحيح العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة متى هي؟ فقال: «قبل الصلاة يوم الفطر. قلت: فإن بقي منه شي ء بعد الصلاة؟ قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه، ثم يبقى فنقسمه».

و لكن الاستدلال به غير ممكن. أمّا أوّلا فلظهور الرواية- سؤالا- في

تعيين وقت الإخراج، لا وقت الوجوب، و لا مانع من الالتزام باختلاف الوقتين و ثانيا ان ذلك موقوف على أن يكون تقديم الفطرة على الصّلاة واجبا، فحينئذ تدل الرواية على وجوب الفطرة قبل الصلاة فى يوم الفطر، بمعنى أن الوجوب يكون يوم الفطر، لا من غروب ليلة الفطر، و أنّه يكون قبل الصلاة، و اما إذا بنينا على استحباب ذلك، كما يدل عليه ذيل الصحيحة، فلا مناص إذن من الالتزام بالاستحباب بالنسبة إلى القيد الآخر، و هو «يوم الفطر».

و الحاصل، أن الرواية قد تضمنت بيان حكم واحد مقيدا بقيدين، أحدهما «قبل الصلاة»، و الآخر «يوم الفطر»، فإذا قامت القرينة الخارجية- و هي ذيل الرواية- على أن الحكم المقيّد بالقيد الأول إنما هو الاستحباب، فلا مناص عن ذلك بالنسبة الى القيد الثانى أيضا، بمعنى أن المقيّد بالثاني أيضا يكون هو الحكم الاستحبابي، دون الوجوب.

و اجاب عن هذا فى «المستمسك»، بما حاصله: أنه لا مانع من التفكيك بين القيدين، بالالتزام بالوجوب بالنسبة إلى أحدهما، عملا بالظهور الأوّلي للكلام، و الالتزام بالاستحباب بالنسبة إلى الاخر لقرينة خارجية.

و هي ذيل الرواية في مقامنا هذا و الوجه في كونها قرينة خارجيّة إنما هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 295

..........

______________________________

ذكرها فى الجواب عن السؤال الثاني، بعد انعقاد الظهور الكلامي للجواب الأوّل.

و نتيجة ذلك، كون تقديم الفطرة على الصّلاة مستحبا، و لكنها- أي الفطرة- في يوم الفطر، لا غروب ليلته، مطلقا، سواء أ كان ذلك قبل الصلاة أم بعدها، واجبة.

و ما ذكره عجيب جدّا، فإنه إنما يتم فى القيدين المتخالفين المتباينين، دون القيدين اللّذين تكون النسبة بينهما هي العموم المطلق، كما فى المقام، و إلّا حمل المطلق

منهما على المقيّد. و الوجه في ذلك أن أساس حمل المطلق على المقيد مبنيّ على أنه إذا فرض الجمع بين الإطلاق و التقييد في كلام واحد، لم يستوجب ذلك تحيّر المخاطب، و ذلك لحمله المطلق على المقيد، فيقول: إن المراد الجدّي هو ثبوت الحكم المترتب على المطلق للمقيّد، و لا وجه له سوي، أن الحكم الواحد لا يمكن ترتبه على المطلق واقعا و في نفس الوقت يكون متراتبا على خصوص المقيد- أيضا- واقعا، فيكون حال قوله: «اعتق رقبة»، و قوله بدليل منفصل: «اعتق رقبة مؤمنة»، إنما هو حال قوله: «اعتق رقبة مؤمنة» ابتداء، بمعنى: أنه لا يبقى للرقبة بعد ذلك اطلاق من حيث الإيمان و عدمه. و الحاصل، أن أساس حمل المطلق المنفصل على المقيد مبنيّ على أن العرف يلتزم بذلك فيما لو فرض الاتصال بين المطلق و المقيد، بأن كانا معا في كلام واحد، و لا وجه لالتزامهم بذلك سوى أن الحكم الواحد لا يمكن أن يثبت للمطلق و للمقيّد معا، و حينئذ فلا مناص من رفع اليد عن إطلاق المطلق. و مقامنا من هذا القبيل، فان الحكم فى الرواية حكم واحد، و هو مقيد بقيدين، فإذا قامت القرينة على أن الحكم المقيد بأحدهما هو الاستحباب، لم يبق له بعد ذلك ظهور اوّلي في كونه هو الوجوب بالنسبة إلى القيد الثاني، لما عرفت من وحدة الحكم. و عليه فلا ظهور للرواية فى الوجوب بالنسبة إلى القيد الاخر أصلا، بعد قيام الدليل على أن المقيّد بالاول هو الاستحباب، كما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 296

..........

______________________________

هو ظاهر.

و ثالثا: إن الرواية أجنبيّة عن الدعوى، فان الدعوى هى كون مبدأ الوجوب إنّما هو

طلوع الفجر، مع أن الرواية لا تدل إلّا على أن مبدأه قبل الصّلاة عرفا، و القبليّة للشي ء- بمعناها العرفي- لا تشمل طلوع الفجر، و إنّما يراد بها مقدار ما من الزمان المتقدم على الصّلاة، و هو زمان التهيؤ للصلاة.

و الحاصل، أن الاستدلال بها موقوف على ان يكون المراد ب «قبل» هو معناه اللغوي، مع أنّه خلاف الظاهر، بل الظاهر أن المراد به هو معناه العرفي، و هو لا يشمل طلوع الفجر، كما لا يخفى.

و قد أجيب عن الإشكال المذكور بوجهين:

أحدهما: ما افاده فى «المستند «1»»، من تتميم الاستدلال بها بالاجماع المركب، بتقريب أنّها و إن دلّت على أن زمان الوجوب انما هو قبل الصّلاة عرفا، إلا انه بمقتضى عدم القول بالفرق بينه و بين طلوع الفجر الّذي هو قبل الصلاة أيضا، لكن بمعناه اللغوي لا العرفي، يلتزم لا محالة بأن مبدأ الوجوب إنما هو طلوع الفجر. و يمكن المناقشة في ذلك، بأن الإجماع المركب في مثل المقام بنفسه مصادم لما هو ظاهر الرّواية، نظرا الى أن مفادها كون مبدأ الوجوب قبل الصلاة بما لكلمة «قبل» من المعنى العرفي، و الإجماع على خلافه، فانهم بين قائل بأنّ مبدأه غروب ليلة الفطر، و قائل بأنه مبدأه طلوع الفجر فالاجماع مصادم للظهور، لا أنّه متمم للاستدلال. نعم، إذا دلّت الرواية على حكم موضوع خاصّ مثلا، و كان الاجماع المركب قائما على عدم الاختصاص به، فإنه بضميمة الإجماع المذكور يتعدى عن مورد الرواية لا محالة.

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 421، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 297

..........

______________________________

و الحاصل، أنّ الفرق بين المقامين ظاهر، فإن الاجماع

المركب في محل الكلام مناف لظاهر الرواية ابتداء، بمعنى أنّها تدل على شي ء، و الاجماع على خلافه، و في مثله لا مجال لجعل الإجماع دليلا على التعدي، و هذا بخلاف ما إذا كانت الرواية غير دالّة إلّا على حكم موضوع خاصّ، و قام الاجماع المركب على عدم الاختصاص به، حيث إنه لا مصادمة- حينئذ- بين الاجماع و الرواية أصلا، فانها- على الفرض- ساكتة عن بيان حكم غير ذلك الموضوع، لا أنّها مبيّنة لعدم الثبوت في غير ذلك الموضوع، ليتنافى و الإجماع المركب، كما لا يخفى.

و الآخر: ما فى «المستمسك»، من أنّ ذكر القيد الثاني، و هو قوله عليه السّلام: «يوم الفطر» ممّا يدل على ان المراد بقبل الصّلاة، هو الأعم من القبليّة العرفيّة، بأن يراد به ما يقابل بعد الصّلاة، و ذلك لدلالته على أنّه لا بدّ في فعليّة الوجوب من قيدين:

أحدهما المقبلية للصلاة، و ثانيهما كون قبل الصلاة مصداقا ليوم الفطر، بحيث يصدق عليه انه «يوم الفطر»، فيشمل طلوع الفجر لا محالة.

و يمكن المناقشة فيه، مع الغضّ عما ذكرناه من رجوع القيدين إلى شي ء واحد، باعتبار كون النسبة بينهما نسبة الاطلاق و التقييد، فيحمل المطلق منهما على المقيّد، بأن مما يختلف باختلاف انحاء الحكم، فإذا ورد مثلا: «كن فى السوق الفلاني قبل حانوت زيد» كان هذا الكلام ظاهرا في إرادة القبلية مقابل التعدية، بمعنى انه تحديد للمكان بكونه قبل حانوت زيد، لا بعده. و اذا ورد: «اذهب إلى السوق الفلاني قبل حانوت زيد» كان المراد بالقبلية هنا هو المعنى العرفي أي ظهور قبل في حدّ نفسه، فكان المراد ان السوق الفلاني واقع قبل حانوت زيد بالقبليّة العرفية. و ما نحن فيه من القبيل الثاني،

كما لا يخفى.

و على هذا، فلم يثبت ما يدل على أن مبدأ الوجوب إنما هو طلوع الفجر،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 298

..........

______________________________

فان عمدة ما استدل به للقول المذكور إنما هو صحيح العيص المتقدم ذكره، و قد عرفت ما في ذلك من وجوه الإشكال و المتحصّل من ذلك كلّه أنه إذا كان النزاع فى المسألة في وقت اعتبار اجتماع الشرائط، فلا ينبغي الشك في دلالة الصحيحتين- و هما صحيحتا معاوية بن عمار- على اعتبار اجتماع الشرائط عند الغروب من ليلة الفطر دون طلوع الفجر. و إذا كان النزاع في مبدأ الوجوب، فالظاهر هو دلالتهما على أن ذلك هو الغروب أيضا، كما تقدم بيانه.

نعم، و مع عدم الركون إلى ذلك فرضا، فحيث إنه لا دليل على القول الآخر كما عرفت، فلا محالة تصل النوبة إلى الأصل العملي، و مقتضى الاستصحاب هو عدم فعلية الوجوب قبل طلوع الفجر، فتكون النتيجة عملا هو القول بالوجوب عند طلوع الفجر، كما لا يخفى.

يبقى الكلام في وقت الإخراج من حيث المبدأ، و قد اختلفت كلمات الأعلام في هذا المقام، فما هو الحق حينئذ؟ و الكلام في ذلك يقع فى مقامين: أحدهما على ضوء الأدلة و الآخر ما تقتضيه الوظيفة العملية عند الشك فيها.

1- وقت الإخراج على ضوء الأدلّة و قبل كلّ شي ء يجدر بنا التنبيه على مقدمة، و هي إنه لا ينبغى الاشكال في صحة الإتيان بالأمر التوصلي قبل مجي ء زمان وجوبه، إذ المفروض هو عدم توقفها على الإتيان به متقربا منه تعالى، ليكون ذلك موقوفا على حضور زمان الوجوب، و إنما الغرض الداعي إلى وجوبه قائم بمطلق وجوده كيفما اتفق ذلك خارجا. كما أنه لا ينبغي

الاشكال في صحة الاتيان بالأمر العبادي قبل زمان الأمر به، فيما إذ اقام الدليل على اشتماله على الملاك، فيؤتى به بداعى الملاك

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 299

..........

______________________________

المذكور، و هذا ظاهر. إذا عرفت ذلك فنقول:

إنّ ظاهر صحيحتي معاوية بن عمار المتقدمتين إنما هو كون وقت الإخراج متحدا مع وقت الوجوب، و أنه حيث كان وقت الوجوب- كما تقدم- هو الغروب، فلا محالة يكون وقت الإخراج هو ذلك أيضا، و ذلك بإطلاق المادّة، فان مقتضى اطلاق المادة- أعني بها متعلق الأمر- إنّما هو عدم تقيد الواجب بوقت- كالنهار مثلا- غير وقت الوجوب، ليكون الواجب حينئذ من الواجب المعلق، بل الفطرة الواجبة تكون هي الأعمّ من الفطرة فى الليل أو النهار مثلا.

و بإزاء ذلك صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، انهما قالا:

«على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول، من حرّ و عبد، و صغير و كبير، يعطي يوم الفطر قبل الصّلاة فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان ... «1»».

و المستفاد من قوله عليه السّلام: «و هو في سعة ...» بحسب الظهور الأوّلي إنما هو كون مبدأ الوجوب أوّل يوم يدخل من شهر رمضان، فلا محالة يكون منافيا لما دلّ على أن مبدأه هو غروب ليلة الفطر.

و الحاصل، أنا إذا قلنا بأن الرواية مما يستفاد منها ابتداء كون وقت الإخراج الواجب أول يوم يدخل من رمضان، فيتنافى- إذا- و ما دلّ على التوقيت بغروب ليلة الفطر، فإمّا أن يقال حينئذ بلزوم رفع اليد عن هذا الظهور الأوّلي، بمقتضى الإجماع و التسالم على عدم وجوب الفطرة قبل هلال شهر

شوّال، و انما هو في غروب ليلة الفطر، أو طلوع الفجر من يوم العيد، فلا بد- حينئذ- من حمل الرواية على التوسعة في مقام العمل، بمعنى الترخيص في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 300

..........

______________________________

اخراج الفطرة قبل وجوبها، فيستكشف من ذلك- باعتبار أنها ليست من الواجبات التوصلية، التي يصح الإتيان بها كيفما اتفق، بل لا بدّ و ان يؤتى بها بوجه قربي- اشتمالها على الملاك، فيكون التعبد إنما هو بإخراجها بداعى ما تضمنه من الملاك. أو يقال- على فرض المناقشة فى الاجماع المذكورة صغرويا، و كبرويا، بأنّه لا يوجب التصرف في الظاهر من الرواية- بحمل صحيح الفضلاء على أن مبدأ وجوب الفطرة إنما هو اوّل شهر رمضان، و لكن استقراره إنما هو من حين غروب ليلة الفطر، بنحو يكون ادراك غروب ليلة الفطر جامعا للشرائط من قبيل الشرط المتأخر لوجوب الفطرة من أول شهر رمضان، و بذلك يجمع بينه و بين صحيحتي معاوية بن عمّار، فإن مفادهما انما هو اعتبار إدراك الغروب جامعا للشرائط، و ان الوجوب مبدأه انما هو الغروب.

هذا و لكن الجمع العرفي بين الطائفتين بحيث لو فرضنا انهما كانا في كلام واحد لحكم العرف بذلك، يقتضي الأخذ بالمدلول الأول فقط، و هو اعتبار إدراك غروب ليلة الفطر جامعا للشرائط، و به يجمع بين الطائفتين، و نتيجة ذلك هي ما أشرنا إليه، من كون مبدأ الوجوب أول يوم يدخل من شهر رمضان، إلا أنه مشروط بادراك غروب ليلة الفطر جامعا للشرائط بنحو الشرط المتأخر، فيكون استقراره و فعليته انما هو حين الغروب.

و الحاصل، إنه إذا رفعنا

اليد عن ظاهر صحيح الفضلاء بالاجماع، كانت النتيجة هي حمل الصحيح على التوسعة في مقام الامثال، و إلا فمقتضى الجمع العرفي هو الالتزام بان مبدأ الوجوب انما هو أول شهر رمضان، و استقراره يكون بدخول ليلة الفطر جامعا للشرائط، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 301

..........

______________________________

هذا، و قد يقال «1»: «إنّ صحيحة الفضلاء لا دلالة لها على جواز أداء الفطرة من أول الشهر، بل من الممكن أن يكون المراد بجواز تقديمها من أول الشهر هو إعطاؤها للفقر بعنوان القرض، فلا تنافي بينها و بين ما دلّ على أن وقت الاخراج هو غروب ليلة الفطر، أو غيره». و يتوجه عليه:

أوّلا: إن كان المراد هو دعوى ظهور صحيحة الفضلاء في ذلك، فهو ممنوع منه، لما عرفت من ظهورها في كون ذلك بعنوان أداء الفطرة. و إن كان الغرض هو تأويل الصحيحة بذلك، فيرد عليه: أنه لا موجب للتأويل، بعد إمكان الأخذ بظاهرها، و إمكان الجمع بينها و بين غيرها مما ينافيها ظاهرا بما عرفت.

و ثانيا: عدم اختصاص جواز التقديم بعنوان القرض بأوّل الشهر، بل يجوز ذلك حتى قبل دخول شهر رمضان.

و ثالثا: أن ظاهر الصحيحة هو بيان صورتين لإعطاء الفطرة، إحداهما- و هي الأفضل- و هي اعطاءها قبل صلاة العيد، و الاخرى- و هي غير الأفضل- و هي إعطاءها من أوّل الشهر، و بين الصورتين تقابل، بحيث أنه لا يسع الشخص مع إعطاءها من أوّل الشهر إدراك الصورة الأفضل، مع أنه لو كان الاعطاء أوّل الشهر بعنوان القرض، لأمكنه إدراك الصورة الأفضل حينئذ، و ذلك باحتساب القرض المذكور زكاة قبل الصّلاة، فلا يكون هناك تقابل بين الصورتين المفروضتين فى الصحيحة.

هذا، و قد يناقش

في صحيحة الفضلاء، باعتبار اشتمالها- في ذيلها- على ما لم يعمل به، و هو كفاية اخراج نصف صاع من الحنطة أو الشعير. «فان أعطى تمرا فصاع لكل رأس، و ان لم يعط تمرا فتصف صاع لكل رأس، من حنطة أو

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 423، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 302

..........

______________________________

شعير ...»، و لأجل ذلك تكون الرواية ساقطة عن درجة الاعتبار.

و يتوجه عليه، أن عدم العمل بذيل الصحيحة لا يقتضي عدم العمل بصدرها، حيث لا مانع من التفكيك بين الصدر و الذيل، و كم له نظائر فى الفقه لا تخفى على المتتبع. نعم، ما يمتنع التفكيك بين أبعاضه بالعمل ببعض دون بعض، و ليست الرواية كذلك، لاختلاف صدرها و ذيلها فى الحكم، كما لا يخفى.

و المتحصل من ذلك كله، ان الرواية صحيحة سندا، و تامة دلالة، فلا موجب لرفع اليد عن مفادها.

2- وقت الإخراج مع الشك فيه إذا أنكرنا دلالة الرواية على تعيين وقت وجوب الإخراج، و لم يقم دليل اخر على التعيين أيضا، و فرضنا الشك في وقت الإخراج، و أنه غروب ليلة الفطر، أو نهار الفطر؟ فلا محالة يكون المقام مندرجا تحت كبرى: الشك فى الأقل و الأكثر، و المرجع فيها هو البراءة، كما حرّر في محله في بحث أصول الفقه، و ذلك العلم بوجوب الفطرة، و الشك في تقييدها بالكون فى النهار، فيرجع في نفى القيد المشكوك فيه إلى البراءة.

و ما فى «المستمسك «1»»، من أنه: «ليس المقام من قبيل الشك فى التعيين و التخيير، لأن خصوصية الزمان لا تفرّد الواجب و لا تحصّصه، و باب الشك

فى التعيين و التخيير مختص بالخصوصيات الموجبة لتعدد الحصص و الأفراد»، فليس هو بضابط صحيح لتمييز موارد الشك فى الأقل و الأكثر عن موارد الشك فى التعيين و التخيير، بل الصحيح فيه- كما ذكرناه في محلّه- أنه مع العلم بأخذ

______________________________

(1)- الحكيم، محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 428- 429، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 303

و يستمرّ إلى الزوال لمن لم يصلّ صلاة العيد (803).

______________________________

الخصوصية- كالعتق مثلا- في مقام التكليف، و تردد الأمر بين تعين تلك الخصوصية أو التخيير بينها و بين الصوم مثلا فان ذلك يكون من موارد الشك بين التعيين و التخيير. و اما مع عدم العلم باخذ الخصوصيّة و مجرد احتمال اخذها في مقام التكليف، فان ذلك يكون من موارد الشك بين الأقل و الأكثر، و كون الخصوصيّة من الخصوصيّات المحصّصة و المفرّدة و عدم كونها كذلك لا دخل له بذلك أصلا، و ذلك لإمكان دوران الامر بين التعيين و التخيير حتى فى الفردين غير المتباينين، كما لا يخفى.

و معلوم ان الشك هنا إنما هو في أخذ خصوصيّة النهار- أي طلوع الفجر- فى التكليف المتعلق بالجامع و عدم أخذها فيه، فهو من موارد الأقل و الأكثر، الّتي لا بد فيها من الرجوع إلى البراءة فى الزائد على الأقل المتيقن به.

لا أنّ أخذ الخصوصيّة أمر معلوم، و إنما الشك في تعينها أو التخيير بينها و بين غيرها، ليكون من موارد الدوران بين التعيين و التخيير. فتدبر جيّدا.

(803) الأقوال فى المسألة ثلاثة:

الأوّل: إن آخر وقت الفطرة إنما هو صلاة العيد، و هو المنسوب إلى الأكثر «1»، حيث قالوا- كما نسب إليهم- بحرمة تأخيرها عن صلاة العيد، بل

عن

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 347، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ السبزواري، محمد باقر: ذخيرة المعاد، ص 476، ط ايران الحجرية؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 301، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 304

..........

______________________________

«المنتهى «1»» و «التذكرة «2»» نسبته الى علمائنا.

الثانى: إنه زوال يوم العيد، كما في رسالة شيخنا الأنصاري قدّس سرّه «3»، و هو مختار الإسكافي «4»، و «البيان «5»» و «الدروس «6»»، و المحقق الثاني في حاشيته «7» «8»، و «حاشية الارشاد «9»»، و العلامة فى «المختلف «10»».

الثالث: امتداده إلى اخر النهار، كما عن العلامة قدّس سرّه فى «المنتهى «11»» و مال إليه صاحب المدارك «12».

و استدل للقول الأوّل بعدّة نصوص:

منها ما رواه العياشي في تفسيره، عن سالم بن مكرّم الجمال، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أعط الفطرة قبل الزوال، و هو قول اللّه تعالى: وَ أَقِيمُوا*

______________________________

(1)- العلامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 541، ط ايران الحجرية.

(2)- العلامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 395، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- الانصاري، الشيخ مرتضى: كتاب الزكاة، ج 10: ص 442، نشر لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

(4)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: صص 298- 299، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(5)- الشهيد، محمد بن مكي: البيان، ص 334، تحقيق الشيخ محمد الحسّون، قم.

(6)- الشهيد، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 250، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(7)- المحقق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 1: ص 175، تحقيق عبد الحسين محمد علي.

(8)- المحقق الثاني، عليّ بن الحسين:

حاشية شرائع الاسلام (مخطوط)، ص 51.

(9)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: كتاب الزكاة، ج 10: ص 438، نشر لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 3، ص: 304

(10)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 299، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(11)- منتهى المطلب، ج 1: ص 541، ط ايران الحجرية.

(12)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 349، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 305

..........

______________________________

الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ ... «1»،* و الذي يأخذ الفطرة، عليه أن يؤدّي عن نفسه و عن عياله، و إن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا يعدّ له فطرة «2»».

و دلالتها على المدّعى و إن كانت ظاهرة، باعتبار حكمه عليه السّلام بنفي الفطرة إذا أعطاها بعد الصلاة، إلّا أنّها ضعيفة السند من جهة الإرسال، فإن جميع ما فى التفسير المذكور من الأحاديث فإنما هي محذوفة الأسانيد.

و منها: ما رواه في كتاب «الاقبال»، قال: و روينا باسنادنا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ينبغي أن يؤدّي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة، فإذا أدّاها بعد ما يرجع فانما هو صدقة، و ليس هو فطرة «3»»، و الظاهر أن الجبّانة- و يراد بها الصحراء- إنما كانت محل الصلاة، كما يظهر ذلك من بعض الكتب اللغويّة «4»، و عليه فهي في دلالتها كسابقتها، إلّا أن الإشكال في سندها لإرسالها، مع أنّ من المحتمل كونها متحدة مع سابقتها.

و منها: خبر أبي

بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى* وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى- الآية، قال: «يروح إلى الجبّانة فيصلّي «5»». و لكنه- مضافا إلى ضعف السند- لا دلالة له على وجوب الإخراج قبل الصلاة، كما لا يخفى.

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال:

______________________________

(1)- البقرة، 2: 43. و عدة مواضع اخرى من القرآن الكريم.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 8.

(3)- المصدر، ح 7.

(4)- الجبّانة: المصلّى العام فى الصّحراء (أقرب الموارد).

(5)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 306

..........

______________________________

«و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقه «1»». و المراد بالأفضلية بالإضافة إلى سائر الأوقات المتقدمة عليه، بمعنى أن إخراجها قبل الصلاة أفضل بالإضافة إلى الأوقات المتقدمة عليه، لا أنه أفضل بالإضافة إلى ما بعد الصلاة، و ذلك لقوله عليه السّلام: «و بعد الصلاة صدقة» الظاهر ذلك في نفي عنوان «الفطرة» عنها إذا أخرجت بعد الصلاة، و عليه فدلالة الخبر على المطلوب ظاهرة، كما أن سنده صحيح أيضا.

و منها: رواية ابراهيم بن منصور، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كان بعد ما يخرج فهي صدقة «2»». و الرواية ظاهرة الدلالة على المدّعى، باعتبار ما في ذيلها من نفي الفطرة عما يعطي بعد الخروج إلى الصلاة. فتدل على لزوم إخراج الفطرة قبل الخروج إليها؛ إلّا أنّها ضعيفة السند.

و منها: خبر حفص المروزي، قال: سمعته يقول: «إن

لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك السّاعة، قبل الصلاة ... «3»».

و يتوجّه عليه- مضافا إلى ضعف السند-: أنه يمكن المناقشة في دلالته، نظرا إلى أن الرواية إنّما جعلت العزل بديلا للإعطاء، فإن كان الإعطاء قبل الصلاة واجبا كان العزل البديل له- أيضا- كذلك، و إن كان مستحبا كان هذا كذلك أيضا. و الحاصل، أن الرواية لا دلالة لها على وجوب العزل قبل الصلاة، و إنما تدل على أن العزل بديل عن الإعطاء عند عدم التمكن منه لعدم وجود

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 13: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 307

..........

______________________________

المستحق، و أما حكم العزل- وجوبا و استحبابا- فهو تابع لحكم الاعطاء وجوبا أو استحبابا، و الرواية ساكتة عن بيان ذلك بالكليّة.

و ممّا يشهد بذلك تقييد العزل بقوله: «تلك الساعة»، فانه شاهد على أن العزل بديل عن الإعطاء في ساعة عدم التمكن منه، لا أن العزل واجب بحياله، و إلا فمن الظاهر عدم تقيد وجوبه بكونه في تلك الساعة، و إنما هو- على تقدير التسليم به- مما يكون قبل الصلاة، و إن لم يكن في تلك الساعة، كما هو ظاهر.

و منها: موثق اسحاق بن عمّار، قال: سألته عن الفطرة، فقال: «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها، قبل الصلاة أو بعد الصلاة أو بعد الصلاة «1»»، فانه بمفهومه يدل على أنه على تقدير عدم العزل يضرّ إعطائها بعد الصلاة، لعدم احتمال الإضرار بإعطائها قبل الصلاة إجماعا، و إلّا فمفهوم الرواية ابتداء انما هو الإضرار بإعطائها قبل الصلاة و بعدها، على تقدير عدم العزل،

و نتيجة ذلك هي وجوب الإعطاء قبل الصلاة، إلّا مع العزل.

و لكن يمكن المناقشة في دلالة الخبر، بأن يقال: إن حصول الضرر باعطائها بعد الصلاة على تقدير عدم العزل- كما هو مفهوم الخبر- مما لا يقتضي وجوب الإعطاء قبلها، إلا إذا أخذنا «الضرر» بمعنى العقاب الأخروي، و من الممكن أن يراد به الخسارة اللاحقة لفوت الملاك، و إذا كان الغائب هو الملاك الملزم، أي ملاك الوجوب، فإنه عليه يكون لازم ذلك وجوب الإعطاء قبل الصلاة، و يمكن حمله على فوت ملاك الاستحباب أيضا، باعتبار أنه نقص و خسارة أيضا لكن بمقدار ما، فلا تكون الرواية- بعد ذلك- دالة على وجوب الفطرة قبل الصلاة، فان من الممكن حينئذ أن يكون الضرر بالمعنى الثاني، من الواضح أن الإعطاء

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 308

..........

______________________________

بعد الصلاة إذا كان مفوّتا لملاك الاستحباب لم يستلزم ذلك كون الإعطاء قبلها هو الواجب، كما لا يخفى.

و استدل للقول الثاني بما في ذيل صحيح العيص بن القاسم المتقدم، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة متى هي؟ فقال: «قبل الصلاة يوم الفطرة. قلت:

فإن بقي منه شي ء بعد الصّلاة؟ قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه، ثم يبقى فنقسّمه «1»»، حيث إنه قد دلّ على جواز تأخيرها عن الصلاة، فيقع التعارض بينه و بين ما تقدم ممّا دلّ على وجوب الفطرة قبل الصّلاة.

و يمكن أن يقال: إن ذيل صحيح العيص خاص بمورد العزل- كما استظهره صاحب الوسائل قدّس سرّه حيث قال:- معلقا على الخبر: «أقول: المراد باعطاء العيال عزل الفطرة»، و عليه فلا تعارض بينه

و بين مفهوم موثق اسحاق بن عمار أصلا، و ذلك لأن مفهوم الموثق إنّما دلّ على عدم جواز الإعطاء بعد الصلاة في صورة عدم العزل، و صحيح العيص دالّ على جواز ذلك مع العزل، فهما متباينان موردا، كما لا يخفى. أو يقال بعد التسليم بعدم اختصاص الذيل بصورة العزل، بل هو عام يشمل مورد عدمه أيضا، فلا محالة يقع التنافي بينه و بين مفهوم الموثق بالإطلاق و التقييد، فإن المفهوم خاص بمورد عدم العزل، و الصحيح مطلق بالإضافة إليه بأن الأمر حينئذ يدور بين رفع اليد عن الإطلاق بظهور القيد، و بين رفع اليد عن الحكم المترتب على المقيّد بظهور ما دلّ على الحكم فى المطلق، و المتعيّن هو الثاني.

بيانه: أن موضوع المفهوم- و هو المقيّد- و إن كان أظهر بالإضافة إلى موضوع الصحيح، و هو المطلق، إلّا أن ظهور ما دلّ على الحكم فى الصحيح فى

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 309

..........

______________________________

الجواز أقوى من ظهور المحمول فى المفهوم في عدم الجواز، لما عرفت، من أن قوله عليه السّلام: «يضر»- كما هو مقتضى بالمفهوم- غير ظاهر في عدم الجواز، او لا أقل من كونه ظهورا ضعيفا، و هذا بخلاف الصحيح، فان ظهوره في جواز الإعطاء بعد الصلاة أقوى من ذلك، و عليه فيرفع اليد به عن ظهور «يضرّ» في عدم الجواز، لا أنه يلتزم بتقييد الصحيح بمفهوم الموثق، و ذلك لأن الموضوع فى المفهوم و إن كان أخص مطلقا من الموضوع فى الصحيح، و قانون الإطلاق و التقييد مما يقتضي الالتزام بتقييده به، إلّا أنّ من الواضح

أن التنافي بين موضوعي الدليلين انما نشأ من التنافي بين الحكمين، فإذا أمكن العلاج في مورد التنافى، بأن كان ظهور أحدهما أقوى من الآخر، فأخذنا بالأقوى، و طرحنا الآخر، لم تصل النوبة بعد ذلك إلى التنافي بين الموضوعين، ليتوجه القول بتقييد المطلق بالمقيد، كما هو ظاهر. و نتيجة ذلك، أن يكون ظهور صحيح العيص الدالّ على جواز التأخير عن الزوال مقدما على مفهوم موثق اسحاق بن عمّار، إلّا أنه بملاحظة ذلك مع غير الموثق، من سائر ما دل على التحديد بالزوال، كصحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة» يحمل صحيح العيص على فرض العزل، لأن الجمع العرفي بينهما يقتضي ذلك. فالحق- إذن- هو القول الأوّل.

و المتحصل من ذلك كله: أن المكلف إذا أراد الصلاة وجب عليه إخراج الفطرة قبلها إلّا إذا عزلها قبل ذلك، فإنه حينئذ لا يضرّه اعطاءها متى شاء. و إذا لم ينو الصلاة و لكن انعقدت الصلاة فى البلد بحيث كان يطلق عليها «أنها صلاة البلد»، كان الواجب أيضا هو إعطاءها قبلها، عملا بما دل على وجوب تقديمها على الصلاة، و إن لم تكن هي بصلاة المكلف نفسه، و أما مع عدم الأمرين،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 310

و الأحوط (804) عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلّاها، فيقدّمها عليها، و إن صلّى في أوّل وقتها. و إن خرج وقتها و لم يخرجها، فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحق بعنوان الزكاة (805).

______________________________

فلا دليل على التحديد بالصلاة أصلا، كما لا يخفى.

(804) قد عرفت أن وجوب تقديم الفطرة على الصّلاة لمن أراد الصّلاة، أو فيما إذا أقيم فى البلد صلاة جامعة،

بحيث كان يصحّ اضافتها إلى البلد، بأن يقال عليها:

«إنّها صلاة البلد»، هو الظاهر من الأدلّة. فلاحظ.

(805) لا ينبغى الإشكال في جواز التأخير عن الصلاة إلى أيّ وقت شاء إذا كانت الفطرة معزولة، لموثق اسحاق بن عمار المتقدّم. إنما الكلام في أنه حين الدفع إلى المستحق هل يجب على المعطي أن يدفع ذلك بنيّة الزكاة، أو أنه لا يجب ذلك؟

لم يستبعد صاحب الجواهر قدّس سرّه «1» الثاني، نظرا إلى أن المستفاد من أدلة مشروعيّة العزل- كموثق اسحاق بن عمار المتقدم و غيره- إنما هو ثبوت الوكالة عن الفقير للمالك، أو الولاية له عليهم، بحيث يكون عزله بمثابة قبض المستحق، و حينئذ فيكون مال الفقير تحت يده أمانة شرعيّة، و عليه فلا يجب قصد الزكاة حين الدفع الى المستحق، اذ المفروض أن دفع مال الفقير- المفروض كونه أمانة تحت يده

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 534، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 311

..........

______________________________

شرعا- مما لا يعتبر فيه ذلك قطعا. و هذا نظير تملّك المجتهد لما يدفع إليه من سهم الإمام عليه السّلام و نحو ذلك، فانه إنّما يتملك ذلك من قبل المستحقين، فيكون ذلك أمانة تحت يده، و لأجل ذلك لا ينوي حين الدفع إليهم كونه من سهم الإمام، كما هو ظاهر.

و اختار المصنف قدّس سرّه الأوّل، بدعوى أنه لا يستفاد مما دلّ على مشروعية العزل أكثر من إعطاء السلطنة للمالك على تطبيق ما اشتغلت به ذمته من المال، على القول باشتغال الذمة، أو ما تعلق الوجوب بأدائه من المال بنحو الكلّي فى المعين مثلا، فسلطنة المالك على العزل لا تثمر سوى تعيّن الفطرة فى المعزول،

و لا يستفاد منه أنّ عزل المالك إنما يكون بمثابة قبض المستحق، كما استقر به صاحب الجواهر قدّس سرّه و لا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر.

و مما ذكرنا يظهر ما في تعليق بعضهم- كما فى «المستمسك» «1» على المقام، بقوله: «بلا إشكال، إذ لا تخرج المعزولة عن كونها زكاة بالتأخير ...»، و وجه النظر فيه أن نظر المصنف قدّس سرّه فى الفرع المذكور إنما هو إلى ما ذكرناه، و لا ربط له بخروج المعزولة عن كونها زكاة بالتأخير و عدمه. و بعبارة أخرى، لنفرض ان المعزولة بالتأخير لا تخرج عن كونها زكاة، لكن ذلك لا يكفي لتوجيه نيّة الزكاة حين الدفع إلى المستحق، كما لا تخرج بالدفع إلى المجتهد عن كونها زكاة، و مع ذلك لا يلزم المجتهد نيّة الزكاة حين الدفع إلى الفقير. و هذا ظاهر.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 431، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 312

و إن لم يعزلها فالأحوط الأقوى عدم سقوطها (806)، بل يؤدّيها بقصد القربة، من غير تعرض للأداء و القضاء.

______________________________

(806) ذهب جماعة إلى عدم السقوط بتأخيرها عن وقتها مع عدم العزل أيضا، و نسب إلى آخرين القول بالسقوط.

و استدل للأوّل بوجوه ثلاث:

الأوّل: الاستصحاب و قد يستشكل ذلك من وجهين: احدهما إنّه استصحاب فى الشبهة الحكمية، و جريانه فيها محل الكلام، و هذا الاشكال خارج عن محط النظر بالفعل، و المبنى- و لو بنحو الاصل الموضوعي- هو جريان الاستصحاب فى الشبهات الحكميّة. و ثانيهما: إنه يعتبر فيه وحدة الموضوع، أي اتحاد القضية المتيقن بها و المشكوك فيها موضوعا، و هذا مفقود فى المقام، فان الزمان معدد للموضوع و

مفرّد له لا محالة. و قد يجاب عنه، بان الزمان ليس هو من المفرّدات و لا يوجب تعدد الموضوع، فلا مانع من جريان الاستصحاب فى المقام.

و التحقيق أن يقال- على سبيل الإجمال-: أن الزمان قد يؤخذ قيدا للوجوب و شرطا فيه، فيتوقف فعليه الحكم على فعليته، كما فى الزوال بالإضافة إلى وجوب الظهرين مثلا، فانه ما لم يتحقق الزوال لا وجوب لهما، فوجوبهما يكون مشروطا به لا محالة و قد يؤخذ ذلك قيدا فى الواجب، بمعنى كونه حصّة خاصّة، و هي الحصّة الواقعة فى الزمان الخاص، مع كون الوجوب مطلقا بالإضافة إليه، و الاستصحاب بعد خروج الوقت إنّما يتجه على الأوّل، فان غاية

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 313

..........

______________________________

ما يستفاد من الدليل المثبت للوجوب إنما هو الوجوب فى الوقت الخاص، أما بعد انقضائه فهو ساكت عنه، فالدليل قاصر عن الدلالة على الوجوب بعد انقضاء الوقت، و حينئذ فيلتزم به في خارج الوقت، بمقتضى الاستصحاب، لا على الثاني، فان الزمان إذا أخذ قيدا فى المتعلق- كما هو المفروض- فلا محالة يتحصّص المتعلق به، بمعنى أن الدليل انما يثبت الحكم لحصّة خاصّه، و هي ما يقع فى الزمان الخاص، و ما يقع بعد انقضائه فهو حصة أخرى، و لا يمكن الالتزام بوجوبه بمقتضى الاستصحاب، لعدم اتحاد الموضوع، هذا ما يتعلق بأصل الكبرى.

و اما التطبيق على المقام، فلا ينبغى الشك في أن جملة من النصوص- بنفسها- مشتملة على التوقيت بما قبل الصلاة، أي توقيت الوجوب و تقييده بما قبل الصلاة. و أمّا ما كان منها مطلقة، فلا بد من تقييدها بالنصوص الموقتة، و هل المقيد فيها هو الوجوب أو الواجب؟ الظاهر هو الأوّل،

فانه بمقتضى إطلاق المادة- عند الشك في تقييدها- يتعين الأول لا محالة.

الثاني: المطلقات الدالّة على أنّ الفطرة واجبة على كل من اقتات قوتا، و أنّها واجبة على كلّ من يعول، من حرّ أو عبد، صغير أو كبير ... إلى غير ذلك، مما مرّت الإشارة إليه، فان مقتضى هذه المطلقات- ابتداءً- هو وجوب الفطرة بعد الوقت أيضا. غايته، ان في قبالها الأدلة المشتملة على التوقيت، و هي و إن احتمل في حقها تقييد الوجوب بالوقت المذكور، بحيث لا يبقى وجوب لها بعد خروجه إذا لم يؤدّها في وقتها، و لكن يحتمل في حقها أمر اخر، و هو دلالة النصوص المشتملة على التوقيت على وجوب الأداء فى الوقت المذكور بنحو الواجب في ضمن واجب، كما استقر به صاحب الجواهر قدّس سرّه، فانه على هذا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 314

..........

______________________________

التقدير لا مانع من الأخذ بالإطلاق بعد خروج الوقت، فان الأدلة الموقتة لم تقيّد الوجوب بالوقت- على الفرض- كي يستلزم ذلك سقوط الوجوب بخروج الوقت، إلّا إذا قام الدليل على عدمه، بل هي إنّما دلّت على الوجوب فى الوقت بنحو الواجب في ضمن واجب، فوجوب أداء الفطرة باق على إطلاقها، فإذا أدّاها المكلف فى الوقت الخاص فقد امتثل به كلا الوجوبين، و إذا لم يؤدّها حتى خرج ذلك سقط أحد الوجوبين بالعصيان، و بقي وجوب أصل الفطرة بحاله. و عليه فلا مانع من الأخذ بالمطلقات بعد خروج الوقت، بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر قدّس سرّه، حيث جعل مفاد الأدلة المشتملة على الوقت هو وجوب الاداء فى الوقت الخاص، زائدا على وجوب أصل الفطرة، لا أنها تكون مقيّدة لدليل وجوب الفطرة و

موقتة له، كالتوقيت في باب الصلاة.

و يتوجه عليه، أن ما أفيد و إن كان معقولا ثبوتا إلّا انه لا دليل عليه في مقام الاثبات، بل الدليل على خلافه، فإنه ليس شي ء بأصرح فى الدلالة على التوقيت، من قوله عليه السّلام- في صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم-: «إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة»، فانه صريح في توقيت الوجوب و تقييده بما قبل الصلاة، و أنه إذا لم يؤدّها قبل الصلاة كان ذلك صدقة، أي غير مأمور به بالأمر الوجوبي، على ما يظهر ذلك من إطلاق لفظ «الصدقة». و لا ينافي ذلك قوله عليه السّلام: «قبل الصلاة أفضل ...»، لما تقدم. نعم، لو كان الدليل على التوقيت منحصرا بمفهوم موثق اسحاق بن عمار المتقدم، كان لهذا الاحتمال وجه، كما لا يخفى.

و منه يظهر عدم الوجه في حمل النصوص المشتملة على الوقت على الاستحباب، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 315

..........

______________________________

الثالث: صحيح زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل أخرج فطرته، فعزلها حتى يجد لها أهلا، فقال: «إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ، و إلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها إلى أربابها «1»»، بتقريب: أن مورد السؤال و إن كان هو العزل، إلّا أن الجواب غير ناظر إليه، و إنما هو ناظر إلى بيان حكم مستقل، و هو أنّ المكلّف إذا أخرج الزكاة من ضمانه- و ذلك بعزلها، فإنها تكون حينئذ امانة بيده، و الأمين غير ضامن- فقد برئ، و إلّا فهو ضامن حتى يؤدّيها، و مقتضى الإطلاق هو ثبوت الزكاة في حقّه مهما طال الزّمن. فيستفاد منها عدم سقوط الفطرة مطلقا، بل أن وجوبها ثابت،

و أنه متى ما أدّاها فإنما هو مؤدّ لما هو الواجب عليه.

و يتوجه عليه: أن الاستدلال بالرواية ساقط جدا لاجمالها، فإن أحد المحتملين فيها هو ما ذكر، الّذي هو مبنى الاستدلال بها للمقام، و المحتمل الاخر هو: أن يكون الجواب ناظرا إلى ما هو مورد الرواية و هو صورة العزل، و ان المعزولة إذا أخرجها من ضمانه بالإعطاء إلى الفقير فقد برئ، و إلّا فهو ضامن لها، بمعنى كونه مكلّفا بأدائها، فالضمان- بهذا المعنى- ثابت. و حيث ان السؤال فى الرواية انما كان عن مشروعية العزل، فلا محالة. بنفس هذا الجواب يستفاد- أيضا- مشروعية العزل فى المقام، و من الظاهر أن الرواية- على هذا الاحتمال- تكون أجنبية عن محل الكلام.

و المتحصل من ذلك كلّه: ان الحكم بالنسبة إلى من يأتي بصلاة العيد، أو كانت هناك صلاة قائمة لأهل البلد، هو سقوط الوجوب بتأخيرها عن الصّلاة، لما دلّ على تحديد الوقت- كما عرفت- بالنسبة إلى هؤلاء بصلاة العيد، و أمّا بالنسبة إلى غيرهم فالأقوى- وفاقا للمصنف قدّس سرّه و من تقدم ذكرهم- عدم

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: زكاة الفطرة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 316

[مسألة 1: لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط]

[مسألة 1]: لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط (807)، كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر رمضان (808). نعم، إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضا ثم يحسب عند دخول وقتها (809).

______________________________

سقوط بتأخيرها، خلافا بجماعة، منهم الصدوق، و المفيد، و الحلبي، و المحقق و غيرهم استنادا منهم في ذلك إلى ان القضاء بامر جديد، و لا دليل عليه، و مقتضى الاصل البراءة، و قد

عرفت فساد ذلك، لقيام الدليل على عدم السقوط.

نعم، بناء على إثبات الوجوب بعد خروج الوقت بالاستصحاب، يلزم الإخراج بدون نيّة للأداء و القضاء، كما أفاده قدّس سرّه، فان الاستصحاب لا يتكفّل إلا بإثبات أصل الوجوب فقط، بخلافه على الوجهين الأخيرين، فانه عليهما لا بدوا أن ينوي بها الأداء، كما لا يخفى.

(807) الظاهر- كما عرفت- هو مشروعية الإخراج من أول يوم يدخل من شهر رمضان، عملا بصحيحة الفضلاء المتقدمة، فلاحظ.

(808) لعدم الدليل على مشروعية ذلك، فان تقديم الواجب على وقته و وقت وجوبه، بلا دليل يقتضي جوازه، غير جائز.

(809) و الوجه فيه ظاهر، كما ذكرنا ذلك في زكاة المال. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 317

[مسألة 2: يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس، أو غيرها بقيمتها]

[مسألة 2]: يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس (810)، أو غيرها بقيمتها (811)، و ينوى حين العزل (812)، و إن كان الاحوط تجديدها حين الدفع أيضا.

______________________________

(810) كما دل عليه موثق إسحاق بن عمار، و صحيح زرارة المتقدمين.

(811) لاطلاق ما دل على مشروعية العزل، بضميمة ما عرفت من جواز إخراج الفطرة بالقيمة، فلاحظ.

(812) النية حال العزل- بناء على أن العزل انما يوجب تعيّن الكلّي فى الذمة، أو تعيّن ما تعلق التكليف بأدائه فى المعزول، كما هو مختار المصنف قدّس سرّه- مما لا دليل عليه اصلا، فإن الّذي يعتبر فيه قصد القربة إنما هو دفع الزكاة و إخراجها، و لازم ذلك انما هو النية حين الدفع. نعم، بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر قدّس سرّه، من أن أدلّة مشروعية العزل تقتضي اعتبار كون المالك وكيلا عن الفقير، بحيث تكون له الولاية في قبض ما يستحقه، فالعزل- فى الحقيقة- يكون اعطاء للزكاة إلى من هو مرخّص شرعا

فى القبض، نيابة عن الفقير، فلا بد من النية حال العزل، كما هو ظاهر.

و من هنا يظهر أن قول المصنف قدّس سرّه: «و ينوي حين العزل ...» بظاهره مناقض من حيث المبنى لقوله فيما تقدم: «و إن خرج وقتها و لم يخرجها، فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحق بعنوان الزكاة ...».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 318

و يجوز عزل أقل من مقدارها (813) أيضا، فيلحقه الحكم، و تبقى البقية غير معزولة على حكمها. و في جواز عزلها فى الأزيد، بحيث يكون المعزول مشتركا بينه و بين الزكاة وجه، لكن لا يخلو عن إشكال (814).

______________________________

(813) لاطلاق دليل مشروعية العزل بالنسبة إلى البعض، فإنه يصدق عليه- أيضا- عزل الفطرة، كما هو ظاهر.

(814) لعله قدّس سرّه عنى بقوله: «و في جواز ... وجه ...» أن المستفاد من أدلة مشروعية العزل ثبوت الولاية للمالك بالنسبة إلى مال الفقير، و السلطنة على العزل انما يكون من توابعها، فليس الثابت هو خصوص الولاية على العزل، و عليه فيصح للمالك حينئذ العزل فى الأزيد، و إن لم يكن ذلك بمصداق العزل حقيقة و واقعا، لمنافاته مع الاشتراك مطلقا. و لكنه مشكل لعدم ثبوت الولاية له على أكثر من العزل من شي ء من الأدلة، كما لا يخفى. و هو- كما قيل- متقوم بأمرين، أحدهما قصد التبديل، و الاخر تعيين الزكاة و إفرازها عن غيرها، و مع فرض العزل فى الأزيد ينتفى الأمر الثاني، لا محالة.

ثم ان وجه الإشكال انما يختص بما إذا لم يرفع المالك يده عن الزائد، أو لم يمكن ذلك، كما فى المال المشترك، و إلا فلا إشكال.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص:

319

و كذا لو عزله في مال مشترك بينه و بين غيره مشاعا (815)، و إن كان ماله بقدرها.

[مسألة 3: إذا عزلها و أخّر دفعها إلى المستحق]

[مسألة 3]: إذا عزلها و أخّر دفعها إلى المستحق، فإن كان لعدم تمكنه من الدفع لم يضمن لو تلف، و إن كان مع التمكن منه ضمن (816).

______________________________

(815) إذ لا تعيّن للحصّة المشاعة، حتى يصدق العزل، ليصحّ جعلها زكاة، عينا أو قيمة، كما هو ظاهر.

(816) كما نص عليه جماعة «1» و يمكن الاستدلال له بما تقدم في زكاة المال، من صحيح زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ زكاته ليقسمها فضاعت؟ فقال: «ليس على الرّسول، و لا على المؤدّي ضمان. قلت: فإنه لم يجد لها

______________________________

(1)- الصدوق، محمد بن عليّ: المقنع، ص 67، ط مؤسسة دار العلم، قم؛ الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 242، ط المكتبة المرتضوية، طهران؛ النهاية، صص 191- 192، ط دار الكتاب العربي، بيروت؛ الحليّ، محمد بن منصور: السرائر، ج 1:

ص 470، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ ابن حمزة، محمد بن على: الوسيلة، ص 131، منشورات مكتبة آية اللّه النجفي المرعشي طاب ثراه، قم؛ المحقق، جعفر بن الحسن: النافع بشرح المهذب البارع، ج 1: ص 545؛ العلامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1:

541، ط ايران الحجرية؛ الشهيد، محمد بن مكي [و] الشهيد الثاني، زين الدين: اللمعة و الروضة، ج 2: ص 60.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 320

[مسألة 4: الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر]

[مسألة 4]: الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر، و لو

______________________________

أهلا ففسدت و تغيرت، أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها «1»». بناء على أن الزكاة- بإطلاقها- شاملة الزكاة الفطرة أيضا، كما يشهد بذلك التعبير عن الفطرة بالزكاة-

على سبيل الإطلاق- في غير واحد من النصوص، كما لا يخفى على من لاحظ ابواب زكاة الفطرة من «الوسائل».

نعم، مع الغض عن النص، فالقاعدة تقتضي عدم الضمان فى الفرض الأوّل، فإن المستفاد من نصوص العزل، اما هو تعيّن الكلّي، أو متعلق التكليف فى المعزول، فاذا تلف لم يكن موجب لضمانه، و إمّا ولاية المالك على ذلك، فيكون الزكاة بيده أمانة شرعيّة، و لا ضمان حينئذ أيضا لو تلف، إذ لا موجب له من تعدّ أو تفريط، و الأصل عدمه.

و أما الفرض الثاني، فمقتضى القاعدة فيه إنما هو الضمان، مع قطع النظر عما دل على جواز التأخير، بناء على أن فائدة العزل إنما هي صيرورة المعزولة ملكا للفقير و أمانة شرعية تحت يد المالك، كما اختاره بعضهم على ما تقدم، فان مقتضى قاعدة اليد حينئذ انما هو الضمان، فإن التأخير مع وجود المستحق تعدّ و تفريط. نعم، بعد قيام الدليل على جواز التأخير لا يبقى مجال لذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 321

مع وجود المستحق في بلده (817).

______________________________

(817) بناء على الأخذ بإطلاق صحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: فى الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال: «لا بأس به «1»»، و صحيح أحمد بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ فقال عليه السّلام: «نعم «2»»، الشامل للفطرة، كما عرفت، فانه على هذا يكون إطلاق

الروايتين شاملا لمورد وجود المستحق أيضا.

إلّا أن في خصوص المقام قد ورد ما يدل على عدم جواز النقل بالخصوص، كموثق الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان جدّي [عليه السّلام] يعطي فطرته الضعفة (الضعفاء)، و من لا يجد، و من لا يتولّى. قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: هي لأهلها، إلّا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب. و لا تنقل من أرض إلى أرض. و قال: الإمام يضعها حيث يشاء، و يصنع فيها ما رأى «3»»، و مكاتبة عليّ بن بلال، قال: كتبت إليه: هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة و رجل اخر من اخوانه في بلدة أخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة، أم لا؟ فكتب: «يقسّم الفطرة على من حضره، و لا يوجّه ذلك إلى بلدة أخرى، و إن لم يجد موافقا «4»». و على هذا فالقول بجواز النقل، لا سيما مع وجود المستحق- كما هو المفروض في مورد الروايتين- مما لا وجه فيه ظاهرا، فالاحتياط فى الترك، إن لم يكن هو الظاهر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 37: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر/ باب 15: زكاة الفطرة، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 322

و إن كان يضمن حينئذ مع التلف (818). و الأحوط (819) عدم النقل إلّا مع عدم وجود المستحق (820).

______________________________

(818) لصحيح محمد بن مسلم- أو حسنته بابن هاشم- قال: قلت: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها

من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت من يده ... «1»»، بناء على عدم الخصوصية لزكاة المال، و لاطلاق صحيح زرارة المتقدم «2» الشامل للفطرة أيضا، كما لا يخفى.

(819) بل الأقوى ذلك، لموثق الفضيل، و مكاتبة عليّ بن بلال المتقدم ذكرهما «3».

(820) لاطلاق صحيح هشام بن الحكم، و صحيح أحمد بن حمزة المتقدمين «4»، بعد فرض اختصاص المقيّد له بصورة وجود المستحق.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)-- صفحة 322.

(3)-- صفحة 322.

(4)-- صفحة 322.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 323

[مسألة 5: الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها]

[مسألة 5]: الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها (821)، و إن كان ماله- بل و وطنه- في بلد آخر. و لو كان له مال في بلد آخر و عيّنها فيه، ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر، مع وجود المستحق فيه (822).

______________________________

(821) كما هو ظاهر موثق فضيل، و مكاتبة عليّ بن بلال، المتقدمين «1»، و لا أقل من إشعارهما بذلك، و هو كاف فى الأفضليّة. لكنك قد عرفت دلالتهما على حرمة الأداء فى غير بلد التكليف. فلاحظ.

(822) فانه بالعزل يتعيّن الكلّي، أو الواجب فى المعزول لا محالة، فيكون نقله حينئذ من بلد الى آخر داخلا في مسألة نقل الفطرة من البلد إلى اخر مع وجود المستحق، و قد مرّ بيان حكمها.

لكن هذا مناف لاستفادة وجوب الأداء في بلد التكليف، لما مرّ من أن مفاد النصوص هو حرمة الإخراج و وجوب الأداء في بلد التكليف، إلّا أن يقال: ان المستفاد من النّص إنما هو حرمة نقل الزكاة و توجيهها من بلد الى آخر، و لا يصدق

ذلك فى المقام، حيث إنه لا يكون تعيين الزكاة فى المال الّذي هو في بلد آخر، نقلا للزكاة و توجيها لها إلى غير البلد. إلا أنّه على هذا لم يظهر الوجه فى استفادة أفضليّة الأداء في بلد التكليف من الروايتين على رأي المصنف قدّس سرّه، فان

______________________________

(1)-- صفحة 322.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 324

[مسألة 6: إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك]

[مسألة 6]: إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك (823).

______________________________

الدليل على ذلك هما الروايتان المحمولتان على الاستحباب، و هما منصرفان عن مثل المقام، حيث يكون المكلف في بلد و المال في بلد آخر. فتأمل.

(823) فإن المستفاد من نصوص مشروعية العزل إمّا هو ولاية المكلف على تعيين الفطرة فى المعزول، أو الولاية على الفقير، بحيث يكون المال المعزول ملكا للفقير، مودعا عند المالك بعنوان الأمانة الشرعيّة، و لا يستفاد منها ولايته على التبديل بعد فرض التعيّن في ضمن المعزول، و وجوب أداءه شرعا، و لا ولايته على جواز التصرف في مال الفقير، المفروض كونه أمانة شرعيّة بيده، كما هو ظاهر.

[فصل في مصرف زكاة الفطرة]

اشارة

[فصل] في مصرف زكاة الفطرة و هو مصرف زكاة المال (824).

(824) كما هو المشهور «1» و المعروف «2»، بل في «المدارك «3»» إنه مقطوع به في كلام الاصحاب رضي اللّه عنهم، و عن غيره «4» دعوى الإجماع عليه. و تحقيق الكلام انما يكون في ضمن مقامين:

الأوّل: في ثبوت المقتضى للمذهب المشهور.

الثاني: فى المانع عنه.

أمّا الأول: فقد استدل له «5» بعموم قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا- الآية «6»، بدعوى أن إطلاق الصدقات شامل لزكاة الفطرة أيضا. الّذي يبدو فى النظر أن الآية خاصّة بزكاة المال، و لا اطلاق لها بالإضافة إلى زكاة الفطرة أصلا، و ذلك من جهة ذكر «العاملين عليها» في عداد المصارف، فإنّ الظّاهر هو عدم تصوّر العمالة في زكاة الفطرة، بمعنى أنه لم يعهد ذلك فيها، بحيث تكون هناك طائفة تسمى ب «العاملين» كما في باب زكاة

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 310، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر

الكلام، ج 15: ص 538، ط النجف الأشرف.

(3)- الموسوي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 353، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الأصبهاني، شرح اللمعة (نقلا عن جواهر الكلام، ج 15: ص 538، ط النجف الأشرف).

(5)- العلامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 541.

(6)- التوبة، 9: 60.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 326

..........

______________________________

الأموال فان شأن العاملين كان هو جباية الزكاة، و حفظها و إيصالها إلى وليّ الأمر ليقسّمها في مواردها، و الفطرة فى غنى عن ذلك. غاية الأمر، أن يكون الشخص وكيلا عن الفقير في أخذ الفطرة، فهذا بنفسه مما يكون شاهدا على اختصاص الآية بزكاة الأموال، و عليه فالمقتضي قاصر. و لعله لأجل ذلك ذهب المفيد قدّس سرّه- على ما نسب إليه «1»- إلى القول باختصاصها بالمساكين، و إن ناقش «2» في صحة نسبة بعضهم. و الحاصل، أن الدليل على المذهب المشهور غير ثابت.

أمّا الثاني: و هو المانع عن ذلك، بعد التسليم بالمقتضي، فهو جملة من النصوص الخاصّة بباب الفطرة، كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «ان زكاة الفطرة للفقراء و المساكين «3»»، و خبر يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الفطرة، من أهلها الذين تجب لهم؟ قال:

«من لا يجد شيئا «4»». و ظاهره انما هو السؤال عن مصرف الفطرة، لا السؤال عن الصفة بعد فرض كون المدفوع إليه هو الشخص، بحيث كان مفروض السائل هو الاعطاء إلى الشخص، و انما كان السؤال عن صفة الشخص المذكور، و أنه لمن يجوز اعطائها، كي لا تكون الرواية دالة على انحصار المصرف بذلك، بل على اعتبار الصفة المذكورة

فيما إذا كان المصرف هو الشخص. و خبر الفضيل عن أبي

______________________________

(1)- الموسوي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 353، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 436، ط الثالثة.

و الانصاف ظهور عبارة «المقنعة» في ذلك (- المقنعة، ص 252، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم).

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الفطرة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 327

..........

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت: لمن تحل الفطرة؟ قال: «لمن لا يجد «1»».

و الحاصل، أن مقتضى النصوص المذكورة إنما هو اختصاص مصرف الفطرة بالفقراء، فلا مجالة يقيد بها اطلاق الآية الكريمة، على فرض ثبوت الإطلاق.

ثم إنه- بناء على اختصاص زكاة الفطرة بالفقراء- يقع البحث فى المراد بالفقير، و انه هل المراد به هو في باب زكاة الاموال، و هو الّذي لا يملك قوت سنته فعلا، أو تدريجا كما هو المشهور المعروف، أو أنه اخص من ذلك؟ و الظاهر هو الثاني، و ذلك لدلالة جملة من النصوص الخاصة- و قد تقدمت الإشارة إلى بعضها- على أن المصرف في هذا الباب انما هو من لا يجد شيئا، كما فى خبري يونس و الفضيل المتقدمين، و المراد به- عرفا- انما هو المحتاج بالفعل، فلا يصدق عند العرف على من يملك قوت شهره- بالفعل أو تدريجا- انه «محتاج» أو «ممن لا يجد شيئا»، فضلا عن الواجد قوت سنته كذلك، و كذلك يدل عليه خبر آخر للفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أعلى من قبل الزّكاة زكاة؟ فقال:

«أمّا من قبل زكاة المال فان عليه زكاة

الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة «2»».

فإنّ الرواية صريحة الدلالة على أن الفقير الّذي يكون مصرفا لزكاة الفطرة يغاير الفقير الذي هو مصرف زكاة المال. و الظاهر، أنه ليس في مقابل النصوص المذكورة ما يعارضها، فلا محالة يلزم الأخذ بمفادها، و مقتضاها انما هو الاقتصار في مقام أداء الفطرة على الفقير الّذي يصدق عليه عرفا أنه «لا يجد شيئا». و هذا القول إن لم يكن هو الأظهر بحسب الأدلة، فلا أقل من كونه أوفق بالاحتياط كما

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الفطرة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 328

لكن يجوز إعطاؤها للمستضعفين من أهل الخلاف (826)، عند عدم وجود المؤمنين، و إن لم نقل به هناك.

______________________________

نبّه عليه فى «المستند».

ثم إن بعض المراتب خارج عن مصداق «عدم الوجدان» قطعا، كما إذا كان الشخص مالكا لمئونة عدّة أشهر فعلا أو قوّة، حيث إنه- بالضرورة- لا يقال له عرفا إنه محتاج، و بعضها مصداق له قطعا، كما إذا لم يكن الشخص واجدا لقوت يومه و ليلته، بل و كذلك فيما إذا كان واجدا لقوت يومين أو ثلاثة و نحوهما، بلا إشكال. نعم، يبقى الإشكال فى بعض المراتب المتوسّطة، و الظاهر أن مقتضى الاحتياط حينئذ إنما هو عدم الإعطاء «1» لمثل هؤلاء الاشخاص، و الانتظار بهم إلى أن يبلغوا احدا يصدق عليهم «المحتاج» عرفا. و اللّه العالم.

(826) كما نسب ذلك إلى جماعة، منهم الشيخ قدّس سرّه «2». و استدل له بموثق الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: كان جدّي يعطي فطرته

الضعفة (الضعفاء)، و من لا يجد، و من لا يتولى. قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم،

______________________________

(1)- لعل القول بجواز الإعطاء لهؤلاء- حسبما يبدوا فى النظر- مع صدق الفقير عليهم غير بعيد، نظرا إلى أن مقتضى صحيح الحلبي المتقدم انما هو جواز اعطائها الفقير، المفروض صدقه على الواجد مئونة أكثر من ثلاثة أيام- أيضا- بمقدار أسبوع أو أكثر، و بما ان التقييد بغير الواجد انما هو بالمنفصل، فعند إجمال المخصّص مفهوما يرجع في غير مورد التخصيص إلى العموم، كما حرّر في محلّه.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 314، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 329

..........

______________________________

فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ... «1»»، و مكاتبة عليّ بن بلال، قال: كتبت إليه، هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة، و رجل آخر من إخوانه في بلدة اخرى يحتاج أن يوجّه إليه فطرة، أم لا؟ فكتب: «تقسّم الفطرة على من حضر، و لا يوجّه ذلك إلى بلدة أخرى و إن لم يجد موافقا «2»»، و صحيح ابن يقطين، أنه سأل أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن زكاة الفطرة، أ يصلح أن تعطى الجيران و الظؤرة، ممّن لا يعرف و لا ينصب؟ فقال: «لا بأس بذلك إذا كان محتاجا «3»».

و مقتضى الخبرين الأخيرين و إن كان هو جواز الإعطاء إلى المستضعف مطلقا و لو مع وجود المؤمن، إلا أن اطلاقهما مقيد بموثق الفضيل المتقدم، كما لا يخفى.

و من هنا يظهر، أن اطلاق ما دلّ على أنه لا يعطى الزكاة إلّا لمؤمن، أو لأهل الولاية، كرواية محمد بن عيسى، قال: كتب إليه إبراهيم بن

عقبة يسأله عن الفطرة، هل يجوز إعطاءها غير مؤمن؟ فكتب إليه: «لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلا مؤمنا «4»»، و رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام، أنه كتب إلى المأمون: «زكاة الفطرة فريضة ...- إلى أن قال:- و لا يجوز دفعها إلّا إلى أهل الولاية «5»» مقيد بما تقدم.

ثم إن مقتضى النصوص المتقدمة إنما هو جواز اعطاء الفطرة إلى المستضعف من المخالفين، و لكن مقتضى خبر مالك الجهني، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: زكاة الفطرة، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 14: زكاة الفطرة، ح 2.

(5)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 330

و الأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين و مساكينهم (828).

______________________________

زكاة الفطرة، فقال: «تعطيها المسلمين، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا، و أعط ذا قرابتك منها إن شئت «1»» جواز الإعطاء إلى المسلم مؤمنا كان أو لا، و إلى المستضعف من الكفّار عند عدم وجود المسلم. و لكنه- مضافا إلى ضعف السند- غير معمول به عند الأصحاب، كما قيل. و مع الغض عن ذلك، فاطلاقه يقيد بما دلّ على لزوم الإعطاء إلى المؤمن. كما ان اطلاقه من الجهة الأخرى، و هي الإعطاء إلى المستضعف الكافر مع عدم وجود المسلم، سواء كان المستضعف من المخالفين، أم لم يكن، مقيّد بالروايات المتقدمة الدالة على لزوم الاعطاء إلى المستضعف المخالف عند عدم وجود المؤمن. فتكون النتيجة إذن لزوم الاعطاء إلى المؤمن، و مع عدمه إلى المستضعف المخالف، و مع عدمه إلى المستضعف الكافر.

و أمّا صحيح اسماعيل بن سعيد الأشعري، عن الرضا عليه السّلام: سألته

عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: «لا، و لا زكاة الفطرة «2»». فمحمول بقرينة النصوص المتقدمة على غير المستضعف، أو على صورة وجود المؤمن.

(828) قد عرفت أنه الأظهر، فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 5: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 331

و يجوز صرفها على أطفال المؤمنين، أو تمليكها لهم، بدفعها إلى أوليائهم (830).

[مسألة 1: لا يشترط عدالة من يدفع إليه]

[مسألة 1]: لا يشترط عدالة من يدفع إليه، فيجوز دفعها إلى فسّاق المؤمنين (831).

______________________________

(830) أما عدم اشتراط البلوغ فى المدفوع إليه- فمضافا إلى أنه مما لا خلاف فيه ظاهرا- يدل عليه إطلاق مصحح أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟ قال: «نعم، حتى ينشئوا أو يبلغوا و يسألوا، من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم؟! ... «1»»، و خصوص خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا، و إن نصبوا لم يعطو «2»». و اما كيفية الاعطاء لهم فقد مرّ الكلام عليها في زكاة المال، المسألة الأولى، من فصل اوصاف المستحقين.

فلاحظ.

(831) لإطلاق ما دل على جواز اعطائها لمن لا يجد شيئا و عدم الدليل على التقييد بالعدول، و يؤيّده ما مرّ في زكاة المال، من منافاته لحكمة تشريع الزكاة، و هو

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة،

ج 3، ص: 332

نعم، الأحوط عدم دفعها إلى شارب الخمر (834)، و المتجاهر بالمعصية، بل الأحوط العدالة أيضا (835)، و لا يجوز دفعها إلى من يصرفها فى المعصية (836).

______________________________

رفع الفقر و العوز المالي، بعد فرض قلّة الفقراء العدول، و قد تقدّم تفصيل الكلام فيه في بحث زكاة المال.

(834) لخبر داود الصرمي، قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟

قال: «لا «1»»، بناء على اطلاقه للفطرة- أيضا- و لضعف سند الرواية، يكون الحكم المذكور من باب الرجاء و الاحتياط، كما عن المصنّف قدّس سرّه.

(835) خروجا عن خلاف من اعتبرها، أو لخبر داود المتقدم، بعد إلغاء خصوصية شرب الخمر و حمله على مطلق المعصية. مضافا إلى الوجوه الّتي استدل بها لاعتبارها، كما مرّ تفصيله في زكاة المال، فإن ذلك و إن لم يوجب الاحتياط فى المسألة، إلا أنه لا بأس به، كما لا يخفى.

(836) و يمكن الاستدلال له بما دلّ على حرمة الإعانة على الإثم، إلا أنه قد يناقش

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب: 17 المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 333

[مسألة 2: يجوز للمالك أن يتولى دفعها مباشرة أو توكيلا]

[مسألة 2]: يجوز للمالك أن يتولى دفعها مباشرة أو توكيلا، و الأفضل- بل الأحوط أيضا- دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط، خصوصا مع طلبه لها (840).

[مسألة 3: الأحوط أن لا يدفع للفقير أقل من صاع]

[مسألة 3]: الأحوط أن لا يدفع للفقير أقل من صاع (841).

______________________________

فيه من جهة عدم الدليل على ذلك، أو من جهة أن مقتضى ما دلّ على جواز بيع العنب ممّن يعلم أنه يجعله خمرا- كما هو مفصّل فى البحث عن «المكاسب المحرمة»- انما هو عدم حرمة مثل هذا الفعل، فالصحيح إذن إنما هو الاستدلال له، بالعلم بان الملاك في تشريع الفطرة- و كذا غيرها من الحقوق الماليّة، كالزكاة، و الخمس و نحوهما- إنّما هو الإرفاق بالفقراء، و سدّ حاجاتهم، و هذا ما يتنافى و جواز إعطائها لمن يعلم بصرفها في وجوه المعصية، كما لا يخفى.

(840) قد مرّ تفصيله في بحث «زكاة المال»، فلاحظ.

(841) نسب إلى المشهور «1» القول بالمنع، بل عن «المختلف «2»»: نسبته إلى فقهائنا السابقين، و أنه لم يقف على مخالف منهم، و استدل له بمرسل الحسين بن سعيد،

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 311، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 541، ط النجف الأشرف.

(2)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 310، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 334

[مسألة 4: يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع]

[مسألة 4]: يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع (845).

______________________________

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تعط أحدا أقلّ من رأس «1»»، و مرسل الصدوق:

«لا بأس أن تدفع عن نفسك و عمّن تعول إلى واحد، و لا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين «2»». و امّا خبر اسحاق بن المبارك- في حديث- قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن صدقة الفطرة، يعطيها رجلا واحدا أو اثنتين، قال: «قال: «يفرقها أحبّ إليّ ...

«3»» فهو بإطلاقه يدل على جواز اعطاء الأقل، و لكن اطلاق محمول- بقرينة الروايتين- على تعدد الأصوع، فلا دلالة له على جواز التفريق للصّاع الواحد؛ إلّا أن الروايتين ضعيفتان سندا، و حينئذ فمقتضى أصالة البراءة هو جواز دفع الأقل، لأن الأمر يدور بين لزوم اعطاء الصّاع الواحد لخصوص الفقير الواحد، و عدم لزوم ذلك و جواز اعطاءه لأكثر من واحد، و مقتضى الأصل هو نفي الخصوصيّة. نعم، ما أفاده المصنف قدّس سرّه هو الموافق للاحتياط.

(845) بلا خلاف و لا إشكال «4»، و يدل عليه مرسل الصدوق المتقدم، و خبر اسحاق بن المبارك: «قلت: أعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع و أربعة أصيع؟

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 16: زكاة الفطرة، ملحق ح 2.

(2)- المصدر، ح 4.

بناء على ان قوله: «و لا يجوز أن تدفع ...» من تتمة الرواية، كما فهمه صاحب الوسائل رحمه اللّه، خلافا لصاحب الوافي رحمه اللّه، حيث جعله من كلام الصدوق قدّس سرّه.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 542، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 335

بلى إلى حد الغنى (848).

[مسألة 5: يستحب تقديم الأرحام على غيرهم، ثم الجيران، ثم أهل العلم و الفضل و المشتغلين]

[مسألة 5]: يستحب تقديم الأرحام على غيرهم، ثم الجيران، ثم أهل العلم و الفضل و المشتغلين، و مع التعارض تلاحظ المرجّحات و الأهميّة (849).

______________________________

قال: نعم «1»»، و مكاتبة عليّ بن بلال، قال: كتبت إلى الطيب العسكري عليه السّلام: هل يجوز أن يعطى الفطرة عن عيال الرجل- و هم عشرة، أقل أو أكثر- رجلا محتاجا موافقا؟ فكتب عليه السّلام: «نعم، افعل ذلك «2»»، و اطلاق موثق اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «عن

الفطرة يعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال: لا بأس به «3»».

(848) كما تقدم ذلك في بحث زكاة المال، فلاحظ.

(849) المذكور فى النصوص إنما هو رجحان الترجيح بالأمور المذكورة، من غير دلالة فيها على الترتيب بينها، ففي مرسل المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة»: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أيّ الصدقة أفضل؟ فقال: «على ذى الرحم الكاشح «4»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 16: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: المستحقين للزكاة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 336

..........

______________________________

و رواه الكليني قدّس سرّه- أيضا- باسناده عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1». و كذلك الصدوق قدّس سرّه في «ثواب الأعمال «2»»، و مرسل الصدوق قدّس سرّه، قال: قال عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج «3»»، و في مكاتبة الحميرى إلى الحجة عجل اللّه تعالى فرجه الشريف: «... فإن ذهب إلى قول العالم عليه السّلام: لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج، فليقسّم بين القرابة و بين الّذي نوى، حتى يكون قد أخذ بالفضل كلّه «4»»، و ما دل على أن جيران الصدقة أحق بها «5»، و خبر عبد اللّه بن عجلان السكوني، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّى ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ فقال: «أعطهم على الهجرة فى الدين، و الفقه، و العقل «6»».

فالمستفاد من النصوص المذكورة، بناء على قاعدة التسامح، نظرا لضعف جملة منها سندا، إنما هو استحباب الترجيح بما تضمّنته النصوص المتقدمة، من دون دلالة على الترتيب بينها اصلا، كما

هو ظاهر. نعم، بما أنّ المستفاد من مجموع النصوص الواردة فى الباب إنما هو ولاية المكلف فى الإعطاء، و أن تعيين المدفوع إليه بيده و اختياره، فلا محالة كان له عند تعارض المرجحات الترجيح بما يراه أهمّ، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 20: الصدقة، ح 1.

(2)- المصدر، ملحق ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 7.

(5)- المصدر/ باب 16: زكاة الفطرة، ح 2، 5، 7.

(6)- المصدر/ باب 25: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 337

[مسألة 6: إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه]

[مسألة 6]: إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه، فالحال كما في زكاة المال (852).

[مسألة 7]: لا يكفي ادّعاء الفقر، إلّا مع سبقه (853)،

______________________________

(852) تارة يكون انكشاف الخلاف بعد خروج وقت وجوب أداء الفطرة، مع البناء على عدم وجوب الدفع إذا لم يؤدّ الفطرة في وقتها، فلا اشكال في عدم وجوب شي ء عليه، فانه لو لم يكن دافعا- في هذا الفرض- أصلا لما كان يجب عليه ذلك حينئذ، و لا يكون الدفع إلى غير المستحق أهون من عدم الدفع. و أخرى يكون ذلك في حين بقاء الوقت، أو قلنا بوجوبها حتى بعد خروج وقت الوجوب، فحينئذ ينبغي التفصيل فى المسألة بين صورة العزل و عدمه، فعلى الأوّل، إذا أعطى المعزول لمن يعتقد فقره ثم بان خلافه لم يكن عليه شي ء أصلا، و ذلك لأن المفروض هو تعين الزكاة فى المعزول بمقتضى أدلة العزل المتقدم ذكرها، فإذا أعطى ذلك لمن يعتقد فقره مع عدم كونه مستحقا له واقعا كان ذلك بمنزلة التلف السماوي في عدم الضمان، نظرا إلى كونه معذورا في ذلك، بعد جواز الاعطاء له.

و على الثانى، و هو ما إذا أخرج الزكاة ابتداء و أعطاها للشخص المذكور ثم بان خلافه كان مقتضى القاعدة هو وجوب الزكاة عليه ثانيا، لعدم صرفها في موردها على الفرض. نعم، مع بقاء العين عند المدفوع له يجوز له انتزاعها منه.

(853) لاستصحابه حينئذ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 338

أو الظن بصدق المدّعي (856).

[مسألة 8: تجب نيّة القربة هنا كما في زكاة المال]

[مسألة 8]: تجب نيّة القربة هنا كما في زكاة المال، و كذا يجب التعيين و لو إجمالا، مع تعدد ما عليه. و الظاهر عدم وجوب تعيين من يزكّي عنه، فلو كان عليه أصوع لجماعة يجوز دفعها من غير تعيين: أن هذا لفلان، و هذا لفلان (857).

______________________________

(856) قد عرفت في بحث زكاة المال أن الفقر من جملة الأمور التي يصعب اثباتها بالطرق الشرعيّة، فلو اقتصر في ثبوت الفقر على قيام الطرق الشرعيّة عليه لزم منه تعطيل الزكاة غالبا، إذ قلّ ما يمكن اثباته بذلك، و ظاهر الحال لا اعتبار به هنا، فإن كثير امّا يظهرون الفقر على خلاف واقع الحال، و عليه فلا بد فيه من قبول دعوى مدعى الفقر، لكن مع عدم الظن بكذبه، دون الظن بصدقه، كما عليه السيرة القطعيّة بين المتشرعة خارجا.

(857) يعلم الحال في ذلك مما تقدم في باب زكاة المال. فلاحظ.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا، و الصّلاة و السلام على رسوله الأمين، و آله الطيّبين مبدءا و ختاما. و كان الانتهاء من البحث يوم السبت رابع عشر شهر ذى القعدة الحرام، سنة 1383 هجرية على مهاجرها آلاف التحيّة.

<>

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 341

فهرس الموضوعات

* كلمة سماحة العلّامة الحجّة الشيخ محمد رضا الجعفري دام ظلّه 7

* كلمة التقديم 11

فصل في بقيّة أحكام الزكاة (13- 60) الأولى: حكم نقل الزكاة إلى الفقيه 13

الثانية: عدم وجوب بسط الزكاة 21

الثالثة: استحباب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب 22

الرابعة: افضليّت الإجهار بدفع الزكاة 26

الخامسة: التفحص عند التهمة في دعوى المالك عدم وجوب الزكاة عليه 26

السادسة: جواز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص

28

السابعة: حكم إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة 32

الثامنة: وجوب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة 33

التاسعة: جواز أن يعدل بزكاة إلى غير من حضره من الفقراء 34

العاشرة: جواز نقل الزكاة مع عدم المستحق فى البلد 35

الحادية عشر: جواز نقل الزكاة مع وجود المستحق فى البلد 40

الثانية عشر: جاز احتساب المالك الزكاة عمّا عليه في بلده 46

الثالثة عشر: جواز نقل الزكاة إلى بلد آخر إذا كان المال الزكوي هناك 47

الرابعة عشر: برئت ذمّة المالك إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية 48

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 342

الخامسة عشر: اجرت الكيّال و الوزّان على المالك إذا احتاجت الزكاة الى كيل أو وزن 48

السادسة عشر: جواز اعطاء النصيب من الزكاة بكل سبب 50

السابعة عشر: حكم المملوك المشتري من الزكاة إذا مات لم يكن له وارث 50

الثامنة عشر: حدّ ما يعطى من الزكاة 52

التاسعة عشر: استحباب الدعاء عند أخذ الزكاة 57

العشرون: كراهة طلب التملك ما دفعه صدقة 58

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة (61- 79) فوريّة وجوب الزكاة و عدمها 62

مسألة 1: اشتراط الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي 66

مسألة 2: اشتراط الضمان مع تأخير بالعلم بوجود المستحق 67

مسألة 3: حكم إتلاف الزكاة المعزولة 69

مسألة 4: عدم جواز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب 69

مسألة 5: ضمان القابض مع علمه بالحال 75

مسألة 6: حكم انقطاع القرض فزاد عنده زيادة المتصلة او منفصلة 76

مسألة 7: حكم زيادة القرض المدفوع للفقير قبل الزكاة 77

مسألة 8: استغناء الفقير بالقرض المدفوع إليه

قبل وقت الزكاة 78

فصل في نيّة دفع الزكاة (81- 90) عدم اعتبار تعيين الجنس المزكى فى النيّة 82

مسألة 1: التوكيل في أداء الزكاة أو في إيصالها 84

مسألة 2: عدم نيّة المالك أو الوكيل حين الدفع إلى الفقير 86

مسألة 3: جواز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك 88

مسألة 4: موارد التولّي الحاكم النيّة في دفع الزكاة 88

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 343

ختام فيه مسائل متفرقة (91- 161) الأولى: استحباب استخراج الزكاة مال التجارة للصبي و المجنون 91

الثانية: إذا علم بتعلّق الزكاة و شك فى الأداء 95

الثالثة: الشك في كون البيع الزرع أو الثمر قبل تعلّق الوجوب أو بعده 97

الرابعة: الشك في كون الموت المورث قبل تعلق الزكاة او بعده 102

الخامسة: الشك في اداء المورث الزكاة الواجبة عليه 104

السادسة: العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين الخمس أو الزكاة 108

السابعة: العلم الإجمالي ببلوغ الحنطة أو الشعير بحد النصاب 111

الثامنة: جواز إعطاء الزكاة الواجب النفقة المورث حال حياته 113

التاسعة: بيع النصاب بعد وجوب الزكاة و اشتراطها على المشتري 114

العاشرة: جواز إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعا من ماله 118

الحادية عشرة: عدم حصول البراءة في صورة التوكيل فى الأداء 118

الثانية عشرة: حكم إذا شك في اشتغال ذمته بالزكاة فاعطى شيئا للفقير 120

الثالثة عشرة: عدم وجوب الترتيب في أداء زكوات السنين المتعددة 121

الرابعة عشرة: وجوب الزكاة فى المزارعة الفاسدة أو الصحيحة على من؟ 123

الخامسة عشرة: اقتراض الحاكم الشرعي على الزكاة 125

السادسة عشرة: حكم أخذ الزكاة من المالك ثم ردها عليه 128

السابعة عشرة: اشتراط تمكن من التصرف في ما لا يعتبر فيه الحول 131

الثامنة عشرة: حكم مال المدفون في مكان و نسي موضعه 132

التاسعة عشرة: عدم التمكن من التصرف بنذر عدم التصرف 133

العشرون: شراء شي ء من الزكاة و وقفه على الواجب النفقة 134

الحادية و العشرون: عدم جواز الفقير المقاصّة من مال ممتنع من أداء الزكاة 136

الثانية و العشرون: عدم جواز الإعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة 136

الثالثة و العشرون: جواز صرف سهم سبيل اللّه من الزكاة في قربة 137

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 344

الرابعة و العشرون: حكم نذر النتيجة في من بلغ ذلك النصاب 138

الخامسة و العشرون: جواز التوكيل في قبض الزكاة 139

السادسة و العشرون: عدم جريان الفضوليّة في دفع الزكاة 140

السابعة و العشرون: أخذ الوكيل في إخراج الزكاة لنفسه إذا كان فقيرا 141

الثامنة و العشرون: حكم لو قبض الفقير بعنوان الزكاة و بقيت عنده سنة 142

التاسعة و العشرون: حكم مال الزكوي المشترك 143

الثلاثون: حكم أخذ الزكاة من الكافر 146

الحادية و الثلاثون: حكم تعدد الواجب مع وفاء المال بذلك 149

الثانية و الثلاثون: اعطاء الزكاة للسائل بكفّه 151

الثلاثة و الثلاثون: حكم اعتبار العدالة فى الفقير 152

الرابعة و الثلاثون: اشتراط قصد القربة فى الأجزاء 153

الخامسة و الثلاثون: حكم الأجزاء إذا كان قصد الوكيل الرياء 155

السادسة و الثلاثون: إذا دفع الحاكم الشرعي زكاة المالك لا يقصد القربة 155

السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كان هو المتولّي النيّة 157

الثامنة و الثلاثون: حكم إعطاء الزكاة إذا كان المشتغل بتحصيل العلم 158

التاسعة و الثلاثون: جواز إعطاء الزكاة للفقير المشتغل مع كونه قاصدا للمحرم 159

الأربعون: حكم دفع الزكاة فى المكان المغصوب 159

الحادية و الأربعون: اعتبار التمكن من التصرف في ما لا يعتبر فيه الحول 160

فصل في زكاة الفطرة (163- 338) فوائد زكاة الفطرة 164

فصل في شرائط وجوب زكاة الفطرة 166

فصل في جنس زكاة الفطرة و قدرها 263

فصل في وقت وجوب زكاة الفطرة 288

فصل في مصرف زكاة الفطرة 325

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.